والله لا يكاد المرء يصدق هذا الغثاء المسطور في حق ذاك المغمور، بل هذا التهافت الذي يتضح فيه مقام البنغلي، خادماً لسيده المتحكم في رقبته، فقد سبه وشنع عليه بالهزل المكتوب من حيث أراد أن يمدحه، وإذا بها سخرية هازلة، تفضح ولا تشرح، وتهين ولا تبين، أسماها «ترجمة» وهي والله أقرب لرثاء مفقود. فهما في هذا، كحال الجار والمجرور، من حيث «الجارّ» نفسه في صورة رفع، وحقيقة خفض! ولنبدأ بالحديث عن البنغلي الجارّ قبل العدناني المَجرور

لم تكن تلك الكلمات لـ طارق عبدالحليم المقيم في الأراضي الكندية هي الأولى التي تشن هجومًا على الترجمة التي نشرها القيادي بـ داعش «تركي البنعلي» حول المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني بعنوان «اللفظ اللساني في ترجمة العدناني»، فقد سبقه من قبل كتابات لـ هاني السباعي القيادي بتنيظم الجهاد، وأبو محمد المقديسي المنظر السلفي الجهادي، وغيرهم من السلفيين الجهاديين المعادين للتنظيم.ولكن لا شيء تغير فظل العدناني كما هو وذهبت تلك الكلمات هباءً منثورًا، فمن هو أبو محمد العدناني؟، وكيف ارتقى لمنصب المتحدث الرسمي لتنظيم الدولة الإسلامية؟، وما دوره في الخلاف بين التنظيم وغيره من التنظيمات الجهادية؟.


العدناني الفتى المجهول

ليس باليسير على الأجهزة المخابراتية التعرف على السير الذاتية لقيادات التنظيمات الجهادية، وهذا أمر منطقي شيئًا ما في عرف تلك الأجهزة والتنظيمات، ولكن الغريب في العدناني هو كون تنظيم كتنظيم القاعدة يتفاجأ بتولية شخص مجهول بالنسبة له منصب المتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية، ولم تكن تلك السابقة الأولى لعدم معرفة قيادات القاعدة بالقيادات الداعشية، فقد طلب زعيم القاعدة ابن لادن من الشيخ محمود «عطية عبدالرحمن» من قبل إرسال سيرة ذاتية عن أبو بكر البغدادي الذي لم يكن له سجل بأرشيف الجماعات الجهادية.أبو محمد العدناني و ياسر خلف حسين نزال الراوي و منجنيق الدولة الإسلامية كلها ألقاب لشخص واحد هو طه صبحي الفلاحي من مواليد عام 1977 بقرية بنش مدينة سراقب محافظة أدلب سوريا، عاش في «قضاء حديثة» بالأنبار بالعراق، بدأ نشاطه في 2003 عندما كان مدرب في معسكر «حديثة» بالتوحيد والجهاد، ثم عينه أبو مصعب الزرقاوي أمير «حديثة»، ثم بعد ذلك عين مدربًا في معسكر الجزيرة، وبعدها المسئول الشرعي للقطاع الغربي بالأنبار، ثم شغل منصب المتحدث الرسمي باسم دولة العراق الإسلامية، ثم المتحدث باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام.وحول حياته وفقًا للترجمة التي نشرها تنظيم الدولة، فإن العدناني في طفولته تميز بحبه للمساجد، كذلك تميز بشغفه بالقراءة، إلى جانب حفظه للقرآن الكريم في أقل من عام، قرأ في التفسير لـ ابن كثير وكتاب في ظلال القرآن لسيد قطب، كذلك اهتم بقراءة كتابات الإمام الشوكاني، كذلك العديد من الكتابات في الأدب، واهتم بقراءة شعر المتنبي الذي قال فيه «ما أراه إلا أشعر العرب في الجاهلية والإسلام»، تأثر في تربيته بثلاث شيوخ هم أبو أنس الشامي، وأبو ميسرة الغريبـ وأبو بكر البغدادي.أصدر أبو محمد العدناني العديد من الكتب منها «متن في فقه الجهاد ومسائله، منظومة في فقه الجهاد، السلسلة الذهبية في الأعمال القلبية، معينة الحفاظ»، وعلى إثر شدة انتمائه للقاعدة بداية ألف قصيدة بعنوان «القاعدي».


العدناني مفجر الخلاف بين القاعدة وداعش

في نهاية العام 2011، رأى أبو بكر البغدادي أنه من الواجب أن يكون له دور في سوريا، وعليه أرسل مجموعة عرفت باسم «جبهة النصرة لأهل الشام» على رأسها أبو محمد الجولاني، وأبو محمد العدناني، وحجي بكر، وأبو علي الأنباري.

السبب وراء خروج حالة العداء بين داعش والقاعدة إلى العلانية يعود إلى أبو محمد العدناني وما كان يرسله من تقارير حول زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، وتشكيكه في ولاء الجولاني لـ داعش.

ولاعتبارات أمنية -لعدم وجود سجل له في أرشيف الاستخبارات، ولأصوله الشامية حيث كانت والداته شامية- تم اختيار أبو محمد الجولاني زعيمًا للفرقة المرسلة لسوريا، ولكن واقعيًا كان القائد الفعلي للمجموعة هو «حجي بكر» الذي يذكر أنه كان عقيدًا في الجيش العراقي.وقد كان العدناني بمثابة المراقب على الجولاني، وعمل على إرسال تقارير دورية للبغدادي حول الجولاني أشار فيها إلى شكه في الجولاني وولائه للدولة الإسلامية، ونتيجة لتكرار هذه الرسائل أكثر من مرة خرج البغدادي وأعلن أن جبهة نصرة أهل الشام تابعة لتنظيم الدولة، وعليه ظهر الجدال بين داعش والقاعدة في أول محطاته العلانية.بعد هذا الإعلان خرج الظواهري وأمر تنظيم الدولة بالبقاء في حدود العراق ورفع يده عن جبهة النصرة، إلا أن أبو محمد العدناني كان له رأي آخر فرفض تصريح زعيم القاعدة الظواهري مؤكدًا استمرار الدولة الإسلامية في العراق والشام، وعليه بدأ أول هجوم من قبل الفصائل الإسلامية المعارضة لداعش إلى جانب الجيش الحر ضده؛ وعليه ظهر التسجيل الصوتي الشهير للعدناني بعنوان «الرائد لا يكذب أهله» الذي قال فيه «يا أهل الشام لا يلبس عليكم أو يغرنكم الإعلام فإنما نحن بين ظهرانيكم، فلا تحكموا إلا بما ترونه بأعينكم وتحسونه بأيديكم، والله إنها مؤامرة العراق حذو القذة بالقذة، إنها والله الدولة المدنية والمشروع الوطني وإنها الصحوات، فقد عرفناها وعرفنا شنشنتها، فبالأمس في العراق ائتلاف ومجلس وطني وكتل وأحزاب سياسية وجيش إسلامي وجيش مجاهدين وفصائل وجماعات، وها هم اليوم يعادون في الشام بنفس العرابين والداعمين والممولين، بل بنفس الأسماء».


«ويحيى من حيّ عن بينة»: خطاب ممنهج وتوقيت مناسب

من الآية 42 بسورة الأنفال اختار أبو محمد العدناني عنوانًا لكلمته الأخيرة، التي جاءت في الوقت الذي روجت فيه الحسابات الداعشية على الصفحات التويترية لكلمة مرتقبة لزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، ولكنها لم تأت بعد واستبدلت ببث شريط من مؤسسة الفرقان معنونا بـ « ويحيى من حي عن بينة» يوم 21 مايو 2016 ليظهر العدناني بعد غياب اقترب من نصف عام وتحديدًا منذ أن تداولت العديد من الأخبار التي تفيد بإصابته في غارة بأكتوبر الماضي.أفضل ما جاء في الكلمة هو توقيتها، حيث بثت في نفس الوقت الذي سمح فيه أفراد التنظيم لأهالي مدينة الرقة بالذهاب إلى الريف بسبب عزم قوات التحالف الدولي شن هجوم واسع على مواقع التنظيم هناك.وبعيدًا عن تخصيص العدناني جزءًا من الخطاب للهجوم على تنظيمه السابق جبهة النصرة ووصفها بـ «بجهة الردة»، جاء الخطاب في مجملة خطابًا معاديًا للغرب وداعيًا المجاهدين لاستهداف الدول الغربية.بدأ العدناني دعوته لاستهداف الدول الغربية باستحضار صورة ما فعلته الولايات المتحدة والدول الغربية بالعراق وما ترتب على ذلك من مآسٍ، طارحًا مجموعة من الأسئلة على الأمريكان «فيا أيّها البغل الفاشل المهزوم، أين نصرُك المزعوم؟، أين خارطة الشرق الأوسط الجديدِ التي أتيتِ بها أمريكا؟، أنسيتيها أم تناسيتيها أم نحن من رسمها وبات دمارُكِ وزوالُكِ وشيكًا؟، أين العراق المُوحَّد الحرّ وأين الديمقراطية؟، أتُخادعين نفسكِ وشعبكِ والعالم، أم تعترفين بالدّولة الإسلاميّة؟، أين الأمن والإعمار والازدهار الموعود؟، أتَكذبين أمريكا أم تعجَزينَ عن تحقيق الوُعود؟، هل جعلتِ العالم بحربكِ علينا أكثر أمنًا أمريكا أم عمّ الخوفُ والدمّار وتشهدُ كندا وفرنسا وتونس وتركيا وبلجيكا؟، هل قَضيتِ على الإرهاب وأخمدتِ نار الجهاد، أم انتشر وسرى وعلا وعمّ أنحاء البلاد؟، هل انتصرتِ على المجاهدين أم أعلنّا الخلافة وننعمُ بفضلِ الله بالتمكين؟».بعد ذلك اتجه العدناني ليحدّث المسلمين عن الوضع بسوريا وما ترتب عليه من كشف للحقائق «أيّها المسلمون، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنها الشام الفاضحة جلّت لكم الحقيقة حتى غدَت كالشمسِ واضحة، فمَنْ يَهْلَكْ يَهْلَكْ عَن بَيِّنَةٍ وَ مَنْ يَحْيَى يَحْيَى عَن بَيِّنَةٍ، ها هو العالم الكافر بأسره اجتمع وتحالف وتكالب على قتال الدولة الإسلاميّة وجعل حربها وهزيمتها والقضاء عليها أوْلَى أولويّة».وفي الإجابة على تلك الأسئلة لخص العدناني الأمر في أن الدول الغربية تحارب المسلمين وأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية لكونهم يأمرون بعبادة الله وحده «فما اجتمع العالم بأسره لحربنا إلا لأننا نأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ونُحرّض على ذلك ونوالي فيه ونكفّر من تركه وننذر عن الشّرك في عبادة الله ونغلظ في ذلك ونعادي فيه ونكفر من فعله».ثم انطلق للدعوة للانتقام؛ أي استحضر حالة من العداء وبررها بمحاربة الدول الغربية للإسلام والمسلمين ليدعو إلى الثأر والانتقام، ولكن يبدو أن البعض من تابعي الدولة الإسلامية بالدول الغربية ما زال لديهم تخوّف من عدم الشرعية، وهذا ما رد عليه العدناني في قوله:«نخص جنود الخلافة في أوروبا وأمريكا، هناك من يتحرّج باستهداف المدنيين ويعرض عنهم لشكّه بالجواز والمشروعية، فاعلموا أن في عقر دار الصليبيين لا عصمة للدماء ولا وجود لما يسمى بالأبرياء، والأدلة كثيرة» فبهذه الكلمات أزال العدناني التخوف من عدم شرعية استهداف المجاهدين في الدول الغربية للمدنيين مشيرًا إلى أن كل من في دار الصليبيين –الدول الغربية- لا عصمة لدمائهم ولا جرم في قتلهم.


رسائل الخطاب الثلاث ومدلولاتها

جاء الخطاب بصورة أساسية تعبيرًا عن حالة من العداء تجاه الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لما تقوم به من عمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في إطار التحالف الدولي.

يمكن النظر للخطاب على أنه احتوى ثلاث رسائل أساسية مرسلة لثلاث: الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، والثانية للمسلمين عامة، والثالثة للموالين لداعش.

وجه العدناني في خطابه ثلاث رسائل أساسية لكلا من الولايات المتحدة الأمريكية والأمة الإسلامية عامة، ثم اتجه في النهاية ليخص بحديثه الموالين لتنظيم داعش بالدول الغربية.

في الرسالة الأولى اقترب خطاب العدناني من الخطابات الجهادية عامة والتي ترى في الولايات المتحدة الأمريكية رأس الأفعى والشيطان الأعظم، ليكب بها جمهور المجاهدين من التنظيمات المختلفة وإن كان حاول ألا يظهر ذلك من خلال حديثه عن جبهة النصرة ووصفها «بجبهة الردة» إلا أن ذلك ربما يكون تفسيره في لغة التعالي والاستكبار التي يتحلى بها خطاب التنظيم عامة.الرسالة الثانية والتي خاطب فيها العدناني الأمة الإسلامية عامة بعقيدة الولاء والبراء مبينًا هدف الدولة الإسلامية وسعيها لرفع راية الإسلام ونصرة الأمة الإسلامية، صابغًا شرعية على أفعال الدولة الإسلامية كنوع من أنواع الاستعطاف وجذب الجمهور.الرسالة الثالثة جاءت للموالين لداعش، فبعدما تحدد العدو وتبرر سبب العداء وتضفي شرعية على معاداتك له لابد وأن تحث مناصريك على مهاجمته، وهذا ما فعله العدناني داعيًا الموالين لداعش بالغرب للقيام بعمليات جهادية ضد الدول الصليبية على حد تعبيره غير مفرق ما بين مدني وعسكري.هذا ما حمله الخطاب بصورة مباشرة ولكن الخطاب في مجمله وفي الرسائل الخفية له يشير بصورة واضحة إلى أن تنظيم داعش متضرر بصورة كبيرة من التحالف الدولي وحصاره له، ويدل أيضًا على تلقيه العديد من الهزائم، الأمر الذي دفعه لمحاولة تقليل ذلك بالتهديد والحث على القيام بعمليات جهادية داخل تلك الدول المحاربة له مستغلا التخوف الغربي من إيمانيات شهر رمضان وقدره لدى الموالين للسلفية الجهادية، وتشمل تلك التهديدات بصورة بارزة الدول المشاركة في التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا.