يُقدر عدد الكوريين الشماليين الذين لقوا حتفهم بسبب الجوع وسوء التغذية بين عامي 1995 و 1998 بحوالي 3.5 مليون نسمة. أكثر من ثلثي السكان بحاجة إلى معونات غذائية؛ أي ما يعادل ثمان ملايين نسمة. يعيش أهل كوريا الشمالية مأساة إنسانية حقيقية رغم حصولهم على أكبر حصة من المعونة الغذائية سنويًا على مستوى العالم. يقتاتون على الجذور والأعشاب الصالحة للأكل.تُعد كوريا الشمالية أكثر الدول انغلاقًا على نفسها وحامية لأسرارها. فرغم الظروف الصعبة التي يعيشها الكوريون الشماليون، ومواجهتهم الانهيار الاقتصادي وحدهم، مع عداءات دولية تعددت آخر عامين، ما زال النظام يعلن عن انتصاراته العسكرية على الغرب، تحت قيادة شخصية أسطورية، وزعيم حصر نفسه في دور «الديكتاتور الكوميدي»، رغم سفكه الدماء في نواحٍ عديدة. لكن كيف يمكن لديكتاتور أن يكون مصدر سخرية، بدلًا من أن يخضع للمحاكمات على جرائمه؟


1. نظرية المؤامرة وأهل الشر

لايجد العاملون في المنظمات الإغاثية بُدًا من الصمت حيال ما يرونه. فإذا ما أرادوا مواصلة سعيهم الإنسان فليس سوى ذلك. النظام يستخدم حاجة شعبه ويساوم عليها من يأتونه من الخارج للمساعدة.صنع النظام من زعيمه مركزًا للكون. رسخ من خلاله مبادئ القومية، والانتصار، والتسليح، والعنصرية، وتأجيج المشاعر المعادية لليابان وكوريا الجنوبية، والدعاية ضد أمريكا.وعلى مدى نصف قرن يعيش أهل كوريا الشمالية تحت تهديد شن أمريكا للحرب عليهم، ليبرر النظام بذلك هوسه بالدفاع الأمني وتطوير إستراتيجيات عسكرية واقتناء كل جديد في عالم الأسلحة الفتاكة، في الوقت الذي يتضور فيه الشعب جوعًا.


2. ملهاة الصور التعبيرية

تم نشر صورة يظهر فيها «كيم جونغ» وهو يراقب بفخر إطلاق صاروخ كوري شمالي من غواصة تحت سطح الماء. اعتبره الزعيم «حدثًا تاريخيًا»، و«معجزة يفتح العالم عينه عليها»، لكن ظهرت الصورة بشكل لافت لأنه تم التلاعب بها، وهو ما أكده علماء فضاء ألمان، حيث إنه «جرى تعديل الصورة بشكل فج، وتم على يد وسائل إعلام رسمية» بسبب خطأ في اتجاه انعكاسات اللهب الناتج من عوادم إطلاق الصاروخ في الماء، والتي لم تصطف مع الصاروخ نفسه. وعلى نفس المنوال دفع تاريخ من الخدع شركة «شموكير تكنولوجي» الألمانية للتشكيك في قوة الصواريخ الباليستية في كوريا الشمالية.


3. أن ينسج النظام قصصًا مشوقة

من يعيش وهم هذه القصص المحكيّة؟ العالم؟ كيم جونغ؟ أم الكوريون الشماليون أنفسهم وكأنهم دولة متقدمة، دولة مسلحة، دولة مستهدفة؟تسبب التعتيم والتكتم على أخبار الدولة في أن تعتمد وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية على شبكة كبيرة ومتنامية من المنشقين، والصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية، وكثير من الإشاعات الغريبة والمثيرة للقلق.يستدعي «رودجر بيكر» الخبير في شؤون آسيا والمحيط الهادئ من موقع «ستراتفور» احتمالية تعمد الجهات الرسمية لنشر إشاعات ومعلومات مغلوطة بهدف الحفاظ على حالة من اللا يقين، خاصة وأن سوق القصص الغريبة الذي يلقى رواجًا في كوريا الشمالية غالبًا ما تكون أحداث القصة الواحدة مفصلة بشكل مفرط، يمنعك من الشك في صحتها.

اقرأ أيضًا:الحرب الكورية: الحرب المنسية التي غيّرت مجرى التاريخ

وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات التكنولوجية في كوريا الشمالية إلا أن لديهم القدرة على التلاعب في وقت ومكان التقاط الأقمار الصناعية للصور من داخل الدولة، وخداع إعلام كوريا الجنوبية بإعدام شخص ظهر بعد أشهر للإعلام ثانية. وتكررت مع الصين عند نشر خبر قتل عم «كيم جونغ» بإلقائه لكلاب الصيد، وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية.

ولتوضيح مدى العزلة المفروضة على الدولة قال «سيونغ مين لي»، وهو منشق كوري، يبلغ من العمر 26 عامًا، قبل أن يهرب؛ إنه كان يحصل على مسرحيات ووثائقيات كورية جنوبية خلال عبوره نهر «يالو» الجليدي إلى الصين، والعودة ثانية.


4. اللا يقين كطريقة لبث الرعب

انصبّ تركيز الجمهور المستمر على أكثر القصص إثارة وكوميدية، التي تخرج من كوريا الشمالية، فإنه تم تأليفها ووضع عناصر الإثارة بها ونشرها من قِبل نظام «كيم جونغ» لأغراض دعائية، لصرف التركيز بعيدًا عن المآسي التي تُرتكب في مجال حقوق الإنسان في بلده.يقول «سكوت شيندر»، مدير برنامج السياسة الأمريكية-الكورية في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن: «هذه النوعية من القصص تعزز النظرة الكوميدية لكوريا الشمالية في وقت يكون الوضع فيها خطيرًا على الواقع (…) إنهم يطورون الأسلحة النووية بينما يُسجن مئات الآلاف في ظروف لا إنسانية، لكن الإعلام دومًا يُركز على الغريب».يخضع إعلام كوريا الشمالية للنظام الشمولي تحت إدارة الحكومة، فكل معلومة داخل أو خارج الدولة تم نشرها برغبة من النظام، والمصدر الوحيد لمد وسائل الإعلام بالأخبار هي وكالة الأخبار الكورية الشمالية. وهي أيضًا تحت سلطة الحكومة، وتدعم الأخبار المتناقلة بدرجة كبيرة الصورة المطلوبة عن «الزعيم كيم جونغ»، سواء كان «الزعيم المنتصر»، «الزعيم المحبوب»، أو «الزعيم المجنون». ويستخدم الإعلام تقنية غسل الأدمغة بتقنياتها الخمس: العزلة، السيطرة، عدم اليقين، التكرار، إثارة العواطف.


5. الجنون غير المتوقعرودجر بيكر: «إن نظام كيم جونغ يستفيد من السرية وعدم الشعور باليقين، فلا شك أن المسؤولين أنفسهم يروجون للإشاعات، حيث يدفع كل من يسمع بها يردد إن هؤلاء الرجال مجانين، لا بد الحذر من التعامل معهم».ذكر تقرير في صحيفة «تشوسون ايلبو» الكورية الجنوبية، عن مصدر صيني غير مسمى، أن «كيم جونغ» قد أعدم عشيقته السابقة علنًا، وهي مغنية معروفة بالبلاد. أعدمها بعد اعتقالها بثلاثة أيام بإطلاق الرصاص عليها، مع 11 عضوًا من الأوركيسترا الرسمية للدولة، وفرقة موسيقية.وأكدت وكالة أنباء «أسوشيتد برس»، من خلال مكتبها في «بيونج يانج»، أن «كيم جونغ» نفذ حوالي 15 عملية إعدام لجنرالات رفيعي المستوى في عام واحد. كما أنه عند تنفيذ قرارات الإعدام تُعدم أسرة الجاني كاملة معه، وإذا ما تمت عمليات الإعدام، فإن «بيكر» يعتقد أن جرائم الضحايا يمكن أن تشمل إجراء اتصالات بالخارج، أو جلب معدات تصوير أو تسجيل أو جهاز تقني حظرته «بيونج يانج».

6. أن يكون الحاكم هو المعارض

ضمن الأدوات التي استخدمها «كيم جونغ» لبقائه هي بناء دولة بلا عوامل مساعدة لظهور معارضة، بلا أية فرصة لامتلاك الأراضي، بلا نقابات مستقلة أو رجال دين، فالمثقفون هم البيروقراطيون الموالون للنظام، أما المنشقون فتم فرض قيود صارمة على النشاط الطلابي ما أجهض أية فرصة لصعودهم.

اقرأ أيضًا:كوريا الشمالية: ورقة الصين الرابحة لعرقلة ترامب ومن أجل توفر الدور الفعال للمعارضة أمام أي نظام سياسي حقيقي، فقد اختار «كيم جونغ» شبكة معارضته من أعضاء الجيش، وأقاربه، ومجموعة من المثقفين المؤيدين لحكمه، وحتى إذا أخفق النظام في الاستقطاب، ونمت نخب محلية معارضة، فلنظام كيم مؤسسات مسؤولة عن مقاومة الانقلابات بطرق رادعة لكشف وإحباط النشاط المعارض.


7. المعونات الدولية: مال الطعام من أجل التسليح

يخدع نظام «كيم جونغ» الحكومات الأجنبية لتوليد العملة الصعبة اللازمة لشراء الأسلحة وتقوية جيشه، فقد دعمت الصين -وما زالت- كوريا الشمالية. برع في الحصول على مساعدات ضخمة من خصومه، ومنذ بداية القرن الحالي ابتزت بيونج يانج خصومها وحصلت على أكثر من 6 مليار دولار كمساعدات مقابل وعود بتوقف التسليح النووي.وتستمر الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية في تقديم العون لكوريا الشمالية رغم عدم رؤية أي نتائج ملموسة فيما يتعلق بشروط برامج المعونة الدولية، مستندين إلى الاعتقاد باستعداد النظام للتغيير لاستمرار المعونة، ليستفيد الجميع من الدعم عدا الشعب الكوري الشمالي وسط صمت الأمم المتحدة.