لندن، روما، أين ستكون محطة داعش القادمة؟ فرضت التهديدات التي روج لها تنظيم الدولة الإسلامية هذا السؤال، بعد أن باتت أوروبا مسرحا للعمليات الجهادية الاستشهادية، وأصبحت مشاهد التفجيرات والأشلاء منتشرة في شوارع العواصم الأوروبية، فيما اعتبر التنظيم مثل تلك العمليات مجرد بداية لاستهداف العديد من العواصم الأوروبية المشاركة في الحرب على التنظيم في سوريا والعراق، فيما اختلفت التفسيرات حول دواعي استهداف التنظيم للقارة العجوز.


إستراتيجية جديدة: ماذا تحقق لداعش؟

يشهد تنظيم داعش منذ تأسيسه مرونة إستراتيجية تتمثل في تطوير إستراتيجياته فبعد أن كان يتبنى شعار « باقية وتتمدد» منذ إعلانه الخلافة في الشام، تبنى التنظيم ما يعرف بإستراتيجية «سمكة الصحراء» وفي خلال هذه الفترة اعتمد على «مواجهة العدو القريب»، اتجه التنظيم لاحقا وبالتحديد في النصف الثاني من عام 2015 لتبني إستراتيجية «البقاء والتوسع» والمعنية بتأسيس الخلافة البعيدة لداعش، وتزامنا مع ذلك اتجه التنظيم إلى تبني أسلوب «البسكويت الهش» واستهداف المناطق الرخوة في عدد من الدول مثل فرنسا وتونس وتركيا ولبنان ونيجيريا وكينيا وأفغانستان، فيما يرى البعض بأن التنظيم يتبع إستراتيجية «الرعب العشوائي».يرجع العديد من المحللين هذا التغير إلى الخسارة التي مُني بها التنظيم في كل من بلاد الشام تحت مساندة قوات التحالف الدولي وروسيا للقوات العربية والكردية في كل من سوريا والعراق، فقد خسر التنظيم أكثر من 40% من الأراضي التي سيطر عليها في العراق و20% في سوريا، كذلك فإن إمكانيات التنظيم غير قادرة على إحكام السيطرة على المناطق التي استولى عليها ميدانيا، بالإضافة إلى تناقص عناصره بسبب خسارتهم في العمليات العسكرية وتناقص العناصر الجديدة المتدفقة إليه، كما أن التحالفات الدولية نجحت في إضعاف قدرة التنظيم التمويلية بعد أن ضرب العديد من مصافي النفط التي كان يسيطر عليها التنظيم.ومع قدرة التنظيم على إعادة السيطرة الميدانية على العديد من الأراضي التي استرجعتها المليشيات العراقية وقوات النظام السوري، وعدم قدرته على الاستيلاء على مدن جديدة كما حدث في فشل السيطرة على العريش في مصر وبن قردان في تونس لإعلانهما إمارة إسلامية، وجد التنظيم نفسه أنه يفقد الكثير من شعبيته التي جعلته يجذب آلافًا من المجاهدين، ومن ثم بحث عن آلية جديدة يعيد بها جزءًا من شعبيته وهو استهداف الصليبين الكفار في الداخل والخارج.


لماذا يستهدف التنظيم أوروبا؟

ونعد الدول الصليبية المتحالفة على دولة الإسلام بأيام سود، ردًا لعدوانهم على دولة الإسلام، والقادم أدهى وأمر بإذن الله

ومع هذه الإستراتيجية الجديدة يتجه التنظيم إلى «مواجهة العدو البعيد» وذلك من خلال نقل ماراثون الصراع مع المغرب إلى عقر داره أو مهاجمته خارج أراضيه بعدد من الدول، ويعتمد في ذلك باستهداف المناطق الرخوة من مسارحَ ومقاهٍ وملاعبَ رياضيةٍ والمناطق السياحية، كما يتجه إلى استهداف المرافق الحيوية مثل وسائل المواصلات المختلفة من طائرات كما حدث في تفجير الطائرة الروسية في مصر، واستهداف المطارات والمترو كما حدث في بروكسل.تشير مهي يحيى في تقرير لها بعنوان « الرقص على أنغام تنظيم الدولة الإسلامية» إلى أن التنظيم يعتمد في إستراتيجيته لجذب عناصر له لما تشهده أوروبا من أزمة هوية ومواطنة مختلفة خاصة لدى الجيل الثاني والثالث من أصل عربي فغالبيتهم يعانون من ألم التمييز وعدم المساواة الهيكلية في العمل والحياة اليومية. كما يشير تقرير لسوشتيد برس بأن التنظيم قد درب أكثر من 400 عنصر لتنفيذ هجمات في أوروبا.


باريس بوابة داعش لأوروبا

مثلت هجمات باريس نقطة تحول في مسار مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط، فقد دخلت فرنسا بثقلها ومن بعدها بريطانيا ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من أجل القضاء على داعش في الشرق الأوسط، كما انضمت بلجيكا أيضا إلى هذه الحرب وعمل الرئيس الفرنسي هولاند على حشد دولي للمشاركة في التحالف الدولي ضد داعش، كما اعتبرت هجمات باريس نقطة تحول كبرى في العلاقات الروسية الأوربية التي وجدت مساحة مشتركة للتعاون من أجل الإجهاز على داعش.فقد كانت هجمات باريس مفاجئة للعالم كله فقد نفذ سبعة أشخاص ستة تفجيرات متزامنة بباريس بتاريخ 18 نوفمبر 2015، ونتج عن الهجمات الأكثر دموية في تاريخ باريس مقتل أكثر من 129 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 352 آخرين، وشملت التفجيرات عدة مناطق رخوة من مسرح ومول تجاري وملعب لكرة القدم ومطاعم وحانات، فيما تبنى داعش الهجوم مؤكدا على أن هذا رد فعل لهجمات فرنسا على التنظيم في سوريا. ويأتي هذا الهجوم بعد أقل من سنة على هجوم شارلي إيبدو والذي نفذته عناصر من تنظيم القاعدة باليمن.


لماذا استهدفت داعش بروكسل؟

ما أن تنفست أوروبا الصعداء بعد إلقاء القبض على المدبر لهجمات باريس صلاح عبدالسلام بعد أربعة شهور من تنفيذها ببلجيكا، حتى أعقب ذلك بيومين هجوم استهدف بروكسل. فقد شهدت ثلاث هجمات متزامنة صباح يوم 22 مارس 2016 على مطار المدينة ومحطة مترو أنفاق مالييك، وراح ضحية الهجمات 34 قتيلا، فلماذا فجرت داعش بروكسل؟يجيب أبو مودة _أحد أنصار تنظيم داعش_ على هذا السؤال مؤكدا أن استهداف بروكسل يعود إلى الأهمية الاقتصادية والسياسية المعنوية للمدينة كونها عاصمة الاتحاد الأوروبي ومقر المفوضية الأوروبية والشركات العالمية، وارتباطها بشبكة السكك الحديدية الواصلة بين عدد من المدن الأوروبية مثل أمستردام وباريس وكولونيا ولندن، كذلك يربط المقال الهجوم بالقبض على صلاح عبدالسلام المخطط لهجوم باريس، كما يذكر أن الهجوم يمثل رد فعل لمشاركة بلجيكا في الحرب على التنظيم بالعراق.


خطر داعش التركي

لا يمكن قراءة ما يحدث في أوروبا من هجمات داعش دون التطرق إلى ما يحدث من هجمات التنظيم في تركيا، خاصة وأن أجزاء من تركيا جغرافيا تقع داخل القارة الأوروبية، وبالتالي فإن جيوبولتيك تركيا يؤثر بالطبع على أوروبا وهو ما نراه جليا في قضية اللاجئين السوريين وتفقدهم إلى أوروبا عن طريق تركيا، فتلامس تركيا للحدود السورية والعراق أيضا يجعلها ممرًا للجهادين إلى أوروبا.وعلى الرغم من غموض العلاقة بين داعش وتركيا أدت إلى حد الذهاب باتهام تركيا بدعم التنظيم في سوريا وتهريب عناصرها، فقد رفضت تركيا في البداية الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش في 2014، وكذلك لم تعاقب المتشددين في تركيا بحجة عدم الإضرار بتركيا، إلا أن هناك تغيرًا في الموقف التركي حينما هاجم أحد عناصر التنظيم على عناصر حرس الحدود فانضمت للتحالف وفتحت قواعدها أمامه، فيما اعتبر البعض هذا التغير كذريعة لشرعنة الهجمات على حزب العمل الكردستاني.


المحطة القادمة في أوروبا أين؟

بالرغم من عشوائية هجمات التنظيم في الداخل الأوروبي وصعوبة التنبؤ بمكان وتوقيت تنفيذ أي هجمات للتنظيم، إلا أن هناك خطوطًا عريضة تتمثل في أن هجوم بروكسل لن يكون الأخير داخل أوروبا، وأن الدول التي ستكون مهددة هي تلك المشاركة في العمليات العسكرية ضد التنظيم في سوريا والعراق، وعليه فإن بيانات وإصدارات التنظيم حملت إشارة إلى عدد من المدن الأوروبية ستكون مقصدها بعد بروكسل ومنها:

لندن مقبلة

لا تحسب أن ما حدث ببلجيكا وباريس من قبلها ببعيدة عنك أيها الصليبي، وبإذن الله عما قريب يقتحم جنود الخلافة عقر دارك في إنجلترا راعية الصليب قبل أمريكا طاغوت العصر

من باريس وبروكسل البداية وبلندن نقيم الولاية! هكذا ذهب أبو وهبة أحد عناصر التنظيم بمباركة هجمات بروكسل متوعدًا لندن بأنها المحطة القادمة للتنظيم، في الوقت نفسه حمل هاشتاج #غزوة_بروكسل العديد من المشاركات التي هددت بأن هجمات التنظيم ستصل عما قريب إلى لندن، كان التنظيم قد هدد لندن في أعقاب هجمات باريس بأن سيكون لها نصيب الأسد من هجمات أوروبا وأنها ستكون مرعبة تفوق هجمات 11 من سبتمبر وهجمات فرنسا، فيما حذر مسؤول مكافحة الإرهاب في بريطانيا من سعي التنظيم إلى تنفيذ هجمات هائلة ومذهلة في بريطانيا.وفي أعقاب هجمات بروكسل نشر الجارديان تقريرًا بعنوان «ما مخاطر وقوع هجوم على غرار بروكسل في بريطانيا؟» بعد أن أوقفت السلطات الأمنية في لندن سبعة من العناصر العام الماضي ولكن تخشى أن يكون بينهم عناصر من الذئاب المنفردة قد هربت، ويرى التقرير بأن الأمر في لندن مقلق وأنه من المرجح جدًا وقوع هجمات بها وهو ما تخشاه السلطات الأمنية التي تفتقد للمعلومات المحددة.فيما يشير التقرير أنه على الرغم من وجود تهديد شديد إلا أن هناك بعض الخصوصية للندن ربما تقلل من حدوث مثل هذه الهجمات تتمثل في صعوبة الحصول على الأسلحة داخل لندن على عكس بلجيكا، موقع بريطانيا الفريد وقدرة الموانئ البريطانية على الحد من التسلل إلى أراضيها، الخبرة الأمنية لدى أجهزة الأمن البريطانية وقدراتها الاستباقية على تضييق الخناق مثل هذه الهجمات، التجربة التاريخية التي مرت بها لندن في تفجيرات 2005، كذلك التعاون التام بين أجهزة المخابرات والشرطة على عكس بلجيكا التي أظهرت تناقضًا في التعاون بين تلك الأجهزة.يبقى أن بريطانيا تواجه ثلاثة أنواع من الهجمات المحتملة تتمثل في خطورة المجاهدين العائدين من سوريا والعراق، أما النوع الثاني يتمثل في احتمالية استهداف الطيران البريطاني مثلما حدث مع الطائرة الروسية في مصر، فيما يتمثل النوع الثالث في هجمات الذئاب المنفردة.

روما مهددة

كما هدد التنظيم لندن هدد أيضا روما، فقد أكد تسجيل مصور لولاية دجلة أن هجمات باريس ما هي إلا سبيل لفتح روما، وهو الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تحذير إيطاليا من إمكانية تنفيذ عدة هجمات على المناطق العامة بما في ذلك الكنائس والمعابد والمطاعم والمسارح والفنادق. وبالرغم من أن روما لم تشهد بعد أي هجمات إرهابية؛ إلا أن تنامي تنظيم الدولة في ليبيا يعتبر من أكثر التهديدات للأمن القومي الإيطالي وذلك لجغرافية روما وتقاربها مع ليبيا، ومن ثم فإمكانية تعرضها للهجمات أمر محتمل في ظل دعوات التدخل الإيطالي في ليبيا لمواجهة التنظيم.ختامًا: تبقى كافة المدن والعواصم الأوروبية في حالة من الاستهداف من قبل تنظيم داعش في ظل اعتماده على الهجمات العشوائية وعلى العمليات الاستشهادية والذئاب المنفردة وهو ما يصعب التنبؤ بها أو رصدها، ويتزايد هذا الخطر مع عودة المقاتلين الأجانب من سوريا والعراق، بالإضافة إلى السياسات الأوروبية الجديدة في إعادة اللاجئين وإغلاق الحدود أمام عبورهم، كما أنه كلما زادت خسارة التنظيم في سوريا والعراق ميدانيا بفضل عمليات التحالف الدولي ستزداد ردة فعل التنظيم إلى الداخل الأوروبي، فمهما خسر التنظيم فستبقى ذئابه مثلما بقيت ميلشيات طالبان وعناصر القاعدة.

المراجع
  1. – الرقص على أنغام تنظيم الدولة الإسلامة، مها يحي، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 2ديسمبر2014
  2. داعش وإستراتيجية "الرعب العشوائي"، منال لطفي، موقع الأهرام،-
  3. "سمكة الصحراء" .. إستراتيجية داعش للتوسع في 8 دول، تقرير موقع العربية نت، مارس 2015
  4. اربع مراحل لإستراتيجية داعش التركية، نهاد علي أوزجا، موقع ترك برس، 23 مارس 2016
  5. لماذا فجرنا بروكسل؟، أبي مودة (العقاب المصري)، الوفاء، 22 مارس 2016، متاح على الرابط:
  6. من باريس وبروكسل البداية وبلندن نقيم الولاية، أبي وهبة (الغريب الكناني)، الوفاء،22 مارس 2016
  7. What is the risk of a Brussels-style attack by Islamic State in the UK?, Ewen MacAskill, the guardian,22 march 2016, on