«على طلعتك شفت القمر»، جملة غنتها «شادية»، وكأنها تعبر من خلالها عن مكانتها الحقيقية لدى جمهورها؛ فهي في قلوبهم بمثابة ذلك القمر اللامع بعيدا في السماء، الذي يظل دائما مصدرا لإعجاب جميع من يراه.

وفي حياتها الفنية كانت شادية مثل القمر أيضا، مرت بالكثير من المراحل حتى بلغت ذروة نضجها الفني؛ سواء في مجال الغناء الذي استطاعت أن تستغل مساحة صوتها فيه لتقديم ألوان مختلفة من الموسيقى، أو في عالم السينما الذي قدمت فيه أدوارا متنوعة أثبتت من خلالها قوة الموهبة التمثيلية التي تمتلكها، فأصبحت تلك الفنانة الشاملة التي تألقت كـصوت مصر و«معبودة الجماهير» في آن واحد.


أغاني البهجة والمرح

«الدلوعة» لقب ارتبط بشادية بعد أن اشتهرت بتقديم الأدوار الكوميدية الشقية أمام الكاميرا منذ نهاية الأربعينيات وحتى نهاية الخمسينيات. ويعد منير مراد زعيم الأغاني الخفيفة التي عرفت بها شادية في هذه المرحلة من حياتها الفنية، فقد لحن لها حوالي 500 أغنية وقتها؛ كان أولها «واحد اتنين»، والتي استطاع من خلالها أن يكتشف مساحات جديدة في صوت شادية اتضحت في قدرتها على خلق رنين في نهاية جملة: «مش راح أقولك رايحين فين»، وهو ما سلط عليه الضوء في ألحانه لأغنياتها «وديني مطرح ماتوديني» و«فارس أحلامي». ولحن لها أغاني أخرى توافقت مع روحه المرحة وفي الوقت ذاته اختلف بها عن اللون المتجدد لـمحمد فوزي في التلحين لها، والذي كان يجمع بين الإيقاع الغربي الراقص وروح الموسيقى الشرقية مثل أغنية «لقيته»، وأشهر أغاني «مراد» لـشادية في تلك المرحلة: «يا سارق من عيني النوم» و«دبلة الخطوبة» و«ما أقدرش أحب اتنين» و«دور عليه تلقاه» و«خطابك كتير» و«إن راح منك يا عين» و«القلب معاك» و«على عش الحب» و«يا حبيبي عد لي تاني».

كما لحن منير مراد لشادية أغلب الدويتوهات الغنائية التي قدمتها، ومن أشهرها: «تعالى أقولك» و«حاجة غريبة» مع العندليب، و«إحنا التلاتة» مع إسماعيل يس وشكوكو، و«ألو إحنا هنا» مع فاتن حمامة، و«سوق على مهلك» مع كمال الشناوي، وهو من استطاع أن يقدم أصواتا ليست غنائية مثل «فاتن حمامة» و«كمال الشناوي» في سياق مبهج بداخل ألحانه لـشادية، وهو من وفق بين طبيعة صوت العندليب مع صوت شادية في اللحن ذاته بشكل يجعل مقاطعهما في الغناء تستكمل بعضهما البعض دون الإخلال باللحن ككل.


شادية تنضم إلى نجمات الطرب

وكان للملحن محمد الموجي علامة مهمة أيضا في مشوار «صوت مصر» الفني، فهو من استطاع أن يجعل صوت شادية يطرب الآذان بالفعل، ويبقى في أذهان مستمعيه، واتضح ذلك من خلال أغنيات: «شباكنا ستايره حرير» و«يا قلبي سيبك»، و«قاللي الوداع” و«بوست القمر» و«أول حب» و«غاب القمر يا بن عمي»، والأغاني الوطنية «يا مسافر بورسعيد» و«على بلدي بلد الأحرار».

وحتى في ألحانه المرحة لها مثل «نو يا جوني نو» و«مين قالك تسكن في حارتنا»، نجد صوت شادية مبهجا مثلما تعودنا عليها، ولكنه في الوقت ذاته لا يخلو من قدرته على الطرب.

وبأسلوبه الفريد مزج الموجي بين أغنية لحنها لشادية، وأخرى لحنها للعندليب، وذلك من خلال أغنية «مخاصمني بقاله مدة» التي لحنها لشادية، فعندما تشدو بصوتها: «وفتحت الراديو مره على غنوة بتعجبه..سبت التليفون عليها وأنا بقصد أغلبه»، هنا يدخل صوت حليم في بداية أغنية لحنها له الموجي في فيلم «شارع الحب»، وهي «الليالي»، ليقول: «كل كلمة حب حلوة قلتهالي.. كل همسة شوق بشوق سمعتهالي»، ثم تعود شادية وتستكمل أغنيتها بعد ذلك المقطع، قائلة: «سمعها للنهاية وفرحت إنه معايا.. من غير ما هو يعرف وقفلت السكة تاني».


أغانٍ رومانسية بألحان شعبية

كعادته، شكّل عبقري الموسيقى بليغ حمدي علامة مميزة للغاية في مشوار جميع المطربين الذين تعاون معهم. ولم يختلف الأمر كثيرا حين تعاون مع معبودة الجماهير، فقد أصبح الملحن الأهم في مشوارها الفني، ومعه أعلنت شادية عودتها إلى الغناء بقوة بعد توقف عامين، وذلك من خلال أغنية «أسمراني اللون»، والتي تعكس الحس الشعبي الذي تطبعت به جميع ألحان «بليغ»، وبرز في ألحانه لها في أغاني «يا عيني عالولا” «والله يا زمن» و«لا لينا أهالي» و«الحنة» و«رنة قبقابي» و«قولوا لعين الشمس» و«خلاص مسافر» و«من الصبحية» و«عالي» و«قاللي كلام» و«الدنيا سكر» و«أنا عندي مشكلة» و«مكسوفة» و«آخر ليلة» و«ليلة سهر» و«والنبي وحشتنا».

ويبقى أهم تجربتين لـبليغ مع شادية هما تجربة الفيلم الموسيقي «أضواء المدينة» بما يضم من أغانٍ مثل «سلامة»، و«هانتقابل في كل مكان»، و«ألماظ وزواق» و«بالهداوة» و«حبة بحبة» و«خاين يا زماني»، وكذلك تجربة مسرحيتها الوحيدة «ريا وسكينة»، وما تضمه من دويتوهات غنائية قدمتها شادية مع عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي، وهم: «حبك جننا يا اسمك إيه» و«إشاعات» و«الدور» و«شبكنا الحكومة».

وقدمت شادية العديد من الأغاني الوطنية، مثل «وحياة رب المدائن» و«مصر اليوم في عيد» للملحن جمال سلامة، وأيضا شاركت في أوبريتات «الوطن الأكبر» و”الجيل الصاعد» و«صوت الجماهير» من تلحين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ولكن تبقى أشهر أغنياتها الوطنية هي التي لحنها بليغ، وهما «يا حبيبتي يا مصر» و«يا أم الصابرين»، وذلك بسبب الطابع الشعبي لألحان بليغ الذي يرتبط بالقلوب ويردده الجميع.

في فترة السبعينيات اتجه العندليب الأسمر إلى الأغاني الطويلة على يد كل من بليغ والشاعر محمد حمزة؛ حيث غنى «زي الهوى» و«موعود» و«مداح القمر» و«حاول تفتكرني» و«أي دمعة حزن لا»، ومع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب «فاتت جنبنا» و«نبتدي منين الحكاية»، ومع نزار قباني والموجي، غنى «رسالة من تحت الماء» وآخر أغانيه «قارئة الفنجان». على نفس الخطى، سار كل من وردة الجزائرية ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد؛ ما دفع شادية إلى الاتجاه ذاته أيضا على يد الملحن خالد الأمير، وغنت من ألحانه أغانيها العاطفية «الحب الحقيقي» و«اتعودت عليك» و«أما عليك يا حبيبي كلام».