في نهاية التسعينيات وبداية الألفية لم يكن سوق المسلسلات الرمضانية بمثل هذه التعقيدات والصراعات الإنتاجية الحالية. حيث كانت المسلسلات تعرض على التلفزيون المصري وبعض القنوات الخليجية، أبرزها «mbc». وخريطة النجوم ظلت واضحة لفترة طويلة؛ صراع رجالي بين «يحيى الفخراني»، و«نور الشريف»، و«محمد صبحي»، ونسائي بين «يسرا»، و«إلهام شاهين»، و«ليلى علوي»، على تصدر نسب المشاهدة.

ربما لم يظهر التدخل السياسي بشكل ظاهر للعيان إلا في السنوات القليلة قبل الثورة. عندما استقدم «صفوت الشريف» رئيس مجلس الشورى -الذي كان يسيطر على الرؤية الإعلامية المصرية أيام الرئيس الأسبق «حسني مبارك»- «أسامة الشيخ» الذي حقق طفرة في قنوات «Dream»، لتحقيق طفرة مماثلة في التلفزيون المصري، وخصوصًا في الموسم الرمضاني.

يدخل الموسم الرمضاني هذا العام وسط واقع جديد يتمثل في سيطرة تكتلات إعلامية جديدة، مثل «إعلام المصريين»، بعضها يمثل رؤية الدولة للسيطرة على الإعلام وتوجيهه. والبعض الآخر يمثل محاولات مؤسسات عربية للاستثمار في سوق الإعلام المصري. بينما يحاول القليل من رجال الأعمال الذين يستثمرون أموالهم في الإعلام إيجاد صيغة مناسبة تضمن بقاءهم وتحقيق أرباح، بعضهم نجح في ذلك، وآخرون فشلوا وأصبحت قنواتهم تتكبد خسائر مهولة. فكيف توزعت كعكة المسلسلات الرمضانية بين القنوات؟


تامر مرسي وقنوات ON

الرابح الأكبر هذا العام هو شبكة قنوات «ON»، المملوكة لشركة «إيجيل كابتل» التي تحتل الوزيرة السابقة «داليا خورشيد» منصب رئيس مجلس إدارتها. بعد أن استولت على حصة رجل الأعمال «أحمد أبو هشيمة» في مجموعة «إعلام المصريين». وبعد توليها مباشرة استقال المهندس أسامة الشيخ من إدارة قنوات ON ليحل محله المنتج «تامر مرسي» صاحب المسيرة الغامضة.

لا يوجد معلومة موثقة عن ماضي تامر مرسي قبل عام 2007. ولكنه أسس شركة «سينرجي»، وأنتج مجموعة من المسلسلات التي فشل أغلبها، وحقق القليل منها نجاحًا متوسطًا في الفترة من 2007 لـ 2011، أشهرها «قلب ميت» لـ«شريف منير»، و«مسيو رمضان مبروك» لـ«محمد هنيدي». بتلك المسيرة يفترض أن يكون مصير شركته الانهيار أو إعادة الدمج في شركات أخرى أو الاختفاء لفترة والعودة بمسلسلات قليلة التكلفة، مثل ما حدث مع شركات «كنج توت»، و«أوسكار،» و«أستديوهات الجابري».

ولكن حدث عكس ذلك بتعاقده مع «عادل إمام» على مسلسل «ناجي عطالله» عام 2012 ليستمر إنتاج مسلسلات الزعيم حتى العام الماضي الذي عرض فيه ثمانية مسلسلات دفعة، واحدة أبرزها «كفر دلهاب»، و«أرض جو». أما هذا العام فيتصدر تامر مرسي منتجي المسلسلات الرمضانية بثمانية مسلسلات يعرض نصفها على قناة ON التي يترأسها. ومؤخرًا دخل تامر مرسي عالم الإنتاج السينمائي من خلال «بني آدم» الذي يشهد عودة «يوسف الشريف» للسينما. مما يلقي علامات استفهام على أسباب تقدمه لهذه الدرجة في السوق ليتحول من منتج قليل النجاح لأحد أهم المنتجين في مصر.

وتجدر الإشارة هنا إلى ما يشاع حول قناة ON و سيطرة إحدى الجهات الأمنية على ملكيتها، والتي قامت مؤخرًا بتقليل أهمية أبو هشيمة مقابل الاستعانة بخورشيد. ويبدو أن تامر مرسي ضمن الدائرة التي يتم تصديرها للسيطرة على مقاليد الأمور في الإعلام والفن.

تعرض قنوات ON الباقة الأقوى في رمضان، وعلى رأسها مسلسلات «أبو عمر المصري»، و«كلبش 2»، و«أرض النفاق»، و«أهو دا إلي صار».


DMC والرجل الغامض

قناة «DMC» المملوكة للرجل الغامض «طارق إسماعيل»، الذي لم يحضر حفل افتتاح شبكة قنواته، ولا توجد صورة له على شبكة الإنترنت. ولا يوجد معلومة مؤكدة هل هو رجل الأعمال الإسكندراني الذي بدأ عمله في الملابس واستطاع الحصول على ثقة وتعزيز إحدى الجهات الأمنية، أم أنه مجرد اسم دعائي فقط، ولا يوجد رجل حقيقي بهذا الاسم.

يبدو أن «DMC» تراهن على جماهيرية «محمد رمضان» والخلطة التي يقدمها. فهي تمتلك حق العرض الحصري لمسلسل «نسر الصعيد»، وهو أول أعماله التلفزيونية بعد تأديته الخدمة العسكرية، والتي استدعي لها عقب التعاقد مع «قناة النهار». واستدعاء رمضان ثم استغلاله في بعض الدعاية والأفلام المروجة للدولة والحرب ضد الإرهاب، وضع العديد من علامات الاستفهام حول موعد استدعائه للخدمة. ورغبة الدولة في استغلال جماهيريته للترويج لسياستها.

بالإضافة لذلك أعلنت DMC عرض أربعة مسلسلات أخرى، أبرزها مسلسل «بالحجم العائلي» للنجم «يحيى الفخراني»، و«أمر واقع» لـ«كريم فهمي»، و«اختفاء» للنجمة «نيلي كريم». و«الرحلة» لـ«باسل خياط»، والذي يعتبر أقل المسلسلات تكلفة وترقبًا بين مسلسلاتها الأخرى.


CBC الصراع من أجل البقاء

وسط سيطرة من أجهزة الدولة الأمنية على الإعلام يحاول المسئولون عن قناة CBC ضمان وجودهم في الموسم الرمضاني بقوة. والحقيقة أنهم نجحوا في الحفاظ على هذا البقاء وعرض مسلسلات إن لم تتصدر قائمة المشاهدات فهي لن تفشل. ويعود ذلك إلى حسن اختيارها لباقتها الرمضانية واستهدافها لفئة الشباب.

ولكن هذا العام ساعدهم الحظ، من خلال تعاونهم مع المنتجين «هشام تحسين»، و«رامي إمام»، وعرض العملين اللذين أنتجاها من خلال شركة «ماجنوم» -المؤسسة حديثًا- حصريًا على القناة. وأهمها «عوالم خفية» للزعيم عادل إمام. لتضمن بذلك أعلى نسبة مشاهدة في الساعة التي تعقب الإفطار، وهي الساعة الأهم في المشاهدة والإعلانات.

بالإضافة لعمل الزعيم، تتوجه CBC للخلطة التي تجذب الشباب، سواء بمسلسلات لنجوم وسيمين أو مسلسلات أكشن أو الاثنين معًا كما في حالة مسلسلات «طايع» لـ«عمرو يوسف»، و«ليالي أوجيني» لـ«ظافر العابدين»، و«أمينة خليل»، و«رحيم» لـ«ياسر جلال».


MBC والرهان على الشعبوية

أينما انتقل «محمد عبد المتعال» انتقلت معه الشعبوية. منذ أن رحل من قناة «الحياة» لقناة «MBC مصر» عام 2013، نقل معه النمط الذي اتبعه واشتهرت به قناة الحياة، وهو اختيار مسلسلات وبرامج مناسبة للذوق الشعبي البسيط، الذي لا يريد أي نوع من التعقيد على مستوى الصورة أو الصوت أو المحتوى.

يوفر عبد المتعال دائمًا في القنوات التي يشرف عليها ساعات من الترفيه الخالص. فالبرامج تكون كوميدية أو عن حياة الفنانين وجلساتهم الغنائية. أو برامج مسابقات وغناء مقتبسة من نسخ عالمية. بعد انتقاله لـ«MBC مصر» فشلت قناة الحياة تمامًا وتعرضت لخسائر مهولة أدت إلى بيعها، بينما انتقلت كل مميزاتها للنسخة المصرية من القناة الأشهر في الوطن العربي.

في رمضان المقبل نرى فلسفة محمد عبد المتعال متمثلة في اختياره للمسلسلات، فهي إما دراما عائلية بسيطة أو كوميديا غير معقدة. ستقدم القناة هذا الموسم مسلسلات «أيوب» لـ«مصطفى شعبان» الذي يحافظ عبد المتعال على وجوده كل رمضان. بالإضافة لتعاونه مع المنتج «صادق الصباح» بعرض مسلسلي «قانون عمر» لـ«حمادة هلال»، و«سك على خواتك» لبطل مسرح مصر «علي ربيع». بالإضافة لمسلسل «خفة يد» لبيومي فؤاد، وإعادة إنتاج الدراما الصعيدية التقليدية من خلال مسلسل «أفراح إبليس» الجزء الثاني لجمال سليمان.

هذه هي القنوات التي تسيطر على الدراما الرمضانية، وهي إما قنوات تستند على جهات أمنية، أو قنوات تحاول استغلال مواردها بذكاء، أو قنوات تقف خلفها مؤسسة عربية قوية. أما القنوات التى لم تجارِ الأمر الواقع فبهتت وأصبحت لا تقدم سوى عدد قليل من المسلسلات والبرامج الضعيفة. أبرزها قناة الحياة التي تلاشت تمامًا، وإلى حد أقل قناة النهار. ما هي القنوات التي ستصيب رهاناتها، ومن ضحايا الموسم المقبل؟ هذا ما سنعرفه بعد شهور قليلة.