هافا ناجيلا
لنفرح
هافا ناجيلا فينسماخا
لنفرح ونسعد
هافا نِرَنينا
لنغني
هافا نِرَنينا فينِسْماخا
لنغني ونسعد

كلمات تشع فرحًا وسعادة لأن كاتبها أبراهام تسفي إيديلسون، الباحث في علم الأعراق والموسيقى، كتبها في فترة من أسعد فترات حياته، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية، وإن كان من لحظةٍ معينة يمكن وضعها في قمة منحنى بيانيّ لسعادته فإنها لحظة إعلان وعد بلفور التاريخي عام 1917.

صحيح أن  المناسبة التي شهدت الأداء الأول للأغنية لا يمكن معرفتها بدقة لكنّ المصادر تتأرجح بين ثلاث أحداث، أولها، وعد بلفور، وثانيها، تولي الجنرال اللنبي السيطرة على القدس وفلسطين في نهاية الحرب العالمية الأولى، وثالثها، وضع حجر الأساس للجامعة العبرية في يونيو 1918، لكن بغض النظر عن ماهية الحدث فإن الرابط المشترك بينهم هو أنه سياق احتفالي بمكسب صهيوني.

أبراهام يُعرف في الثقافة اليهودية بأبو علم الموسيقى اليهودي، إذ سعى إلى حفظ وجمع الموسيقى الشعبية للجاليات اليهودية من جميع أنحاء العالم، فدائمًا ما كان الفونوغراف رفيق حياته، وكلما قابل جاليةً أو جماعةً يهودية في القدس من أصول مختلفة، مغربية  أو ألمانية أو روسية، حرص أن يُسجل كل موسيقاهم الشعبية.

لكن فكرة أبراهام لم تقف عند مجرد التدوين والتسجيل، بل أراد أبراهام أن يكون رائدًا لمدرسة وطنيّة موسيقية من شأنها توحيد الشعب اليهودي حتى وإن كانوا مشتتين في بقاع الأرض، والأهم أن يخلق تراثًا مشتركًا يجتمعون عليه حين يستقرون في القدس للأبد.

الأغنية التي ستوحد اليهود

لتلك الغاية ألفّ أبراهام العديد من الأغاني العبرية بالألحان التقليدية، واستخرج أغاني قديمة بجذور شعبيّة قديمة وأعاد إحياءها بتنميق كلماتها أو ترميم ألحانها وتحديثها.

أبراهام لم يكن يخفي مشروعه أو يمتهنه كرسالةٍ فردية منه، بل انتقد زملاءه الموسيقيين لتطفلهم على الموسيقى الغربية، على حد تعبيره. وكان رافضًا لمسألة الاستيعاب و التماهي الثقافي الذي يقوم به اليهود في الدول التي هاجروا إليها. ومن إنتاجاته العديدة أول كتاب أغان عبرية رئيسية للمدارس والمعابد اليهودية، وأول كتاب مدرسي عن تاريخ الموسيقى اليهودية، وأول أوبرا عبرية، وعمله الأساسي المكون من 10 مجلدات عبارة عن قاموس المرادفات العبرية للألحان الشرقية.

وهافا ناجيلا هى واحدة من إنتاجاته العديدة، عرفت الأغنية طريقها إلى الحفلات الرسمية والاحتفالات اليهودية والإسرائيلية حتى باتت أقرب للطقس اليهودي، فبات من البديهي تسجيل الأغنية عام 1918.  كانت الأغنية مقتصرةً على الدوائر الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في بدايتها، لكنها لاحقًا دخلت ضمن المناهج الدراسية اليهودية للأطفال اليهود في فلسطين وأمريكا الشمالية وسائر دول أوروبا.

لكن رغم تسجيل الأغنية فإنها لم تُحصر في قالب غنائيّ واحد، بل عشقها الإسرائليون وافتتنوا بها إلى حد أن تنافسوا في أدائها بتنويعات مختلفة بين الأداء الفردي والجماعي، وبألحان متعددة على كافة الآلات الموسيقية وبأداء صوتي بطيء حينًا وسريع أحيانًا، فأصبحت أشبه بالأغنية الشعبية التراثية، بمفهومها العربي، فباتت طقسًا ثابتًا في الأفراح اليهودية، وباتت فقرة راسخة في كافة الطقوس الأخرى، الدينية وغير الدينية.

ثم صارت أكبر من اليهود فبات بإمكانك سماعها في زفافٍ في مقدونيا ويوغوسلافيا، وفي النوادي الليلية في لاس فيغاس، وفي البرامج التلفزيونية، وفي نوادي الرقص الأوروبية.

لحن عربي؟

عورو، عورو أخيم!
استفيقوا، استفيقوا أيها الإخوان
عُورو أخيم بِلِف سَمِيّأخ
استفيقوا أيها الإخوان بقلب سعيد

ربما تبدو لك كلمات الأغنية بسيطةً بلا معنى خفي أو مبهر يُفسر سر التعلق الإسرائيلي بالأغنية، لكن السؤال الأهم، هو لماذا تبدو الأغنية مألوفة لك؟ إذا استمعت لها فسوف تثير الأغنية بعض الحكة في عقلك وتبدأ في التساؤل: هل سمعت الأغنية قبل ذلك؟

إجابة السؤالين قد تتقاطع، فالإجابة علي كليهما قد تكون كلمة واحدة، اللحن. اللحن القصير المرح يسهل أن يعلق بذهنك فور سماعها للمرة الأولى، وما يثيره في نفوس المستمعين من بهجة في بعض إصدارات الأغنية ، أو حركة في بعض إصداراتها الراقصة سريعة الإيقاع وصاخبته.

اللحن رسميًا، كما قال أبراهام نفسه عام 1932، أنه أوكراني الجنسيّة نابع من منطقة شعبية تُدعى بوكوفينا، لكن ألا يبدو اللحن عربيًا، بل ألا يبدو اللحن إسلاميًا حتى؟

من المستحيل قطعًا الإجابة على السؤال السابق إجابة مباشرة تفيد الإثبات، ومن الممكن القول ولا حتى إجابة مباشرة تفيد النفي. لكن في اللحن قد تلمح مقامًا عربيًا، كالحِجاز ربما، متواريًا من خلف الكلمات العبرية والآلات الأوروبية، صحيح أنه لم يكن معروفًا لدى الأوروبيين ولا سُكان أوكرانيا، لكن ألا تبدو الفرضية ممكنةً إذا عرفنا أن هناك نزاعًا قويًا بين يدي القضاء الإسرائيلي يُقال فيه اسم آخر باعتباره هو الذي لحّن الأغنية.

الصراع الإسرائيلي – الإسرائيلي حول اللحن

ولد موشيه ناثانسون في 10 أغسطس/ آب عام 1899، ومكان ولادته القدس، وقضى تعليمه الابتدائي كاملًا في القدس، وحين أتم العاشرة أرسله والده الحاخام ناحوم هيرش ناثانسون إلى مدرسة  سيفر ليميل ليُكمل دراسته فيها. مدير جوقة تلك المدرسة كان أبراهام تسفي إيديلسون.

بعد عامين في المدرسة حدث أن تحدي أبراهام طلابه جوقته أن يخرجوا بكلماتٍ تصلح أن تكون أغنية عبريةً حديثة وتحقق انتشارًا واسعًا في الوقت ذاته، اقترح الفتى موشيه مزمورًا من الكتاب المقدس العبري ترجمته العربية «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، لنسعد ونفرح فيه» فعلق في ذهن أبراهام، ويقول إنه اقتبس منه أول كلمات أغنيته الشهيرة، ناجيلا، نفرح، فينسماخا، نسعد. وتعتبر المصادر الأجنبية أن الأغنية مبنية بالكامل على هذا المزمور، مزمور 118/ الآية 24، من الكتاب المقدس العبري.

بعد ذلك ترحّل موشيه في بلاد غربيّة عدة مثل كندا ونيويورك، لكن إذا وضعنا في الاعتبار أن ميلاده ونشأته ودراسته، وميلاد الأغنية واختمارها في ذهن أبراهام، كل ذلك كان في القدس، فلسطين، الإسلامية والمليئة بالأهازيج الإسلامية على مقام الحجاز أشهر المقامات الشرقية، فيصبح القول بأن لحن الأغنية متأثر باللحن الشرقي أو مقتبس منه، وليس كل ذلك صراعًا على اللحن وأصله، أو إدعاءً بأن إسرائيل قد سرقت اللحن، لكنه ليس سوى إجابةً عن سؤال قد يؤرقك، لماذا تبدو الأغنية مألوفةً لهذه الدرجة.

نزاع السرقة نشب بين موشيه وأبراهام، أو تحديدًا بين ورثتهما المتنازعين على أرباح الأغنية، ورثة الطرفين يدعي كل منهما بأن جده الأكبر هو من ضبط لحن الأغنية الأصلي، وفي فيلم وثائقي إسرائيلي نُشر عام 2012 ظهر فيها أفراد من العائلتين جميعهم يدعي أنه جده الأحق باللحن وأرباحه، لكن يقول خبراء الموسيقى والوثائق إنه لا يمكن الخلوص إلى أي الرجليّن هو المُلحن حقًا، لكن سواء كان هذا أو ذاك، فلن يُغير من حقيقة أن الأغنية وُلدت وترعرعت في القدس.

في نفس العام، 2012، استخدمت لاعبة الجمباز اليهودية الأمريكية،آلي رايسمان، الأغنية لأداء عرضها الإيقاعي، والذي فازت عنه بالميدالية الذهبية. وليس ذلك هو الوجود الأول، ولا الوحيد، للأغنية في المجال الرياضي، فمشجعوا نادي أياكس أمستردام لكرة القدم يغنون الأغنية بصورة متكررة. ويشاركهم في ذلك نادي توتنهام هوتسبير الإنجليزي، إلا أنه زاد على أياكس أنه اعتمد الأغنية كنشيد للنادي.

بِلِف سَمِيّأخ
بقلب سعيد
بِلِف سَمِيّأخ
بقلب سعيد