تحولت الشاشة إلى اللون الرمادي بعد أقل من ساعة من فتح الحجز الإلكتروني في سينما آيماكس لفيلم Spider-Man: No Way Home يوم الأربعاء 15 ديسمبر، كان هذا يعني انتهاء معظم المقاعد المتاحة بالعروض المسائية، خلال ساعات أخرى انتهت فرصة الحجز لكل العروض في ذلك اليوم وعبر عطلة نهاية الأسبوع التالية. يعبر هذا عن تحول الفيلم إلى ترند محلي اتصل بتسونامي أضخم أطلقه الفيلم في شباك التذاكر العالمي.

خلال ليلتي الجمعة والسبت، سجل الفيلم أكثر من 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر، وهو رقم أكثر من ضعف ما جمعه 21 فيلمًا آخر خلال الأسبوع كله، وضمنهم فيلمان مصريان في افتتاحهما (برا المنهج وريتسا)، ليكسر مؤقتًا السيطرة التقليدية للأفلام المصرية على قمة الإيرادات خلال افتتاحها.

بنهاية الأسبوع وصل Spider-Man: No Way لأكثر من 21 مليون جنيه، ليسجل أعلى أسبوع افتتاح لفيلم أجنبي في تاريخ شباك التذاكر المصري (بدون معادلة تأثير التضخم المالي)، وسيضيف رقمًا مماثلاً قبل نهاية العام، ليتجاوز العلامة التي سجلها Joker في 2019 كصاحب أكبر إيرادات أجنبية بمصر، ويتشابه الفيلمان في كيفية تحولهما إلى ترند سينمائي ملح لا يمكن للجمهور مقاومته.

 

الكتلة الحرجة للترند

تبدو هذه كحالة مثالية للتسويق السينمائي فائق النجاح؛ أن تصبح فئة أولية محددة من الجمهور أشبه بذرات البلوتونيوم النشط، هؤلاء هم المشجعون الأكثر إخلاصًا للفيلم، حيث يتم تحفيزهم للتفاعل مع تفاصيله وتسريباته قبل شهور من صدوره، ليتصاعد جبل من التوقعات والتحفز، ثم مع بدء العرض تنطلق ذرات البلوتونيوم في تفاعل انشطاري يسبب انفجارًا هائلاً يصيب الجمهور العام خارج فئة المشجعين المخلصين، ليتحول الفيلم إلى حالة مُلحة: إذا لم تشاهده فأنت متأخر عن الترند.

كان هذا هو ما حدث بالفعل، لكنه ربما يكون مختلفًا عن الخطط التي وضعتها شركتا سوني ومارفل لتسويق الفيلم.

تحذير: في حال لم تكن متأثرًا بالترند أو شاهدت الفيلم بالفعل، الأجزاء التالية من التقرير ستكشف بعضًا من أحداثه.

هدية من الأكوان العنكبوتية المتعددة

في أغسطس الماضي ظهر الإعلان التشويقي الأول للفيلم، بمشاهد لا تتخطى فصله الأول لتكشف مجموعة معلومات أساسية: سبايدرمان (توم هولاند) في مشكلة بعد انكشاف هويته على يد ميستيرو في نهاية الفيلم السابق (Far From Home)، الآن العالم كله يطارد بيتر باركر الذي يلجأ إلى دكتور سترينج زميله في فريق أفنجرز، يستخدم سترينج تعويذة لمسح هوية من ذكريات كل من عرفوه، تؤدي التعويذة لفوضى كونية وتجلب اثنين من الأشرار الفائقين من خارج عالم العنكبوت الحالي (جرين جوبلن ودكتور أوكتبوس اللذين ظهرا بإصدار قديم من السلسلة في بداية الألفية)، وينتهي الإعلان بالعبارة الشهيرة للأخير «أهلاً بيتر».

هذه التفاصيل تحيل الجمهور لفيلم التحريك Into the Spider-Verse الفائز بجائزة الأوسكار، وفيه سبايدرمان مراهق من أصول أفريقية يكتشف وجود أكوان موازية تجذب نسخًا متنوعة منه. يركز الإعلان أكثر على صراع بين سبايدرمان وسترينج في عالم المرايا، ليبدو أشبه بدراما Captain America: Civil War.

هكذا أكمل جمهور السلسلة الخطوط الناقصة: إذا أتى الأشرار من أكوان أخرى، يمكن أن يأتي سبايدرمان آخرون أيضًا. تبدو الفكرة مستحيلة وضد تقاليد سلاسل أفلام الكوميكس التي تتجاهل تمامًا الإصدارات السابقة لكي يمكن التجديد بها دائمًا. السؤال هكذا يصبح: هل سيظهر توبي ماجواير وأندرو جارفيلد بطلا الإصدارين السابقين في الفيلم الجديد؟

تبدو الفكرة ثورية في التنفيذ والجدوى لأن إصدار ماجواير تم تقديمه بين 2002 و2007، وتغيرت هيئته بالتقدم في السن كما أصبح مشاهدوه في فئة عمرية أكبر لا تستهدفها حملات تسويق الأفلام الضخمة. بينما لم يحقق إصدار The Amazing Spider-Man نجاحًا كبيرًا وتوقف بعد الفيلم الثاني في 2014.

طوال شهور الصيف لم يصدر ما يؤكد أو ينفي هذه الفكرة، وتلقى أبطال الفيلم الجديد آلاف الأسئلة التي أجابوا عليها بشكل لا ينفي أو يؤكد عودة ماجواير وجارفيلد للسلسلة. بالتوازي ظهرت تسريبات وإعلانات مزيفة أبقت شعلة التكهنات، انقسم جمهور السلسلة على سؤال كوني لا يمكن إجابته إلا بمشاهدة الفيلم نفسه.

لا يمكن حسم موقف سوني ومارفل بهذه الحملة المعقدة، إما أن تكونا استثمرتا في التكهنات والتضحية بإضافة ماجواير وجارفيلد لعناصر التسويق التقليدية، أو الاستمرار في إستراتيجية الكتمان، ونعرف الآن أن النجمين ظهرا بالفعل في الفيلم، وبهذه الحالة فالاستثمار يكون في مفاجأة ظهورهما، وهو ما فقد أهميته للجمهور قبل العرض بالفعل.

ترتيب تقييم أفلام سبايدر مان
صورة من موقع IMDb

صدر الإعلان الرسمي والأخير في نوفمبر ليركز أكثر على ظهور المزيد من الأشرار: ساندمان والسحلية. تضمن الإعلان لقطات من مشاهد شارك فيها الأبطال الثلاثة ضمن نسخة الفيلم التي عُرضت لاحقًا، لكن أزيلت شخصيتا ماجواير وجارفيلد من نسخة الإعلان.

أياً كانت الإستراتيجية، نجح الجدل في إنجاز كان يبدو مستحيلاً، بجمع فئات من الجمهور تمتد ذكرياتهم مع سبايدرمان على مدى 19 سنة، خلال عرض الفيلم يصفق المشاهدون لتحية أبطال وتفصيلات تفصل بينهم سنوات طويلة، كأنه طقس مشاهدة مستمر منذ 2002.

تقييم فيلم Spider-Man: No Way Home على موقع Rotten Tomatoes
تقييم فيلم Spider-Man: No Way Home على موقع Rotten Tomatoes

ظهر هذا سريعًا في تقييمات مستخدمي مواقع السينما، حاليًا أحرز No Way Home متوسط 9 درجات في تقييمات مستخدمي موقع وتطبيق IMDb، ليتفوق على أي فيلم آخر من كل إصدارات سبايدرمان. إنها مبالغة معتادة للأفلام الكبيرة في أسبوع الافتتاح وينخفض التقييم تدريجيًا مع وصول الفيلم لجمهور أوسع بينما يعيد المتحمسون تقييماتهم بناءً على مشاهدات تالية، لكن في Rotten Tomatoes اخترقت تقييمات الجمهور سقف المبالغات ليصل الفيلم فيه إلى نسبة 99% بتقييمات الجمهور، مع 94% في متوسط تقييمات المراجعات.

كل هذا نجح في تحويل سبايدرمان من مراهق تابع لسادة فريق أفنجرز ومتخصص في المهام الجانبية، إلى صاحب السلسلة الواعدة في مستقبل عالم مارفل السينمائي.

ملياردير فقير من برونكس

بعكس معظم أبطال الكوميكس، يتصل سبايدرمان بالواقع اليومي، كمراهق يعيش بحي برونكس في نيويورك (يعيش الآخرون بمدن تخيلية أو أماكن محايدة)، وهو يفشل في استكمال تعليمه الجامعي لأسباب مالية، يحب زميلة الدراسة التي تنتمي هي الأخرى للطبقة العاملة، ودائمًا ما تأتي التحولات الدرامية الكبرى من احتكاكه بالطبقات الثرية، مثل نورمان أوزبورن في إصدار ماجواير، أو توني ستارك في إصدار توم هولاند الحالي.

بالنسبة للجمهور الأميركي، هذه الصلات بالواقع لم تجعله الشخصية الأكثر نجاحًا بين الأبطال الخياليين في عالم مارفل. في الإيرادات بأميركا الشمالية يأتي Far from Home (كأنجح أفلام Spider-Man في إصدار هولاند) بالمرتبة التاسعة للإيرادات (1.13 مليار دولار)، بعد Iron Man 3 (1.2 مليار دولار) و Captain America: Civil War (1.15 مليار دولار)، وهما الشخصيتان الرئيسيتان بعالم مارفل، وبعد الشخصيتين الأقل أهمية Black Panther (هو الأنجح خارج تجميعة أفنجرز بإيرادات 700 مليون دولار)، وCaptain Marvel (427 مليون دولار)، وهذان يعود نجاحهما جزئيًا لموجات الصوابية السياسية تجاه الأقليات والنساء. وعالميًا، يتقدم Far from Home خطوة واحدة ليحتل المركز الثامن مكان Captain Marvel.

أرقام عالم مارفل ضرورية لإدراك ما حققه No Way Home الذي يحتل الآن، ومؤقتًا، المرتبة الثانية في أعلى افتتاح داخل أميركا (260 مليون دولار)، ومن المتوقع وصوله بسرعة جدًا إلى المليار دولار عالميًا بنهاية 2021 بعد إيرادات افتتاح بلغت 797 مليون دولار، وهو أعلى افتتاح لفيلم أميركي في فترة ما بعد كورونا، كما أنه يأتي بدون عرض الفيلم في الصين، ومن المرجح عدم عرضه بسبب التصعيد التجاري والسياسي من طرف أميركا تجاهها.

لتصور تأثير الصين الكبير بالإيرادات العالمية، فقد جمع Avengers: Endgame ما يقارب 730 مليون دولار من الصين وحدها، ما يمثل 22% من إجمالي إيراداته العالمية.

وفي كون آخر موازٍ

الطريق سهل أمام No Way Home لإحراز لقب أعلى إيرادات لفيلم أجنبي في تاريخ شباك التذاكر المصري، لكن الجمهور المتحمس يهمه أكثر الفوز في المواجهات المباشرة، مثل كونه سيتغلب على رقم Joker المنتمي (رسميًا فقط) لعالم كوميكس DC؛ العالم السينمائي الداكن الذي ينافس مارفل.

إنجاز آخر يمكن أن يحققه سبايدرمان هولاند ضمن أفلام عالم مارفل في مصر، الشكل البياني التالي يُظهر أن إيرادات افتتاح No Way Home تضعه مباشرة بالمركز الثاني ضمن أعلى إيرادات لمارفل، وبعد أيام قليلة سيتجاوز Avengers: Endgame بسهولة.

في مصر وأميركا وعالميًا، تكتسب أفلام Avengers زخمًا إضافيًا بسبب تجمع وتنوع الأبطال بها، لكن آخر فيلمين Infinity War وEndgame واجها صعوبات محلية بسبب موعد العرض يوم 25 أبريل في 2018 و2019. الأول جاء موعد عرضه قبل 3 أسابيع من الإغلاق السينمائي في رمضان، والثاني الذي يُعد ذروة عالم مارفل كله، كان أمامه 10 أيام فقط قبل رمضان، ورغم هذا نجح في جمع أكثر من 26 مليون جنيه بأول أسبوعيْ عرض، لكنه عالميًا يحتل المرتبة الثانية (2.8 مليار دولار) بفارق 50 مليون دولار فقط وراء Avatar.

أما Age of Ultron فإنه عُرض في 2015 قبل تعويم سعر صرف الجنيه أمام الدولار في نوفمبر 2016، لكن معادلة التضخم سترفع إيراداته إلى 15 مليون جنيه تقريبًا، ما يضعه بالمركز الثالث في هذه القائمة. معادلة التضخم سترفع أرقام كل الأفلام التي عُرضت قبل العام الحالي، لكنها لن تؤثر في ترتيب القائمة إلا في هذه الحالة وحدها.