جاء الاتفاق الذي وقعته إسلام أباد مع جماعة «لبيك باكستان» مؤخرًا ليعطي الحركة شهادة اعتراف رسمية بمكانتها ودورها؛ فقد رُفع الحظر عنها وأُفرج عن رئيسها والمئات من أعضائها، بعد احتجاجات دامية استمرت لأسبوعَين راح ضحيتها قتلى وجرحى في المواجهات بين المتظاهرين والشرطة.

فقد تجمع مؤيدو «لبّيك باكستان»، في لاهور عاصمة إقليم البنجاب ومعقل الحركة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهددوا بالزحف إلى العاصمة بهدف إطلاق سراح زعيمهم سعد حسين رضوي، فاستجابت الحكومة ولبت مطالبهم مقابل إلغاء المسيرة، وأتاحت للجماعة حرية العمل السياسي.

وبدأت فصول تلك الأزمة عام 2020 حين نشرت فرنسا رسومًا مسيئة للدين الإسلامي وأدلى الرئيس إيمانويل ماكرون حينها بتصريحات اعتبرت أيضًا مسيئة، فألهبت الجماعة الجماهير الباكستانية للاحتجاج ضد فرنسا والمطالبة بطرد سفيرها وقطع العلاقات معها، ولم تستجب الحكومة مما أدى لتصاعد المواجهات بين الطرفين، حتى اعتقلت الشرطة أمير الجماعة ومئات من مؤيديه في أبريل/ نيسان، عقب اعتصامهم في الشوارع وإغلاقهم الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة إسلام أباد.

«لبيك باكستان»

تأسست الجماعة على يد خادم حسين رضوي، رجل الدين الصوفي البريلوي، في عام 2015، وتخصصت في تتبع المتهمين بالإساءة إلى الدين الإسلامي، واحتفت بممتاز قادري الحارس الذي قتل حاكم إقليم البنجاب عندما اعترض على قوانين ازدراء الأديان ونظمت احتجاجات لدعمه، فقد كان ينتمي إلى نفس المشارب الفكرية لأبناء هذا التيار، وكانت قضيته من أكثر الأحداث التي جمعت الجماهير حول الحركة.

خادم حسين زضوي
خادم حسين رضوي، مؤسس حركة «لبيك باكستان»

وبعدما حوكم قادري وأُعدم عام 2016، دُفن في ضريح شُيد في مدخل العاصمة يشبه المسجد النبوي في المدينة المنورة وأُنفقت عليه أموال طائلة تبرع بها المواطنون وأصبح مزارًا دينيًا مقدسًا يؤمه الآلاف من الصوفية بنية التعبد في حضرة أحد الأولياء الصالحين.

وفي عام 2017، نظمت احتجاجات عنيفة استمرت لأسابيع في عهد رئيس الوزراء السابق شهيد خاقان عباسي، بسبب محاولة وزير العدل تغيير قسم دخول البرلمان ليحذف منه الإقرار بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، وحجبت السلطات مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت ووقع العديد من الضحايا في الاحتجاجات ما بين قتيل وجريح، وانتهت الأزمة باستقالة الوزير، ومال قائد الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، إلى التهدئة ونصح الحكومة بالتعامل بشكل سلمي عندما طلبت منه الاحتجاجات، رغم أنه ينتمي إلى الطائفة القاديانية التي لا تعتقد بمسألة ختم النبوة هذه.

وتوفي مؤسس الجماعة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وذكرت تقارير إعلامية أن عدد من حضر جنازته يقدر بمائتي ألف في ذروة انتشار جائحة كورونا، ليخلفه في القيادة ابنه سعد رضوي، الذي أصر على مواصلة المسيرة التي بدأها والده.

وتعتنق الجماعة الفكر البريلوي الذي نشأ في مدينة بريلي في ولاية أتّرْبْراديش بالهند في عهد الاستعمار البريطاني، وتعتقد في التبرك بالأضرحة وتقديسها والتعبد عندها والاستغاثة بالأنبياء والأولياء، وتتبنى المذهب الحنفي في الفقه، لكنها كانت معادية تاريخيًا للاتجاه الديوبندي السني، وكفرت جميع الحركات الإسلامية آنذاك تقريبًا وروجت لتحريم الجهاد ضد الإنجليز وناصبت جميع طوائف الحركة الوطنية الهندية العداء.

الجماعة والدولة

بعد انفصال باكستان عن الهند شكلت الأولى معقل الحركة، وتحالفت الدولة مع المدرسة الديوبندية، الغريم التقليدي للبريلوية، وكانت ذروة هذا التحالف خلال الغزو السوفييتي لأفغانستان حيث كان للمدارس الديوبندية دور كبير في دعم المشروع الباكستاني في كابل، لكن مع الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 تدهورت العلاقة بين الطرفين، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتصاعد المخاوف العالمية بشأن الإسلام الراديكالي، تم تصوير التصوف على أنه «الوجه الناعم للإسلام»، ومن هنا تقاربت الدولة في عهد الجنرال برويز مشرف مع الصوفية.

وقد تحولت الطائفة البريلوية التي أفرزت حركة «لبيك باكستان» إلى حركة سياسية نشطة، وامتد تأثيرها إلى الدول التي تستضيف مغتربين باكستانيين كبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية.

ومن المفارقات أن بذور هذا النمط من الاحتجاج الذي انتهجته «لبيك باكستان» كان بدعم من رئيس الوزراء الحالي عمران خان في عام 2014، عندما كان في المعارضة وتحالف مع الزعيم البريلوي طاهر القادري في تنظيم الاعتصامات والمسيرات في محاولتهم للإطاحة بحكومة نواز شريف، ولم يعلم حينها أن هذه القوة ستنقلب ضد حكمه لاحقًا.

واليوم تسعى حكومة عمران خان للتقارب مع الجماعات الإسلامية على اختلاف أطيافها لا سيما بعد وصول حركة طالبان الأفغانية إلى كابل في أغسطس/ آب الماضي، وسوف يؤثر الصعود السياسي للجماعة البريلوية في إقليم البنجاب على المجريات السياسية في باكستان كلها؛ لأن البنجاب يعد أهم الأقاليم في البلاد وأكبرها سكانًا ويستحوذ على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، يليه إقليم السند الذي يوجد للجماعة وجود لافت فيه أيضًا.

ومؤخرًا، زار قادة من جميع الأحزاب الرئيسية مقر «لبيك باكستان» بعدما أصبحت رقمًا صعبًا في الساحة السياسية، وقد يفكر الحزب الحاكم نفسه في إقامة تحالف مع الجماعة في الانتخابات المقبلة بحسب بعض التكهنات، لا سيما وأن رموزًا من الاتجاه الصوفي كان لهم تأثير واضح على عمران خان خلال مسيرة حياته.