«محمد ربيع روائي مصري ولد في القاهرة عام 1978، تخرج في كلية الهندسة عام 2002».

أول أعماله هو رواية «كوكب عنبر» التي صدرت عام 2010، وحصلت على جائزة ساويرس الثقافية لأفضل رواية لشباب الكتاب عام 2011، صدرت له رواية «عام التنين» عام 2012، وصدرت له رواية «عطارد» عام 2014، وهي الآن تنافس ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة إعلاميًا بجائزة البوكر.

تدور أحداث «عطارد» في ثلاثة أزمنة مختلفة، حيث نشهد انهيار القاهرة تحت الاحتلال في عام 2025، ونشهد بعين محمد ربيع المتشائمة أحداث الثورة في عام 2011، وفي القرن الخامس الهجري نفهم الهزيمة التي تدور حولها الرواية.

لعل رواية عطارد مليئة بالتشاؤم والهزيمة، نشاهد اليوتوبيا على الطريقة المصرية، حيث كل شيء ينهار، ليس الأكثر قسوة ورعبًا في الرواية هو الهزيمة السياسية والتشاؤم السياسي المسيطر على الرواية، ولكن وصف الإنسان المصري وما وصل له من مرحلة انهيار داخلي، يمارس محمد ربيع نوعًا من التفكيك الداخلي للقارئ لأي أمل داخلي وأي رغبة في المستقبل، حيث ستشعر بأن الهزيمة حولك في كل مكان، ستتوتر أحيانًا، وستترك الرواية من يدك أحيانًا أخرى لكي تستريح من الضغط النفسي وشباك الهزيمة الذي يحيطك به ربيع، وفي هذا الحوار يتحدث محمد ربيع عن الرواية وحياته الأدبية.


– بداية كل أديب ورحلته الفكرية هي التي تكوّنه، حدّثنا عن بدايتك مع الأدب وكيف تأثر برحلتك الفكرية؟.

البداية كانت مع تشجيع أبي لي على القراءة والاطلاع، والسماح لي بقراءة ما أريد من مكتبته، كان هذا في وقت مبكر جدًّا، ولم يوجهني إلا مرة واحدة، حينما تخير مجموعة من الروايات وأهداني إياها. لا زلت أذكر العناوين حتى اليوم.

– مَن مِن الأدباء العرب والأجانب تأثرت به في مراحل عمرك المختلفة؟.

أول من أثر عليّ كان طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف السباعي، كلّ بحسب ما يكتب. بعد ذلك اكتشفت جمال الغيطاني ويحيى الطاهر عبد الله، ثم إيمان مرسال وياسر عبد اللطيف ومصطفى ذكري. وخلال كل ما سبق قرأت لـ بورخيس، وماركيز، ويوسا، وإيتالو كالفينو، وأومبرتو إيكو، وكاواباتا، وميشيما، وهوميروس، وأوفيد.

– صف لنا بدقة اللحظة التي ولدت فيها «عطارد»، أو الظروف التي ولدت فيها فكرة الرواية في عقلك؟.

البداية كانت مشهد إعدام فريدة، سيطر المشهد عليّ مدة طويلة، ولم أتخلص من تلك السيطرة إلا بعد كتابته، بعد ذلك وضعت مخطط الرواية وبدأت الكتابة.

– بعد ظهور الفكرة تخوض فكرة الرواية مراحل عديدة وشدّ وجذب وصراعات في عقل الروائي، ما المراحل التي مرت بها عطارد حتى خرجت للنور؟.

مشهد فريدة تغير كثيرًا، كتبته عدة مرات حتى استقر على شكله الحالي، لكن بشكل عام رواية عطارد تم التخطيط لها في ستة شهور، مع الكثير من القراءة والاستماع للموسيقى، ثم أتت بعد ذلك مرحلة الكتابة التي استمرت عامًا ونصف. هذه كانت فترة معتادة وتقليدية، والاختلاف يكمن فقط في موضوع عطارد ووطأة أحداثها.

– وجهتَ الشكر لبعض الأسماء من ضمنهم نائل الطوخي وإيمان مرسال وأحمد ناجي على تقديم النصائح لك بخصوص الرواية، ما الدور الذي يلعبه عادة القراء الأوائل لمسودة الرواية، وكيف انعكس ذلك على عطارد؟.

أنا معتاد على ذلك، قراءة العمل قبل نشره مهمة للغاية، ونصائح هؤلاء لم تُنفذ بالكامل، فهي في بعض الأحيان تكون متضاربة، أو تشير إلى أن العمل غير مفهوم، أو أن بعض الأجزاء لم تكن مفهومة، لكن هناك الكثير من التعديلات تمت بعد نصائح من ذكرتُ أسماءهم.

– الترشح للبوكر ماذا يعني لك؟.

الأهمية الكبرى في تعريف القارئ العربي بالرواية، والدعاية المنتشرة في بلدان العالم العربي له.

– من أوائل المشاهد في روايتك مشاهد وصفك لانهيار مباني وسط البلد، وأثناء وصفك للانهيار قدمت وصفًا نقديًّا لهذه المباني، حتى شعرت أن المباني وطريقة بنائها بالنسبة لك مرتبطة بالأزمة السياسية الحالية، هل كان ذلك مقصودًا؟.

أظن أن تلك المباني ستنهار عاجلًا أم آجلًا، لأسباب هندسية بحتة، فأنا أعلم تمامًا أن المباني مهملة بلا صيانة على الإطلاق، وما تراه يحدث هذه الأيام مثلًا من دهان للواجهات بألوان براقة، ما هو إلا «تلييط» للمبنى، وهو عمل لا يرجى منه إلا أخذ بعض الصور ونشرها في الصحف وعلى الإنترنت، فقط لتظهر الدولة بمظهر المصلح. لكن بالطبع لن نسمع عن صيانة للعناصر الإنشائية للمباني، ولن نسمع عن تعديلات قانونية لإصلاح العلاقة بين المستأجر والمالك، وهي أزمة هائلة في عمارات وسط البلد.

– عطارد، إنسال، راوي حكاية صخر، هل هناك ارتباط وتقارب ما بينهم وبين محمد ربيع (بالتأكيد غير أنك كاتبهم)؟.

عطارد وإنسال ورجل الزبالة هي شخصيات حقيقية، لكن مع الكثير من الحذف والإضافة، وهي شخصيات مكررة كثيرًا في المجتمع المصري وربما في أي مجتمع آخر.

– أغلب الأحداث الجنسية في رواية عطارد كانت قبيحة ومليئة بالدموية، وخالية من الحب، بل ومظهر من مظاهر جنون المجتمع، في حين أننا لم نرَ في لحظات الحب عند عطارد مشاهد جنسية كثيرًا، هل أردت ربط الجنس بأزمة المجتمع، أم أن للجنس مدلولات ما أردت فصلها عن الحب؟.

الجنس في الرواية كان جزءًا من العذاب، تخيل لقاءً جنسيًّا في الجحيم، هذا ما حدث في عطارد. هو شيء لا يحتمل، وتقوم به دون أن تدرك سببًا لذلك، وأنت تعلم أنه شيء مقزز للغاية، لكنك تقوم به مع ذلك. لكن على الجانب الآخر، وإذا تجاهلنا فرضية الجحيم في الرواية، فستجد أن كل من اشترك في لقاء جنسي، اشترك في نشوة تشبه نشوة المحب، أظن أننا كبشر أصبحنا نتجاهل الحب كشعور وكقيمة، وأصبح اللقاء الجنسي، بتنوعاته العديدة، والتي نُظر إليها سابقًا على أنها شاذة، بديلًا عن الحب.

– حاولت صناعة تطورات لكل شيء، فنجد لكل شيء نموذجًا مختلفًا، المخدرات تتحول للكربون، وموسيقى أبادير يحدث لها صعود مفاجئ وشعبية، رغم أن 2025 ليست بعيدة وكان من الممكن استخدام نفس الأشياء الحالية وعدم استحداث جديد، هل كان يساعدك ذلك على توصيل أفكار معينة، أم أنك ترى التنبؤ بما سيصبح مشهورًا في المستقبل فَرْضًا على الروائي؟.

المثالان قديمان، رامي أبادير مؤلف موسيقي يعيش في زماننا هذا، ولا يزال يكتب موسيقى إلكترونية مميزة جدًا، والكربون معروف -لكن على نطاق ضيق جدًا- منذ التسعينيات، وقرأت عنه حينها، وعن انتشاره بين سكان المقابر في القاهرة. أنا لم أتنبأ بأي شيء في الحقيقة، بل حكيت ما حدث وما يحدث فقط.

– قدمت عطارد رؤية مستقبلية شديدة القتامة، بل إن أيام ثورة 25 يناير التي يعتبرها البعض الأيام السعيدة القليلة، تناولتها من منظور يزيد الأحزان، هل انتهى الأمل في قلب محمد ربيع؟، أم هي محاولة لتوقع الأسوأ؟.

الأمل يُعمينا، ويحجب الحقائق، وأظن أن أي محاولة للخروج مما نحن فيه الآن تكمن في النظر إلى الأمور بعقلانية، والتخلي التام عن الرومانسية الحالمة، ومعرفة كيف تمت هزيمتنا، واستخدام تكنيك أكثر شراسة لهزيمة الطرف الآخر. هذا الطرف يرانا عدوًّا يجب تصفيته، وهو يقوم بذلك بجرأة غريبة، ونحن لا زلنا نتذكر أيام المظاهرات السلمية بحنين لا ينتهي!.

– تيمة مشهورة في الأدب هي انحياز البطل الحانق على وضع مجتمعي للعاهرة، دوستويفسكي في الجريمة والعقاب، نجيب محفوظ في اللص والكلاب، وغيرهما، ومحمد ربيع استخدم نفس التيمة بين فريدة وعطارد، لماذا يفضل الروائيون ذلك؟.

لم يكن هذا همي الأساسي، لكني رغبت في الربط بين تقنين الدعارة والاحتلال، والدعارة المقننة تظهر العاهرات بمظهر العاملات، وليس في صورة العبيد الجدد كما هو مفترض. لكن مع ما ذكرته سابقًا، أننا نسينا الحب وحل محله الجنس.

– استخدمت بعض الكلمات التي تستعمل في الواقع سواء لوصف أعضاء جنسية أو وصف الشخصيات،.. إلخ، والحقيقة رغم أن ذلك جائز لغويًّا، ولكن البعض يقول إنه استعراض تحرري ومحاولة لإظهار التمرد من الكاتب، فما رأيك؟.

هذه كلمات موجودة في المعجم، وأنا أحاول فهم الفوارق بينها وبين أي كلمات أخرى في المعجم لكني لا أستطيع. أرى أن استخدام هذه الكلمات جائز على طول الخط، ويكون استخدامًا مُوفّقًا إن كانت تخدم السياق العام للعمل.

– الأزمة بين القارئ والناشر والكاتب التي تتجلي في روايات غالية الثمن بالنسبة للقارئ، والكاتب الذي لايجد ربحًا ماديًّا يُذْكَر من عمله الأدبي، والناشر الذي يقول دائمًا أنه يخسر من القرصنة، في رأيك ما الحل العملي؟.

لا أظن أن هناك حلولًا في يد أي منهم، المشكلة أن الكتاب الناجح قد يبيع خمسة آلاف نسخة في غضون سنة، هو مكسب جيد للناشر، لكنه في النهاية مكسب لا يتوافق مع حجم المغامرة. والعائد من بيع خمسة آلاف نسخة لن يكفي لإعالة الكاتب سنة كاملة، ولا يمكن مطالبة الناس بالقراءة في ظل أزمات اقتصادية وأمية ثقافية متفشية.

أظن أن الحل يكمن في العمل لزيادة عدد القراء وتوسيع دائرتهم، يجب أيضًا تعريف الناس بما يُكتَب، وبالكُتَّاب، وأقصد هنا الأعمال المشهورة والكتاب الكلاسيكيين. فالبداية يجب أن تكون من هناك دائمًا.

– هل من أسباب ضعف جيل الأدباء القادم (المتوقع) فصلهم الأدب عن الثقافة؟، بحيث نرى كتّاب روايات لا يعلمون شيئًا عن الفلسفة والتاريخ والدين والفن وغيرها.

أنا لا أجزم بأنهم بعيدون عن التاريخ والفلسفة، وأتمنى ألا يكونوا كذلك، باقي الفنون هي المُغذِّي الرئيسي لعملية الكتابة، والاستناد إلى الواقع فقط سيؤدي إلى نتائج بالغة السوء.

– اذكر نصائح غير معتاد النصح بها لراغبي الكتابة الروائية.

أظن أن القراءة هي المدخل الوحيد، قراءة كل شيء والقراءة عن كل شيء، والإيمان بأن لا حدود على الإطلاق لعملية الكتابة.

– دون الدخول في تمهيد اذكر لنا مشاعرك في قضية أحمد ناجي، بحكم صداقتك له، وبحكم أنك أديب وبالتالي أنت مهدد بنفس الاتهام والعقوبة.

لا أشعر أني مهدد فقط، بل أشعر أني محبوس مثله تمامًا!، لكن ما حدث لناجي يجعلني أكثر حرصًا وإصرارًا على كسر كل ما يدخل في نطاق «الأخلاق» بالنسبة لهؤلاء. لا أتخيل حجم النفاق في هذه القضية، ولا أتخيل كيف اتفق كل هؤلاء على أن يكونوا منافقين!. هناك مصائب وكوارث لا حصر لها تحدث في مصر الآن، لكن مجموعة من الأشخاص اتفقوا على أن كلمة منشورة في كتاب ستهدم الدولة والبلد.