لا تأسفن على غدرِ الزمان فطالما … رقصت على جثث الأسودِ كلاب لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادِها … تبقي الأسود أسودًا، والكلابُ كلابُ

تقال تلك الأبيات دومًا في موطن الهزيمة، يسوقها المهزوم أملًا في الاحتماء بألفاظها القوية من شماتة الشامتين، ومتعزيًا بمعانيها المتخيلة من قسوة الواقع الأليم، وقد كان الملياردير المصري «نجيب ساويرس» آخر هؤلاء الذين أجبرهم الزمن علي الاستعانة بهذه الأبيات لتلك الأغراض.

فقد فوجئ المهتمون بالشأن العام في مصر، مساء الجمعة الماضي، بقرار حزب المصريين الأحرار، حل مجلس أمناء الحزب، وهو أمر يعني الإطاحة بمؤسس الحزب رجل الأعمال الملياردير «نجيب ساويرس»، كان الأمر مفاجئا للكثيرين، فالحزب منذ نشأته قد اقترن دومًا باسم مؤسسه ومموله -ساويرس-، ولم يخطر بالبال يومًا أن يقوده غير الملياردير، فضلًا أن يكون خروجه منه بهذه الطريقة.

أزمة الحزب المشتعلة منذ فترة، لم تثر اهتمام الكثيرين، رغم كونه حزب الأكثرية في مجلس النواب. من الممكن أن يكون مرد ذلك إلى الثقة في قدرة ساويرس على حسم الصراع لصالحه، لكن المفاجأة كانت قوية فسلطت الأعين على ما كان متواريًا.


جبهات متصارعة: صديق الأمس صار عدو اليوم

رجل الأعمال المصري «نجيب ساويرس» (يمين)، و«عصام الدين خليل» رئيس حزب المصريين الأحرار

برز في الآونة الأخيرة جبهتان متحاربتان داخل «المصريين الأحرار»، يقود إحداهما مؤسس الحزب نجيب ساويرس، ويقود الأخرى رئيس الحزب عصام خليل، الذي حصل على منصبه بدعم من ساويرس، ليصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم.

يمكن تلمس ملامح صراع هذه الجبهات في عدد من المواقف، ففي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الهيئة البرلمانية للحزب علاء عابد، أن «سحب الثقة من الحكومة أصبح ضرورة»، خرج رئيس الحزب عصام خليل ليرفض دعوات سحب الثقة من الحكومة.

كما استقال من الحزب عدد من الشخصيات المؤثرة، مثل عضو مجلس النواب الدكتور عماد جاد، ورئيس مجلس أمناء الحزب الدكتور أسامة الغزالي حرب، وأمين تنظيم الحزب ومنسق الهيئة البرلمانية له النائب هاني نجيب، وكان مبرر الاستقالات «الاعتراض على سياسات خليل، في طريقة إدارته للأمور».

من ملامح الصراع أيضًا، ما نشرته وسائل إعلام، عن توقف نجيب ساويرس عن دعم الحزب ماليًا، بسبب عدم رضاه عن أداء نواب الحزب داخل البرلمان، وهو ما أكده رئيس الحزب حين قال أن ساويرس طالب باسترداد مقر الحزب الذي يملكه.


نزاع سياسي – قانوني

جبهة عصام خليل، التي يبدوا أنها الأكثر عددًا وتنظيمًا وقدرة على الحسم إلى الآن، بررت قرارها بحل مجلس أمناء الحزب، بأنه «سيبطل الدعوى القائلة بأن الحزب قائم على شخص واحد»، وبأنه «خطوة لإشراك الجميع في ممارسة الديمقراطية الحقيقية».

لكن مجلس الأمناء، الذي تم حله، قال في بيان له أن ما حدث هو «انقلاب غير مشروع»، وألمح إلى أن هناك تدخلات لبث الفرقة بين صفوف الحزب، وذلك عبر قوله أن «بث عوامل النزاع والفرقة في كيان الأحزاب كانت الوسيلة المعهودة في العصور السابقة لإضعافها وإبطال نموها الصاعد».

يرى مجلس الأمناء أن الجمعية العمومية غير العادية، التي عقدها محمود خليل، لتعديل لائحة الحزب، مخالفة لنص المادة 59 من لائحة نظام الحزب الأساسي الذي ينص على ضرورة موافقة مجلس الأمناء على التعديلات، وهو ما يجعل التعديلات باطلة، وبناءً عليه قرر اللجوء إلى لجنة الأحزاب والقضاء الإداري لتصحيح العوار المؤسسي الذي تم.

على الجانب الآخر، يرى أنصار جبهة خليل، أن الإجراءات الخاصة بالمؤتمر العام وتعديلات لائحة النظام الأساسي سليمة وقانونية وفق اللائحة، التي وافق عليها أغلب الأعضاء. ما يعني دخول الأمر في نزاع قانوني ربما قد يطول حتى يحسم.


محطات في تاريخ الحزب ومؤسسه

نجيب ساويرس، عصام خليل
نجيب ساويرس، عصام خليل
حزب المصريين الأحرار
حزب المصريين الأحرار

أُنشئ حزب «المصريين الأحرار» في نيسان/ أبريل 2011، برعاية ودعم كبير من رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي أراد انتهاز فرصة الثورة لاقتحام مجال السياسة. نجيب أراد أن يكون في الخلفية، فلم يسعى لرئاسة الحزب،مكتفيًا بتحريك الخيوط من الكواليس.

خاض الحزب انتخابات برلمان 2011، ضمن تحالف «الكتلة المصرية»، الذي ضم حزبي المصري الديمقراطي الاجتماعي والتجمع، واستهدف التحالف «الدفاع عن الدولة المدنية»، ومواجهة المد الذي يقوده أحزاب الإسلام السياسي. حصل التحالف حينها على 34 مقعدًا من أصل 498 مقعد (أي 7%)، وكان نصيب «المصريين الأحرار» منها هو 15 مقعد فقط.

لم تكن هذه النسبة مرضية لساويرس بالطبع، لأنها لم تكن تمنحه النفوذ السياسي الذي يريده، فلم يعترض على حل البرلمان، ودعم بشكل مباشر وغير مباشر جهود الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي.

في أيلول/ سبتمبر 2014، استقال رئيس «المصريين الأحرار» أحمد سعيد، من منصبه، بدعوى انشغاله بمنصبه كنائب لرئيس النادي الأهلي، لكن ما يدور في الكواليس كان غير ذلك، حيث ذكرت بعض التقارير أن سبب استقالة سعيد الحقيقي هو تدخلات ساويرس في شؤون الحزب، وتحكمه في طريقة عمله، عن طريق رجله عصام خليل، الذي كان سكرتيرًا عامًا وقتها.

استقالة سعيد، مهدت الطريق لخليل ليرأس الحزب، وليهندس الانتخابات البرلمانية، التي استطاع «المصريين الأحرار»، بدعم سخي من ساويرس، أن يحصد فيها 65 مقعدًا من مقاعد البرلمان، ليصبح حزب الأكثرية.

أراد نجيب استغلال مقاعد الحزب في البرلمان ليشكل جبهة تناوئ ائتلاف «دعم مصر» الذي يتردد أنه مدعوم من جهات أمنية، وليصبح واحدًا من المتحكمين في المشهد السياسي، ومن هنا بدأ الصراع وتمرد رجل ساويرس عليه؛ اتخذ خليل موقفًا مواليًا للنظام المصري وداعمًا له ومتناغمًا، في أغلب الأحيان، مع موقف ائتلاف «دعم مصر»، ولم يُمَكّن ساويرس من أن يجعل الحزب آداة ضغط طيعة في يده لتحقيق أهدافه، واشتد الصراع إلى أن تمكن خليل من الإطاحة بساويرس، قبل أن يطيح به كما فعلها مع أحمد سعيد من قبل.

يبدوا أن ساويرس فشل، على مدى ست سنوات، في تحقيق النفوذ السياسي الذي يريد،سواء من خلال الحزب الذي أسسه،أو من خلال وسيلته الإعلامية الأبرز – قناة ON TV – التي اضطر إلى بيعها مؤخرا .

فهل يكتفي بهذه التجربة ويركز على إدارة الأعمال التي يجيدها، أم سيحاول مرة أخرى؟ هذا ما سيكشف عنه مصير صراع السيطرة على «المصريين الأحرار».