لدى تامر حسني مغنيًا وممثلًا الكثير من الجمهور المخلص – ربما ليس كما يحب أن يتصور هو – لكنها حقيقة يصعب إنكارها، منذ بزوغ نجمه في أوائل الألفية أصبح أشبه بظاهرة، الكثير من الشباب الذين قاربوا منتصف أعمارهم الآن اتبعوا خطاه خطوة خطوة، استخدموا جمله الجاذبة لإثارة إعجاب الفتيات، شكلوا حسهم الفكاهي حسبه، واقتبسوا لغة جسده، كذلك وقع في حبه العديد من الفتيات من أعمار مختلفة، استساغوا مزاحه وكونه شابًّا مصريًّا تقليديًّا سريع البديهة رومانسيًّا، لكنه أيضًا لعوب ومسيطر، حتى وقتنا هذا يتصرف حسني باعتباره أسطورة حتى مع تراجع شعبيته شيئًا فشيئًا.

ما زالت هنالك بعض الأسر التي تراه مضحكًا وبعض الشباب الذين يرونه جزءًا من ماضيهم والفتيات الصغيرات اللاتي يكتشفنه من البداية، لكن تلك الأسطورة المحطمة للأرقام المؤثرة في كل شيء أصبحت مع مرور السنوات جزءًا من عالم شخصي لتامر حسني، يقع نصفها على أرض الواقع، فأفلامه وأغنياته وحفلاته لا تزال تحقق الأرقام ويذهب الكثيرون لحضورها، لكن استفراده بساحة ما سواء غنائية أو سينمائية هو محض تصور مصنوع بالكامل من قبله هو وفريقه، يتمسك به لآخر نفس، ويرفض أن يتركه، منذ كسر فيلمه البدلة 2018 بعض الأرقام القياسية ونجح نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، حتى سمي بالفيلم الأكثر جنيًا للأرباح على الإطلاق في مصر، وهو يسعى نحو تكرار النجاح هذه المرة ليس بشكل طبيعي وعضوي، لكن بشكل مقحم ومفروض، وكأنه يصعب الاكتفاء بالجمهور الذي صنعه والذي لا يزال مخلصًا له، بل يجب على الجميع أن يكون جزءًا من تلك السردية الذاتية، المحاطة بالبروباجندا المدفوعة والضغط الإعلامي.

تستمر صناعة الأسطورة عنوة في فيلم تامر حسني الأخير «تاج» الذي كتبته وألَّفت له الموسيقى التصويرية وأخرجته سارة وفيق، يحقق الفيلم أرقامًا جيدة في موسم عيد الأضحى وما بعده، يصعب أن تجد صالة معروضًا بها فارغة، بل تجدها ممتلئة بضحكات متفرقة على النكات المتوقعة أو الكوميديا الحركية، لكنه فيلم عن بطل خارق، بطل كوميدي يستوحي شخصيته جزءًا من تامر نفسه وجزءًا من عوالم الأبطال الخارقين العالمي، لا يفرق تاج شيئًا عن أي مشروع آخر لتامر حسني، فيما عدا زيادة القدرات الخارقة، فهو يستخدم الدعابات نفسها، يمثل البطل الرومانسي نفسه – المخلص لكن المنفتح على التعدي على أي امرأة تمر أمام الشاشة – الشاب المصري خفيف الظل «الفهلوي» الذي يستطيع أسر قلوب الكبار والصغار، النساء والرجال، وهذا هو بالضبط ما يمثله تاج، خط مموه بين الشخصية الحقيقية والشخصية المتخيلة التي يستخدم حسني السينما كوعاء لها.

عالم تامر حسني

عنوان الفيلم الأخير لتامر حسني هو «تاج»، وهو اسم الشخصية الرئيسية؛ لأن بتلك الحروف يستطيع صناع الإعلان إخفاء حروف اسم تامر حسني والإبقاء على «تاج»، يمثل ذلك الاختيار مدخلًا  لطبيعة مشروع تامر حسني السينمائي بشكل عام، فهو امتداد لشخصه لا ينفصل عنه، فالسينما في ذاتها ليست من الاهتمامات الأساسية له، بل هي وعاء  لصناعة الصورة المرجوة عن الذات، السينما هنا هي وسيط فارغ لتحقيق الأمنيات، لا فنيات أو اهتمامات تقنية، كتابة بدائية، مونتاج إعلاني والحد الأدنى من الاهتمام بالتصوير والمؤثرات البصرية، لا ينقصه الأموال لكي يصبح منتجًا سينمائيًّا مبهرًا على مستوى المؤثرات، فشركة تامر نفسه التي تحمل صورته كشعار تشارك في إنتاجه، وهو ليس بالفنان محدود الماديات، يكفي فقط أن يمتلئ كل مشهد بنكات حسني الخاصة به المتذاكية، أو التي تجعله مثيرًا للتعاطف والشفقة قبل أن يتحول إلى رجل خارق في كل شيء، من ذلك طبعًا ما يتعلق بذكورته نفسها.

يمكن تلخيص أحداث تاج في كونه فيلم بطل خارق كوميدي ذي رسالة خفيفة، لا يعرف ما إذا كان موجهًا للأطفال أم الكبار، فهو فيلم متخم بالنكات الجنسية المراهقة والجرافيكية، لكنه يقدم نفسه باعتباره رسالة إيجابية للأطفال (هنالك خط خاص بطلبة مدرسة من البنات والأولاد الذين يعتبرون تاج بطلهم)، وهو جزء آخر من التباس صورة حسني الشخصية والفنية، فهناك خط رفيع يمشي عليه بين المحتوى البالغ والمحتوى الطفولي؛ لذلك يمكن تسميته بمحتوى مراهق، فهو لم ينضج بعد ليكون موجهًا لأفراد بالغين عاقلين، وليس طفوليًّا كفاية ليكون صديقًا للأسرة والأطفال، لكن ذلك لا يمنع كونه ساحرًا لصغار السن، فهو يعلم كيف يتعامل معهم، بشخصه الحقيقي وداخل مواقع التصوير، لكن ذلك يجعله نموذجًا مثيرًا للتساؤلات عن الخطوط الفاصلة بين ما يتوجه للأطفال والبالغين وصعوبة التفريق بينهم، يستند تاج إلى قدر كبير من الهزل الذي يجعل أخذه بجدية أو تحليله سينمائيًّا أو حتى اجتماعيًّا مستحيلًا، فهو منتج يصعب تصنيفه ويصعب أخذه بجدية على الرغم من الجدية التي يأخذ نفسه بها.

الأبطال الخارقون

عند مشاهدة الفيلم يمكن التأكد أن حتى السرديات الأكثر سذاجة في عوالم الأبطال الخارقين لم تؤخذ في الاعتبار، بل يتكون السيناريو من بعض الأنماط التي مر عليها صانعو الفيلم سريعًا ربما في التلفزيون أو عندما كانوا أطفالًا، فالبطل يتيم الأب والأم، ولديه نماذج أبوية بديلة، مدير الملجأ وجارته التي تعتبره ابنها لأن ابنها البيولوجي قاسٍ وغير ممتن لأفضالها، نمضي حوالي ساعة من الفيلم في تعديد محاسن تاج الأخلاقية، هو ابن بار، شاب مجتهد يعمل كمصلح اجتماعي في مدرسة، ينتصر على المدرسين وسخرياتهم من كونه يتيمًا وكأنه يتيم في الخامسة من عمره، بالحلول الذكية والردود النارية، ويقترح أن يشترك الأطفال في نشاطات ذهنية وفنية بالإجبار لكي يتحسن مستوى تعليمهم وذكائهم الذي أفسدته الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي.

في البداية يرسخ تامر لتاج باعتباره مقابلًا لأبطال مثل الرجل العنكبوت الذي فقد أهله ويتسم بسذاجة عامة قبل بالطبع أن يتموه الخط تمامًا بين «تاج وتامر» بعد اكتسابه القدرات الخارقة، ذات الطبيعة العشوائية التي اتضح أنها وراثة من عائلته، يصبح أكثر ثقة وقوة، ويتوقف المحتوى السينمائي عن كونه «صديقًا للأطفال» ويصبح سلسلة من النكات المتعلقة بالقدرات الجنسية والبلوغ وتبرير التعدي باللمس على النساء بقدرة «الاختفاء»، بل إن البطل تاج ينتقم من الشرير «هارون» الذي يلعب دوره تامر حسني باعتباره الجانب السيئ من القدرات الخارقة بإقامة علاقة مع صديقته، لكي يثبت له تفوقه، وهو ما يفتقد لأي منطق كونه يتغنى بأخلاقيات وهمية صديقة للأسرة، ويسحر حبيبته “تمارا” مدرسة الموسيقى التي تقوم بدورها دينا الشربيني برومانسيته واستخدامه لقدراته، لكي يظهر لها في أي وقت وينقذها من الموت المحتوم، بينما يذهب لخيانتها كجزء من مخطط انتقامي لتعزيز الذكورة وإثبات الهيمنة.

الرداءة الجدية

مع كل فيلم جديد لتامر حسني يثار الجدل نفسه حول معاملته مع النساء، رداءة فنيات أفلامه، إصراره على القيام بكل شيء على الرغم من موهبته المحدودة في المجالات المتخصصة، لكن ذلك كله لا يمنع حضور جمهوره المخلص أو محبي الاستكشاف لأفلامه والضحك على نكاته مهما كانت مهينة، يصعب ذلك من التعميمات المتعلقة بالذوق والتذوق، فتامر بشخصيته الحقيقية هو انعكاس للكثيرين، يحقق فانتازيا شعبية رجولية بامتلاك كل شيء مع الإبقاء على سمات «ابن البلد»، كذلك يصعب الاستمتاع بما يمكن تسميته «الذوق السيئ» بشكل ساخر بسبب الجدية المفرطة التي يعامل بها تامر أعماله على الرغم من هذليتها، فهو يقدمها باعتبارها قطعًا من النصائح المؤثرة في النشء، حبكة ساذجة عن توأمين، أحدهما طيب والآخر شرير، هي رسالة جليلة لاستخدام القوة في النفع وليس في الضرر، لذلك لا يمكن وضع تلك الأعمال رديئة الفنيات تحت مسميات مثل «المتعة المذنبة guilty pleasure»؛ لأنها غير خالية من الضرر ، فهي ليست رداءة بريئة بل رداءة تغلف نفسها بالتوجه إلى الصغار بقيم غرائبية تستعصي على التصنيف العمري، لأن التصنيف العمري سوف ينقص الجمهور إلى النصف تقريبًا.

بجانب الأخلاقيات الملتبسة والتوجهات الأسرية الغرائبية فإن تاج يعمل كإعلان مطول لبعض المنتجات، ويستخدم أسلوب حسني المعروف بإدراج اسمه وأغنياته كجزء من عالم الفيلم، فعالم الفيلم هو امتداد لعالمه الشخصي، يوجد هو داخله بذاته وبتمثلاته المتعددة التي لا تختلف كثيرًا عن البيرسونا الحقيقية الخاصة به، يمكن حتى وصف تاج والأسلوب السينمائي المتبع فيه بأنه إخراج ما بعد الإنترنت، حيث استخدام الأصوات الرائجة على مواقع مثل تيك توك، للتعزيز من كوميديا موقف ما، بشكل ما نصبح جميعنا من يشاهد تلك الأعمال شخصيات ثانوية في العالم الذي يحاول تامر حسني خلقه لنفسه، وعندما نفشل في إعطائه ما يرغب فيه أي كسر الأرقام القياسية وإرضاء تصوره الذاتي أنه ذو سيطرة كاملة على المشهد الفني، يبقى الحل أن يصنع ذلك بنفسه باستخدام الأرقام المزيفة والضغط الإلكتروني، في دائرة لا تنتهي، لأنه في النهاية نجم جماهيري حتى ولو لم يرضَ هو بجمهوره.