أمامك اختيار من ثلاثة، إما أن تكون ذا موهبة يرافقها حظ حسن ورزق واسع، أو أن تكون مجتهدًا موهوبًا تؤمن بأهمية الاجتهاد ولديك حظ جيد حتى لو قليلًا، وهناك احتمال ثالث وهو الأكثر شيوعًا في دول العالم الثالث، هذا الاحتمال يقضي بأن تكون غير ذي موهبة وتمتلك حظًا ناريًا يفتح لك مغاليق الأبواب.

هذا ليس تقليلًا من أهمية العمل والاجتهاد وثقل الموهبة، ولكنها «أرزاق مقسمها الخلاق» كما نقول في التعبير العامي الشائع، ربما كان رزقك واسعًا لا حيلة لك فيه، وربما لم تكن، الذكاء الحقيقي هو أن تستغل سعة رزقك تلك في تحقيق أقصى مكاسب ممكنة، وهذا بالضبط ما نتحدث عنه اليوم.

هناك نجوم يحتلون الصف الأول وحوائط وسائل التواصل الاجتماعي مع الكثير من الإعجاب والحب، ربما كانوا نجومًا ضعاف الموهبة ولكن الحقيقة التي لا يمكن أن تنكرها أنهم يستفيدون من سعة رزقهم بكل ما أوتوا من قوة، يسخرون قدراتهم على العمل والاجتهاد في الوصول بتلك الموهبة القليلة لأقصى ما يمكنهم من نجاح، تلك حقيقة، نعم حقيقة قاسية بعض الشيء، ولكن لنعترف أنها في النهاية حقيقة.


هاني عادل: خصائص الماء

هناك مثال واضح جدًا للنجم محدود الموهبة والذي يمثل في نفس الوقت حلمًا رومانسيًا بلا أية أسباب منطقية، «هاني عادل» يشبه الماء تمامًا، بلا لون ولا طعم ولا رائحة، موهبته في التمثيل محدودة بالفعل يمكنك أن ترى نفس الأداء في كل أدواره، لا يجيد سوى زم شفتيه والنفخ من فتحتي أنفه، وعقد حاجبيه حتى يبدو غاضبًا، هذا هو الانفعال الوحيد الذي يجيده، والتمثيل يحتاج انفعالات أكثر تعقيدا من هذا الغضب الكاريكاتيري المكرر.

ربما كانت موهبة «هاني عادل» في الغناء أكبر من موهبته في التمثيل، يمتلك صوتًا محايدًا لا يمكنك أن تتهمه بالسوء ولكنه أيضًا لا يمكن وصفه بالجمال أو القوة، ربما وقفته على المسرح حاملًا جيتاره تجعله مختلفًا عن الشكل المصطلح عليه للمطرب، ولكنه ما يزال صوتًا محدود القدرات يستخدمه مؤدٍ محدود القدرات ليقفز فجأة إلى مصاف النجوم.

قطعًا التفسير الوحيد لذلك هو أن «هاني عادل» يمتلك رزقًا واسعًا وحظًا وافرًا جدًا، فهنيئًا له.


ظافر العابدين: وجه البوكر

إذا بحثت عن معنى تعبير «وجه البوكر»، ستجد أنه يعبر عن الوجه المتصلب الذي لا يمكنك أن تستشف منه مشاعر صاحبه، ملامحه جامدة تمامًا لا يمكنك من خلالها معرفة ما يعتمل في عقل من يحمل هذا الوجه، كل الانفعالات لا تظهر للسطح ولا تعكسها مرآة الوجه التي يستخدمها البشر في التعامل مع بعضهم البعض.

هذا بالضبط ما يمكننا أن نصف به ملامح «ظافر العابدين» بغض النظر عن وسامته طبعًا، ولكن الوسامة ليست مبررًا أبدًا لكل هذا الجمود في الأداء، أضف إلى ذلك لكنته التي تتحدث العامية المصرية بصعوبة، عندها يمكنك أن تعترف، بضمير مستريح، أنه لا يصلح ممثلا على الإطلاق، من هو النجم الذي لا يستطيع أن يؤدي دور معلم في السوق مثلًا؟ لا يمكن لصاحب تلك اللكنة الثقيلة أن ينوع في أدواره ناهيك عن أن صفحة وجهه لا تحمل أي تعابير فعلًا، لا يمكنك أن تستشف متى يغضب «ظافر العابدين» سوى من درجة علو صوته، ولا يمكنك أن تستشف أنه يحب مثلًا سوى عندما يصمت تمامًا وينظر لمحدثته.

هل تلك مقومات نجم من نجوم الصف الأول؟ أم أنها مقومات ممثل عادي جدًا كان نصيبه بالصدفة أن رزقه واسع حقًا؟


كندة علوش: الحلو حلو لو صحي من النوم

هناك مثل شعبي يقر أنه «الحلو حلو لو صحي من النوم والوحش وحش لو استحمى كل يوم»، قطعًا تنتمي «كندة علوش» للفئة التي تحتل الشطر الأول من المثل، فهي جميلة فعلًا، المشكلة الحقيقية أنها تطبق المثل بحذافيره، فهي فعلًا تعطيك انطباعًا دائمًا أنها مستيقظة من النوم توًا، عينان ناعستان لا تعبران عن أي شيء، وجمال مبهر لا يمكنه أن يضيف شيئًا لأدائها.

تشترك «كندة علوش» مع «ظافر العابدين» في موضوع اللكنة الثقيلة، أضف لهذا هدوءها المبالغ فيه، الهدوء الذي لا تستطيع أن تتخلى عنه حتى وهي تنتقم أو تقوم بدور الشريرة، شريرة جميلة جدًا، ولكنها لا تستغل هذا الجمال في لعب الدور الذي كان يمكن أن يجعلها أيقونة حقيقية.

هنا يمكننا أن نضيف لسعة الرزق مقومًا آخر، الجمال، الجمال الذي يغفر أي فقر في الموهبة.


مي عز الدين: الطبيعية كما يجب أن تكون

هنا أيضًا يفسح الجمال لكل عيوب الأداء مكانًا لتمر دون تعليق، الجمال المبهر الذي بإمكانه مع بعض الحظ أن يصنع نجمة تبكي بنفس الطريقة في كل الأدوار، بل تبتسم نفس الابتسامة بنفس نظرة العينين سواءً كان دورها فتاة جامعية، أو سائقة «ميكروباص»، أو حتى راقصة شعبية، نفس التعبيرات والانفعالات، هي بالأحرى لا تمثل من الأساس.

«مي عز الدين» بالفعل لا تقوم بالتمثيل في أي من أدوارها، هي تعيش مواقف مختلفة فقط أمام الكاميرا وتؤديهم كلهم من منطلق أنها «مي» بشخصيتها الحقيقية، لا نستطيع أن ننكر أنها تمتلك موهبة، ولكنها موهبة متوسطة للغاية لا تكفي لأن تجعل منها نجمة سينمائية ودرامية من العيار الثقيل، ولكن هذا ما حدث.

«مي عز الدين» أيضًا تمتلك رزقًا واسعًا، وحظًا وافرًا في الفن، وحظًا أوفر في الجمال.

هكذا يمكننا ببساطة أن نقول أن الحظ ربما يفتح أبوابًا لا تفتحها الموهبة، سمه حظًا أو رزقًا واسعًا، المهم أن هؤلاء أصبحوا نجومًا سواءً اقتنع الجميع أنهم صالحين للنجومية أو لم يقتنعوا، وكما يقول المثل الشعبي «قيراط حظ ولا فدان شطارة».