الزمان: الأول من مارس/ آذار في تمام الساعة الحادية عشرة مساءً.

المكان: تخوم مدينة عفرين السورية.

طائرة تركية بدون طيار من طراز أنكا المحلية الصنع، تقوم بمراقبة مجموعة من مسلحي تنظيم الـ PYD الذي تصنفه تركيا كتنظيم إرهابي. وبعد رصد مكان المجموعة بدقة ترسل الطائرة الإشارة لقائد كتيبة المدفعية المرابطة على بعد 30 كم فتقوم مدفعية التي- 155 فيرتينا محلية الصنع بضرب المكان بدقة، بواسطة الإحداثيات التي أرسلتها الطائرة.

بعدما قامت المدفيعة بدك موقع المسلحين تتأكد الطائرة بواسطة الكاميرات عالية الدقة محلية الصنع أيضًا من خلو الموقع من المسلحين وترسل إشارة أخرى لقائد كتيبة مدرعة مجاورة فتنطلق المدرعات المضادة للألغام محلية الصنع من طراز كيربي، لتحتل موقع المسلحين، وفي هذه الأثناء تقوم المروحية القتالية محلية الصنع تي – 129 بمراقبة الكتيبة وهي تتقدم صوب الموقع لحمايتهم من أي تهديد. كل تلك الطائرات تعمل تحت مظلة منظومة التشويش الإلكتروني المتقدمة كورال، لحمياتهم من أي تهديدات من أنظمة الدفاع الجوي الروسية والسورية القريبة.

خطوة جديدة في طريق الوصول لقلب مدينة عفرين السورية. خطوة على طريق طويل بدأته تركيا للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الأسلحة، ونجحت أخيرًا في عملية غصن الزيتون، حيث كانت غالبية الأسلحة المستعملة محلية الصنع.


كيف كانت البداية؟

الطائرة المقاتلة التركية الصنع «أتاك»

كانت البداية الأولى مع الغزو التركي لجزيرة قبرص عام 1974م، والذي شهد اعتراضًا دوليًا واسعًا، وبعد جهود دبلوماسية مضنية نجح القبارصة في استصدار حظر سلاح غربي على تركيا فكان رد تركيا هو تأسيس مجموعة من الشركات المصنعة للسلاح على رأسها أسيلسان وهافيلسان. اللتان تم تأسيسهما بأموال تبرعات جمعت خصيصًا لهذا الغرض.

اقرأ أيضًا: جذور الخلافات التركية القبرصية

طبعًا كان الناتج الإجمالي لتلك الشركات الجديدة صفرًا. فصناعة السلاح تحتاج ما هو أكبر كثيرًا من قطعة أرض وبعض المتبرعين. اضطرت تركيا طبعًا للعمل بقوة كي تستطيع رفع حظر السلاح الغربي عليها كما قامت في 1985 بتأسيس سكرتارية الصناعات الدفاعية SSM، التي تقوم برئاسة كل المؤسسات الحكومية الخاصة بصناعة السلاح (شيء شبيه بوزارة الإنتاج الحربي في مصر). وظل الإنتاج الحربي التركي قاصرًا بشدة طوال الثمانينيات والتسعينيات، لم يزد على بضعة عقود لتجميع أسلحة غربية برخصة الشركة الأم على الأراضي التركية.

وفي 2003م مع وصول حزب العدالة والتنمة للحكم اختلف الوضع بشدة، فمع محاربة الفساد وتطوير التعليم والتوسع الشديد في البنية التحتية للكثير من الصناعات اختلف الوضع، كما اتجهت تركيا للبحث عن شركاء غير تقليديين، بعيدًا عن الدول الغربية التقليدية، للبحث عن وسائل لنقل التكنولوجيا ووجدت ضالتها في كوريا الجنوبية واليابان وإيطاليا. وأخيرًا دبت الروح في أوصال شركتي أسيلسان وهافيلسان اللتين تأسستا بعد غزو قبرص 1974م.

خطت أسيلسان خطوات سريعة في صناعة أنظمة المراقبة والتهديف الحرارية والإلكترونية والآليات المسيرة عن بعد لتصل للمركز رقم 57 في قائمة أكبر 100 شركة لصناعة السلاح حول العالم. وفي 2005 تم تأسيس شركة TAI أو تركيا للصناعات الجو-فضائية.

بدأت الشركة الجديدة مشاريعها سريعًا، فبدأت بعدة نماذج لطائرات بدون طيار ذات قدرات متواضعة، وفي 2007م توسعت الشركة وبشكل متزامن بدأت عدة مشاريع:

  • مروحية قتالية بمساعدة إيطاليا مبنية على أساس الأجوستا إيه-129، حملت المروحية الجديدة اسم تي-129 وتم إدخال الكثير من التحسينات عليها لتتفوق علي نظيرتها الإيطالية وطارت للمرة الأولي في 2009 ودخلت الخدمة رسميًا في 2014.
  • تصميم وصناعة طائرة بدون طيار، تطير على ارتفاعات متوسطة (MALE أي Medium Altitude Long Endurance) وهي نفس فئة البرداتور الأمريكية والهيرون الإسرائيلية. طارت للمرة الأولي في 2010 ودخلت الخدمة رسميًا في 2013.
  • طائرة تدريب أساسي حملت اسم هيركوس، بدأ العمل عليها في 2006 ودخلت الخدمة في 2016.
  • كل هذه المشاريع شكلت خطوات على طريق المشروع العملاق لصناعة مقاتلة جيل خامس محلية الصنع، والتي يهتم بها الرئيس التركي شخصيًا، وأعلن أكثر من مرة أنها ستطير في 2023 رغم عدم وجود أي مؤشرات على هذا حتى الآن.
  • كما أنها أصبحت شريكًا لشركة لوكهيد في مشروع مقاتلة الجيل الخامس الأمريكية إف-35 وستقوم بإنتاج حوالي 10% من مكونات المقاتلة.

ارتقت مؤشر شركة TAI سريعًا لتصل للمركز رقم 61 على مستوى العالم في قائمة الشركات المصنعة للسلاح، متفوقة على شركات عريقة مثل كونجسبرج النرويجية وإمبراير البرازيلية ودينيل الجنوب أفريقية وكورتس رايت الأمريكية.

اقرأ أيضًا: الطريق لم يبدأ بـ S-400: رحلة تركيا إلى الاستقلال العسكري

عام 1988 بدأت الشركات الخاصة التركية تطرق مجال صناعة السلاح على استحياء وكانت البداية بشركة FNSS، والتي تأسست كشراكة بين العملاق البريطاني BAE systems وشركة نيرول ماكينة التركية. بدأت بصناعة مدرعات تحمل اسم ACV-15 مبنية على أساس المدرعة الأمريكية إم-113. دخلت شركة كوك هي الأخرى المجال في 1997 حينما قدمت شركة أوتوكار لصناعة الأتوبيسات التابعة لها أول عربة مدرعة 4*4، الأوتوكار كوبرا. لكن مرة أخرى كانت الدفعة الكبرى بعد 2003 حيث قدمت كلٌ من الشركات الثلاث سلسلة كبيرة من المدرعات والجسور المتحركة من جميع الفئات، تم تتويجها بالدبابة الوطنية محلية الصنع ألتاي.


نهضة الصناعات البحرية

أتاك، تركيا
أتاك، تركيا

رغم أن تركيا تسعى منذ عام 1996 لبناء سفن حربية خاصة بها، بمساعدة أجنبية طبعًا، فإن كل مساعيها باءت بالفشل. ويرجع الفشل إلى رفض كل الدول الغربية و على رأسها ألمانيا مساعدة تركيا في تطوير السفن الخاصة بها. لكن عام 2004 قررت تركيا المضي قُدمًا دون أي مساعدة خارجية.

كانت البداية بصناعة كورفيت شبحي من طراز أدا، بإزاحة تبلغ 2400 طن، تبعته 3 كورفيتات أخرى ويتم حاليًا بناء نسخة مكبرة من الكورفيت كي تكون فرقاطة بإزاحة 3000 طن تحت اسم إسطنبول. كما تم البدء في بناء أول حاملة طائرات بإزاحة 27 ألف طن والتي ستكون قادرة على تشغيل 12 مقاتلة من طراز إف-35 بي وستحمل اسم أناضولو.

وفي يوليو/ تموز الماضي أعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم أن تركيا أكملت 14 مشروعًا لبناء السفن في الـ 15 عامًا الماضية وأن القوات البحرية التركية تسلمت في 2016 فقط 6 سفن حربية محلية الصنع، وأن عدد مرافئ بناء السفن في تركيا ارتفع من 37 عام 2003 إلى 80 عام 2017.

كما خطت تركيا خطوات هامة نحو صناعة فرقاطة دفاع جوي متطورة وهي الـ TF-2000، وذلك بعد أن أكملت شركة أسيلسان المنظومة الرادارية الخاصة بالسفينة، التي تحمل اسم تشافراد.

وفي مجال الدفاع الجوي قامت أسيلسان بالانتهاء من تصنيع منظومة مدفعية مضادة للطيران، هي كوركوت. تم نشرها علي الحدود التركية السورية كما تعمل شركة روكتسان على تصنيع منظومتي دفاع جوي جديدتين؛ واحدة قريبة المدى والثانية متوسطة المدى.

اقرأ أيضًا: الأسلحة الروسية الجديدة: بين أحلام بوتين وواقع روسيا

شهدت تركيا تقدمًا ملحوظًا في صناعة الأنظمة الفرعية داخل الأنظمة التسليحية الجديدة التي تنتجها، فهي تنتج مجموعة واسعة من الرادارات والكاميرات الحرارية وأنظمة الرؤية الليلية المختلفة، بالإضافة إلى أنظمة التحكم سواء للقطع البحرية أو البرية أو الدفاع الجوي والذخائر الموجهة سواء الأرض أرض أو الجو أرض والبحرية.

وبناء عليه، وطبقًا للتقارير الحكومية التركية، ارتفعت نسبة المكون المحلي في الأنظمة التسليحية للجيش التركي من 25% عام 2003 إلى 68% عام 2016، كما حققت تركيا زيادة ملحوظة في صادراتها العسكرية لتصل إلى 1.73 مليار دولار لعام 2017ـ، بزيادة تقدر بـ 90% عن الصادرات العسكرية لعام 2011. كل هذا لتحقيق الهدف شبه المستحيل الذي يعلنه الرئيس التركي دائمًا، صناعة عسكرية سنوية بقيمة 25 مليار دولار تحقق اكتفاء ذاتيًا تركيًا بنسبة 100%.