في حادثة شهيرة مارس الماضي،قال نائب رئيس حزب البديل الألماني متحدثا عن لاعب المنتخب وفريق بايرن ميونخ «جيروم بواتينج» :

الناس تحبه كلاعب، لكنهم لا يتمنوا أن يكون جار لهم

كان هذا تعريضا من الرجل بأصول اللاعب الغانية، بينما حملت بعض الجماهير لافتات داعمة للاعب في مباراة إحدي مباريات ألمانيا التالية.

وفي حادثة قريبة رفضت الشرطة في كولونيا السماح لمن أسمتهم NAFRIS -لفظ مسئ مقصود به القادمين من شمال إفريقيا- بالتواجد في بعض الأماكن خلال إحتفالات بداية العام الجديد علي إثر حالات التحرش التي قام بها عدد من الشباب القادم من هذه الدول خلال نفس الإحتفالات العام الماضي وهو الأمر الذي صاحبه بعض التصريحات العنصرية تجاههم وإضطر وزير الداخلية لتقديم إعتذار بعد ذلك.

تعد الحادثتان السابقتان دليلا علي تنامي النزعة الشعبوية في ألمانيا،خاصة مع وصول التيارات اليمينية للسلطة في عدد من الدول الغربية، انتهاءً بانتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، تواجه ألمانيا هي الأخرى أعراضًا لنفس الظاهرة حيث صعود لتيارات نازية جديدة أمثال حركة بيغيدا «وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب» وحزب البديل من أجل ألمانيا بمواقفهم المتطرفة تجاه اللاجئين والأجانب، وهو التحدي الذي سيتعين على الأحزاب التقليدية التصدي له واستعادة ثقة المواطن الألماني قبل موعد الانتخابات البرلمانية أكتوبر/تشرين الأول 2017.


نظرة سريعة على التاريخ القريب

صعد الحزب الاشتراكي الديموقراطي بقيادة شرودر إلى السلطة عام 1998 لينهي ستة عشر عامًا من حكم الحزب المسيحي الديموقراطي بقيادة هيلموت كول، حصل حزب شرودر على 40,9% بينما غريمه المسيحي على 35,1% ليشكل الأول الحكومة بالتحالف مع حزب الخضر (6,7%) الذي شارك في السلطة للمرة الأولى في تاريخه، بينما حصل الحزب الليبرالي الحر على 6,2% وحزب الاجتماعي الديموقراطي على 5,1% وهو الحزب الذي لم ينجح في الوصول للبرلمان في الانتخابات التالية عام 2002؛ نتيجة عدم نجاحه في تجاوز عتبة الخمسة بالمئة التي يشترطها القانون دعمًا للحياة الحزبية واستقرار النظام السياسي، وسيتم بعد ذلك حل الحزب ليتحول إلى حزب اليسار الجديد.

هذه الأحزاب الخمسة هي أحزاب ألمانيا الرئيسية، والتقسيم التقليدي لها إلى أحزاب يمين ويسار يكون بوضع حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي وهو اتحاد لحزبين مسيحيين محافظين مع الحزب الليبرالي الحر في اليمين، والحزب الاشتراكي الديموقراطي مع الخضر وحزب اليسار الجديد في اليسار.


الأحزاب التقليدية في ألمانيا

اليمين التقليدي

«حزب الاتحاد المسيحي» هو اتحاد حزبي المسيحي الديموقراطي والمسيحي الاجتماعي الذي يتواجد بشكل مؤثر في ولاية بافاريا. تأسس المسيحي الديموقراطي عام 1945 وقام بتعيين كونراد أديناوركأول مستشار ألماني للجمهورية الاتحادية «1949-1963»، وساهم بشكل فعال في بناء ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية لذا فهو الحزب الأكثر شعبية.

يتخطى عدد أعضاء الحزب نصف مليون مواطن، يستلهم الحزب التعاليم المسيحية وهو حزب محافظ، لكنه يتبنى سياسة ليبرالية وأكثر توافقًا مع سياسات الولايات المتحدة، وعادة ما يتحالف مع الحزب الليبرالي الحر.

اليسار التقليدي

في المقابل يوجد «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» الذي له هو الآخر تاريخ ممتد إلى عام 1875 والذي تأسس على مبادئ ماركس وفريدناند لاسال، ثم شهد صراعًا بين فكرتي الثورة والإصلاح مثلت جناح الثورة روزا لوكسمبورج ومثل إدوارد برينشتاين بمراجعته الماركسية تيار الإصلاح. أيد الحزب الحرب العالمية الأولى ما سبب انشقاقات جديدة، وبعد تأسيس جمهورية فايمر تولي أيبرت زعيم الحزب رئاسة الجمهورية قبل صعود هتلر والحزب النازي في 1933 حيث تم حظر الحزب واعتقال وتعذيب أعضائه.

بعد الحرب العالمية الثانية تخلى الحزب في ألمانيا الغربية عن أفكاره الماركسية وتبنى الاشتراكية الديموقراطية وشارك في ائتلاف حكومي كبير مع الحزب المسيحي الديموقراطي عام 1966 ظل الألمان يرون فيه نموذجًا ناجحًا. استطاع شرودر قيادة الحزب للحكم خلال سبع سنوات من 1998 إلى 2005 بالتحالف مع حزب الخضر الذي تأسس مطلع الثمانينات كجزء من حركة اجتماعية صعدت في السبعينات مثل الجمعيات النسوية وحركات حماية البيئة وحركات السلام، وكان قرار رفض المشاركة في حرب العراق واحدًا من القرارات الهامة التي اتخذتها الحكومة في عهده على صعيد السياسة الخارجية.

نجح شرودر في الحفاظ على السلطة خلال انتخابات العام 2002 على الرغم من تساوي الحزبين الكبيرين في النتيجة بـ 38,5% لكل منهما، وذلك بالتحالف مع حزب الخضر الذي تفوق على الحزب الليبرالي الحر واعتمادًا كذلك على المقاعد العالقة والتي تتسبب في زيادة عدد أعضاء البرلمان طبقًا للنظام الانتخابي القائم على الصوتين لكل مواطن.


ميركل والهيمنة على الساحة السياسية

قبل عام من الانتخابات قرر شرودر الذهاب إلى انتخابات مبكرة نتيجة تصاعد الانتقادات تجاه خططه الجذرية لإصلاح الاقتصاد ولمعالجة الضعف البنيوي، تلقت المعارضة تلك الخطوة بترحيب كبير وبينما تحدث المراقبون خاصة في البيت الأبيض استنادًا إلى استطلاعات الرأي عن عودة سهلة للحزب المسيحي الديموقراطي إلى السلطة جاءت نتيجة الانتخابات متقاربة وغير حاسمة، إذ حصد حزب ميركل 35,2% بينما حصد شرودر 34,3% وحل الليبرالي الحر ثالثًا بـ 9,8% وتقدم اليسار على الخضر الذي حل خامسًا بـ 8,1%.

هذه النتائج عقّدت الأمر تمامًا وأطالت أمد المشاورات لأن كل الأحزاب استبعدت مشاركة حزب اليسار بوصفه حزبًا متطرفًا، بينما لم يفضل الليبرالي الحر التحالف مع الاشتراكي. شرودر من ناحيته رفض أولاً الاعتراف بالهزيمة واعتبر النتيجة في صالح تشكيله حكومة جديدة لكنه لم يفلح في تكوينها، نجحت ميركل في إنهاء المشاورات لصالح تشكيل تحالف كبير بين الحزبين الكبيرين وبرئاستها في تكرار لتحالف 1966 ما مثل النهاية السياسية لشرودر.

خلال ثماني سنوات هيمنت ميركل «أول امرأة تصل إلى منصب المستشار» على الحياة السياسية في ألمانيا التي اتصفت بالرتابة وغياب المنافس القوي، بينما كانت أغلب الخيارات معبرة عن الطيف السياسي ومحل توافق. فرغم تراجع الحزب المسيحي الديموقراطي في انتخابات 2009 ليحقق 33,8%، إلا أن التراجع الكبير الذي مني به الحزب الاشتراكي الديموقراطي إذ حقق 23% سهل المهمة أمام ميركل لولاية ثانية. وفي الانتخابات الأخيرة عام 2013 حققت ميركل واحدة من أعلى نتائج الحزب، إذ حصد 41,5% ما عبر عن سيطرتها التامة وجاء هذا الصعود على حساب الحليف التقليدي الحزب الليبرالي الحر الذي فشل في تخطي عتبة الخمسة بالمئة فيما حقق الحزب الاشتراكي تقدمًا طفيفًا بحصوله على 25,7%.


صعود حزب البديل الشعبوي

خلال ثماني سنوات هيمنت ميركل على الحياة السياسية في ألمانيا التي اتصفت بالرتابة وغياب المنافس القوي، بينما كانت أغلب الخيارات معبرة عن الطيف السياسي ومحل توافق.

أسس أستاذ الاقتصاد بجامعة هامبورج بيرند لوكه رفقة فراوكه بيتري وكونراد آدم حزب «البديل من أجل ألمانيا» في 2013 رافعًا شعارات تدعو لعودة العملة المحلية والتخلي عن اليورو في أعقاب أزمة دول اليورو وجهود ألمانيا والاتحاد الأوربي لإنقاذها، وكذلك تصدر الخطاب السياسي للحزب الجديد أطروحات شعبوية معبرة عن اليمين المتطرف من قبيل رفض الأسلمة واستقبال اللاجئين.

دفع الحزب بقضية اللاجئين إلى صدارة القضايا محل النقاش، إذ استقبلت ألمانيا مليون لاجئ حتى 2015. ويرى الحزب أن الألمان أولى بعشرات الملايين التي تصرفها الدولة على اللاجئين من أجل دمجهم في المجتمع، كاد الحزب أن يصل للبرلمان في نفس عام تأسيسيه بحصوله على 4,7% ونجح في الحصول على سبعة مقاعد في البرلمان الأوروبي لاحقًا؛ ما يعتبر دليلاً على حجم تأثير ليس بالهين لحزب ناشئ.

تولت رئاسة الحزب فراوكه تيبري التي اعتبرت مؤخرًا نجاح ترامب نقطة تحول سياسية ودعت الألمان للاقتداء بالشعب الأمريكي الذي لم يتأثر بالإعلام، قائلة: «حان الوقت كي يستطيع الشعب المضطهد من قبل الطبقة الحاكمة وفي الولايات المتحدة كذلك أن يسترد صوته»، فيما دعا بورن هوكه أحد نواب الحزب إلى استقالة وزير الخارجية شتاينماير لوصفه ترامب بالداعية للكراهية.

تراجعت ألمانيا عام 2016 عن سياسة الأبواب المفتوحة واتجهت نحو تعزيز حراسة الحدود، أملًا في إيصال الرسالة إلى المواطن قبل الانتخابات.

نجح الحزب سريعًا في جذب شرائح متناقضة من الشيوعيين إلى الليبراليين. يقول المحلل الألماني شتيفان بوخن إنه حزب احتجاجي لا يحمل برنامجًا ولا حلولاً واقعية لإدارة شؤون ولاية، إلا أن نتائج الحزب تصاعدت في انتخابات الولايات حتى وصلت لتمثيله في عشر ولايات من أصل ستة عشر، وينتظر إجراء الانتخابات في ثلاث ولايات أخرى قبل الانتخابات البرلمانية أكتوبر 2016.

أثار تقدم حزب البديل على الحزب المسيحي الديموقراطي في دائرة ميركل حيث ولاية ميكلنبورج فوربومرن عندما سجل البديل 20,8% مقابل 19% للمسيحي وبعد الاشتراكي الذي حقق 30% حماسة قيادات الحزب، لتصرح فراوكه بيتري بأنه من هنا تبدأ نهاية ميركل وأن حزب البديل يحتل اليوم مكانة الحزب المسيحي الديموقراطي عند الألمان فيما شجعها ذلك للدعوة لانتخابات مبكرة لم تستجب لها ميركل.

وجاء فوز حزب البديل في ولاية برلين بالمركز الخامس بتحقيقه 11,5% على حساب الحزبين الكبيرين اللذين حققا أسوء نتيجة لهما على الإطلاق في الولاية، فحقق الاشتراكي 23% والمسيحي 18% لتفجر التحالف الحاكم من الداخل ويتبادل قياداته إلقاء اللوم على الآخر، إذ يدعو الحزب المسيحي الاجتماعي نفسه لوقف تدفق اللاجئين بينما يدعو الحزب الاشتراكي كذلك إلى التعامل بشكل أكثر صرامة في محاولة لإيقاف تقدم حزب البديل.

من جهتها تحملت ميركل المسؤولية ودافعت عن خياراتها وهو الأمر الذي بفضله أصبحت تحظى بإشادة من بعض أنصار الخضر واليسار والاشتراكي، بينما تعلو بعض الأصوات من داخل حزبها متذمرة وهي حالة استثنائية في السياسة الألمانية، لكن تراجعت ألمانيا عام 2016 عن سياسة الأبواب المفتوحة واتجهت نحو تعزيز حراسة الحدود وضبط المتوسط ومحاولات تعاون ودعم تركيا في قضية اللاجئين مقابل عدم السماح لهم بالهجرة لها، وتأمل ميركل بتلك السياسات إيصال الرسالة إلى المواطن قبل موعد الانتخابات البرلمانية.


لم يستطع حزب البديل المتطرف أن يتولى السلطة في أي من الولايات الألمانية لأنه لا يجد حليفًا له، لكن وبالرغم من ذلك فقد نجح الحزب في فرض أولوياته على الساحة السياسية بل وتحقيق تقدم بها مثلما حدث في قضية اللاجئين كما أن الحزب يحتل المركز الثالث حاليًا في استطلاعات الرأي بنسب متقدمة.

فحسب آخر استطلاع لمعهد انفراتست ديماب سبتمبر 2016 حصد الحزب 16% بعد المسيحي الديموقراطي بـ 32% والاشتراكي الديموقراطي بـ 22% ومتفوقًا على الخضر واليسار والليبرالي الحر؛ ما يعزز من فرص استمرار فعاليته في الساحة السياسية وهو الأمر الذي سيكون على الأحزاب التقليدية بقيادة ميركل التي أعلنت نيتها الترشح لولاية خامسة، وقد ينضم إليها رئيس البرلمان الأوربي «مارتن شولتز» الذي يتوقع منافسته لميركل عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي مواجهته بفعالية مقابلة تجنب ألمانيا مصير الدول التي صعدت فيها التيارات الشعبوية إلى السلطة وآخرها الولايات المتحدة.