منذ عرض فيلم (Carrie) عام 1976، الفيلم الأول المقتبس عن روايته الأولى التي تحمل الاسم ذاته، وقعت هوليوود في هوى حكايات ستيفن كينج المرعبة.

نقل كينج أدب الرعب نقلة هائلة، إذ خرج به من تلك القلاع القوطية العتيقة والمنازل المسكونة بالأشباح إلى ظلام الحياة اليومية المعاصرة، إنه الرعب الساكن تحت جلد ما هو عادي ومألوف. كانت حكايات الرعب القديمة، عادة ما تحدث في بلدان أجنبية غريبة، حكايات كينج تحدث في المدن الأمريكية الصغيرة، حكايات أمريكية خالصة، استلهمها كينج من البشر الذين يقابلهم ومن حوادث الحياة اليومية.

كينج الذي كان يقتات في طفولته ومراهقته على روايات وأفلام الرعب، لم تكن ترعبه هذه الوحوش المجسدة مثل دراكولا، وفرانكنشتاين ومصاصي الدماء، بل كانت ترعبه العناكب، فتحات تصريف المياه، الأماكن المغلقة والجنازات، كان الظلام يرعبه أيضًا. قائمة طويلة من المخاوف، من نسيجها المرعب غزل كينج عددًا لا نهائيًا من الكوابيس التي استلهمتها السينما.

اعتادت أمه أن تخبره في طفولته الأولى، أنه إذا صرخ بأعلى صوت بأكثر الأشياء التي تخيفه، فإنها لن تتحقق، هذه الحكايات المرعبة إذن هي صراخ ذلك الطفل الخائف، هي الصوت السري لهذه الظلمة التي تسري في قلب الحياة الحديثة. وبالرغم من أن بعض أعمال كينج نحت بعيدًا عن تيمات الرعب، إلا أنها لا تقل كابوسية عن أكثر حكاياته رعبًا.

هناك تفاوت كبير في القيمة الفنية لأعمال كينج المقتبسة للسينما، هذه قائمة بأفضل هذه الأفلام:

Carrie

كلاسيكية من كلاسيكيات سينما الرعب، فيلم برايان دي بالما الأكثر اكتمالاً ونضوجًا آنذاك والذي يرسخ لبصمته الأسلوبية. تتعرض كاري الفتاة الخجولة طيلة الوقت لتنمر رفيقاتها في المدرسة؛ بسبب قدرتها غير العادية على تحريك الأشياء عن بعد، كاري أيضًا هي ضحية أمها المتشددة دينيًا والتي تشعرها دومًا أن وجودها في حد ذاته خطيئة. هذه حكاية بلا أشباح أو وحوش، لكن حكاية كينج تحفر عميقًا في ظلام الكائن الإنساني، هذه القدرة الخوارقية لدى كاري هي تجسيد لغضبها المحتدم، لجانبها الغريزي المكبوت وهو في حالة هياج، هذه القدرة هي آلام فتاة لا تستطيع أن تكون نفسها.

في مشهد حفل التخرج الأيقوني من الفيلم، يذهب الأذى النفسي الممارس على كاري إلى مداه الأبعد، لنرى تحول الفتاة البريئة والخجولة إلى وحش حقيقي، يلتهم غضبه كل ما يعترض طريقه. النجاح النقدي والجماهيري للفيلم هو ما صنع شهرة ستيفن كينج وليس العكس، كانت تحفة دي بالما هي الباب الملكي الذي دخل منه كينج إلى عالم السينما ودوائر الضوء.

Shining

جذبت رواية البريق لستيفن كينج وقت ظهورها مخيلة واحد من أعظم صناع السينما وهو المخرج ستانلي كوبريك، ليصنع من خلالها تحفة من تحف سينما الرعب، وهي نوع فيلمي موبوء بالرداءة والكليشيه، يصف الناقد جاك كرول فيلم كوبريك بأنه أول فيلم رعب ملحمي. حكاية عائلة جاك تورنس التي تقيم في فندق منعزل طيلة فصل الشتاء، يحاول خلالها الأب الروائي الذي يعاني من إدمان الكحول أن يستغل هذه العزلة من أجل الكتابة، لكن الأمور تخرج عن السيطرة. كتب كينج الرواية وهو يفكر في نفسه، صراعه مع إدمان الكحول، زواجه الممتد دون بهجة لسنوات مع مزيد من الضغوط، حكاية كينج عن جنون الأبوة. يكشف كينج عبر حكايته عما هو شرير ومتأصل داخل الإنسان، موازنًا في سرده بين ما هو خوارقي ونفسي.

يتجنب كوبريك أثناء عمله على رواية كينج – والتي أجرى الكثير من التعديلات عليها – زخارف أفلام الرعب المتوارثة، كصرير الأبواب والهياكل العظمية التي تندفع من خزائن مظلمة، لينفذ إلى جوهر الرعب الكامن في حكاية كينج، مثلما يقول كوبريك: إنها مجرد قصة عائلة يصاب أفرادها بالجنون، إنجاز بصري مدهش ضمن فئة فيلمية لا تعبأ كثيرًا بذلك، وإنجاز أدائي أيضًا من فريق ممثليه وعلى رأسهم جاك نيكلسون.

Stand by me

عن رواية ستيفن كنج القصيرة المعنونة بالجثة، أخرج روب رينر هذا الفيلم الذي عرض للمرة الأولى عام 1986. تنتمي هذه النوفيلا لكتابات كينج التي تحلق بعيدًا عن أجواء الرعب التي حكمت غالب إنتاجه، حكاية بسيطة وعميقة عن أطفال ضائعين كعادة أطفال كينج.

هو فيلم رحلة أيضًا، رحلة تستغرق يومين وليلة يقوم بها أربعة فتيان في مقتبل العمر بحثًا عن جثة، هذه الرحلة ستغير حياتهم إلى الأبد. تبدو رحلة كينج ذات طابع طقوسي تعمد الصغار بالمخاطر والصعاب للدخول إلى عالم الكبار، فيلم عن العائلة والصداقة والحب، عن النضج واكتساب الوعي في عالم قاسٍ.

The shawshank redemption

عن قصة قصيرة لستيفن كينج تحمل عنوان (ريتا هيوارث والخلاص من شاوشانك) يصنع فرانك دارابونت فيلمه، المتربع الدائم على قائمة (imdb) لأفضل 250 فيلمًا في تاريخ السينما. الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريًا أو نقديًا يذكر وقت عرضه، ليبعث فيما بعد من رماد الفشل بقدر غريب ليحتل هذه المكانة في قلوب محبيه. ربما كان ترشحه لسبع جوائز أوسكار، لم يحصل منها على شيء، دافعًا للبعض لمشاهدة هذا الفيلم الذي لم يسمع به أحد لكنه حصل على هذه الترشيحات.

الفيلم ينتمي لدراما السجون التي كانت قد فقدت بريقها تسعينيات القرن الماضي. يحكي الفيلم قصة آندي دفرين، المحاسب الذي يقضي عشرين عامًا داخل سجن شاوشانك من أجل جريمة لم يرتكبها. أرواح معذبة، وأجواء كابوسية، جحيم حقيقي يصير الأمل داخله عبئًا ثقيلاً على صاحبه، فيلم يحمل داخل قلبه النابض مجاز الحياة وحلم الحرية.

Misery

عن رواية لستيفن كينج تحمل ذات الاسم، ومن إخراج روب رينر الذي سبق أن اقتبس فيلمه (Stand by me) من عالم كينج الروائي. ربما أفضل ما يميز كتابات كينج هو قدرته الفذة على إيجاد الرعب تحت أكثر المواقف عادية.

هنا روائي قرر أن يتخلص في النهاية من إحدى شخصياته الروائية التي استثمرها في عدة روايات ناجحة، لكنه طالما كرهها لأنه ابتذل موهبته من أجل كتاباتها. قتلها في رواية أخيرة وقرر أن يستثمر موهبته في كتابة رواية حقيقية، بعد الانتهاء منها، كاد أن يفقد حياته في حادثة سيارة لكن يتم إنقاذه بواسطة سيدة تعرف نفسها بأنها معجبته رقم واحد، تحتجزه داخل منزلها وتجبره على إعادة بطلتها المحبوبة إلى الحياة. رعب نفسي أصيل، وكابوس خانق، هناك مسرحة واضحة في الحكاية سواء في محدودية المكان والشخصيات، أو في تبادل الكاتب ومعجبته عدة أداور داخل هذا الفضاء المسرحي، أحيانًا هي المعجبة أو الناقدة شديدة القسوة وهو الكاتب، وأحيانًا هي الزوجة وهو الزوج.

سلسلة طويلة ومرعبة من التقمصات تحدث لشخصية هذه المرأة التي لعبتها كاثي بيتس ببراعة مدهشة، ونالت عنها أوسكارها الوحيد، واحد من أفضل الاقتباسات السينمائية لعالم كينج الروائي.

Dead zone

بطل هذه الحكاية التي يقتبسها هذه المرة الكندي ديفيد كروننبرج، هو كعادة أبطال كينج ضحية لحظ عاثر أو ظروف سيئة. كاد يفقد حياته في حادثة دخل على إثرها في غيبوبة لعدة سنوات، أفاق منها ليكتشف أنه فقد كل شيء: وظيفته ومحبوبته، لكنه امتلك قدرة غير عادية تمكنه من قراءة المستقبل.

هذه القدرة الغريبة تدمغ حياته بمزيد من الوحدة والأسى، يعدل كرونينبرج في رواية كينج، لكن في النهاية يبقي على لحنها الرئيسي، يقارب الحكاية ذات المنحى الخوارقي والمثير بإيقاع متمهل وواقعية شديدة. واحد من أفضل الاقتباسات السينمائية غير المقدرة لعوالم كينج الخيالية، كرونينبرج على غير عادته هنا يمنحنا واحدًا من أكثر الأفلام دفئًا ومحبة.