تقريبًا سيطرت مجموعة قنوات «mbc» السعودية على حقوق أهم برامج المسابقات واكتشاف المواهب العالمية لتقدمها في نسخ عربية، الأمر المعروف إعلاميًا بطريقة الفورمات «Format»أي شراء حقوق البرنامج وشكله العام وتقديمه في نسخة عربية.

القناة بدأت في الأمر منذ سنوات طويلة، وتدريجيًا صار لديها حقوق 4 برامج في فئة اكتشاف المواهب الغنائية وحدها، فحتى برنامج The X Factorالذي حاولت روتانا ومعها cbcالإفلات به، ضمته mbc في النهاية لخريطة برامجها المزدحمة بالفعل وقدمت منه موسمًا وحيدًا.

ربما يتفوق Arab Idol في نسب المشاهدة، لكن يبقى The Voice له شكله الخاص الذي يميزه عن أي برنامج آخر، فنجح منذ موسمه الأول في تحقيق قاعدة جماهيرية كبيرة خاصة مع لجنة التحكيم التي انسجم أعضاؤها سريعًا مع بعضهم، ليكون الدافع لمشاهدتهم هو الاستمتاع بتعليقاتهم على أداء المتسابقين وليس متابعة تعليقاتهم الساخرة من بعضهم.

حاليًا يعرض الموسم الثاني من The Voice Kidsبنجاح جيد، بعد نجاح ساحق للموسم الأول، لكن كيف كانت البداية؟


تحفظات ومحفزات

بعد نجاح موسمين، وبالتزامن مع عرض الموسم الثالث، أعلن عن برنامج جديد هو The Voice Kids الذي يحمل نفس فكرة البرنامج الأصلي، ولكن المتسابقين هذه المرة من الأطفال من سن 7 إلى 14 عامًا. لا ندري مدى حماس المشاهدين لهذه الفكرة، ولكن بالتأكيد كانت هناك بعض التحفظات.

التحفظ الأول، كان في الخوف من ألا يكون مستوى الأصوات المتقدمة كفيلًا بصناعة جاذبية وتنافس للحلقات، بينما كان التحفظ الثاني من فكرة البرنامج التي تعتمد على وجوب أن يلتف أحد المطربين، أو المدربين كما يُطلق عليهم في البرنامج، إلى المتسابقين إيذانًا بضمهم لفريقه، أو أن يلتفت أكثر من مدرب ليصبح الاختيار في هذه الحالة في يد المتسابق، لأي مدرب سوف ينضم، فما هو التحفظ هنا؟ أن يكون المتسابقون من الأطفال، فقد يعني هذا أن تتغلب عاطفة المدربين على الناحية العملية، مما يعني أن يضموا بعض الأصوات التي ليست الأفضل بدافع التعاطف مع الطفل وعدم الرغبة في خروجه حزينًا.

على الجانب الآخر راهنت القناة وصناع البرنامج على ناحيتين، الأولى، هي الرغبة في متابعة الأطفال ومشاهدة ردود أفعالهم، ربما قبل الاهتمام بموهبتهم، دائمًا ما يخرج من الأطفال ردود أفعال تصلح لصناعة برامج رائعة، وقليلون من نجحوا في استغلال هذا الأمر.

الرهان الآخر، كان على لجنة التحكيم، وكما هي عادة mbcتختار نجومًا معروفين، وتراعي أن يكونوا من دول مختلفة لمخاطبة شريحة أكبر من الجمهور، هكذا جاءت بالمطرب العراقي كاظم الساهر الذي لديه خبرة في التعامل مع البرنامج في نسخة الكبار، ولديه شعبية كبيرة أيضًا، وبجانبه الفنانة اللبنانية نانسي عجرم التي يعرفها الأطفال جيدًا من خلال أغنياتها الموجهة لهم، بالإضافة لظهورها في لجنة تحكيم برنامج Arab Idol، بينما كان رفيقهم الثالث المغني المصري تامر حسني هو الأقل خبرة في برامج المسابقات، وإن كان يتمتع أيضًا بشعبية كبيرة جدًا.

مع هذه التحفظات والمحفزات انطلقت النسخة الأولى من البرنامج مباشرة بعد انتهاء عرض الموسم الثالث من The Voice وكان ذلك في يناير/كانون الثاني 2017.


من كان يتوقع كل هذا النجاح؟

من الصعب تخيل أن صناع البرنامج أنفسهم كانوا يتخيلون قدوم أصوات بهذا التميز إلى البرنامج، احتوى الموسم الأول على أطفال ذوي مواهب استثنائية من مختلف أنحاء العالم العربي، بينهم من يجيدون الغناء بالعربية والإنجليزية معًا، ومنهم من يجيدون غناء المواويل والوصول إلى طبقات صوت مرتفعة بسهولة، كانت الأصوات مذهلة، ومن كان يتابع البرنامج بدافع الفضول فقط وقع سريعًا في حب هؤلاء الأطفال. لا توجد مبالغة إن قلنا إن الحلقة النهائية احتوت على ستة أصوات جميعها مميزة وتستحق الفوز، يضاف إلى هذا الشخصية والحضور الخاص لبعضهم.

تمتع البرنامج بعدة مميزات افتقدها أي برنامج آخر حتى The Voiceالمخصص للكبار، فبينما يتوافر لدى الكبار أيضًا ميزة اختيار المدرب الذي يودون الانضمام إليه، لكن الكبار يتصرفون أحيانًا بدافع الحرج أو المجاملة للمدرب الذي يحاول جذبهم بشكل أكبر، وهو ما لا نجده في عفوية الأطفال الذين يكون أمامهم المدربون الثلاثة يحاولون إقناعهم بكل الطرق أن ينضموا لفريقهم، بينهم يختار الطفل في هدوء المدرب الذي كان يود اختياره منذ البداية دون الخضوع لأي ابتزاز عاطفي، بل وأحيانًا يتلاعب الأطفال بالمدربين قبل أن يعلنوا لأيهم سينضمون. وفي المقابل بات هناك جانب آخر من المتعة يتمثل في متابعة حيل المدربين لإقناع الأطفال بالانضمام إلى فرقهم.

وبمرور الحلقتين الأوليين في المرحلة الأولى التي تسمى: «الصوت وبس»، تأكد المشاهد من أن هناك إمكانية لعدم الالتفاف لبعض الأصوات مثلما يحدث مع الكبار، وإن كان الأمر هنا أكثر قسوة، إذ يمكن لشخص كبير تقبل الخروج مهزومًا، بينما الأمر بالنسبة للطفل أصعب، مما أجبر كل المدربين على استخراج كل إمكانياتهم لإقناع هؤلاء الأطفال الذين يخرجون من المرحلة الأولى بعدم البكاء، مما قدم لنا جانبًا إنسانيًا لدى هؤلاء المدربين غير موجود أيضًا في البرامج الأخرى.

هكذا مرت حلقات الموسم الأول، والمشاهدون يتعلقون أكثر بالأطفال ويحفظون أسماءهم، وفوق كل هذا لا يتوقفون عن الاندهاش في كل مرة بالمستوى الرائع لأصوات هؤلاء الأطفال. أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع هذا النجاح، لكن نجاح البرنامج لم يكن قد بدأ بالفعل.

تنقصنا الإحصائية الدقيقة، لكن يمكن ملاحظة أن البرنامج كان صاحب نصيب الأسد من الإعادات بعد انتهائه على مدار العام، حتى شعرنا أن أحدهم ضغط على زر إعادة العرض «Replay» ونسي أن يوقفه، لكن إصرار القناة على إعادة عرض البرنامج بالتأكيد ليس من فراغ، فقناة ـmbcلديها الكثير من البرامج بالفعل، ولديها خريطة مزدحمة بالكثير من البرامج الناجحة، وإعادة هذا البرنامج بشكل أكبر من بقية البرامج، يعني أنه في كل مرة يحقق نسب مشاهدة جيدة.

لكن النجاح لم يتوقف عند هذا الحد أيضًا بل أخذ منحى آخر.


استغلال أم نجومية؟

في سهرة خاصة بعنوان «أحلى سهرة» استضافت «إميه صياح»، مقدمة برنامجي The Voice، وThe Voice Kidsفي نسختيهما السابقتين، خمسة من الأطفال الذين وصلوا إلى التصفيات النهائية، تنوعت السهرة بين فقرات غنائية للأطفال وفواصل ترفيهية وحوارية معهم.

لاحقًا نُظم حفل للأطفال الست الذين وصلوا إلى المرحلة النهائية، وهو أمر لم يحدث بهذا الشكل مع أي من متسابقي المراحل النهائية في أي من برامج اكتشاف الصوت الأخرى، ربما ظهر بعضهم معًا أو بشكل فردي في حفلات أو برامج، لكن لم يحدث أن اجتمع متسابقو النهائيات في حفل مخصص لهم بهذا الشكل من قبل.

لكن الأمر يتخطى مجرد حفل، كم اسم يستطيع المشاهد أن يذكر من الفائزين في برامج اكتشاف المواهب الغنائية المختلفة؟ سيبرز اسم «محمد عساف» بالطبع ومن الصعب تذكر أي اسم آخر خاصة من الفائزين بلقب The Voice في مواسمه الثلاثة، ببساطة لم يحقق أي من هؤلاء الفائزين مسيرة لاحقة تثبت أقدامه، أو توثق صوته لدى الجمهور.

هل صنع هذا نجومية وشهرة لهؤلاء الأطفال؟ بالتأكيد، هل يصب هذا في مصلحتهم في المستقبل؟ يلزمنا التفكير. على المدى القريب الجميع استفاد، الأطفال بالتأكيد يحصلون على الشهرة وربما على مقابل مادي جيد أيضًا مقابل الحفلات أو الحلقات الخاصة، لكن المستفيد الأكبر هو قنوات mbcبالتأكيد التي تنجح في الاستفادة من الأطفال إلى أقصى درجة ممكنة، أم هل نقول تستنزفهم؟ هل من المناسب لأطفال في هذه السن من الناحية النفسية ومن الناحية الجسدية أو الصوتية تحديدًا إقامة الحفلات والظهور الإعلامي بهذا الشكل؟ وهل هناك اهتمام حقيقي بهذا الجانب، ويؤخذ في الاعتبار؟ مضت سنة فقط على نهاية الموسم الأول حدث خلالها كل هذا، لكن يبدو أن الإيقاع كان أسرع من ملاحظة أي نتائج سلبية قد تظهر على هؤلاء الأطفال لاحقًا.


ما زال النجاح مستمرًا

انتهت مرحلة «الصوت وبس» وبدأت مرحلة «المواجهة» في الموسم الثاني، هذه المرحلة التي ينافس فيها ثلاثة أطفال بعضهم في أغنية واحدة ليختار المدرب طفلًا واحدًا لينتقل معه للمرحلة التالية.

يُلاحظ في هذا الموسم تطور طرق المدربين للإيقاع بالأطفال، فتستعين نانسي عجرم بالحلويات، بينما يظهر تامر بشكل أكثر تفاعلًا من الموسم السابق الذي كان متحفظًا فيه بعض الشيء، ويستمر الساهر في استخدام نفس عبارات الغزل للأطفال، والتي تؤتي ثمارها عادة بأقل مجهود منه.

احتوت المرحلة الأولى على عدد من الأصوات الجيدة التي يُعاد اكتشافها في المرحلة الثانية، لكن بعد الموسم الأول أصبح الجمهور يطلب ما هو أكثر من صوت جيد، فهو يطلب الصوت والحضور وخفة الظل والتفاعل، وحتى الآن لم يُسلط الضوء بشكل قوي على أطفال يحملون هذه الملامح.

ما زالنا في انتظار عدة حلقات أخرى من البرنامج الذي عُرض قبل نظيره المخصص للكبار في موسمه الرابع بعد تغيير لجنة التحكيم لهذا الأخير، لكن من الإنصاف التفكير في المصير الذي ينتظر هؤلاء الأطفال بعد انتهاء البرنامج وخفوت الأضواء، فهل هم وسيلة فقط لنجاح القناة وإسعاد المشاهد لعدة ساعات، أم أن هناك منهم من سيكون لديه مستقبل فني حقيقي لاحقًا؟

حتى الآن لا أحد يدري، إذ ما زال عدد من متسابقي الموسم الأول يحصدون ثمار الشهرة، لكن بنهاية الموسم الثاني ربما تتضح الصورة بشكل أكبر.