هكذا تولد الأفكار في الليل وتتبخر في الصباح. كان مصطفى يعرف جيدًا هذا الجو .. لكنه الليلة قرر أن يكتب ويكتب إلى أن يهده التعب. الزوجة نائمة والأطفال نائمون وهدوء البيت القاتل يغري بالعمل. حتى القط يستلقي على الأرض وقد تحول إلى كرة من الفراء.

أعد لنفسه كوبًا من الشاي في المطبخ مع شطيرة من الجبن، ثم اتجه إلى غرفته حيث الكمبيوتر يتسلى بحافظة الشاشة بانتظار القصة القادمة. كانت الأفكار تزدحم في رأسه .. ألف فكرة وفكرة، لكنه لا يعرف أبدًا كيف ينهي هذه الأفكار .. وقد كان يؤمن بمقولة: «لا تبدأ قصة لا تعرف نهايتها». لذا كان يهمل الكثير من الأفكار الجامحة التي لا يعرف إلا الله كيف يمكن أن تنتهي.

رشفة شاي .. قضمة شطيرة .. نفس من لفافة التبغ ..

تأمل المؤشر الذي يومض في ركن الشاشة الأيمن. يرى الفكرة تولد ويعرف السطر الأول وكيف سيكون. يحب صوت مفاتيح الكمبيوتر تنضغط تحت أصابعه خاصة لو تم هذا بسرعة. ستكون فكرة جيدة حتمًا .. ليس لديه تصور عام عن كيفية إنهائها لكنه سيعبر هذا الجسر عندما يصل له ..

بخط غليظ مكبر كتب في منتصف السطر

لقاء مع سالومي

– عندما تلقى د. عدنان دعوة إلى ذلك الحفل الذي تقيمه سلمى، فإنه تحمس.. سلمى مدللة رائعة الجمال من أسرة ثرية، ولم تكن من صديقاته ولم يعتبر نفسه في شلتها قط، لكنه فوجئ بأنها تدعوه هو ورفيقه صالح إلى الحفل الذي تقيمه في الساحل الشمالي.

– لم يكن عدنان متزوجًا .. وكان يجهل الكثير عن عالم الأنوثة، لهذا بدا له كأن هذه الفتاة تدعوه إلى الفردوس. وقد قرر أن يشتري بدلة جديدة وربطة عنق أنيقة.

قال له صالح ساخرًا:

-ـ الحفلات من هذا النوع عنوانها التحرر والانطلاق .. يجب أن تلبس ثيابًا (كاجوال)، وإلا بدوت لهم قرويًا ساذجًا

بصعوبة اقتنع د. عدنان وبحث عن تي شيرت أنيق يلبسه، ولم ينس أن يضع عطرًا ثمينًا. سأل صالح في دهشة:

-ـ ما الذي تقصده سلمى بهذه الدعوة؟

قال صالح في استمتاع وهو يقود السيارة الرخيصة متجهًا نحو الإسكندرية:

-ـ عندما أتلقى دعوة إلى فيلا في الساحل الشمالي تنظمه فتاة بهذا الحسن، فأنا لا أضيع الوقت في أسئلة سخيفة.

بعد ساعات دخلت السيارة إلى القرية السياحية التي تبدو خاصة جدًا. وفي النهاية كان ذلك الحفل المقام على الشط .. أضواء ملونة مبهرجة تتدلى من الأشجار، وهناك مشاعل عملاقة تبث حولها النور والنار والدفء. بوفيه مفتوح يبدو واضحًا أنه عامر، وسماعات عملاقة تحدث جلبة رهيبة .. الموسيقا التي تجعل ضربات قلبك تختل ..

ومن مكان ما ظهر فتى يلبس قميصًا مشجرًا على مايوه وهو حافي القدمين، وكان يتأبط ذراع سلمى .. سلمى .. سلمى التي كانت ترتدي ثوبًا غريبًا يذكرك بمجموعة من الأشرطة الملتفة حول جسدها … لابد أنها كانت أروع شيء في العالم.

رفعت كأسًا مرحبة بالضيفين المذهولين وهتفت:

-ـ حضوركما يسعدني .. لكن أرجو أن تتحررا من هذا الصمغ.

بدأ الشابان يكتشفان ذلك الاختراع العجيب المدعو (فتيات). كل واحد له أم وأخوات وبنات جيران، لكنهن لا يمتن بصلة لهذا الحشد العجيب من الحوريات .. هذا الاختراع العجيب يضحك ويسكر ويرقص بلا توقف .. ولا شك أن المشهد جعل الشابين يفقدان صوابهما. كل شيء كان مدوخًا ..

بدأ كلاهما يرقص من دون براعة. حالة عامة من الهستيريا تشبه شعور من يذهب إلى الزار.

هنا دنت سلمى من د. عدنان وقالت له في همس:

-ـ أريد أن أنفرد بك بعيدًا

قال في غباء:

-ـ طبعًا .. طبعًا

وجرته من يده خارج دائرة اللهب والضوء حيث وقفا في الظلام، فسمعها تشهق في انفعال وقالت له:

– أردت أن أقول إنني أريدك وأحتاج لك .. لم تكن هناك فرصة أخرى لأقول لك هذا إلا الآن …

ارتجف انفعالاً .. كان يجد من السخف أن يحب المرء فتاة لمجرد أنها جميلة .. الجمال ليس مبررًا كافيًا للحب، لكنه في هذه اللحظة شعر بأنه متأهب ليقع في غرامها ..

قالت له:

-ـ سأطلب منك طلبًا واحدًا. طلبًا عسيرًا نوعًا .. لكني سأفعل أي شيء كي تنفذه

لم يكن يرى وجهها .. كان في الظلام ..لكنه سمعها تقول في انفعال:

-ـ اسم سلمى قريب جدًا من اسم سالومي .. سالومي رقصت أمام زوج أمها كي يأتيها برأس يوحنا المعمدان .. وقد تم لها هذا فعلاً.. أنا سأفعل شيئًا مماثلاً لو قبلت أن تنفذ ما سأطلبه

سألها في قلق:

-ـ وماذا ستطلبين ؟

-ـ ستعرفه بعد الرقصة …

كانت الموسيقا تصل لهما مع ارتجاجات تحت الأرض … وكان اللحن صاخبًا. ابتعدت عنه بضعة أمتار ثم هتفت وهي تركل الأرض متمايلة كثعبان:

-ـ لا أحد يرانا هنا .. نحن بعيدان .. أنت تراني بصعوبة في الظلام، لكني أؤكد لك أن ثوبي مكون من سبع قطع .. وأنني لا ألبس شيئا تحته ..

ثم بدأت تتلوى .. وفي هلع وبقلب واجف أدرك أنها نزعت القطعة الأولى ..

– ـواحد!

سالومي نزعت ثوبها ذا السبع قطع أمام زوج أمها فطار صوابه. واضح أنك ستنفذ كل ما تطلبه منك يا د. عدنان.. ولكن ما هو بالضبط؟

– اثنان!


عند هذا الحد توقف مصطفى ..

لقد أدرك في رعب أنه لن يستطيع أن يكمل القصة، فهو لا يعرف الشيء الذي يجعل امرأة تتعرى أمام رجل غريب كي يحققه. لن يقدر على استكمال هذه القصة كما هو واضح. البداية جيدة لكنه لا يعرف كيف يستمر.. طبع القصة على الطابعة المتصلة بالكمبيوتر، ثم أعد لنفسه شطيرة جبن أخرى وأعاد القراءة..

لا جدوى ..

كور الورق وألقى به في القمامة وأطلق بعض السباب. ليس هذا شعورًا جديدًا على كل حال. دخل الفراش ساخطًا فراح يقرأ لربع ساعة ثم أطفأ النور ونام ..

في الصباح تناول الإفطار شارد الذهن .. استعاد خيوط قصة أمس، فبدأ يشعر مع الوقت أنها لم تكن سيئة لهذا الحد .. لربما يمكن عمل شيء منها ..

فتح جهاز الكمبيوتر حيث كان قد تركها على سطح المكتب.. لقد اختفت!!.. لكن كيف؟ هو لم يمسحها ..

انحنى يفتش في القمامة فوجدها فارغة. زوجته تخلصت من القمامة أول شيء في الصباح الباكر. شعر بغيظ شديد. يستطيع أن يعيد كتابة القصة لكنه لا يجد في نفسه الرغبة لاستكمالها .. وهو لم يجد الحل السحري بعد .

سيحاول الليلة كتابة قصة أخرى.

يتبع