عندما ننظر لسطح النهر نرى أشياء تافهة ليست ذات قيمة، ولكن النهر هو النهر، حقيقته خالدة وعظيمة. كذلك دائمًا ما كان نهرنا الخالد، فالنيل يمر به شتاء وخريف وصيف، يقطع أدغالاً وصحاري ويمر عابرًا جبالاً وجنادل، ولكنه لم يتوقف يومًا ما . الصحراء تحيط به وتنتظر لحظة سكونه وموته لتغمره بالرمال ولكنه يشقها كسكين لامعة.

الشيء الجوهري في النيل هو الحركة والصمود، أما ما يعتري سطحه من أشياء تافهة فذلك شيء آخر لا ينتمي للنيل. إن جيلنا في يوم ما رأى الشيء نفسه في الحركة الإسلامية، رأيناه جميعًا وبوضوح شديد في شقها المعارض «حزب المؤتمر الشعبي السوداني»، لقد كان الحزب حينئذ كنهر متدفق، انتمينا إليه وهو يشق الصحراء، كان قد خرج لتوه من المفاصلة مع السلطة، كان مثقلاً بالجراح ومحملاً بالخطايا لكنه كان كالمسيح تمامًا، يحمل علي عاتقه هم الإصلاح، وهم الغفران والخلاص، يندفع بقوة ليخلص الواقع من آثام وشرور وطغيان، ويقوده رجل شجاع هو الشيخ حسن الترابي.

ميزت لحظة المؤتمر الشعبي خلال 16 عامًا غرائبية ومسحة جمال خاص، لقد كان أهم تيار نقدي في السياسة السودانية منذ خروج الخاتم عدلان من حركة اليسار

كان المؤتمر الشعبي ممتلئًا بالخاطئين وممتلئًا كذلك بالمصلحين والثوار، كان أرضًا غنية حملت في طياتها بذورًا جديدة، تمور في الداخل وتضج بالحياة الكاملة، نمت البذور وتفتحت بعض الأزهار وأثمرت، وفي المقابل كانت ثمة أشواك عديدة لا تزال موجودة لم تنكسر بعد، لقد حمل حزب المؤتمر الشعبي تناقضات عظيمة ولا يزال به شوك وأزهار، نور وظلمة، موت وحياة.

لقد كان كالنهر تمامًا يحمل كل شيء، ولكنه ينطوي على الجوهر الحي الصاعد ويحمل في نفس الوقت أشياء ميتة على السطح بارزة وظاهرة، ميزت لحظة المؤتمر الشعبي خلال 16 عامًا غرائبية ومسحة جمال خاص، لقد كان أهم تيار نقدي في السياسة السودانية منذ خروج الخاتم عدلان من حركة اليسار، ابتدأ نقدًا فكريًا عميقًا للحركات الإسلامية من خلال الفكر والممارسة، دخل في تحالفات مع اليسار السوداني، اشتعلت بداخله روح ثورية لتغيير النظام وإصلاح شأن البلاد.

كان حزبًا واضحًا وصاحب رؤية ثاقبة، كان يبشر بكسر جمود السياسة السودانية باستقطابها المميت والبارد، يمينًا ويسار ًا، مثل بغرائبيته الجميلة يمين اليسار ويسار اليمين. كان جاذبًا لقطاعات كبيرة من الشباب رغم ما يحمله من إثم الإنقاذ وعهود الديكتاتورية، لكن الوعي العميق بالخطأ جعل حكمة العالم تظهر في فعله وفكره.

لكنه لم يكن يومًا من الأيام حزبًا سياسيًا فقط، لقد كان حركة تغيير اجتماعي موصولة بحركة إسلامية صحوية نهضت خلال قرن من الزمان علي امتداد المنطقة العربية الاسلامية، لكنه في ذات الوقت كان شيئًا سودانيًا خالصًا. جمع سودانيين من الشرق والغرب والشمال والجنوب. بتلك الروح العظيمة أغفل الحزب تناقضاته وأغفل بناءه المؤسسي، فالتناقضات تجعل (الحزب / الحركة) في صراع دائم لاختلاف الرؤى والأهداف. بل اختلاف الفكر أيضًا.

وهذا الجيل مثل جيلنا ينظر للمستقبل كمعركة مع البائد والميت فإننا نحتفي بالصراع ونمجده تمامًا، إننا نصبو لفعل إيجابي يدفع بنا للأمام وهذا ما توفره لنا مساحات الحراك داخل الحزب، تفاعلاً مع القديم وتجاوزًا صارمًا له. اليوم لا أزال أحمل نفس تلك النظرة لحزب المؤتمر الشعبي، ويشاركني فيها كثيرون. أنا أعلم جيدًا أن الحزب السياسي – أي حزب – لا يجب وصفه بهذه الطريقة وبهذه اللغة، ولكننا لم نكن حزبًا سياسيًا كما قلت بل نحن حركة اجتماعية وفكرية؛ لذا فمثل هذه اللغة هي الوحيدة التي تستطيع التعبير.

نحن حركة فكر وأمل في مستقبل نصنعه مع الآخرين،ومعركتنا ليست في الخارج بل في الداخل أيضًا، إننا أصيلون في الحركة والحزب فنحن نؤمن بالمستقبل، إننا تناقض الظلمة والنور

نحن حركة فكر وأمل في مستقبل نصنعه مع الآخرين، ومعركتنا ليست في الخارج بل في الداخل أيضًا، إننا أصيلون في الحركة والحزب فنحن نؤمن بالمستقبل، إننا تناقض الظلمة والنور، فالظلمة أيضًا جزء أصيل فينا، نعترف به ولكننا لن ننهزم أمامه ونترك خلفنا إرثًا وميراثًا من شجاعة وصبر وكفاح. الآن حان الوقت ليبلغ كل فعل إيجابي أقصى مدى له.

إن حزبنا كأم تحمل جنينًا ولكنها تتعرض لانقباضات ويتعرض الجنين لبعض الصعاب، لن نغادر الرحم ولكننا سنفعل ما يجب علينا فعله، سنحارب قوى الظلام، سنحاصرها فقد حققنا خطوات واسعة تجاه النصر، قوى الظلام تترنح أمامنا وإن ظهر لكم في السطح أنها تنتصر، والأيام كفيلة بكشف قيمة صبرنا وتماسكنا في هذه اللحظات.

فنحن كالنهر كما قلت، لن نقف في صحراء هذه الأيام، بل سنشقها شقًا ونكشف عن أفق جديد لنا وللسودان ولأفريقيا والعرب.

1- نحن نرى المشاركة في الحكومة قرارًا خاطئًا.

2- نحن نرى أن الحكومة كان من الأفضل أن تكون غير حزبية بل تنفيذية متخصصة .

3- نحن نرى في المستقبل آلاعيب الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» ومؤامراته التي لن تمكن حزبنا من الإصلاح، وإن كنا مخطئين فإننا سنسعد حتمًا.

4- ننتظر خروج «الشعبي» من الحكومة مع أول استشعار لعدم الجدية.

5- نحن ننتمي للحزب مثل القادة الحاليين بمن فيهم الأمين العام، وننتمي لمستقبل الحزب بأكثر منهم لذا لن نسكت أمام أي تجاوز منهم ولن نسمح بأن يهدر ميراث 16 عامًا من الكفاح .

6- ثوريتنا ليست حماقة، لذا وبحس زمني عميق نقول إننا لن نترك الحزب بل سنستمر في الفعل الإيجابي الذي يقود للأمام. ثوريتنا نفس طويل ولهب يشتعل بصمت.

7- لنؤدي الواجب ولنستبصر بهدوء وحتمًا ستكشف الأيام قيمة ما نفعله اليوم.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.