مازالت الأزمة الخليجية القطرية تزداد حدتها يومًا بعد الآخر، حيث مزيد من التصعيد من جانب دول المقاطعة، مع بدء الحديث عن إمكانية اتخاذ عدد من الخطوات العقابية ضد الدوحة عبر تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، وذلك مع تأكيد قطر أن قائمة المطالب التي قدمتها الدول الأربعة كشروط لإعادة العلاقات معها يستحيل تنفيذها، فيما لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل امتد إلى تركيا، التي باتت طرفًا في الأزمة رغمًا عنها، حيث تتوالى الأنباء عن تلويح دول المقاطعة بقطع علاقاتها الدبلوماسية معها إذا لم تتراجع عن موقفها الداعم للدوحة.وهو ما يثير عددًا من التساؤلات الرئيسية حول التداعيات المحتملة إذا نُفِّذت تلك الإجراءات ضد الدوحة وأنقرة، ومستقبل الخريطة السياسية بالمنطقة، خاصة مع انتهاء مهلة العشرة الأيام التي منحتها الدول الأربعة قطر للرد على قائمة المطالب، بعد غدٍ الاثنين، الثالث من يوليو/تموز الجاري، حسبما صرح عمر سيف غباش سفير الإمارات لدى روسيا.


الخليج يتوعد وقطر تتجه شمالًا

التسريب يسعى إلى إفشال الوساطة في مراهقة تعواتتدناها من الشقيق، وكان من الأعقل أن يتعامل مع مطالب ومشاغل جيرانه بجدية، دون ذلك، فالطلاق واقع.
أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية

هكذا رد قرقاش على تسريب قائمة المطالب الـ13، والتي كانت دول المقاطعة قدمتها إلى الدوحة وأمهلتها عشرة أيام للرد والاستجابة لها إذا ما رغبت في إنهاء الأزمة وعودة العلاقات مرة أخرى، حيث كان من بين هذه المطالب غلق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وتقليص علاقات الدوحة مع إيران، وإغلاق قناة الجزيرة.فيما لم يُوضّح قرقاش ماذا يعني بـ«الطلاق»، وهو الأمر الذي تناوله العديد من المحللين، موضحين أنه يشير إلى إمكانية تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون، وكذلك الجامعة العربية، هذا بالطبع فضلًا على المقاطعة الاقتصادية وتجميد ودائعها في الدول المقاطعة.

اقرأ أيضًا:التسليم التام والموت الزؤام: أبرز ما جاء في طلبات المحاصرين وإزاء هذا التصعيد أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني استحالة تنفيذ قائمة المطالب، مؤكدًا استعداد الدوحة للتفاوض، كما أشار إلى العمل مع واشنطن والكويت لإعداد قائمة ردود مناسبة، كما جاء التحرك القطري سريعًا عبر زيارة قام بها وزير الدفاع القطري خالد بن حمد العطية، يوم أمس، الـ 30 من يونيو/حزيران الماضي، إلى تركيا، داعمها الرئيسي بالأزمة، حيث التقى نظيره التركي فكري أسيق، الأمر الذي يشير إلى إجراءات استعدادية من الدوحة لمواجهة أي قرارات محتملة بتجميد عضويتها أو تشديد الحصار عليها من جانب دول المقاطعة.


ماذا لو جُمِّدت عضوية قطر بمجلس التعاون؟

وفي هذا السياق من التصعيد يمكن رسم صورة سريعة للتداعيات التي يمكن لها أن تحدث نُفِّذت التهديدات الخليجية وجُمِّدت عضوية قطر بمجلس التعاون، فعلى الجانب الاقتصادي، سيؤدي ذلك إلى تداعيات سلبية على كل من الدوحة ودول المقاطعة، كالتالي:

أولًا، ستتأثر قطر وقطاع الأعمال فيها بدرجة كبيرة، لاسيما الخطوط الجوية القطرية، التي ستجد صعوبات في طريقها لممارسة الأعمال بشكل طبيعي.

ثانيًا،ستتأثر الأسواق السعودية والإماراتية والمصرية أيضًا بمنع تدفق رءوس الأموال القطرية إليها، حيث كانت السعودية والإمارات قد استقبلتا رءوس أموال قطرية بقيمة 3.8 مليار دولار و1.2 مليار دولار، بين عامي 2003 و2016، بينما استقبلت البحرين ما قيمته 21 مليون دولار، وبلغت الاستثمارات القطرية بمصر نحو 14.7 مليار دولار حتى عام 2015.

وستظل الموانئ الخليجية مغلقة أمام وسائل النقل القطرية، وهو ما يعني الإضرار برجال الأعمال السعوديين، الذين يقومون بشحن السلع إلى الدوحة، حسبما أشار أندرو إنجليند بمقاله في فيانانشيال تايمز البريطانية.

ثالثًا: سيكون من الصعب المُضي قُدمًا في عدد من المشاريع المشتركة بين دول الخليج الثلاث وقطر، مثل المشروع المقترح ببناء جسر بين الدوحة والمنامة بطول 40 كيلومترًا، ومشروع ربط شبكات السكك الحديدية بين دول الخليج. كما قد سيؤدي إلى تقويض حالة التسارع في نمو التجارة المشتركة بين دول المجلس، والتي ظلَّت تنمو بنسبة 15% سنويًّا خلال العقد الماضي.

وعلى الجانب السياسي، هناك أمران: الأول، احتمالية أن تؤدي خطوة تجميد عضوية قطر إلى تهديد مستقبل مجلس التعاون، حيث يمكن أن يشجع هذا سلطنة عمان على الانسحاب منه في ظل ما تتخذه من مواقف متمايزة عن بقية دول المجلس

والثاني، دخول المنطقة في مرحلة جديدة من الاستقطاب يكون التعاون التركي القطري أبرز ملامحها، كأحد أهم تداعيات هذه الأزمة. وهو ما تؤشر له زيارة وزير الدفاع القطري لأنقرة، والتي طالب خلالها برفع عدد القوات التركية بالدوحة، الأمر الذي استجابت له أنقرة بإرسالها قوات عسكرية إضافية طبقًا لاتفاق التعاون العسكري بين الطرفين الذي صادق عليه البرلمان التركي في السابع من يونيو/حزيران الماضي، وما أُعْلِن عنه من إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الطرفين بالتزامن مع وصول هذه الدفعة الجديدة من القوات التركية.

اقرأ أيضًا:حدود الموقف التركي من الأزمة الخليجية

ويمكن تفسير ذلك على أنها رسائل ذات دلالات موجهة لدول المقاطعة. وهو ما دفع عددًا من المحللين للتنبؤ بإمكانية تطوير التعاون العسكري بين قطر وتركيا عبر توقيع اتفاقية دفاع مشترك بينهما على خلفية هذه الزيارة، وبذلك تتجلى معالم التعاون القطري التركي في مقابل التعاون الإماراتي السعودي المصري، بانتظار ما قد تسفر عنه الأيام المقبلة، بانتهاء المهلة المحددة لقطر.


هل تلقى أنقرة مصير الدوحة؟

في هذا السياق بدأت الأنباء تتردد عن رغبة دول المقاطعة الأربعة في قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع أنقرة لتلقى مصير الدوحة نفسه، ما يمكن -إذا ما حدث- أن يترك عددًا من التداعيات السلبية على الجانبين، يأتي في مقدمتها فقدان الاستثمارات التركية المشتركة مع دول الخليج، وذلك بعدما ارتفع حجم التجارة بين الجانبين ليبلغ حوالي 16 مليار دولار في عام 2014، في مقابل 1.49 مليار دولار فقط في عام 2002، طبقًا لمؤشرات البنك الدولي، وبعدما بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لدول الخليج إلى تركيا حوالي 2.8 مليار دولار في الفترة بين عامي 2010 و2014. كما أن التداعيات السلبية للأزمة على الاقتصاد القطري قد تؤدي إلى تراجع الاستثمارات القطرية في أنقرة، والتي تبلغ نحو 20 مليار دولار، الأمر الذي يضع أنقرة في أزمة كبيرة هي الأخرى قطعت دول المقاطعة العلاقات معها.وإذا كان هذا اقتصاديًّا، فسياسيًّا يُلاحظ أن موقفها بالأزمة أدى إلى مضاعفة دوائر الفتور في علاقاتها الخارجية مع عدد من الدول التي تدعم مقاطعة الدوحة، وإلى إخفاقها في الحصول على وعد سعودي بإنشاء قاعدة عسكرية لها بالمملكة، لكنها بالمقابل عززت وجودها في الخليج في قطر على هامش الأزمة.

اليوم أعلن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رفض بلاده للمطالب الرباعية لتعارضها مع حق السيادة القطري، في الوقت الذي بدت فيه الدول المقاطِعة تفتقر للدعم الدولي الذي يمكنها من التصعيد الفعلي، لاسيما وأن الدوحة على خسارتها الاقتصادية تفوقت سياسيًّا بدعم حلفاء أقوياء إقليميًّا ودوليًّا، بانتظار ما ستقدم عليه الدول الأربعة، وإذا ما كانوا قادرين أم لا على معاقبة أنقرة بعدما باتت طرفًا في الأزمة، مرةً بتحالفها مع الدوحة ومرة أخرى بإدراجها على قائمة المطالب.