فيلم «دوار السوليما» للمخرجة المغربية «أسماء المدير» تناول قصة قرية صغيرة لا يعرف سكانها السينما، حتى أنهم ينطقون الكلمة بشكل خاطئ «سوليما». لم توجد بالقرية سوى سينما واحدة،يجوب طفل صغير في أنحاء القرية للإعلان عن الأفلام،لكن يظل جمهور هذه السينما اليتيمة يتقلص شيئًا فشيئًا،حتى يتم إغلاقها.

كانت «المدير» تناقش غلق السينمات في المغرب،الحال في صعيد مصر لا يختلف عن قرية «أسماء»،قد يجد سكان القاهرة بديلًا لدور العرض. فهناك أماكن ثقافية عدة يعرض بها أفلام مستقلة مصرية وعالمية، لكن يبقى جنوب مصر بلا سينمات، فيما نجد بلاد عربية شقيقة تقيم عروضًا سينمائية داخل السجون، وعلى شواطئ البحر!.

يضطر السينيفيليون (محبو السينما) إلى قطع آلاف الأميال للذهاب لدار عرض، بعد تهدم دور العرض الموجودة وتحويلها لقاعات أفراح أو أسواق تجارية قبيحة. في 2016 أقيم مشروع «سينما في كل مكان» لعرض الأفلام المستقلة في صعيد مصر، بدعم من صندوق «آفاق»، بمشاركة أفلام من مصر والعراق وتونس وسوريا، وموريتانيا وليبيا، بدأ المشروع في قرى أسيوط، والأقصر وأسوان.

تم تنفيذ 13 ليلة عرض في مساحات عامة، في بعض المدارس والمقاهي الشعبية ودور المناسبات والشوارع والحارات. كذلك تم الإعلان عن مشروع «نوافذ» في عام 2015 من قبل وزارة الشباب والرياضة، لإنشاء 25 ناديا للسينما في 25 محافظة، منها 9 محافظات في وجه قبلي، ولكنها عروض موسمية غير منتظمة.

عدم تنفيذ خطط المشروعات ببناء سينمات جديدة من ناحية، وإنشاء المشاريع، وبناء الأبراج السكنية في غير أماكنها من ناحية أخرى؛ كانت عوامل تسببت في هدم بعض السينمات في مدن الصعيد.

فمدينة «الأقصر» التي يقام بها مهرجانان مهمان، مهرجان السينما الأفريقية، والسينما المصرية والأوروبية، لا تحتوي على سينما واحدة، وتقام العروض في قصور الثقافة، في قاعات بسيطة وغير مهيئة للعروض.

مدينة «أسيوط» التي كانت تضم أولى السينمات في مصر، أيضًا مدينة بلا سينمات، وعلى الرغم من وجود سينما أثرية في معهد «فؤاد» الأزهري، فإنها مغلقة أمام الجمهور. كما تم غلق سينما «رينيسانس، خشبة، والسينما الصيفي والشتوي»، لبناء أبراج سكنية محلها، وسط سخط أهالي أسيوط، لهدم سينمات هي تحف أثرية، قبل أن تكون أماكن ترفيهية.

كذلك قصر «ألكسان باشا»، وهو مبنى أثري مهجور يعود لعام 1910، كان من المفترض أن تقام به سينما، منذ عام 2007، لكن ذلك لم يتم حتى الآن. وعوضًا عن السينمات، قام عدد من الشباب بتأسيس «نادي للسينما» بإمكانيات بسيطة، يتم عرض فيلم كل أسبوع، في قصر ثقافة أسيوط، حسب رغبة الجمهور، وبالتنسيق مع أعضاء النادي.

خلال سنة حقق نجاحًا كبيرًا، لأن الناس كانت متشوقة للسينما، وغالبًا ما يتم عرض الأفلام الحائزة على جوائز من وزارة الثقافة. كما يقام أيضًا مهرجان أسيوط لأفلام الديجيتال، بدعم من المحافظة، ويتم عرض أفلام قصيرة، تسجيلية وتحريك.

في «بني سويف» كانت توجد دارا عرض وحيدتان في التسعينيات، تهدمت إحداهما، وظلت الأخرى مغلقة، تطوع بعض الشباب وأسسوا نادي سينما، بقصر الثقافة الموجود هناك، لكن المشروع تجمد بسبب عرض فيلم إسرائيلي، مما أثار بعض المشاكل الأمنية. في مدينة «الفيوم»، تحولت سينما «عبد الحميد» في ميدان «السواقي» إلى مول شعبي، أما سينما «كليوباترا» فقد أغلقت أبوابها أمام الجمهور، منذ سنوات.

«سوهاج» التي كانت تضم سينما واحدة هي سينما «أوبرا»، ولكن تم هدمها لإقامة مول تجاري، ويقام في قصر الثقافة بعض العروض السينمائية على استحياء، في الإجازات الصيفية. «المنيا» لها بعض الحظ بسبب وجود «جيزويت المنيا»، الذي تم تأسيسه منذ عام 1995، ويقيم عروضًا سينمائية لأفلام عالمية، حائزة على جوائز دولية، كما يقيم ورشا سينمائية، لتعليم المونتاج والإخراج لأبناء الجنوب، وتقام العروض بنادي السينما يوم الثلاثاء الأول والثالث من كل شهر.

وعلى الرغم من أن محافظة «قنا» كانت تحتوي على سينما «فريال» وسينما «فاروق» منذ الثلاثينيات، وظلت محتفظة باسمها حتى بعد ثورة يوليو/ تموز 1952، لكن السينما تم هدمها في عام 2015، ويتم تقديم عروض سينمائية لا تذكر بقصور الثقافة.

مدينة «أسوان» التي يقام بها المهرجان الدولي لسينما المرأة والذي من المفترض أن يكون جاذبا للسياحة، لم تكن تحتوي سوى سينما واحدة غير مجهزة هي سينما «الصداقة»، وكانت قد تعرضت للاعتداء والسرقة إباء حكم الإخوان المسلمين، ثم أغلقت منذ عامين.

يبقي سبب تدهور أحوال دور العرض السينمائية هو تخلي الدولة عن الإنتاج السينمائي، والخصخصة، وبيع دور السينما لرجال أعمال، ومستثمرين، وتولي شركات خاصة الإنتاج والتوزيع السينمائي، بجانب مشاكل قرصنة الأفلام وعرضها على الإنترنت وقنوات الأفلام.

تقول «يمنى محمود»، 25 عاما صيدلانية من «الفيوم»:

«سينما الفيوم قفلت قبل ولادتي، غالبًا موعاش (لم تعِي) أوي بسينما «عبد الحميد»، بس وأنا في مرحلة ابتدائي كانت سينما كبيرة، وبينزل فيها الأفلام بشكل دوري، وعليها إقبال رغم تردي مستواها».

وتتابع:

«سينما «كليوباترا» أوعى بيها ودخلتها، كانت سينما متواضعة ومفيش غير أفلام عربي، عدم وجود سينما بيحسسني إننا محافظة درجة تانية وإن مش من حقنا أبسط الوسائل الترفيهية. علشان نشوف سينما بنضطر نسافر للقاهرة أو أكتوبر».

«طبعًا مبنقدرش نتابع بشكل دوري بحكم الشغل والدراسة والوقت اللي بيضيع في السفر، فبنضطر ندخلها على فترات بعيدة ونعوض بتحميل الأفلام من النت. وبيفوتني متع العروض الأولى وإني أواكب الأحداث، علشان مش هقدر أفرغ نفسي يوم كامل علشان أدخل سينما كل ما ينزل فيلم»!.

«أحمد إستاكوزا» 22 عامًا، طالب في كلية الحقوق من محافظة «المنيا» يقول:

المنيا بها حاليًا سينمايان، سينما القوات المسلحة، وسيتي سكيب. كان هناك سينمايان أخريان، كنت أدخل إحداهما كثيرا، لأنها رخيصة، ولكنها هدمت، وتحولت لقاعة أفراح. كان هناك سينما في «ملوي» في «المنيا»، ولكن تم استهدافها من قبل جماعات إرهابية، في التسعينيات.

وعن البدائل المتاحة يقول:

أقمنا نوادي سينما، ولكنها لم تستمر، بسبب هجرة المسئولين عنها خارج «المنيا».

«حسين اليادك»، 23 عاما، «أسيوط»، يقول:

محافظته عدد سكانها 4 ملايين نسمة، ولكنها لا تحتوي سينما واحدة، ويقول إنه عاصر وجود سينما «رينيسانس»، والسينما الصيفي «سينما خشبة»، والآن يشعر بأن هناك شيئا ينقص بلدته، حاول بعض الشباب البحث عن بدائل، وإقامة مشاريع صغيرة، لعرض الأفلام، ولكنها سرعان ما تنتهي بسبب ارتفاع الإيجارات.

أقام «حسين» مع بعض أصدقائه مشروعًا بعد الثورة، أطلقوا عليه اسم «سينما الغلابة»، لعرض أفلام ومناقشتها، في قهوة أثريّة تسمي «قهوة شالبي» عرضوا أفلاما كثيرة «البريء»، «ماوراء الشمس»، «الشتا اللي فات»، «ساعة ونص»، ولكن المشروع توقف لسبب بسيط هو تلف الشاشة، ولم يستطع الشباب توفير شاشة أخرى وتجمّد المشروع من حينها.

«أحمد حلمي» شاب من مدينة «أسيوط» يقول:

إن قصر ثقافة «أسيوط» كان يقيم فعاليات منذ حوالي أربع سنوات، بعد أن كان متوقفا منذ التسعينيات، كانت تتم عروض باستمرار أسبوعيا، زادت أعداد الجمهور المرتادين على العروض من عشرة أفراد إلى أربعمائة، ولكن العروض توقفت بدون أسباب واضحة.

بالبحث نجد أن دور العرض المضافة في مصر كانت 28 في 2011، وفي 2012 كانت 38، وفي 2013 كانت 6، وفي 2015 كانت 16، حتى أصبح إجمالي دور العرض في الجمهورية 426، 80% منها في «القاهرة» و«الإسكندرية».

إذا أخذنا مثالا عام 2016، سنجد أنه عرض في السينمات أكثر من 18 فيلمًا،ترتيبها تبعا للإيرادات، فيلم «لف ودوران» بطولة «أحمد حلمي» عٌرض في 55 دار عرض، «كلب بلدي» بطولة «أحمد فهمي»، في 54 دارا، فيلم «عشان خارجين»، بطولة «حسن الرداد»، عُرض في 40 دار عرض، «حملة فريزر» بطولة «هشام ماجد» و«شيكو» في 41 دارا، فيلم «تحت الترابيزة» لمحمد سعد عُرض في 35 دارا، «صابر جوجل» في 23 دارا.

مع أن غرفة صناعة السينما تعمل بنظام الـ«hold over»، وهو أن يستمر عرض الفيلم إذا ما تم إشغال 25% من الكراسي الخاصة بالسينما في أول أسبوع عرض، نجد أن عرض الفيلم بعدد أكبر من السينمات يتناسب طرديًا مع نسبة الإيرادات التي يحققها.

وهو ما يعني أن زيادة عدد دور العرض في صالح المنتج والصناعة ككل، وهو ما يعني أيضا أن اختفاء السينما بالصعيد ظاهرة بعيدة كل البعد عن المنطق التجاري البحت.