كتب كثيرة نُشرت في الأعوام السابقة تتحدث عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن كتاب هذه المرة هو أول رواية لمسئول رفيع المستوى شارك في أحداثٍ خارجية كبرى، والأهم أن مؤلفه جون بولتون أبرز صقور المحافظين الأمريكيين ولديه مصداقية هائلة بينهم.

اقرأ أيضًا: جون بولتون ومايك بومبيو: صقور دونالد ترامب «الجارحة»

ربما كان من الواجب على بولتون أن يُدلي بشهادته في التحقيقات المتعددة التي طالت ترامب في الأونة السابقة بدلًا من أن يكتفي بنشرها في كتاب بعد إقالته، لكن المهم حاليًا أن بولتون قد تكلم. تكلم في كتابه «الغرفة التي حدث فيها كل شيء» (The Room Where It All Happened) الذي احتل قائمة الأعلى مبيعًا في موقع «أمازون»، قبل صدوره رسميًا حتى، وتقاضى عليه بولتون مليوني دولار كأجرٍ أساسي، على أن يتقاضى بولتون قيمة من الأرباح تباعًا، ونستعرض هنا جانبًا مما ورد فيه، خاصةً فيما يتعلق بالدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.

بولتون يحب الحرب، لذا لا عجب أن يبدأ كتابه ببداية أقرب لإعلان حرب مباشر على ترامب. البداية تنويهٌ منه أن مجلس النواب الأمريكي أثناء تحقيقه في الاتهامات الموجهة إلى ترامب بخصوص «أوكرانيا جيت»، لم يكن عليه أن يقتصر على التحقيق في تلك القضية فحسب، بل في مواقف كثيرة أخرى سعى فيها ترامب لاستغلال المفاوضات التجارية والتحقيقات الجنائية لتعزيز حظوظه السياسية.

كمثال على تلك النقطة، ذكر بولتون أن ترامب ربط محادثات التعريفة الجمركية مع الصين بانتخابات الولاية الثانية له. فقد طالب ترامب الرئيس الصيني بشراء المنتجات الزراعية الأمريكية لمساعدته في الفوز بأصوات الولايات الأمريكية الزراعية. في صفحةٍ أخرى استخدم بولتون كلمة «يتوسل» ليصف إلحاح ترامب على نظيره الصيني لمساعدته في الفوز بالانتخابات للمرة الثانية.

أضاف بولتون أن ترامب عبر أكثر من مرة أنه سيوقف أي تحقيق جنائي أو مساءلة سياسية يمكن أن يهز عرش الديكتاتورين الذين يحبهم ترامب. أجملَ بولتون رسالته الافتتاحية بأن عرقلة العدالة أسلوب حياة لدى الرئيس الأمريكي. قد يشهد على ذلك لجوء الإدارة الأمريكية للمحاكم مرتين في أسبوع واحد لوقف نشر هذا الكتاب.

ترامب معجب بمعسكرات الاعتقال

استعراض لبعض مما جاء في كتاب بولتون

لا يميل بولتون للحلول الوسط غالب الوقت، ولا يستخدم إلا الكلمات الشديدة، لذا وصف ترامب بأنه صورة باهتة، وأنه رئيس لا يعرف حتى المُسلّمات. كما وصفه بأنه ضعيف الإرادة ويكثر التملق للقادة الاستبدادين الذين يتلاعبون به، وأنه لولا إدارته التي تعمل دائمًا على التخفيف من حدة قرارته لكان ترامب قد ورّط الولايات المتحدة في مشاكل عالمية كثيرة.

بولتون قال إن ترامب لم يكن يعرف أن بريطانيا تمتلك سلاحًا نوويًا، وكان يظن أن فنلندا هي جزء من روسيا، كذلك كان ينتقد ويهاجم الدول حليفة الولايات المتحدة دون أن يدري أنهم حلفاء. يحكي بولتون أيضًا أن ترامب انشغل بأمرٍ شديد الأهمية لعدة شهور في فترة ما بعد انهيار المحادثات مع كوريا الشمالية عام 2018، تلك الأولوية كانت أن يتأكد ترامب من تسلم الزعيم الشمالي قرصًا مدمجًا لأغنية الرجل الصاروخ/ روكيت مان للمغني البريطاني إيلتون جون، اهتمام ترامب نابع من أنه لقّب كيم، الزعيم الشمالي، بالرجل الصاروخ في تغريدةٍ له.

كما أن ترامب كان مفتونًا بالزعماء الاستبداديين، كما وصفهم بولتون، فكان يقول إنه من الرائع أن تغزو الولايات المتحدة فنزويلا، من الجيد أن يسحب الأمريكيون قواتهم من حلف شمال الأطلسي سريعًا ودون إعلان مسبق. كما أنه قال ذات مرة يجب إعدام الصحافيين، ووصفهم جميعًا بالحمقى.

ويروي بولتون أن ترامب حين استمع لشرح الرئيس الصيني عن أسباب بنائه معسكرات الاعتقال للمسلمين، ردّ ترامب داعمًا نظيره الصيني وقال: إن على الصين التوسع في بناء مزيد من معسكرات الاعتقال، فهذا هو الأمر في الصائب والواجب فعله، كما نقل بولتون.

ترامب يريد الحكم لمدد لا نهائية

يضغط بولتون كثيرًا على نقطة أن ترامب كان جاهلًا بأمور أساسية، فقال إن ترامب ألح على إدارته أكثر من مرة لمحاكمة جون كيري بشأن محادثاته مع إيران كونها انتهاكًا لقانون «لوجان». قانون لوجان هو قانون يمنع أي مواطن غير مُصّرح له بالتفاوض مع حكومات أجنبية تختلف معها الولايات المتحدة. لكن المفاجأة أن جون كيري كان وزيرًا للخارجية، ومحادثاته مع إيران هي صميم عمله، ولا يمكن إطلاقًا اعتبارها خرقًا لقانون لوجان.

ولمزيدٍ من التأكيد حكى بولتون أنه أثناء اجتماع ترامب مع زعيم كوريا الشمالية، كتب مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الحالي، ورقةً وناولها سرًا لبولتون. بولتون يقول إن الورقة كان مكتوبًا فيها نصًا «إنه رجل مليء بالتفاهات»، ودلّل على صدق روايته بأن بومبيو رفض لاحقًا سياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية وقال بومبيو إنه لا توجد أدنى احتمالية لنجاحها. كما روى بولتون أن بومبيو قال له في مرة أخرى بعد أن سمع محادثة لترامب مع كيم إنه، أي بومبيو، كاد يصاب بنوبة قلبية من سوء كلام ترامب.

كذلك ذكر بولتون أن طلبات الإحاطة التي كانت تُقدمها الاستخبارات للرئيس كانت مضيعةً للوقت، فمعظم الوقت كانوا يستمعون لترامب بدلًا من الاستماع إلى مقدمي الطلبات. وقال أيضًا إن ترامب يهوى الوقيعة بين موظفيه، وكثيرًا ما يخلق العداوات بينهم. روى بولتون أن ترامب أخبره أن ريكس تيلرسون، وزير الخارجية السابق، تحدث عن «آر هالي»، سفيرة البلاد لدى الأمم المتحدة، بكلام جنسي قذر.

في فصل آخر حكى بولتون عن رغبة ترامب في حكم الولايات المتحدة لأكثر من فترتين رئاسيتين. يقول بولتون: إن ترامب أخبر نظيره الصيني أن الشعب الأمريكي يريده أن يحكم لأكثر من فترتين، وكررها ترامب مؤكدًا، أن الشعب الأمريكي يرى ضرورة إزالة القيود الدستورية على مدد الرئاسة بسبب حبهم في أن يستمر حكم ترامب لفترة أطول.

بولتون يفتخر بتخريب العلاقات مع إيران

بولتون مستاء من أفعال ترامب

الغرفة التي شهدت الأحداث لم تشهد أحداثًا داخلية فحسب، بل شهدت كذلك أحاديث عن شئون خارجية مهمة. فقد ذكر بولتون أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عبّر لترامب أنه يكره الوجود الإيراني في سوريا، كما انتقد بوتين النظام الإيراني بالكامل. لكن بوتين لا يرى أيضًا أن العقوبات المشددة التي تنتهجها الولايات المتحدة مع إيران تُعتبر الوسيلة المثلى لإسقاط النظام الإيراني، بل يرى أنها ستدفع الشعب الإيراني للالتفاف حول سلطته رغم السخط الشعبي عليها.

إيران كانت حاضرةً بقوة في كتاب بولتون، فقد تم ذكر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أكثر من 30 مرة في الكتاب، غالبيتهم كانت في أحاديث بينه وبين بولتون عن إيران. من القصص التي رواها بولتون بشيء من التفصيل كيف أنه وبمساعدة نتنياهو وبومبيو، استطاعوا تخريب محاولات ترامب لفتح قنوات دبلوماسية مع إيران.

لا يبدو أن بولتون خَجل من تلك القصة، بل يرويها بفخرٍ واضح. يستطرد بولتون في قوله إنه لولا جهود الثلاثي، هو وبومبيو ونتنياهو، لذهب ترامب إلى صفقة أوسع مع إيران. يروي بولتون كذلك شعورة بالخيبة والمرارة حين ألغى ترامب في اللحظات الأخيرة قرارًا بضرب أهداف عسكرية إيرانية كنوع من الرد على إسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون طيار. بولتون وصف ذلك الحدث بأنه أحد أكبر القرارات غير المهنية التي شهدها في حياته المهنية كمستشار للأمن القومي.

جهود بولتون كادت تفشل بسبب ماكرون الذي رتّب للقاء مفاجئ بين ترامب ووزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في فترة انعقاد قمة مجموعة السبع في فرنسا. حاول الثلاثي كثيرًا منع هذا اللقاء وحث ترامب على رفض أي اقتراح من ماكرون، خاصةً وأن ماكرون كان يتبني فكرة «خط ائتمان» لتخفيف العقوبات على إيران، لكن وافق ترامب في النهاية على لقاء ماكرون لمناقشة الشأن الإيراني. ووفق بولتون فقد وصف ترامب جلسته مع ماكرون بأنها كانت أفضل ساعة ونصف أمضاها على الإطلاق.

لكن ضغوط الثلاثي الشديدة التي وصلت إلى حد تهديد بولتون وبومبيو باستقالتهما معًا، جعلت ترامب يرفض في نهاية المطاف لقاء ظريف أو أي مسئول إيراني آخر.

يكره ماكرون وترودو، وأردوغان يشبه موسوليني

أيضًا نقل بولتون جانبًا من الأجواء المشحونة بين ترامب ورئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو. فوفقًا لبولتون فقد طلب ترامب من المسئولين الحكوميين مهاجمة ترودو في أي مقابلة إعلامية يظهرون فيها. قال بولتون إن ترامب لم يُحب ترودو وماكرون، الرئيس الفرنسي، وأنه كان يتحامل على نفسه كي يجلس معهما. استطرد بولتون قائلًا إن ترامب دائمًا ما كان يعارضهم ويتحداهم في المحافل الدولية بصورة جدّية لكن في سياقٍ من المزاح.

ينقل بولتون أيضًا أنهم غالبًا ما فهموا مقصد ترامب وشعوره تجاههم، لكنهم جاروه، لأنه ليس من مصلحتهم أن يكونوا على خلافٍ مع رئيس الدولة الأكبر في العالم.

لم يكن ماكرون وترودو وحدهما المكروهين عند ترامب، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت معهما. كان ترامب يصفها بأنها شريك بشع، وتحدث عنها بأن كبيرة في السن، وأنها ربما أكبر شخص يقوم بالـ «رقص النقري» في حلف شمال الأطلسي، الناتو.

كذلك كان أردوغان ممن طالهم لسان ترامب، فنقل بولتون عن ترامب تشبيهه أردوغان بموسوليني، الزعيم الإيطالي الفاشي، عندما كان يتحدث أمام شعبه من نافذته في روما. استطرد بولتون مضيفًا أن أردوغان كان يتحدث بتلك اللهجة مع ترامب هاتفيًا. بولتون نقل انطباعه الخاص عن أردوغان بأنه «إسلامي راديكالي، ومشغول بتحويل دولة أتاتورك العلمانية إلى دولة إسلامية، ويكره إسرائيل بينما يوالي الإخوان المسلمين والراديكاليين». أضاف بولتون أن كل تلك الأوصاف غائبة عن ترامب الذي يرى في أردوغان «أفضل رفيق».

مع السعودية رغم اغتيال خاشقجي

استعراض لبعض مما جاء في كتاب بولتون

كما نقل بولتون كره ترامب للأكراد، ووصفهم أكثر من مرة بالجبناء، وقال ترامب إنهم هربوا من العراقيين، وهربوا من الأتراك، والوقت الوحيد الذي لا يهربون فيه هو حين يقصف الأمريكيون أعداءهم بدلًا منهم. كما أن ترامب أراد الانسحاب من الشرق الأوسط بأسرع وقت وبأي ثمن، فترامب كان يرى أنه يتكلف الجنود والأموال لمحاربة داعش بدلًا من العرب ودول الشرق الأوسط.

بولتون أضاف ملحوظةً في هذه النقطة، أن ترامب قرر أنه إذا لم يحصل على شيء من العرب سريعًا فسوف يسحب قواته من الشرق الأوسط، خاصةً سوريا. وقال بولتون إن ترامب كان يعلم أن الأسد استخدم السلاح الكيماوي أكثر من مرة ضد المدنيين، لكن لم يحدث الرد الأمريكي إلا بعد هجوم «دوما» الذي ردّ عليه الأمريكيون بضربات محدودة لمواقع سورية. حتى ذلك الرد يصفه بولتون بأنه كان بيروقراطيًا جدًا، وأن بولتون طلب أن يكون الهجوم أكبر ويشمل أحد قصور الأسد شخصيًا، لكن لم يستمع له ترامب.

اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي برز في الكتاب أيضًا، ذكره بولتون في معرض الحديث عن روسيا، فقال إن بوتين اتصل بترامب بعد مقتل خاشقجي يخبره أن روسيا ستحل محل الولايات المتحدة في تصدير الأسلحة للسعودية إذا أوقفت الولايات المتحدة صادراتها للمملكة. يقول بولتون إن تلك المكالمة كانت السبب وراء إصرار ترامب على إتمام كل صفقات السلاح السعودية دون أي تأخير. ونقل بولتون قولًا لترامب يقول فيه «سواء كان ولي العهد هو من فعلها أم لم يكن، فسوف نقف مع السعودية».

يمكن فهم إصرار ترامب على العلاقات التجارية بالجميع بمقطعٍ في جزء آخر من الكتاب يتحدث فيه بولتون عن ترامب بأنه رجل أعمال لا يستوعب ولا يفهم تعقيدات السياسات الخارجية، ولا يبالي بتأثير قراراته على علاقاته بالحلفاء الإقليميين.

العالم سينتهي لو حكم بولتون

بهذا الكتاب انضم بولتون لقائمةٍ طويلة، ليس ممن كتبوا حول ترامب فحسب، بل لمن خاب ظنهم في أنفسهم كذلك. فالعديدون من الذين وافقوا على العمل تحت رئاسة ترامب كانوا يظنون أن بإمكانهم كبح جماحه، وأنهم أكثر إدراكًا لحقيقة الوضع الدولي من غيرهم، وأن بمقدرتهم وضع قيود حول ترامب كي يصبح سياسيًا أكثر حنكة، أو على الأقل، أكثر طاعةً لهم.

رغم الضجة التي أثارها الكتاب، خاصة والانتخابات الرئاسية تلوح في الأفق، فإنّه لم يصدر أي بيان من أي جهة داخلية أو خارجية تؤكد ما ورد في الكتاب. جميع التصريحات تنفي جانبًا كبيرًا من الكتاب، أما التصريحات الدولية، فتثبت أن الاجتماعات التي ذكرها بولتون بين ترامب ورؤساء آخرين قد حدثت بالفعل، لكن المحتوى ليس أبدًا كما ذكره بولتون.

الانتهاء من الكتاب يترك في نفس القارئ شعورًا بالضيق من بولتون الذي تلاعب بشعبه بعدم ذكره تلك الأحداث في أيام التحقيق مع ترامب، كما قال هو بأن تلك الأمور لو كانت واضحة أمام الديموقراطيين أثناء اتهامات العزل في الشهور الماضية، لتغيّرت المسألة بالكامل، كما تلاعب برئيسه عن حرص على إنجاز كتابه سريعًا قبل الانتخابات الثانية.

لكن الشعور الأكبر هو أنه لحسن حظ العالم أن ترامب لم يسمع كلام بولتون في كل شيء، وإلا لكان العالم يغرق الآن في ويّلات حرب عالمية جديدة.