قليل من الأعمال الفنية يثير عواصف من الآراء المتضاربة على السوشيال ميديا٬ خاصة إذا كان هذا العمل الفني مسلسلاً درامياً يعرض في توقيت عادي٬ بل يمكن أن تعتبره توقيتاً صعباً٬ أثناء الدراسة وفي وسط الشتاء٬ وخارج الموسم الرمضاني٬ لذلك فقد كان الصدى الذي حققه مسلسل «أهو ده اللي صار» ملفتًا للنظر٬ سواء كنت متفقًا مع الفريق الذي يشيد بالمسلسل٬ أو مع الفريق الذي يراه ليس على مستوى التوقعات٬ فإثارة الجدل في حد ذاتها نجاح.

بالطبع أسهم في هذا كون المسلسل يحمل أسماء يعرف المشاهد سلفاً أنها أسماء موثوق فيها٬ فالكاتب عبدالرحيم كمال اشتهر في السنوات الأخيرة بمسلسلاته مع يحيى الفخراني والتي حققت نجاحاً ملحوظاً٬ بل أصبحت من علامات الدراما٬ أيضاً المخرج حاتم علي تمكن من تحقيق نجاحات متتالية في الدراما المصرية بعد أن حقق اسماً كبيراً في الدراما السورية٬ أما عن أبطال العمل٬ فإن أحمد داود يمتلك أداء صاعدًا منذ مسلسل «سجن النساء»، وحتى «هذا المساء»٬ وروبي لا تحتاج أي أسباب كي ينتظرها الجمهور ويحبها، وهي رغم ذلك تمتلك الكثير من الأسباب/النجاحات التي تجعل الجمهور يثق فيها.


الحياة على هامش الحب

يحكي المسلسل عن يوسف الشاب الفقير الذي يعمل حارساً قضائياً على قصر أجداده٬ ويحلم بأن تؤول ملكية القصر للحكومة وألا يتمكن باقي الورثة من بيعه ثم هدمه٬ والذي يقابل سلمى الصحفية المشاغبة الثرية ويقع في حبها٬ وهو يحكي لها حكايات عن تاريخ القصر وساكنيه والتي تحمل في طياتها حكايات عن الإسكندرية منذ مائة عام.

يستعرض يوسف في حكاياته قصة الحب المكررة التي جمعت بين الشاب الثري والفتاة الفقيرة٬ والصراع الإنساني بين طبقتي السادة والخدم٬ والذين كانوا يسكنون جميعاً القصر. تخرج حكاياته خارج الأسوار ليحكي عن الطبقة المهمشة من المصريين٬ والذين تربط بينهم أيضاً علاقات إنسانية معقدة تبدأ بالحب ولا تنتهي بتجارة الهوى. يغلف كل ذلك غلالة من الصوفية تربط الماضي بالحاضر٬ وتضع كل الحكايات القديمة والجديدة والسياسية والاجتماعية في سلة الحب الذي يبدأ كل شيء وينتهي عنده.

تلعب روبي دورين في المسلسل٬ دور سلمى الصحفية في الحاضر٬ ودور نادرة في الماضي٬ وأحمد داود أيضاً، يلعب دور يوسف الثري في الماضي٬ ويوسف الثالث في الحاضر٬ تشاركهم البطولة سوسن بدر في دور خديجة هانم ومحمد فراج في دور علي بحر وأروى جودة في دور أصداف.


كليشيهات أم كلاسيكيات؟

يثير مسلسل «أهو ده اللي صار» رأيين أساسيين لدى الجمهور. الرأي الأول، يحتفي بكلاسيكية قصة الحب المحرمة بين الخادمة والنبيل٬ ويبارك الجرأة وسحر البدايات في قصة الحب بين الصحفية والشاب الفقير. أما الرأي الثاني، فيستنكر كليشيهية كل هذا٬ إذ إن ما الجديد في قصص الحب المستحيل الذي يناضل طرفاه٬ أو في فتاة جريئة «مودرن» تخطب ود الشاب الذي أعجبها؟ كلها حواديت قدمت من قبل وسوف تظل تحدث للأبد.

المختلف هنا، والذي حاول أن يقدمه المسلسل٬ هو أنه يحكي تاريخ البلد من خلال قصتي الحب٬ دون أن يشير أصلاً إلى أنه يحكي تاريخاً. فقصة الحب القديمة تحركها عودة الطبيب من الخارج وتوقه ليعيش حياة متحضرة لا تشكل الطبقة الاجتماعية فيها عائقاً أمام الإنسانية٬ تحركها أيضاً ثورة 1919 والتي شارك فيها الحبيبان عرضاً دون نية ودون إرادة. أما قصة الحب في الحاضر، فيباركها الأب الذي يستغل نفوذه كي يرفع يوسف لمصاف الأثرياء بمكالمة هاتفية٬ والتغير الاجتماعي الشديد الذي حدث في مائة عام ونقل المجتمع نقلة نوعية تراها في قصتي الحب دون الإشارة أصلاً لهذه التغيرات.

كأن العالم كله يحدث على هامش قصص الحب٬ فترى من خلال القصتين كيف تغيرت النظرة للفن والمسرح عندما تسمع أصداف تقول مستنكرة: «أنا ست محترمة شغالة في كرخانة.. عايزني على آخر الزمن أقل قيمتي واطلع أمثل عالمرسح».

ترى أيضاً كيف اقتربت الطبقات الاجتماعية من بعضها، فتجد سلمى الثرية تتقمص شخصية زميلتها وصديقتها الصحفية التي يعمل أبوها سائقاً لقطار الصعيد. حتى الخطاب الديني وسلوك المشايخ يستعرضه المسلسل من خلال شخصية الشيخ البساطي واقترابه من طبقة الفنانين المهمشين وتقبله تصرفاتهم بل ومساعدتهم دوماً دون تنمر أو فوقية. المسلسل لا يحكي فقط قصتي حب مكررتين٬ هو يشرح مجتمعاً في مائة عام٬ ويقدم لك هذا التشريح الاجتماعي في قالب درامي دون تنظير، ودون الإشارة أصلاً.


هل تقرأ، أم ترى؟

أثار المسلسل أيضاً رأيين آخرين متناقضين٬ أحدهما يصر أن الحوار مفتعل، والآخر، مفتون برقي وعمق الكلام الذي يأتي على لسان الأبطال في وصف حالاتهم ومشاعرهم. أيضاً يستنكر البعض إقحام أشعار ابن الفارض على الحوار، ويرى أنه تقمص لحالة صوفية مقحمة على روح المسلسل٬ والبعض الآخر يرى أن الحوار جعل القصص والحكايات والمشاعر التي يحكيها المسلسل أكثر رقياً ونبلاً وتميزاً.

في الحقيقة، فإن اللغة التي استخدمها عبدالرحيم كمال في حوار المسلسل غير معتادة بالفعل٬ تصلح أكثر لتكون حواراً تقرؤه في رواية٬ فالخط الزمني الذي يدور في الحاضر يقوم معظمه على أسئلة تسألها سلمى ليجيب عليها يوسف٬ فتجدها في مرة تلتفت له فجأة وتسأله: «إيه الحب يا سيدي يوسف؟»، فيلتقط كتاباً ويتلو عليها مشهداً روائياً جداً تقرؤه فتتخيله، وعندما تراه أمامك تشعر أنه يحمل ثقلاً غير مستساغ.

الكثير من مشاهد علي بحر الذي يتحدث فيها عن حبه لنادرة تحمل حواراً روائياً مقعراً لا تراه كثيراً على الشاشة، ولكنك تقرؤه في الروايات فتمسك قلماً وتضع خطوطاً تحت السطور كي تعود لها لاحقاً، محاولة جيدة جداً للنهوض بشكل ولغة الدراما لتصبغها بمهابة الرواية، محاولة تحسب للكاتب رغم أنها كانت غريبة على بعض المشاهدين.

المسلسل بشكل عام يمكن اعتباره جيداً جداً بضمير سليم، ويلفت الانتباه في ظل المسلسلات العادية التي تعج بها الدراما التلفزيونية في السنوات السابقة، حتى مع الأخذ في الاعتبار أن خط الماضي أكثر إتقاناً على مستوى الصناعة والتمثيل من خط الحاضر، ولكن هذا لم ينتقص من جمال المسلسل، خاصة أن خط الحاضر وظيفته الأساسية، أن يقوم بالتخديم على القصة الأساسية التي تحدث في الماضي.