ما زالت الإمارات تصارع في اليمن واضعة المزيد من الخطط، ليس فقط لمساعدة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في دحر خطر جماعة الحوثي، وإنما لتحقيق أهداف استراتيجية خاصة بها، اصطدمت بسببها مع الرياض مرارًا، وكذلك مع الحكومة اليمنية برئاسة منصور هادي. بداية من السيطرة على عدن وتغذية انفصال جنوب اليمن، وصولًا للسعي إلى السيطرة على جزيرة سقطرى. كانت أدواتها في ذلك ليس القوات الموالية لها أو التي دربتها، إنما مجموعة من السجون سيطرت عليها وأقامت أخرى لأجل تنفيذ خططها، ليثير ذلك ليس حفيظة اليمنيين إنما شركائها في التحالف وحتى الولايات المتحدة الأمريكية!


كيف سيطرت الإمارات على سجون اليمن؟

أعاد الكونجرس الأمريكي قضية إدارة وسيطرة الإمارات على بعض السجون داخل اليمن إلى الساحة مجددًا، ليصوت مجلس النواب، يوم 24 مايو/ آيار 2018، على التحقيق والمحاسبة العامة للدور الأمريكي الحالي في سجون التعذيب، التي تديرها الإمارات العربية جنوبي اليمن.

تم كشف الأمر بدايةً، العام الماضي في تقرير لوكالة «أسوشيتيد برس» الأمريكية، في يونيو/ حزيران 2017 أكدت فيه وجود شبكة مكونة من 18 سجنًا سريًا على الأقل جنوبي اليمن تديرها الإمارات، أو من قبل القوات اليمنية الخاضعة لأبوظبي مثل قوات الحزام الأمني والقوات التابعة لما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ما زال مصرًا على استقلال الجنوب وتدعم قياداته أبوظبي رغم إضرار ذلك بالسعودية التي لم تتخلص بعد من جماعة الحوثي.

ولأن الإمارات عملت بمعزل عن الحكومة اليمنية وكذلك السعودية، كشف تقرير أسوشيتيد برس، عن عدم علم حكومة منصور هادي بأمر السجون. وأكد محامون وأقارب للسجناء أن حوالي ألفي شخص اختفوا أثناء احتجازهم في هذه السجون، ومن بينها سجن موجود في مطار الريان بمدينة المكلا، حيث تعرض المعتلقون لأساليب تعذيب وحشية وصلت إلى حد القتل، ففي مدينة المكلا وحدها، اختفى أكثر من 400 شخص، وفي عدن تم توقيف حوالي 1500 شخص لا يزالون قيد الاختفاء!

ووصل الأمر إلى مطالبة المنظمات الدولية الإنسانية كمنظمة العفو الدولية للأمم المتحدة، بعد تقرير الوكالة الأمريكية،بالتحقيق في هذه المزاعم وكذلك مشاركة واشنطن في هذا الأمر، مما دفع الكونجرس للتحرك بجدية مصدرًا قراره الجديد نهاية الشهر الماضي. ورغم أنه لن يفيد كثيرًا في هذا الأمر، إلا أنه دليل على وجود السجون التي نفت الإمارات وجودها.

ولأن السجون إحدى الأدوات الحصرية بيد الدولة التي تؤكد سيطرتها وشرعيتها، طالبت الحكومة اليمنية، في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي، في مارس/آذار 2018، قوات التحالف العربي بتسليم كل أماكن الاعتقال والسجون السرية للسلطة الشرعية، متهمة قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية المدعومة من الإمارات ببسط سيطرتها على الكثير من السجون التي تشهد انتهاكات وعمليات قتل غير قانونية.


السجون جزء في مشروع فصل الجنوب

كانت السجون إحدى أدوات الإمارات في السيطرة على جنوب اليمن بخلاف القوات والتشكيلات العسكرية التي دربتها كقوات الحزام الأمني، والتشكيلات السياسية كالمجلس الانتقالي الجنوبي، من أجل تعزيز انفصال الجنوب وفرض الأمر الواقع، فحكومة هادي ما زالت ضعيفة وغير قادرة على بسط سيطرتها على جنوب البلاد حتى العاصمة المؤقتة عدن.

كانت حكومة هادي مدركة للمشاريع الخاصة بأبوظبي منذ البداية، فبدأ هادي بـ الإطاحة بأدوات تنفيذ هذا المشروع، وكان أهمها إقالة خالد بحاح رئيس الحكومة في أبريل/ نيسان 2016 وتعيينه مستشارًا لهادي، وتولى أحمد بن دغر مكانه. وبسبب دور بحّاح لدعم انفصال الجنوب، أقاله هادي من منصبه كمستشار له بعد عام. ثم أقال في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان 2017 عيدروس الزبيدي، محافظ عدن، كذلك وزير الدولة هاني بن بريك، مع إحالته للتحقيق.

لم تمر سوى أيام ليعلن الزبيدي في 11 مايو/ آيار 2017، تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي لإدارة محافظات الجنوب داخليًا وخارجيًا، برئاسته وتعيين بن بريك نائبًا له الذي يسيطر على قوات الحزام الأمني، تمهيدًا لإعلان دولة الجنوب، التي لديها ذراع عسكرية بالفعل، وهي الأهم في ظل دولة تعج بالجيوش والجماعات المسلحة.

وصل الأمر بقول أحمد الميسري وزير الداخلية في حكومة هادي، مطلع الشهر الجاري، أن هناك احتلا لًا إماراتيًا غير معلن لمدينة عدن، وذلك في تصريحات لقناة بي بي إس الأمريكية، مؤكدًا أن أبوظبي تتحكم بإدارة الميناء والمطار بعدن ولا يمكن لأحد دخولهما دون الإذن منها، فهو ذاته لا يقدر على دخول مناطق معينة من بينها السجون، وسبق أن اتهم أبوظبي بمنع دخول هادي لعدن لزيادة إرباك عمل الحكومة.


هل تؤجل الإمارات طموحاتها في الجنوب؟

نتيجة لضرر إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، ليس على وحدة اليمن فقط إنما السعودية، اضطرت الإمارات إلى تهدئة الأمر ووقف تحركات المجلس الانتقالي وفق إعلانها، فانفصال جنوب اليمن يعني عمليًا انتهاء حكومة هادي، غير المسيطرة بالشمال، وبالتالي يكون لدينا دولة شمالية وأخرى جنوبية كما كانت من قبل، بما يعني عدم شرعية وجود التحالف بقيادة الرياض، فالجنوب لا يريد استمرار الوحدة مع الشمال، وبهذا يكون للحوثيين دولتهم بالشمال، وهنا تكون المملكة الخاسر الأكبر لأنها ستكون جارة لدولة الحوثيين الذين ما زالت صواريخهم تصل لعاصمة السعودية.

إلا أن الدعم الإماراتي ما زال مستمرًا لمشروع الجنوب، ليعود مجددًا في خطوة وصفت بالانقلاب العسكري على حكومة هادي، في يناير/ كانون الثاني 2018. كانت البداية بمنع حكومة هادي، لقوات «الحزام الأمني» من إقامة اعتصام في ساحة العروض بمديريتي كريتر وخور مكسر في محافظة عدن، سرعان ما اندلعت الاشتباكات، ليسقط عشرات القتلى والمصابين من الطرفين، واقتربت وقتها قوات الحزام من السيطرة على العاصمة المؤقتة، بما يعني عمليًا انتهاء وجود حكومة في الجنوب، أي من اليمن كله، فالشمال ما زال خاضعًا لسيطرة ميليشيا الحوثي.

اقرأ أيضًا: لماذا ستقبل الرياض خيانة أبوظبي في اليمن؟

هدأت الأمور مجددًا، لكن استمر وزراء حكومة هادي في مهاجمة الإمارات، مقابل ردود إماراتية، بدأ الأمر يأخذ منحى هادئًا، مع اقتراب حسم التحالف معارك حيوية، أهمها تحرير محافظة الحديدة الساحلية، التي توفر دعمًا استراتيجيًا لجماعة الحوثي وسقوطها يعني توالي سقوط صنعاء وإضعاف شوكة الحوثيين.

وفي أول لقاء لهادي مع مسؤول إماراتي رفيع بعد أزمة جزيرة سقطري، وصل الرئيس اليمني الإمارات يوم 12 يونيو/ حزيران الجاري،ملتقيًا ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وقبل هذا الاجتماع بأسبوع التقى بن زايد وزير داخلية اليمن المسيري المعارض الشرس لأبوظبي والمهاجم لها، ومن المؤكد أن هذا الأمر جاء بتنسيق وضغط سعودي، سواء على مسؤولي اليمن للتهدئة أو كبح تحركات أبو ظبي الفردية والمضرة بالمملكة، فهذه المرحلة تتطلب ولو تنسيقًا مرحليًا من قبل الإمارات، لإرضاء السعودية حتى يتم إضعاف الحوثيين على الأقل وليس القضاء عليهم.

وبما يؤكد عدم تخلي أبوظبي عن طموحاتها في الجنوب، وصل عيدروس الزبيدي إلى الإمارات في الوقت الذي وصل فيه هادي لأبوظبي، وكأن بن زايد يتعامل مع حكومتين لبلد واحد، فالإمارات لن تتخلى عن رؤيتها للسيطرة على الممرات الاستراتيجية في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، من أجل حماية موانئها وممرات تجارتها خاصة مع احتدام التنافس مع ميناء جوادر الباكستاني وميناء حمد القطري، فعلى الأقل إن لم يتم انفصال الجنوب سيتم التوصل لصيغة الحكم الفيدرالي التي قد تكون مرضية للكثير من الأطراف ولو مؤقتًا.