لطالما كانت القدرة على تفكيك الخطاب الجهادي المعاصر بصورة دقيقة، هي من أهم وأبرز المقومات التي تحتاجها القراءة الصحيحة للتيار الجهادي. ولأن عددًا كبيرًا من العوامل والدوافع والتفسيرات الاجتماعية والسياسية تشتبك في تشكيل معادلة العمل القتالي المعاصر؛ فإن النماذج التفسيرية بحاجة بلا شك إلى قدر من التركيب المنبي على تعقيدات هذه المعادلة.

أثمرت مرحلة ما بعد الخامس والعشـرين من يناير وحتى انقلاب الثالث من تموز/ يوليو ٢٠١٣م أمرين مهمين.

الأول: هو دخول غالب الجماعات والتيارات الإسلامية السلمية والعنيفة داخل المجال السياسي السلمي الذي فُتح على مصـراعيه عقب سقوط مبارك؛ إذ راحت كلها تسعى سعيًا حثيثًا لتأسيس الأحزاب السياسية التي كانت بعض هذه الجماعات تحرمها أو تكفرها في السابق، بل ودفعت بشكل ملحوظ تنظيم القاعدة لتبني خطاب أقل حدة وممانعة لمنجزات هذا السبيل حينها.

الأمر الثاني: كان متمثلًا في تفلت أمني، قد يكون شبه متعمد، للحدود المصـرية، وهو ما دفع بعض الجماعات القتالية لتأمين احتياجاتها من السلاح النوعي، خاصة مع استشراف البعض مرحلة سقوط الإخوان من الحكم.

تمثلت مرحلة البروز الفاعل نسبيًا للتيارات القتالية في مصـر مجددًا في أعقاب العنف الذي واجهته التيارات الإسلامية التي ساندت الرئيس المعزول محمد مرسي بعد أحداث الحرس الجمهوري بالتحديد، ثم المنصة وفض اعتصامي رابعة والنهضة؛ إذ صعد نجم كل من تنظيم أنصار بيت المقدس وتنظيم أجناد مصـر، ثم مع تصاعد وتيرة الضغط على الإسلاميين بشكل عام ظهرت مجموعات عنيفة صغيرة كالعقاب الثوري والمقاومة الشعبية، ثم لواء الثورة وحركة حسم.


الجهادية العالمية: بين القاعدة وتنظيم الدولة

مثلت اتفاقية كامب ديفيد، التي اعتبرها القيادي في الجماعة الإسلامية في مصـر طارق الزمر صورة صارخة لضرب الوطنية المصـرية والتسليم للمشـروع الإمبراطوري الإسرائيلي في المنطقة، منحنى الصعود التأسيسي للعمل العنيف، وفي أواخر التسعينيات نشأ تنظيم «التوحيد والجهاد»، وبحسب هاني السباعي، أحد الشخصيات الجهادية المعروفة في لندن، فإن تنظيم التوحيد كان البداية الحقيقية للجهاد بقيادة الدكتور خالد مساعد [1].

لـم يكن الجيش المصـري مكفَّرا لدى الجهاديين في سيناء، فقد كان تنظيم «التوحيد والجهاد» يضع إسرائيل في عين المواجهة، وكان مساء الخميس السادس من تشـرين الأول/ أكتوبر 2004 م – في الذكرى الحادية والثلاثين لحرب أكتوبر – الموعد الذي نفذ فيه التنظيم أولى عملياته في طابا، فقتل أكثر من ثلاثين بينهم 13 إسرائيليًا، ويصف رئيس لجنة فض المنازعات في سيناء حسام فوزي السنوات من (2004 م) حتى (2006 م) بالكارثية والأشد ظلمًا على أبنائها، الذين مورست ضدهم أشكال من التعذيب لـم يعرفوها حتى تحت احتلال الصهاينة، إلا أن «انقلاب الثالث من يوليو» دفع السيناويين إلى منحدر أكثر بطشًا، ويقول البرلماني السابق عن محافظة سيناء يحيى عقيل إن الانقلاب مثل عودة إلى حكم أمن الدولة والاعتقال العشوائي والسياسي والتهميش، وخروج الشباب إلى الجبل وحمل السلاح.

ويذكر الباحث الميداني إسماعيل الإسكندراني أن «أنصار بيت المقدس» لـم يستهدفوا الجيش قبل أن يستهدفهم بمذبحة يوم «8 تموز/ يوليو 2013 م» على يد الحرس الجمهوري، أما تخوين الجيش وتكفيره فوقع عقب مذبحة رابعة.

وبتنفيذ إسرائيل غارة جوية في (9 آب/ أغسطس 2013 م) حيث قتلت عددًا من كوادر أنصار بيت المقدس، وهو في الغالب بتنسيق أو إشارة موافقة من الجانب المصـري؛ أخذ منحنى العنف ومساحاته في الازدياد، خاصة ضد الأمن المصري هناك، ولـم يمض إلا وقت قليل حتى غرقت سيناء في تعتيم إعلامي منذ (أيلول / سبتمبر 2013 م)، تخلله – بحسب أحمد مفرح من المرصد المصري للحقوق والحريات – تسجيل 549 حالة قتل خارج القانون، و7065 اعتقالًا عشوائيًّا، و493 حالة تهجير وهدم بيوت، و314 إخفاء قسـريًا، ثبت أن الكثير منها كان مصيره الموت وإلقاء الجثث في العراء وفي الآبار [2].

لا يخرج تنظيم أنصار بيت المقدس – ولاية سيناء حالياً – في بداياته الأولى عن خط تنظيم القاعدة ونسخة من جماعة التوحيد والجهاد المرتبطة مرجعيًا بأبي محمد المقدسي، إلَّا أنَّ التطور الأبرز في رحلة التنظيم هو الشرخ المرجعي الذي أصابه، ولـم تظهر مؤشراته بشكل مؤثر في بنيته التنظيمية وحركيته؛ إذ مثل صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ثم إعلانه الخلافة حالة ارتباك عامة داخل المنظومة الجهادية، ومنها تنظيم بيت المقدس وقتئذ؛ إذ تسبب الخلاف العلني الزعاماتي بين البغدادي والظواهري في ارتباك مرجعي ورمزي في الوسط الجهادي بعامة، حيث تشير معلومات إلى حصول خلاف داخل تنظيم أنصار بيت المقدس حول بيعة البغدادي من عدمها؛ وحصل خلاف كاد يشق التنظيم لولا تدارك الإشكال بتجاوز الأزمة عملياتيًّا فيما يبدو [3].

استمد التنظيم زخمًا كبيرًا إثر عدد من العمليات النوعية الموجهة لقوات الجيش المصـري في سيناء، بينما أعلن عن تمدده القاهري في عدة عمليات في القاهرة، كان من أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، وتفجير مديرية أمن القاهرة، ثم أعلن عن نسخته الداعشية بعمليتين نوعيتين؛ الهجوم على كمين كرم القواديس، ثم المعركة الكبيرة التي استمرت لأيام في الشيخ زويد وطالت عددًا كبيرًا من الكمائن العسكرية ومراكز الشرطة.

لا يزال التنظيم عصيًا على الكشف الكامل لأساليب ومصادر تسليحه النوعية، وكذا على مستوى الهياكل التنظيمية الخاصة بطبيعة الأراضي السيناوية، إلَّا أنَّ بعض التقارير تشير لوجود قيادات عسكرية سابقة ضمن أعضائه، منوط بهم التدريب والتوعية العسكرية داخل التنظيم، وهو ما قد يفسـر هذا القدر من النكاية التي يحققها التنظيم في صفوف جيش وشرطة بحجم الجيش والشـرطة المصـرية، فقد أفادت بعض المصادر أن ضابط قوات الصاعقة المصـري هشام عشماوي هو المسئول الأهم في التنظيم على مستوى التدريب والتكتيك، كما أفاد تسجيل ضابط القوات المسلحة السابق الرائد وليد بدر ضلوعه في تفجير موكب وزير الداخلية محمد إبراهيم.

وبخلاف المؤسس الرمزي الدكتور خالد مساعد؛ فليس ثمة رموز مرجعية محلية بارزة للتنظيم، ويبدو أن إعلان البيعة والتبعية لتنظيم الدولة ارتبط بحاجة التنظيم السيناوي للتمويل البشـري والـمادي من التنظيم المركزي في الموصل، وهو ما قد يفسر تجاوز الجناح الموالي للقاعدة في سيناء لأزمة مبايعة البغدادي.

أظهر التنظيم ارتباطه المرجعي الشرعي بالتراث الوهابي المرتبط بقضايا التكفير والولاء والبراء في أحد تسجيلاته التي أعلن فيها تجديد بيعته للبغدادي، ويظهر التسجيل سردًا لعدد من آراء الشيخ محمد بن عبد الوهاب.


الجهادية المصرية المحلية: نمط قتالي جديد

أظهر تنظيم «أنصار بيت المقدس» ارتباطه المرجعي الشرعي بالتراث الوهابي المرتبط بقضايا التكفير والولاء والبراء في أحد تسجيلاته التي أعلن فيها تجديد بيعته للبغدادي

مثل انقلاب الثالث من تموز/يوليو عام ٢٠١٣م اللحظة التأسيسية لنمط جديد من العمل التغييري العنيف داخل الحركة الإسلامية في مصر، ومن هذا التاريخ وحتى يوم المذبحة التاريخية في ميداني رابعة العدوية والنهضة في ١٤ أغسطس ٢٠١٣م، كانت تطورات الفكرة القتالية تتبلور في الذهنية الإسلامية بصورة متصاعدة، وتفجرت في سياق أحداث رابعة والنهضة ثم رمسيس. وبالفعل ظهرت في مظاهرات رمسيس مجموعات قليلة جدًا حاملة السلاح أمام قسم الأزبكية [4]، وذلك مع تكرر هجمات البلطجية والداخلية على المتظاهرين.

والحقيقة أن مسيرة العمل القتالي المحلي، بخلاف القاعدة وداعش، تطورت وفق شروط نشأتها ودوافعها، حيث خرجت من رحم تجربة سياسية ديموقراطية أجهضها الانقلابيون في مصر، وولدت في ظل معارضة سياسية سلمية تمامًا أمام بطش الآلة العسكرية، وقُوضت فورتها وحماستها بتريث قيادات الإخوان وباقي الإسلاميين المناصرين في تحجيم الشباب وكبح جماحهم نحو العنف.

كما أن الأسس الفكرية التي تربى عليها هذا التيار الجهادي الناشئ تضلعت من التراث التربوي الإخواني والسلفي التقليدي والبعيد بصورة كبيرة عن مغذيات الاندفاع العنيف والمواجهة المسلحة، فضلًا عن خلو قواعد الإخوان وباقي الإسلاميين الداعمين من قواعد متدربة أو واعية بتكتيكات ومتطلبات المواجهة المسلحة مع دولة بحجم الدولة المصرية.

منذ العام ٢٠١٣ وحتى بدايات عام ٢٠١٦م كانت عمليات المجموعات المحلية، محدودة التأثير والقدرات، وبقيت على هذا الحال في إطار العمل العشوائي.

منذ العام ٢٠١٣ وحتى بدايات عام ٢٠١٦م كانت عمليات المجموعات المحلية [5] محدودة التأثير والقدرات، وبقيت على هذا الحال في إطار العمل العشوائي فيما يبدو، أو قد يكون ضمن استراتيجية العمل في الدوائر الصغيرة، والابتعاد عن الترتيبات التنظيمية الكبيرة التي تزيد من إمكانية كشفها لدى الأجهزة الأمنية.

بالإضافة إلى الخلافات التي ضربت جنبات جماعة الإخوان والتيارات المحسوبة عليها في تقرير طريقة مواجهة الانقلاب العسكري في مصر، حيث ظلت حرارة هذه الخلافات محبوسة تحت غلاف الحراك التنظيمي حتى انفجرت وظهرت مع تصاعدها وشدتها. ومع اشتداد الأزمة الداخلية للجماعة، ورفض قطاعات من إخوان وإسلاميي الداخل العمل في اتجاه تسوية الأزمة سياسيًا مع نظام السيسي؛ كان عدد من الشباب، من الإخوان وغيرهم [6]، قد قرر السير في مسار الإعداد للعمل العنيف لمقاومة الانقلاب، وقد صاحبت هذه الفترة بالفعل فترة كمون عملياتي واضح منذ منتصف عام ٢٠١٥م وحتى منتصف عام ٢٠١٦م، والتي أعقبتها جملة من العمليات العنيفة التي دللت على تطور نوعي وتكتيكي لهذه المجموعات.

ووفقًا لتحليلي؛ فإني أرى أن اختفاء مجموعات العقاب الثوري والمقاومة الشعبية وأجناد مصر كان بسبب أخطاء حركية وتنظيمية وضغوط أمنية من قبل النظام المصري أدت لإخفاقات كثيرة في صفوف هذه المجموعات، مما أدى لضرورة اللجوء لمرحلة الكمون الحركي العملياتي، وتجويد مراحل الإعداد الحركي التنظيمي، وبناء هياكل سرية تنظيمية صلبة يصعب اختراقها، مع تطوير مستوى الأهداف والتنفيذ، والظهور بصورة جديدة ومسميات مختلفة، وبالتالي يمكن اعتبار حركتي «لواء الثورة» و«سواعد مصر (حسم)»هما الامتداد المطور لسابقاتها، وسيتيبن ذلك من خلال تقصي خصائص وسمات مجمل التيار القتالي المحلي المصري الجديد.

إن الفوارق الفكرية والعملية بين النمط القتالي التقليدي، كالقاعدة وداعش، وبين هذا النمط القتالي المحلي الناشيء في مصر، تشير إلي تباينات في البنى الفكرية والعقدية التي تتأسس عليها المواجهة القتالية. كما أن مفردات الخطاب وموضوعاته، سواء الحشدي أو التوعوي أو المضاد، تشير بقوة إلى فروق مؤثرة في طبيعة العمل القتالي.

من الممكن إجمال عدد من الخصائص التي تميز خطاب الجهادية المصرية المحلية عن تلك الجهادية العالمية [7]:

1. مفردات الخطاب تخلو من ألفاظ «الكفر»، «الطاغوت»، «المرتدين»، وإن كانت لاتزال تحوي ما يتعلق بالخيانة والغدر والعمالة، لكنها تبقى بعيدة نسبيًا عن المضمون العقدي الحاد الذي يوجد في خطابات داعش والقاعدة.2. لا يتضمن خطابها أي مساحة مفردة للخصومات مع التيارات الإسلامية الأخرى، بل إن موقفها أقرب لطريقة الإخوان في التعامل المتوازن مع كل التيارات، فنجد على سبيل المثال استشهادات بأقوال للدكتور عبد الله عزام، ولأبي مصعب السوري، ولعلي عزت بيجوفيتش، ولبعض قادة حماس، وللشيخ محمد الغزالي، وللأستاذ محمد مهدي عاكف، وللأستاذ محمد أحمد الراشد [8]. والحقيقة أن هذا الجمع يمكن اعتباره مقصودًا لبلورة تيار قتالي مقاوم يتجاوز الخلافات العقدية الضيقة التي تعصف بالحركات القتالية كما الحال في سوريا، وإن كانت التجربة ما زالت في إطار الاختبار ولم تصل هذه المجموعات بعد لمرحلة النزاعات العقدية والفكرية.3. يستخدم كل من «لواء الثورة» و«حسم» مفردات: «الخائن – العميل – مرتزقة الداخلية – ميليشيات السيسي – دولة الفرعون»، وتخلو بياناتهم وتسجيلاتهم من المفردات التكفيرية والعقدية الحادة، ويغلب على خطاباتهم المفردات المتعلقة بالثورة والمقاومة والمدافعة. ففي إجابة حساب «إعلام المقاومة»على برنامج «آسك ask.fm» عن سؤال: لماذا مقاومة وثورة وليس جهادًا؟ لماذا ديموقراطية وعدالة اجتماعية وليس شريعة إسلامية؟ لماذا استخدام المصطلحات المائعة؟ أو ليس لكم في حازم صلاح أبو إسماعيل قدوة وأسوة؟! كان الجواب:«لا مشاحة مبدئيًا في الاصطلاح، وكل مفردة اصطلح عليها الناس للدلالة على مدلول يوافق الشرع فهي مصطلح شرعي، مثلاُ مصطلح «العقيدة» لم يرد في القرآن ولا في السنة بأي اشتقاق، وإنما جاء لفظ الإيمان، وقد تلقى علماء المسلمين قاطبة مصطلح العقيدة للدلالة على الإيمان دون حساسية، وهذا أمر طبيعي. فمصطلحات المقاومة والثورة تدل في وعي الناس على معان شرعية سامية وكبيرة ولا مانع من استخدامها إلى جانب المصطلح القرآني «الجهاد» »9].

وفي سؤال آخر حول تكفير نظام السيسي يقول: كيف تنظرون لنظام السيسي من الناحية الشرعية وهل تعتبرونه كافرًا أم صائلا؟ كان الجواب:

« أولاً: من ناحية الصيال، فنظام السيسي يعد شرعًا صائلاً على الأعراض والأموال والأرواح، فضلاً عن صولته على الأمة باغتصاب أمرها قهرًا وتعطيل السعي لإقامة شرع الله سبحانه وتعالى في أرضه.. وقد ظهر للكافة موالاته الفجة لأعداء الأمة ومظاهرتهم عليها وعلى ثوراتها في كل مكان، وحربه على قوى الجهاد والمقاومة التي تعمل لنصرة الدين داخل مصر وخارجها. قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين» (المائدة 51)

فاتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، أي مناصرتهم ومظاهرتهم ومعاونتهم على أهل الإسلام كفر صريح، وردة سافرة، وعلى هذا انعقد إجماع أهل العلم. كما ينبغي التأكيد أن ظاهر نص حديث النبى، صلى الله عليه وسلم، المذكور آنفا: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا» فيه مندوحة عن الجدل حول إسقاط حكم الكفر على أشخاص بعينهم داخل النظام، وإنما الذي يعنينا هو ارتكاب العمل نفسه وظهوره لنا، وهو ما يوجب العمل لخلع النظام وكفه عن جرمه»[10].

4. الواضح في تسجيلات «لواء الثورة» الاستخدام المفرط للموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهي خصيصة تميزهم عن سائر التيارات القتالية الأخرى التي تتبنى الرؤية السلفية التقليدية تجاه مسألة الموسيقى، بينما تتخفف «حسم» من الحضور الواضح للموسيقى في تسجيلاتها، وتقتصر على المؤثرات الصوتية البسيطة.

5. يتحرز كثيرًا هذا التيار من استهداف المدنيين والعزل، ويتورع وفق رؤيته الفقهية والعقدية في إصابة غير العسكريين والشرطيين في عملياته. والحقيقة أن خط المواجهة لا يزال مبكرًا وناشئًا، وضرورات العمل القتالي وضغوطه وصيرورته لم تدفع هؤلاء بعد لاختبار هذا الموقف الفقهي والعقدي أمام ضرورة النكاية في النظام -وفق رؤيتهم-.

6. من الملاحظ أيضًا أن اللغة العربية المكتوبة أو المسموعة في بيانات «لواء الثورة» و«حسم» تشير إلي عناية بسلامة المنطق والإلقاء إلى حد كبير، وهو الملاحظ الذي لم يكن مشاهدًا في بيانات «العقاب الثوري» و«المقاومة الشعبية» من قبل، حيث كانت بياناتهم الصوتية تتضمن أخطاء نحوية وإملائية.

والحقيقة أن الحكم والتصور الكامل لعمل التيار الجهادي المصري المحلي الجديد لا يزال عصيًا على التحقق، إذ لم يصدر عنه إلا بيانات قليلة، وتسجيل مرئي واحد لكل منهما، لكنهما وبالرغم من قلة المعروض يشيران بقوة لتطور نوعي واضح على مستوى الأهداف والتنفيذ والخطاب، ويبرزان نسقًا مقاومًا جديدًا يتشكل بخصائص مباينة للأنساق الجهادية التقليدية.

لا يمكن بحال التفكير بشكل منفصل عن واقع الثورة السورية وما أفرزته من تصدعات خطيرة في العمل الثوري والقتالي الإسلامي، ولأن هذه التصدعات كانت أحد عوامل تردي حال الثورة السورية وتراجع مكتسباتها، فضلًا عن ارتهان كثير من الأطراف المقاومة بروافد التمويل الأجنبي (العربي والغربي)؛ فقد استلهمت فيما يبدو الجهادية المحلية الجديدة نموذج «حماس» كتنظيم إسلامي مقاوم وعصامي، ولديه رؤية سياسية وفقهية وعقدية متزنة إلى حد كبير إذا ما قورنت بمواقف التيارات الجهادية المفاصلاتية الحادة.

وإجمالًا فنحن أمام ظاهرة قيد التشكل، والعناية بها وتتبعها ورصدها بدقة؛ ضرورة تقتضيها واقع الحركة الإسلامية والتغيرات التي تموج بها المنطقة.


(1) انظر الفيلم الوثائقي الذي أعدته قناة الجزيرة: «سيناء .. من يزرع الشوك؟».(2) انظر المزيد من التفاصيل في السابق.(3) تشير معلومات هاني السباعي الذي ذكرها في الفيلم الوثائقي السابق إلى ذلك.(4) كان ذلك بناء على مشاهدات عدد من الذين حضروا الأحداث.(5) وهي العقاب الثوري والمقاومة الشعبية وأجناد مصر، وإن كانت الأخيرة تفوقت على الباقين نسبيًا وتوقفت تمامًا بمقتل قائدها مجد الدين المصري في أبريل عام ٢٠١٥م.(6) بناء على معلومات تحصلت عليها بمقابلات شخصية مع أفراد من هذا التيار.(7) سنفرد بحثًا أعمق حول هذه الخصائص وتشكلاتها والتحليلات التي تكمن فيها يسر الله نشره قريبًا.(8) انظر صفحة «إعلام المقاومة» على الفيسبوك، والمعبرة عن حركتي «لواء الثورة» و«حسم».(9) انظر حساب «إعلام المقاومة» على الآسك: http://ask.fm/Qawem_Media(10) السابق.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.