منذ بداية بث حفلات الأوسكار عبر موجات الراديو فى عام 1930، مرورا ببداية البث التليفزيوني في عام 1953، ووصولا إلى الحفل التاسع والثمانين الذي يقام هذا العام والسؤال يطرح نفسه حول قدرة تلك الحفلات وأجوائها وخطاباتها في التأثير سياسيا واجتماعيا على مجريات الحياة. اليوم نعيد طرح السؤال للنقاش وخصوصا مع زيادة قدرة حفلات الأوسكار على التأثير في عقول الجماهير في وقتنا الحالي، فحفل هذا العام سيتم بثه في أكثر من مائتي دولة ليشاهده ما يزيد على المائة مليون مشاهد. بالإضافة لكل هذا، فحفل هذا العام يُقام في ظل أجواء مشتعلة بسبب قرارات إدارة «دونالد ترامب» المعادية للأجانب وللحريات. كيف أثرت كلمات قيلت في حفلات الأوسكار سياسيا فيما مضى؟ وما الذي نتوقع رؤيته في حفلة هذا العام؟ هذا ما سنجيب عنه في التقرير التالي.


«مارلون براندو» وحقوق السكان الأصليين

في عام 1973 فاجأ الممثل الأمريكي الشهير «مارلون براندو» جميع محبي السينما حينما تغيب عن حفل الأوسكار الذي كان من المتوقع أن يفوز فيه بجائزة أفضل ممثل، وذلك عن دوره في الجزء الأول من فيلم «The Godfather» الذي أصبح أيقونة كلاسيكية خالدة في تاريخ السينما الأمريكية فيما بعد.

حدث ما كان يتوقعه الجميع وفاز براندو بالجائزة، ولكن المفاجأة كانت حينما صعدت «ساشين ليتلفيزر» رئيسة اللجنة الوطنية لدعم صورة الأمريكيين الأصليين، لتستلم الجائزة بدلا عنه. قدمت ليتلفيزر بمظهرها وملابسها رسالة أولى عن انتمائها قبل أن تقرأ خطابها الذي شكرت فيه أعضاء الأكاديمية وأبلغتهم برسالة اعتذار براندو عن استلام الجائزة اعتراضا على الطريقة التي يظهر بها السكان الأصليون لأمريكا من خلال صناعة السينما في هوليوود. المثير للاستهجان أن هذا الخطاب السياسي والإنساني المهذب للغاية قد قوبل ببعض الهتافات الغاضبة من الحضور. لم يكن جميعهم رافضين لموقف براندو على وجه الخصوص، ولكنهم كانوا يظنون أن السياسة يجب أن تظل بعيدة عن هوليوود.

بدأ النقاش منذ ذلك الحين، وظهرت أصداؤه في حفلات الأوسكار في السنوات التالية. ولكن المؤكد أن الجميع يخجل الآن من هتافات الاستهجان التي قوبلت بها ليتلفيزر في ذلك اليوم.


«فانيسا ريدجراف» ضد الصهيونية

في عام 1978 شهد حفل جوائز الأوسكار الخمسين ما يمكننا وصفه بأنه أعنف جدل سياسي في تاريخ حفلات الأوسكار. الأمر بدأ حينما رُشحت «فانيسا ريدجراف» لجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم «Julia». الفيلم جسد حكاية كفاح ضد النازية، ولكن على عكس المتوقع من السياق أثار هذا الترشيح غضب بعض الروابط اليهودية، التى هاجمت ريدجراف بشدة نظرا لمواقفها الداعمة لحقوق الفلسطينيين والمناهضة للاحتلال الصهيوني.

تم الضغط على أعضاء الأكاديمية بشدة قبيل الحفل، ولكن المفاجأة حدثت وفازت ريدجراف بالجائزة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد لأن ريدجراف استغلت الفرص وشكرت الأكاديمية على موقفها الثابت تجاه الضغوط التي مارستها تلك الروابط التي وصفتها «بالصهيونية»، والتي كانت بالفعل تتظاهر خارج قاعة تسليم الجوائز. قبل أن تستمر في هجوم حاد على ما تفعله قوات الاحتلال في فلسطين ليمتد الأمر لتهاجم في نهاية حديثها كلا من «نيكسون»، و«ماكارثي» وإجراءاتهما لقمع الحريات ووصم المختلفين عنهم بالخونة.

قوبل خطاب ريدجراف بصراخ غاضب من كثير من الحضور قبل أن يصعد كاتب السيناريو «بادي تشايفسكي» ليهاجم ريدجراف بشخصها واسمها أثناء تقديمه لجائزة الكتابة ولينهي حديثه بأنه سأم من أمثالها الذين يفسدون حفلات الأوسكار بعرض آرائهم السياسية الشخصية.


«هالي بيري» وأول جائزة تمثيل لامرأة سمراء

في عام 2002 شهدت حفلة الأوسكار لحظة سياسية وإنسانية مميزة للغاية ومفضلة لدى الجميع حينما فازت الممثلة الأمريكية السمراء «هالي بيري» بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «Monster’s ball». فوز «هالي» سطر اسمها كأول امرأة ملونة تفوز بهذه الجائزة. لم تتمالك هالي نفسها حينما أعلن «راسل كرو» فوزها، واستمرت في البكاء بعد صعودها لاستلام الجائزة قبل أن تجمع شتات نفسها وتشكر كل النساء السمراوات اللاتي سبقنها واللاتي مهدن الطريق لفوزها.

وصول امرأة أمريكية من أصل أفريقي لهذه الجائزة لم يكن سهلا، خصوصا في ظل صناعة لطالما أثر فيها التحيز الجنسي والعرقي وفي ظل مجتمع لا يزال يتعافى من آثار التفرقة العنصرية التي عانى منها السود في شوارع ومدارس وحانات أمريكا. انفجرت هالي في الحديث وحينما أطالت وشعرت بملل الحضور أخبرتهم مازحة أنها توفي حقا تم سلبه منذ 74 عاما هي عدد السنين التي مرت منذ بداية إقامة حفل الأوسكار دون فوز امرأة سمراء.

قوبل خطاب هالي بتصفيق حاد وبكاء وتعاطف من كل الحضور، ويعتبر حتى اليوم خطاب فوزها من أكثر لحظات الأوسكار سعادة على الرغم من كونه خطابا سياسيا بامتياز.


مايكل مور وخطاب شديد اللهجة ضد بوش

لم يكن من الصعب أن نتوقع ما يمكن أن يفعله المخرج والناشط السياسي الأمريكي «مايكل مور» حينما تعطيه ميكروفونا ووقتا للحديث أمام الملايين من المشاهدين. لكن ما لا يمكن نسيانه هو كيف استقبل حضور الأوسكار، ما يمكننا اعتباره أكثر الأحاديث المعارضة تهذيبا، إذا ما سمعناه فى حفل العام الحالي.

ولكن ربما كان الأمر مختلفا في عام 2003 حينما فاز مور بجائزة أفضل فيلم وثائقي عن فيلمه «Bowling for columbine». صعد مور للمنصة برفقة باقي مرشحي هذه الجائزة في لفتة طيبة منه، ثم انطلق في هجوم على الرئيس الأمريكي آنذاك «جورج دبليو بوش». واصفا إياه بالرجل الخيالي الذي يقحم البلاد في حروب لأسباب متخيلة، في إشارة منه لحرب أمريكا على العراق. آخر ما أمكننا سماعه من كلمات مور هي «عارٌ عليك يا بوش».

قوبل خطاب مايكل مور بصراخات وهتافات حانقة على أفكاره لدرجة أجبرت منظمي الحفل على قطع الصوت عن الميكروفون الخاص بمور وتشغيل الموسيقى الخاصة بالفواصل في الخلفية حتى مغادرته المسرح!


يوما ما أراد ترامب تقديم الأوسكار

تأتي حفلة الأوسكار هذا العام في ظل أجواء متوترة للغاية بسبب إجراءات وتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. يملك ترامب سجلا حافلا من التصريحات المثيرة للجدل، من بينها تغريدته في عام 2014 حينما طالب بتقديم حفل جوائز الأوسكار ليبث فيه بعض الحياة، على حد تعبيره.

وفي تغريدة أخرى في عام 2015، قال ترامب: «الأوسكار نكتة حزينة، شأنها شأن رئيسنا». المثير للسخرية أن ترامب فشل في استضافة الأوسكار، ولكنه نجح في الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الأخيرة!


المهاجمين المحتملين لترامب

صناع فيلم Moonlight

يمثل فيلم «Moonlight» فرس الرهان الأبرز لمعارضي رؤية ترامب الأحادية والعنصرية لما يجب أن تكون عليه الولايات المتحدة، حيث يثور الفيلم بشكل واضح على الشكل الهوليوودي للأفلام ويقدم حكاية انتقال فتى أمريكي أسود من الطفولة إلى الشباب. ولذا من المتوقع أن يذهب صناع الفيلم وفي مقدمتهم مخرجه «باري جينكنس» بعيدا في هجومهم على ترامب في حالة فوز الفيلم بجائزة فيلم العام.

اقرأ أيضا:«Moonlight»: ظلال العنصرية على واقع أصحاب البشرة السمراء

مارشالا علي

يبرز أيضا وبشكل خاص من صناع فيلم «Moonlight» الممثل الأمريكي من أصل أفريقي «مارشالا علي» المرشح بقوة لجائزة أفضل ممثل مساعد. «علي» ليس فقط أمريكيا من أصل أفريقي، ولكنه مسلم أيضا، ولذا من المتوقع أن يستغل كلمته في حالة فوزه للهجوم بشكل حاد على سياسات ترامب العنصرية ضد المسلمين.

فيولا دافيس

تكتمل مسيرة الممثلين أصحاب البشرة السمراء من خلال وجود «فيولا دافيس» المرشحة بقوة لجائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم Fences. دافيس تحدثت بالفعل بشكل يحمل الكثير من العتاب والحزن عن التمييز العنصري تجاه الملونين في صناعة السينما الأمريكية أثناء كلمتها في حفل «جولدن جلوب»، ولذا نتوقع منها خطابا أقوى في حالة فوزها بالجائزة في حفل الأوسكار.

مرشحو جائزة أفضل فيلم أجنبي

أصدر بالفعل، وبشكل جماعي، جميع صناع الأفلام المرشحة في القائمة القصيرة لجائزة أفضل فيلم أجنبي خلال هذا العام، خطابا معارضا لسياسات إدارة ترامب العنصرية والمضادة للأجانب. يبرز في الأسماء المرشحة كل من المخرج الإيراني «أـصغر فارهادي» المرشح بفيلم The salesman وتنافسه المخرجة الألمانية «مارين أدي» المرشحة بفيلم Toni Erdmann.

أعلن أصغر فارهادي بالفعل مقاطعته لحفل الأوسكار ورفضه حصوله على أي استثناءات عقب قرار ترامب بمنع مواطني 7 دول إسلامية من الدخول للولايات المتحدة ومن بينهم إيران. كما أعلنت المخرجة الألمانية تضامنها بشكل منفرد مع فارهادي ورفضها للإجراءات الأمريكية المعادية للأجانب قبل أن تشارك مع باقي المرشحين في خطاب الاعتراض الجماعي. بناء على كل ما سبق نتوقع خطابا شديد اللهجة من أي فائز في هذه الجائزة.

اقرأ أيضا:«The Salesman»: كيف تصل حكايات الإيرانيين للأوسكار؟

«ميريل ستريب» وباقي مقدمي الحفل

من المتوقع بشكل عام أن يقدم الكثير من مقدمي الحفل هجوما على إدارة دونالد ترامب سواء بالسخرية المراوغة أو حتى بشكل حاد ومباشر. وذلك لأن ترامب وإدارته لم تدخر جهدا في إثارة غضب نجوم هوليوود منذ قدومه وحتى الآن. يأتي على رأس هذه القائمة الممثلة الأمريكية المحبوبة «ميريل ستريب» صاحبة الرقم القياسي في عدد المرات للترشيح لجائزة الأوسكار . هاجمت ستريب ترامب من قبل في حفل جوائز «جولدن جلوب» ورد عليها ترامب بشكل كوميدي للغاية حينما وصفها في إحدى تغريداته بأنها ممثلة مبالغ في تقديرها. ردت ستريب بعد ذلك في لقاءات أخرى ولكننا نتوقع منها ومن زملائها ردا أقوى في حفل الجوائز الأقدم والأضخم عالميا.