من بين كل من أدوا موسيقى الروك بشكل حي، فريدي هو من وصل به إلى مستوى جديد، لقد شاهدته لمرة واحدة في حفل حي، وهو بالفعل كما كانوا يتحدثون عنه، رجل يمكنه امتلاك الجمهور في راحة يده.
المغني الإنجليزي «ديفيد بوي» متحدثًا عن فريدي ميركوري

في منتصف الستينات هاجرت أسرة صغيرة من جزر زنجبار في شرق أفريقيا إلى مقاطعة ميدلسيكس في شرق لندن. كانت أسرة «بولسارا» ذات أصل باريسي، والبارسيون هم جماعة عرقية ودينية هاجرت من إيران واستوطنت الهند، ورغم هذه الرحلة الطويلة فإن كل المحطات التي مرت بها هذه الأسرة في حياتها كانت في أراض تقع تحت الحماية البريطانية، وهكذا تربى طفلا أسرة بولسارا في أجواء إنجليزية منذ الصغر.

في هذه الأثناء لم يكن يتخيل أي من سكان المملكة المتحدة أن الطفل الأكبر لهذه الأسرة «فاروق بولسارا»، والذي قضى طفولته وبداية مراهقته بين زنجبار والهند، سيصبح يومًا ما في نظر كثيرين أفضل مغن في تاريخ موسيقى الروك.

اليوم نحكي معكم عن المغني الرئيسي لفرقة الروك الإنجليزية الشهيرة «Queen»، والذي رحل مبكرًا عن الدنيا وهو ابن 45 عاما فقط، صاحب الصوت الفريد من نوعه، والأداء الحي المذهل دومًا، فاروق بولسارا، أو كما يعرفه الجميع باسم «فريدي ميركوري».


شعبية جارفة: ما الذي يجمع بين ريال مدريد وليستر سيتي؟

حتى ولو لم تسمع باسمه أو باسم فرقته من قبل، فأنت بالتأكيد قد سمعت بعضًا من أغانيهم. بمبيعات رسمية تجاوزت 300 مليون ألبوم على مستوى العالم، تبدو فرقة Queen التي أسسها فريدي ميركوري في بداية السبيعنات رفقة عازف الجيتار «برايان ماي» وقارع الطبول «روجر تايلور»، واحدة من أشهر الفرق الموسيقية في التاريخ، ببساطة هذه فرقة إنجليزية تصدرت أغانيها المبيعات الإنجليزية لفترة أطول من أي أحد آخر، بما فيها فرقة «البيتلز» نفسها.

عقب نهائي دوري أبطال أوربا لكرة القدم في مايو 2014 كانت جماهير ريال مدريد تحتفل بفوزها باللقب العاشر في تاريخ النادي، وبعد غياب 12 عامًا، وكالعادة لم يجد الجمهور واللاعبون في هذا التوقيت سوى أغنية أيقونية واحدة،We Are The Champions، أو «نحن الأبطال».

نفس المشهد تكرر ولكن بشكل أكثر دراماتيكية حينما فاز فريق ليستر سيتي المغمور بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز في موسمه الأول عقب الصعود في عام 2016، ليصبح اللقب الأول في تاريخ الفريق. يومها كانت المغنية الإنجليزية «سام بايلي» حاضرة على أرض الملعب لتغني We Are The Champions، رفقة دموع لاعبي ليستر وعشرات الآلاف من المشجعين.

ما جمع هذين المشهدين التاريخيين في عام كرة القدم هو أغنية فريق كوين التي كتب كلماتها وغناها فريدي ميركوري في عام 1977. مر ما يزيد على 40 عامًا، ولا تزال هذه الأغنية حاضرة في معظم لحظات التتويج خصوصًا في ملاعب المنافسات الرياضية المختلفة، ولا دليل خير من هذا على تأثير كلمات فريدي وأدائه، الجميع يهتف «نحن الأبطال يا صديقي، وسنواصل القتال للنهاية».

هذا رجل يغني كلماته ويقلد أداءه عشرات الآلاف من الجماهير في كل عام، هل يوجد شعبية أكبر من هذا!


مستر فهرنهايت: يمكنه تحريك الجماهير بعد وفاته بعشرين عامًا!

من عرفوا فريدي ميركوري وهو صغير غالبا ما يحكون عن كونه فتى هادئ وخجول، لكننا على المسرح نشاهد شخصًا مغايرًا تمامًا، إعصار هائج لا يمكن أن تحول نظرك عنه ولو لثوان.

يقول برايان ماي زميله في فرقة كوين:

كان بإمكان فريدي جعل آخر شخص من الجمهور يشعر بأنه متصل به حتى ولو كان يقف في أبعد نقطة من الاستاد.

وعلى خلاف عديد من الفرق الموسيقية كانت معظم حفلات كوين في استادات ضخمة، وفي كل مكان في العالم، في جنوب أمريكا وللمرة الأولى سمح لفريق موسيقي بالغناء في استاد كرة قدم ليكسر ميركوري ورفاقه الرقم القياسي العالمي للحضور الجماهيري في استاد مورابمي بمدينة ساو باولو في البرازيل، وفي شرق أوروبا قدموا موسيقاهم لما يزيد على 80 ألف متفرج في بودابست، أما آخر أداء حي لكوين في حضور ميركوري كان في كنبيبورث بارك في إنجلترا بحضور ما يزيد على 160 ألف متفرج.

كل هذه الحكايات عن الأداء الحي الخرافي يمكن تلخيصها ببساطة في أداء ميركوري الحي برفقة كوين في حفلة Live Aid باستاد ويمبلي في عام 1985، هذه حفلة استمرت ما يقرب من 16 ساعة وحضرها ما يزيد على 72 ألفا من الجمهور وشاهد بثها الحي ما يقترب من ملياري إنسان حول العالم، أي ما يقرب من نصف سكان الأرض في هذا العصر. بين العديد من فرق ومغنيي موسيقى الروك قدم فريدي ميركوري وفرقته كوين ما تم اعتباره من كثيرين من الفنانين والنقاد كأعظم أداء حي في تاريخ موسيقى الروك.

كان فريدي يغني ويعزف البيانو والجيتار في بعض الأحيان، يهتف ويتحرك على المسرح، ويحرك جمهور ستاد ويمبلي وينظم غناءهم بإشارة من يده، بدا فريدي في هذا الحفل وكأنه يملك قدرات غير بشرية. يمكننا تخيل هذا التأثير المذهل لحضور فريدي ميركوري حينما نتذكر ما حدث عقب وفاته بما يزيد على العشرين عامًا، حينما استعاد منظمو حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012 مقطعا من أداء فريدي في استاد ويمبلي في منتصف الثمانينات، فريدي وهو مجرد مقطع فيديو يبث بخاصية الهولوجرام، كان قادرًا وبعد عقدين من رحيله عن الدنيا على قيادة جمهور حفل افتتاح أولمبياد لندن!


بوهيميان رابسودي: صوت يمكنه أن يصل لكل أرجاء الكون

مغنية السوبرانو الإسبانية «مونتسيري كباليه»

يظل حضور فريدي ميركوري خرافيًا وتظل تصاميم أزيائه وفيديوهاته المصورة مبهرة، ولا عجب في هذا فهو كان قد تخرج في الأساس بدرجة جامعية في تصميم الأزياء، ولكن الحقيقة أن المميز في فريدي وقبل كل شيء كان صوته.

للتدليل على هذا يكفينا ذكر أغنية كوين الأشهر والأهم Bohemian Rahpsody، هذه أغنية صدرت في منتصف السبعينات ولا تزال ثورية ومذهلة حتى اليوم، صنع فريدي في هذه الأغنية التي امتدت مدتها ما يزيد على ست دقائق كل شيء في الموسيقى، كتب الرجل كلماتها ولحنها وخرج حتى بفكرة تصويرها، وحينما تمت إذاعتها للمرة الأولى على الراديو والتلفزيون كان للجمهور رد فعل واحد تقريبًا، «ما هذا؟!»

تبدأ الأغنية بكورس لأصوات متعدده تغني مقطع «هل هذه هي الحياة الحقيقية أم أنها مجرد خيال»، يظهر في الفيديو الخاص بالأغنية الوجوه الأربعة لأعضاء فرقة كوين، نصف مضيئة ونصف معتمة، لكن الحقيقة أن هذه الأصوات المتعددة لم تكن سوى تسجيلات مختلفة لشخص واحد؛ هو بالطبع فريدي ميركوري.

هذا رجل يملك مدى صوتيًا غير طبيعي، يمكنه أن ينتقل خلاله بحرية تامة، وهذا ما نراه هنا في أغنية «بوهيميان رابسودي»، ينتقل فريدي من مقطع هادئ بكلمات صادمة «ماما .. لقد قتلت رجلاً»، وكأنه يؤدي اعترافًا يصاحبه فيه صوت البيانو الذي يعزفه أيضًا، إلى مقطع أوبرالي ملئ بطبقات صوتية حادة ومرتفعة، ثم مقطع من موسيقى الهارد روك بصوت خشن وغليظ، ثم تختتم الأغنية بمقطع هادئ وبصوت هش للغاية.

سمعت هذه الأغنية لمئات المرات، وسمع تسجيلها الأصلي ما يزيد على 600 مليون شخص على موقع اليوتيوب فقط، ولا تزال قادرة على إبهاري في كل مرة.


حكاية رحيل مبكر وخلود موسيقى

الفارق بين فريدي وكل نجوم الروك الآخرين، هو أنه كان يبيع صوته قبل أي شيء آخر.

رغم رحيل فريدي ميركوري في بداية التسعينات فإن مبيعات كوين ما زالت هائلة حتى الآن. تزداد الحكايات عن القصة الشخصية لفريدي خصوصًا أنه رحل نتيجة مضاعفات مرض نقص المناعة المكتسبة المعروف بالإيدز، هذا بالإضافة لكونه قد أعلن عن ميول جنسية مثلية قبيل رحيله. تزيد هذه الحكايات من شغف الجمهور لمعرفة فريدي الذي منح الملايين متعة موسيقية لا تنضب.

ترك فريدي قبيل رحيله بيته الكبير في لندن – والذي بلغت قيمته في أوائل التسعينات ما يزيد على العشرين مليون جنيه إسترليني- لصديقة عمره وحبيبته السابقة ماري أوستن، وصرح حينها بأن الأمور لو سارت بشكل مغاير كانت ستكون زوجته. لمحة أخرى مذهلة من حياة فريدي، دفعت أستوديوهات إنتاج شركة فوكس الأمريكية لتقديم فيلم عن قصة حياة فريدي، عن موسيقاه وحياته الشخصية، عن «بوهيميان رابسودي» وفترة توهجه حتى لحظة أدائه التاريخي في استاد ويمبلي. يقوم الممثل الأمريكي صاحب الأصول المصرية «رامي مالك» بدور فريدي في هذا الفيلم الذي ننتظر عرضه في نوفمبر 2018.

وهكذا تستمر حكايات فريدي ميركوري في التكشّف، ولكن الأكيد أن موسيقاه التي قدمها برفقة كوين ستظل خالدة.