تزداد الأجواء توترًا في الخليج العربي، بعدما تبنت جماعة الحوثي -المدعومة من إيران- الهجوم الذي استهدف محطتي ضخ نفط في المملكة العربية السعودية، عبر طائرات بدون طيار مفخخة. الهجوم حلقة جديدة من مسلسل التصعيد المتبادل بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى، مما يجعل البعض يعتقد أن صيفًا ساخنًا للغاية على وشك أن يبدأ.


التصعيد الأمريكي

انسحبت الولايات المتحدة، في مايو/ آيار 2018، من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العظمى مع إيران في عام 2015، بتشجيع من حلفائها في الشرق الأوسط وعلى رأسهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن الاتفاق غير عادل، وإنه يريد التفاوض مع إيران مجددًا لإبرام اتفاق جديد. فيما رفضت الدول الكبرى التي شاركت في الاتفاق النووي الانسحاب منه، لا سيما وأن طهران تنفذ التزاماتها المرتبطة بالبرنامج النووي في إطار اتفاق 2015.في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية على طهران، بهدف إجبارها على التفاوض. وشملت العقوبات مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية، على رأسها قطاع النفط الذي يُعتبر مصدر الدخل الأساسي للعملات الصعبة. وأعطت واشنطن مهلة ستة أشهر لثمانٍ من الدول التي تشتري النفط الإيراني حتى تتوقف عن شراء النفط وإلا ستخضع لعقوبات هي الأخرى. في أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت الولايات المتحدة إدراج الحرس الثوري الإيراني على لوائح الإرهاب، وهي المرة الأولى التي تصنف فيها واشنطن جزءًا من جيش دولة أجنبية رسميًا منظمة إرهابية. شملت العقوبات التي وقعت على الحراس الثوري تجميد أصول يُظن أن الحرس يمتلكها في الولايات المتحدة وفرض حظر على الأميركيين الذين يتعاملون معه، أو يقدمون الدعم المادي لأنشطته.

اقرأ أيضًا: جون بولتون ومايك بومبيو: صقور دونالد ترامب «الجارحة»

في مطلع مايو/ آيار الجاري،انتهت مهلة الستة الشهر التي كانت إدارة ترامب أعطتها لعدد من الدول التي تستورد النفط من إيران، بهدف «تصفير» صادرات النفط الإيرانية. وباتت هذه الدول وشركاتها مهددة بعقوبات أمريكية ما لم توقف التعامل مع طهران. ثم في 6 مايو/ آيار، أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات «أبراهام لنكولن» وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية بشأن استعدادات محتملة من قبل طهران لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأمريكية. وقال مستشار الأمن القومي، جون بولتون، إن بلاده سترد على أي هجوم «بقوة لا هوادة فيها».في 9 مايو/ آيار الماضي، وقع الرئيس الأميركي ترامب قرارًا رئاسيًا يقضي بفرض عقوبات إضافية على إيران تستهدف قطاع المعادن. وشملت العقوبات الجديدة قطاعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس التي تشكل 10% من مجمل صادراتها، كما يشمل القرار عقوبات يقررها وزير الخزانة بالتشاور مع وزير الخارجية على مؤسسات مالية أجنبية شاركت في معاملات منذ تاريخ صدوره.بعد قرار ترامب بيومين، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع «باتريوت» وحاملة الطائرات «يو إس إس أرلينغتون» التي تحمل على متنها مركبات برمائية وطائرات مقاتلة، لتنضم إلى حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» المرابطة في مياه الخليج. ثم أرسلت واشنطن طائرات F-15 وF-35 لتنضم إلى القوات الأمريكية في الخليج.


الرد الإيراني

لم تستطع إيران الرد على العقوبات الأمريكية القاسية سوى بالمزيد من التصريحات عن المقاومة والالتفاف على العقوبات وضرورة الاصطفاف الوطني والوحدة لمواجهتها، لكن ذلك لم يمنع تضرر الاقتصاد الإيراني بشكل كبير. في البداية أملت أن تلتزم الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بتعهداتها بتقديم تعويضات مناسبة لتخفيف آثار العقوبات الأمريكية مقابل التزام طهران بالاتفاق النووي، لكن الدول الأوروبية وقفت عاجزة ولم تستطع فعل الكثير أمام تعنت ترامب وتشدده في تنفيذ العقوبات.ردت إيران على قرار الولايات المتحدة بتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، ردًا مسرحيًا عبر إعلان أمريكا «دولة راعية للإرهاب»، ووصف الرئيس الإيراني حسن روحاني، الولايات المتحدة بأنها «زعيمة الإرهاب العالمي». وأعلنت طهران في 7 مايو/ آيار الجاري التوقف عن تنفيذ بعض الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وقال الرئيس روحاني، إنه سيعلق جزأين من الاتفاق كانت إيران تلتزم بهما، وهما بيع فائض اليورانيوم المخصب، والمياه الثقيلة. كما منح روحاني الموقعين الباقين على الاتفاق: فرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين وبريطانيا- مهلة 60 يومًا للاختيار بين أمرين؛ إما الوفاء بالتزاماتهم المالية والنفطية المنصوص عليها في الاتفاق، وإما اتباع الولايات المتحدة. وهدد أنه إن لم تفِ الدول بتلك الالتزامات، فإن إيران ستبدأ إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب، وهو ما تحجم عنه حاليًا، وتبدأ في تطوير مفاعل أراك للمياه الثقيلة، اعتمادًا على خطط تمت قبل توقيع الاتفاق.قبل ثلاثة أيام، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تعرض أربع سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات لـ«هجمات تخريبية» في خليج عُمان، قرب المياه الإقليمية وفي المياه الاقتصادية الإماراتية قبالة سواحل إمارة الفجيرة. وسرعان ما توجهت أصابع الاتهام إلى إيران.وأول أمس، تبنت جماعة أنصار الله (الحوثي) اليمنية، الموالية لإيران، هجومًا استهدف محطتي ضخ نفط في المملكة العربية السعودية، عبر طائرات دون طيار مفخخة، مما أدى إلى إيقاف الضخ في خط الأنابيب، لحين تقييم الأضرار وإصلاحها. دفعت هذه التصعيدات المتبادلة، وخاصة إرسال حاملتي طائرات وأسلحة أمريكية أخرى إلى المنطقة، كثيرين إلى الاعتقاد بأن حربًا على الأبواب. فهل هذا صحيح؟

اقرأ ايضًا: إسرائيل وإيران بين حتمية المواجهة وتعدد الآليات


هل تُقرَع طبول الحرب؟

رغم كل هذه التصعيدات المتبادلة، فلا تزال مختلف الأطراف حريصة على التهدئة وعدم أخذ الأمور إلى مرحلة أبعد مما وصلت عليه.على المستوى الأمريكي، قال وزير الخارجية مايك بومبيو إن الولايات المتحدة «من حيث المبدأ» لا تسعى لخوض حرب مع إيران، وأضاف «لقد أوضحنا للإيرانيين أنه إذا تعرضت المصالح الأمريكية للهجوم، فسنرد بكل تأكيد بطريقة مناسبة». فيما وصف الرئيس ترامب التقارير الصحفية التي تقول إن هناك نية أمريكية لإرسال 125 ألف جندي إلى منطقة الشرق الأوسط استعدادًا للحرب مع إيران، بأنها «أخبار مزيفة». وأضاف: «هل من الممكن أن أفعل ذلك الآن؟ بالطبع، لكننا لم نخطط لذلك بعد. إذا فعلنا ذلك فإننا سنرسل عددًا أكبر من المذكور بكثير»، معربًا عن أمنياته بألا يحتاج لوضع مثل هذه الخطة.وإيرانيًا، قال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، إن «إيران لا تسعى إلى الحرب، وأمريكا كذلك لا تسعى إلى الحرب لأنها لن تكون في صالحها»، وأضاف أن «خيار إيران النهائي هو مقاومة الضغوط الأمريكية. الحرب الحالية حرب إرادات وإيران ستنتصر في هذه المواجهة». كما رفض خامنئي فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة ووصفها بأنها «سُّم قاتل».نفت إيران رسميًا أي علاقة لها بحادث تخريب الناقلات النفطية في المياه الاقتصادية الإماراتية، وطالبت بإجراء تحقيق كامل، ووصفت الحادث بالـ«مقلق». وقال الرئيس روحاني «إن شاء الله ستمر هذه الفترة العصيبة علينا بمجد ورؤوسنا مرفوعة، وسنهزم العدو».

اقرأ أيضًا: من السهل أن نحاصر إيران، لكن من سيدفع ضريبة الحرب؟

ويعتقد عدد من الخبراء أن الولايات المتحدة غير معنية حاليًا بالهجوم على إيران،ويرجع الدكتور وليد عبد الحي، أستاذ علم اجتماع المستقبل الأردني، السبب في ذلك إلى عدة نقاط على النحو التالي:1. ارتفاع هائل في اسعار البترول يضر بمصالح أغلب دول العالم بخاصة حلفاء أمريكا؛ أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.. إلخ، ويترافق مع ارتفاع الأسعار ارتفاع مواز له في أسعار التأمين على شحن النفط في المنطقة وخارجها.2. ارتفاع أسعار النفط سيصب في خاتمة المطاف في جيوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا يظن أحد أن هذا ما يحرص عليه ترامب وإدارته.3. الهجوم على إيران قد يجعل البيئة غير مواتية للإعلان عن صفقة القرن (إذا أُعلنت قريبًا)، فمن يريد تيسير الأمور أمام مشروعه «السلمي» في المنطقة لا يغرقها في حرب طاحنة قد تزيح المشروع من طريقها لسنين طويلة، لا سيما أن ترامب يراهن على هذا المشروع لتحسين فرصته في ولاية ثانية.4. المشروع الامريكي للحرب مع إيران ستجعل الولايات المتحدة في مقارنة خاسرة مع المشروع الصيني (الحزام والطريق) السلمي والتنموي والمدعوم ببنك البنية التحتية الصيني والذي انخرط فيه عدد غير قليل من الدول العربية، وهو ما قد يدفع الصين للنظر للحرب على أن مشروعها جزء من الأهداف الأمريكية وهو ما قد يدفعها أكثر في الاتجاه المعاكس للسياسة الأمريكية في المنطقة.5. وضع الاقتصاد الأمريكي (العجز التجاري الكبير وارتفاع فلكي للديون والحرب التجارية مع الصين وروسيا والتي أدت الى ارتفاع العجز التجاري الأمريكي بحوالي 13% مقارنة بالعام السابق على قرارات ترامب التجارية)، كل ذلك جعل مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي يصل في خلاصة دراسته إلى أن معدل النمو الاقتصادي (2.7 % حاليًا) سيتراجع الى حوالي 2% خلال السنوات الخمس القادمة، فإذا اشتعلت الحرب فإن الأمور ستذهب بالنمو نحو الأسوأ.6. اتجاهات الرأي العام الأمريكي تشير إلى تزايد متواصل في نسبة الذين يشعرون بتراجع الاقتصاد الأمريكي، وهو ما يتضح في ارتفاع المتشائمين من وضع الاقتصاد الأمريكي من 36% في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى 48% في الشهر الحالي، وهو أمر يجعل ترامب أقل حماسةً للمواجهة العسكرية.

والأيام على كلٍ حُبلى بالمفاجآت، فمن يدري أي صيفٍ شديد الحرارة سيقضيه الخليج العربي هذا العام.