عندما أرتدي رداء «سنايب» أشعر بشخصيته تُضيق الخناق علي، تقتلُني.
آلان ريكمان

خلال تصوير الفيلم الثالث من سلسلة هاري بوتر «سجين أزكابان»، بدا المُمثل «آلان ريكمان» في الكواليس نقيضًا لشخصية «سنايب» الباردة المُقتضبة التي يؤديها. يصفه المُخرج «ألفونسو كوارون»، كرجل ثائر يفتعل الشجارات مع من حوله، يتحرك بعصبية كأنه يُريد أن ينسلخ من الرداء الأسود الطويل الذي يرتديه ويصرخ في الجميع.

تردد «ريكمان» بشدة في قبول شخصية «سنايب»، أهم أدوار مسيرته، لأنه مثل دور الشرير لفترة طويلة في أفلام أيقونية مثل «die hard» و«Sweeney Todd». حتى شعر أن المُخرجين سجنوه للأبد في هذا القالب. عندها أخبره «كريس كولومبوس» مُخرج الفيلم الأول في السلسلة عن إصرار الكاتبة «جوان كاثلين رولينج» عليه من دون غيره ليؤدي شخصية مدرس الوصفات في عالمها السحري.

بعد تصوير فيلمين وبدء الثالث، وصف «ريكمان» شخصيته بأنها «زي لا يتغير»، رداء أسود يتحرك بخفة ليُثير الرهبة في نفوس الجميع، لكن داخل الرداء مٌمثل يختنق، يشعر أنه لم يعد حتى شريرًا كأفلامه السابقة، بل مُعلم غامض مُنطوٍ على نفسه، يتنمر على طلابه بلا سبب، شخصية غرائبية لا تمنح سرها حتى للممثل الذي يؤديها. وقتها قرر «ريكمان» أن يجلس لمرة أخيرة مع الكاتبة قبل أن يُودع السلسلة. 

سنايب يُنقذه وعد

معلومة واحدة همست لي بها «رولينج»، منحتني حافة أتشبث بها لسبع سنوات تالية.
آلان ريكمان

يصف «ديفيد ياتس» مُخرج الأفلام الأربعة الأخيرة من السلسلة، «آلان ريكمان» بصورة مُناقضة للمخرجين الذين سبقوه، يصفه كرجل هادئ يسير في الكواليس مٌطمئنًا بينما يجر خلفه هالة مُخيفة من الهيبة، مُنسجم في ردائه، كأن الجسد والثوب قطعة واحدة، جزيرة مُغلقة على ذاتها، لا تُفسر أفعالها لأحد. يستشيره المُمثلون في مشاهدهم، بينما يعزف المُخرج وفريق التصوير عن منحه أي تعليمات. لأنه الوحيد الذي يعرف ما يفعله!

عندما جلست «رولينج» مع «ريكمان» أخبرته بمعلومة واحدة، وهي أن «سنايب» ليس شريرًا مُبتذلاً إنما خزانة مُغلقة على سر واحد، وهو حُبه لرفيقة طفولته، حُب دائم لا تنفصم عروته، ولا يُنازعه شيء. «فولدمورت» هو شرير الحكاية، و«دمبلدور» هو مركزيتها الأخلاقية، و«هاري» بطلها، أما «سنايب» فيحرس الحُب في الحكاية، حب يتمظهر بخفائه، حب يسري في أفعال خفية، لا تُفسر نفسها إلا بالنهاية، وبهذا الحُب وحده سيُنقذ الجميع، عليه فقط أن يثق بها وحسب.

وافق «ريكمان» أن يُخاطر بمسيرته لأعوام تالية، ويضع مصيره بيد كاتبة مُبتدئة لم تكتب وقتها إلا ثلاثة كُتب، مع وعد شفهي منها بأنه لن يؤدي شخصية شرير جديدة، بل شخصية ستحيا للأبد وستصنعه على صورتها.

سيظل «ريكمان» لسنوات أسيرًا لدور لا يُفصح عن جوهره إلا في نهايته، أخبرته «رولينج» أن هذا السر لا يجب أن يعلمه أحد، لا المُخرجين ولا المُمثلين، عليه أن يحيا مثل «سنايب»، سر مُغلق على ذاته، لا يُبرر طريقة تمثيله أو نظراته أو أفعاله. أيقن فريق العمل أن «ريكمان» يعرف النهاية، حاولوا سبر أغواره مرارًا لكن ريكمان وسنايب صارا وجهين لعُملة واحدة، رداء أسود لا يُفصح عما يُخفيه.

عاش «ريكمان» لسنوات في عُزلة كاملة مع مصير شخصيته، يُشبه الأمر برجل على حافة لا يتشبث بشيء، إلا بوعد «رولينج» أنه أكثر مما يبدو عليه، أنه يُجسد رجل مُفتاحه الحُب وليس رداءً مقبضًا يحرس خواءه.

بحلول موعد تصوير الجُزء الخامس «جماعة العنقاء» كان «ريكمان» يُقاتل سرطان البروستاتا، أخبره الأطباء بوحشية مرضه وضرورة استئصال الغُدة كاملة، وبعد تعافيه بأيام في مشفى «تينيسي»، لم يتوقع أحد أن يعود، لكنه كتب في مُذكراته:

ستُكمل السلسلة، لا أحد يُمكنه فعلها غيرك، إنها قصتك.

جذور الأمير الهجين

ولد «سنايب» لأسرة فقيرة، أب من العامة وأم ساحرة، وصف نفسه في مُذكراته التالية بالأمير الهجين، لكنه لم يكن أميرًا في منزله، تجاهله أبواه في خضم شجارات لم تنتهِ حول فقرهما واختلافهما الجذري في كل شيء، تعلم سنايب منذ طفولته أنه ليس مرئيًا، فانغلق على ذاته مثل جزيرة تُحيطها الماء من جهاتها الأربع حتى وجد في قريته Cokeworth، «ليلي بوتر»، فتاة تؤرقها قوى لا تعرف كنهها، أخبرها عن السحر وعن «هوجوورتس»، وأخبرته أنه جميل لطمأنته إياها، قدمها لعوالم السحر، وقدمته لعوالم الرؤية، صار سنايب مرئيًا من عين مُحبة. فانتمى لها.

رأى «سنايب» في السحر القوة التي يُمكن أن يفر لها لتُنقذه من منزل لا يراه فيه أحد، بينما رأت «ليلي» في السحر منارة هادية تُرشدها لجوهر ذاتها، امتلكت «ليلي» شجاعة مواجهة ذاتها، بينما أراد «سنايب» منذ البداية الهروب من ذاته، لذلك اختارت القُبعة السحرية لكل منهما المنزل الذي يُناسب جنس قلبه. 

صممت «رولينج» منازل هوجوورتس ليمثل الواحد منها رؤية كاملة للعالم، يدور «غريفيندور» حول الشجاعة، مُتخذًا شعار الأسد، يُنادي كل من امتلكوا الشجاعة الكافية ليعرفوا أنفسهم دون خوف، لذلك انتمت له «ليلي». بينما يدور منزل «سالازار سليذرين» حول اكتساب القوة بكل صور الخداع المُمكنة، مُتخذًا شعار الثعبان. صنعته رولينج على صورة الديكتاتور البرتغالي الشهير «سالازار»، الذي روع شعبًا كاملًا وهو يمتلك ابتسامة ثعبانية مُداهنة. منزل يُناسب الفارين من هشاشة حقيقتهم نحو روع ما يُمكن أن يكونوه مثل «سنايب».

بينما يسير البروفيسور «سنايب»، بردائه الأسود الطويل الذي يُخفي بشريته، مثيرًا الخوف في نفوس طلابه، كان الطالب «سنايب» يتعرض للتنمر من زملائه بسبب ارتدائه ملابس بالية لا تُناسب جسده لكنها ناسبت فقره، في منزله لم يكن مرئيًا، وفي مدرسته كان محط الانتباه كحيوان مُضحك.

خسر «سنايب» مشهديته في عين حبيبته عندما رأته مُعلقًا من ثيابه البالية وسط مُتنمريه، خسر العين الوحيدة التي ترى ذاته على حقيقتها وتقبلها عندما وقعت «ليلي» في حُب الفتى الذي يُهاجمه.

تقول رولينج:

سنايب لم يكن أكثر من طفل خائف، يُريد أن يكون مقبولًا وحسب، لذلك عندما خسر كل شيء، أراد الانتماء لقوة أكبر منه، ولم يقبله أحد سوى الظلام.

وجد الطالب المنبوذ مكانًا له وسط آكلي الموت، جماعة تدين بالولاء لساحر هجين يُشبهه، عجز «سنايب» عن أن يحوز قلب حبيبته فانتمى لرجل يُعده بقوة يُمكنه أن يحوز معها عالم السحر بأكمله. فر «سنايب» من عين تراه كما هو عليه وتقبله، لعين تُغريه بما يُمكن أن يكونه. كان «فولدمورت» المُعلم الأول الذي رأى في شاب ضائع شيء أكبر من اهتراء ثيابه ووضاعة أصوله.

ذات ليلة سيأتي «سنايب» لسيد الظلام بنبوءة عن طفل سيكبر ليهزمه، عندما يُخبره سيده بكينونة الطفل، أنه ابن حبيبته، سيتوسل له «سنايب» ألا يقتله، سيتنكر لكل القوة التي حازها ويكشف حقيقته باعتباره آكل موت لمُعلمه «دمبلدور» مُخاطرًا بمُحاكمته وموته لينقذ حبيبته.

 متأخرًا في محاولاته، يشهد سنايب موت حبيبته وهي تواجه بشجاعة الظلام الذي أراد صديقها القديم أن يهرب وينتمي له أكثر من أي شيء. 

بطل بوصلته الحُب

ستكون حارسًا لأجمل ما فيك أن يظهر للناس.
دمبلدور

 في عالم سحري من الشخصيات المُنقسمة بين الأبيض والأسود، النور والظلام، تصف «رولينج» سنايب أنه شخصية رُمادية لا تبحث إلا عن الحُب.

فر «سنايب» لعوالم السحر بحثًا عن الحُب الذي لم يجده من أبويه، ثم فر لعوالم الظلام ليمتلك القوة الكافية لتختاره حبيبته بدلًا من أن تختار عدوه، وعندما ماتت حبيبته، عاد سنايب لعوالم النور ليحمي ما تبقى منها، ليحمي طفلًا يحمل وجه عدوه وعيني حبيبته.

تكمن جمالية شخصية «سنايب» أنها لا تدور على الإطلاق في فلك الصراع الأخلاقي لقصة سحرية بين الخير والشر، إنما شخصية تبحث عن الحُب في كل العوالم التي وطأتها، تارة يجعله البحث شريرًا وآكل موت وتارة يستعيده كقوة للخير، لكنه لا ينشد في كل ما يفعله بوصلة أخلاقية إنما إكمال دائرة من الحنين، طفل وجد عينين تقبلانه كما هو، ورجل وجد عيني حبيبته تنظران له عبر طفلها الذي لم يرث منها سوى عينيها، لذلك سخر حياته لاستبقاء تلك النظرة للأبد حتى لو كست وجه ابن مُتنمره وعدوه القديم.

يمتلك «سنايب» فرادة لم تتأت لغيره في الحكاية وهي أنه في خضم رحلته التراجيدية زار العوالم كافة، النور والظلام، وهذا سيجعله الأنسب ليكون العميل المزدوج بينهما، سيقسم ولاءه بين سيد النور والظلام، سيستعيد النقص الشخصي الذي صنع مأساته منذ البداية وهو كونه غير مرئي ليكون نقطة قوته، سيستبدل ثيابه المُضحكة برداء أسود مهيب يُخفي أكثر مما يُظهر، سيُتقن سحر Occlumency الذي يصنع به الساحر حصونًا حول عقله، لا يُجيد أحد عبورها وسبر أغواره. سيصير جزيرة مُغلقة على سرها، الجزيرة التي تمنى طوال حياته أن يخرج منها لعالم يراه.

يُخبره «دمبلدور» أنه سيكون في مُهمته أكثر رجال الرب وحدة، سيُخفي أجمل صفاته ليخدع سيد الظلام، سيُسخر حياته لإنقاذ طفل يحمل وجه جلاده، ستحيا شخصية «سنايب» للأبد في الأعراف بين الجنة والجحيم، لن ينتمي لأي منهُما، لن ينتمي إلا لعيون حبيبة لم تعد موجودة. 

في مرحلة بعينها يُخبره «دمبلدور» أن وحدته ستكتمل عندما يطلب منه أن يقتله بيديه، ليثق به سيد الظلام بشكل نهائي، أن يقتل «سنايب» الرجل الوحيد الذي يحفظ حقيقته كاملة، يُخبره «دمبلدور» أن الفتى المُختار من «فولدمورت» لقتله هو «مالفوي»، لكنه ما زال يحمل نورًا في قلبه، ما زال يُمكن إنقاذ روحه، عندها يسأله «سنايب»:

وماذا عن روحي أنا؟

يؤمن «دمبلدور» طوال الحكاية، أن «سنايب» إنحاز لجانبه في لحظة يأس، أنه لا يزال بداخله آكل موت ينتمي للظلام، لذلك يطلب منه قتله، ليحفظ روح فتى آخر لم يُجرب الظلام، لا يؤمن أن «سنايب» لا يزال يملك بعضًا من النور في روحه، نور يحفظه حُب قديم لم يبلَ.

عندما يُخبره «دمبلدور» أن «هاري» يجب أن يموت أخيرًا للانتصار على الشر، يكشف «سنايب» عن الجوهر الذي يُحرك كل انحيازاته، يُدافع عن الطفل لأنه يحمل العينين الباقيتين من ذكرى حبيبته. يستل عصاه ويُطلق تعويذته ليخرج باتروناس مُضيئًا.

تمثل تعويذة «الباتروناس» أكثر صور السحر نقاءً، يُكثف الساحر عبرها مادة قلبه ذاتها، كل النور الذي يحمله، لتتمظهر في صورة رمز مثل حيوان أو طائر، تحمل تلك التعويذة عنوان قلب صاحبها وكل ذكرياته السعيدة.

لا يُمكن للساحر أن يختار شكل الباتروناس خاصته أو يتحكم في مظهره، لأنها تعويذة تفضح مكنون القلب، ولا أحد يتحكم في مادة قلبه.

تُمثل التعويذة مقلوب «صورة دوريان غراي» الشهيرة لأوسكار وايلد، اللوحة التي تحفظ ظلام صاحبها ليبدو جميلًا، تلك التعويذة تحفظ نور صاحبها لينقذه وقت الحاجة.

يُصدم «دمبلدور» لأن سنايب يمتلك باتروناس من الأساس، تبعًا لرولينج لا يمتلك آكلي الموت باتروناس لأن من شروط انتمائهم لسيد الظلام، القتل، وبالقتل يخسر المرء روحه للأبد، ولا يسعه خلق وصال مع قلبه. كان سنايب آكل الموت الوحيد في عالم السحر الذي يمتلك باتروناس. لم يمت قلبه بالكامل بعد.

عندما يُحب المرء تتغير مادة قلبه وتُحاكي المحبوب، وفي عوالم السحر يتغير الباتروناس الخاص بالمرء ليُحاكي من يحبه، لذلك يجد دمبلدور أن سنايب لا يمتلك باتروناس وحسب، إنما يتمظهر كظبي، باتروناس «ليلي» حبيبته القديمة.

يجد دمبلدور في حرب أخلاقية بين النور والظلام، وعالم على وشك الانفجار، رجل ينتمي للظلام، آكل موت، قتل من قبل، وسيقتل ثانية، لكنه على وصال مع قلبه، مع ذكرى قديمة لم تُنقذ روحه وحسب، إنما شكلتها على صورة المحبوب.

يختار دمبلدور أن يكون موته على يد آكل موت، على يد رجل غارق في ردائه الأسود لكنه يمتلك بداخله شُعاع ضوء وحبيبة تُرسل له في كل مرة ظبيًا مُضيئًا، ليرده من ظلمته للنور.

في لحظة بعينها تمنح القصة مفاتيحها ومصائر أبطالها، لرجل لا ينتمي للنور أو للظلام إنما للأعراف بينهما، تقول «رولينج» إن «سنايب» أعظم شخصية كتبتها لأنها أكثر شخصية تُشبهنا، إنسانية مُمزقة برماديتها بين ملاكها وشيطانها.

يموت «سنايب» قبل المعركة الأخيرة، لا يعرف هل انتصر الخير أم لا؟ ولا يهمه الأمر، في موته يكشف عن مشاعره أخيرًا، يطلب من «هاري» أن يحفظ دموعه، لتتلو عنه حقيقته، ويُخبره أنه يحمل عيني أمه، يموت «سنايب» وهو ينظر للعين التي رأته عندما لم يكن مرئيًا، التي منحته القبول عندما نبذه العالم، يموت سنايب مشهودًا بعين حانية تقبله من عالم آخر.

للأبوة وجوه كثيرة

يُجسد «هاري بوتر» منذ طفولته، شخصية مسيحية تحمل الخلاص لعالم ينتظره، يحميه الجميع لأنه مصداق نبوءة انتظروها لأعوام، يخسر «هاري» أبويه في سبيل حمايته، ويكتسب آباء شتى طوال الحكاية مثل «دمبلدور» و«سيريوس بلاك» يقفون حائلًا بينه وبين الظلام. يقول المسيح عن رسالته:

«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا»

يُقدم «سنايب» لهاري الجانب القاسي من الأبوة، الذي عجز من يُحبوه عن منحه إياه، أبوة تدفع المرء لتجربة الظلام ليألفه، يجد هاري مُذكرات «الأمير الهجين» التي تحمل كل جنوح سنايب الشاب نحو الظلام في صورة تعويذات دموية ليُقاتل بها أعدائه، عندما ينهزم «فولدمورت» أخيرًا على يد «هاري»، سيكون بتعويذة Expelliarmus التي تعلمها من سنايب خلال دروس كرهه خلالها وظن أن مُعلمه يدفعه للهلاك.

عندما ينزلق «هاري» نحو الظلام ويوجه تعويذة دموية من دفاتر «الأمير الهجين» لقتل عدوه «مالفوي»، يهرع «سنايب» لإنقاذ الأخير، مانحًا هاري الخط الفاصل بين قُدرته على أن يكون قاتلًا، وأن يقتل بالفعل، بين قوة خيرة تُجيد حماية نفسها، وقوة سلمت نفسها للظلام، خبرة لا يملكها إلا مُعلم يحيا بين العالمين.

بين كل الشخصيات الأبوية في السلسلة، منح سنايب «هاري» السيف الذي يعلم أنه سيحتاجه. يقول «المسيح» إنه لم يأت ليُلقي سلامًا وحسب إنما سيف، إن كثيرين سيموتون لأجل رسالته، وأبناء سيواجهون آباءهم، وعائلات ستتمزق بين النور والظلام. ذلك الجانب القاسي من النبوة لم يُدركه هاري إلا عندما رأى جثث أصدقائه ومُعلميه في معركة هوجوورتس الأخيرة، عشرات ممن أحبهم ماتوا لأجل حمايته.

تقول «رولينج» إن «هاري» منح مغفرته لسنايب كونه آكل موت، وكون وشايته بالنبوءة هي ما قتل أمه، ليستطيع أن يغفر لنفسه كونه المُتسبب في موت أغلب من أحبهم في معركة هوجوورتس الأخيرة. أنقذ سنايب هاري للمرة الأخيرة ولكنه أنقذه من ذاته تلك المرة.

علم «سنايب» هاري خلال رحلته أن الحب أو الخير لن يكفي لإنقاذ من يُحبهم، عليه أن يكون قويًا، عليه أن يقترب من ظلامه، وعليه أن يحرس حقيقته ويدعي عكسها، أن يصطنع حصونًا حول عقله لكيلا يغزوها أعداؤه، تلك كلها صفات منزل «سليذرين»، التي حملها فتى «غريفندور» المُختار لينجو، عبر مُعلم انتمى للظلام بما يكفي ليعود له بها.

في النهاية سيمنح «هاري» لطفله اسم «دمبلدور» و«سنايب»، رجل من «غريفيندور» ورجل من «سليذرين»، ليُخبره أن الأبوة لها وجهان، الشجاعة والحُب من جهة، والقسوة والمراوغة من جهة، وبمزيجهما يتعلم الطفل المهارات اللازمة للنجاة، عندما يخسر «هاري» الآباء، سيموت «سيريوس بلاك» أولًا ثم «دمبلدور»، وبموت «سنايب» الأخير سيكون هاري جاهزًا ليموت. لأجل ما يؤمن به. لم يعد هناك ما يُمكن أن يتعلمه بعد عن العالم ليواجه الشر أخيرًا. وعندما ينجو سيقدم العالم لطفله بالطريقة التي صنعت نجاته.

سنايب ينال خلوده

عندما عُرض الفيلم الأخير، سألني أحدهم:
كيف تشعر الآن؟ كيف تسمي هذا الشعور السري الذي احتفظت به لسنوات قبل أن يكون له اسم وصورة؟
أخبرته أن السر لم يعد ينتمي لي، بات محفوظًا على شريط سينما للأبد، انتهى الأمر.
آلان ريكمان

يصف «ريكمان» رحلته مع شخصية «سنايب»، بطقوس عبور حقيقية، له كممثل وكإنسان، يقول في حوار مع empire:

عندما عدت للمنزل بعد تسجيلي الأخير لصوت سنايب، مر بعقلي شريط صور مُتتابع لثلاثة أطفال جاءوا التصوير في اليوم الأول، وقد صاروا كبارًا في اليوم الأخير، عندها أدركت أن جيلًا كاملًا سيتذكرني للأبد كسنايب. مثلما تذكر هاري مُعلمه ومنح ابنه اسمه.

عندما سُئل «ريكمان»، هل أصابه الحُزن لنهاية الأمر؟ قال إنه لم يعد هناك مكان للحُزن في قلبه، «سنايب» بالنسبة له كان علامة ترقيم، تبدأ بها الجُملة وتنتصف وتجد نهايتها. والجملة نهايتها سعيدة، لذلك لا شيء يدعو للحُزن. 

سيُهاجم السرطان «ريكمان» مرة أخرى، وسيواجهه مُتقبلًا تلك المرة بعدما أنقذ شخصيته، وحقق لها كمالها. فقد صار سنايب مفهومًا أخيرًا، ولم يعد يثير الخوف بل المحبة والرثاء.

في جلسة سرية بين مُمثل وكاتبة، أخبرها أنه لا يود أن يُمثل دور الشرير للأبد، ليكرهه الجميع تلقائيًا عندما يرونه على الشاشة، وأخبرته أنه سيحيا للأبد في صورة شخصية ظاهرها الشر بينما باطنها الحُب.

وبعد سنوات سيرفع آلاف الشباب في عواصم العالم عصيًا مُضيئة تكريمًا لشخصية سينمائية ومُمثل لن يُستعاد إلا بكلمة واحدة يصف فيها حُبه ويصف بها مُحبوه حضوره في قلوبهم:

دائمًا.