ما أبعد اليوم عن البارحة، ففي نوفمبر من العام 2009 شهدت ولاية تكساس الأمريكية مقتل 13 جنديًا وإصابة 31 آخرين في هجوم نفذه طبيب نفسي أمريكي من أصل فلسطيني يدعى «نضال مالك حسن»، وقع هجوم مشابه شيئًا ما في ولاية فلوريدا يوم الأحد الموافق 12 يونيو/حزيران من العام الحالي نفذه الأمريكي من أصل أفغاني «عمر متين» أسفر عن مقتل 50 شخصًا وإصابة نحو 53 آخرين، وبين هذا وذاك حوادث عدة، وغالبيتها من شباب من أصول عربية وإسلامية، فلِمَ يتجه هؤلاء للعنف؟ وما هو دور الدول الغربية شعوبًا وحكومات في تغذية الفكر المتطرف؟


عمر متين وعداء المثليين:

شخص مجهول لا ذكر له في السجلات الأمنية الأمريكية والدولية حول ارتباطه بأي نشاط إرهابي من قبل، عمر متين أو «عمر مير صديق متين» شاب بالغ من العمر 29 عامًا تربى وترعرع في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أصوله الافغانية، درس الحقوق في جامعة إنديان ريفر، تخرج وعمل موظفًا للأمن بدارٍ للأحداث، مما أتاح له الفرصة لحمل سلاحٍ مرخصٍ.طبقا للتقارير المنشورة واللقاءات مع أسرته مثّل الأمر بالنسبة للجميع صدمة، ليس لوقوع عملية إرهابية ولكن لقيام شخص سجله وتحليل شخصيته لا يشيران من قريب أو بعيد إلى قطعه الشعرة الفاصلة ما بين الاعتدال والتطرف.شخص عابر دفعه مشهد في مدينة ميامي لشخصين مثليين يتعانقان إلى القيام بعملية إرهابية تسفر عن مقتل نحو 50 شخصًا في ملهى ليلي يتردد عليه المثليون بمدينة أورلاندو بولاية فلوريدا.وعلى الرغم من كون البعض اتخذ من نقطة ضربه لزوجته دليلا على عنفه وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، إلا أن لذلك الأمر بعد آخر إيجابي، حيث أن السبب وراء سلوكه هذا كان تلكؤ زوجته في القيام بمهامها «الغسيل والكي وغيرها…إلخ» مما يدل شيئا ما على رغبة ذلك الشخص في أن يسير كل شيئا في طريقه الصواب، دون تباطئ أو مخالفة للقيم والعادات التي تربى عليها.


الطبيب النفسي قاتلا:

نضال مالك حسن منفذ العملية الإرهابية بقاعدة فورت هود الأمريكية

في ليلة الخامس من نوفمبر من العام 2009، صُدمت قاعدة فورت هود بقيام «نضال» بإطلاق النيران على الجنود الأمريكان العائدين من العراق وأفغانستان ليقتل منهم 13 جنديًا ويصيب 31 آخرين.تلميذ العولقي «نضال مالك حسن» طبيب نفسي أمريكي من أصل فلسطيني التحق بالجيش الأمريكي عام 1997، بدأ ارتباطه بالقاعدة على يد الشيخ أنور العولقي الذي كان قاعديًا بالتوجه لا بالانتماء، ولم يعطِ العولقي اهتمامًا بداية لنضال وأسئلته والتي منها مدى شرعية قتل الجنود الأمريكان، مع الوقت ارتبط نضال بالقاعدة ارتباطًا وثيقًا، ومع ذلك لم تعطِ الولايات المتحدة اهتماما ولم ينتبهوا لأهمية هذه المعلومات عن نشاطه في الفضاء السيبراني، إلا أن نضال فاجأ الجميع بما فيهم معلمه العولقي فبدلًا من يعيد تأهيل هولاء الجنود أطلق النار عليهم كنوعا من أنواع القصاص.

الدوافع والأسباب:

السؤال المشروع والواجب طرحه الآن: ما الذي يدفع مثل هؤلاء للقيام بتلك الجرائم؟ خاصة وأنها أحداث فردية مرتبطة بالفرد ذاته لا بانتماء لتنظيم بعينة.يمكن النظر للأسباب والدوافع من خلال الإجابة على سؤالين أساسيين هما: لماذا الولايات المتحدة الأمريكية؟ والذي يساعد بدوره في الإجابة على السؤال الثاني: لماذا مرتبكو مثل هذه الحوادث أشخاص من أصول عربية وإسلامية؟

لماذا الولايات المتحدة الأمريكية؟

هناك العديد من السياسات المنتهجة من قبل الولايات المتحدة والتي تدفع الأفراد ذوي الأصول العربية والإسلامية للقيام بعمليات إرهابية بها، وتتنوع ما بين السياسات الداخلية والسياسات الخارجية للولايات المتحدة.فمن ناحية يلعب التدخل الأمريكي في الدول العربية – في صوره المختلفة سواء عسكريًا أو ثقافيًا أو اقتصاديًا – دورًا كبيرًا في التكوين النفسي للأفراد ذوي الأصول العربية والإسلامية بها حيث تحاول الجماعات الإرهابية وكذلك بعض رجال الدين المعتدلين بث فكرة أن أمريكا تعمل على إفشال أي نهضة بتلك الدول لضمان استمرار تبعيتهم لها.من ناحية أخرى تأتى معاملة المسلمين في الولايات المتحدة عاملا آخر في تشكيل حالة من العداء الداخلي تجاه الولايات المتحدة خاصة مع تواجد بعض الحركات والحملات المعادية للإسلام داخل الولايات المتحدة مثل Stop Islamization of America «SIOA» وغيرها من الحملات، إلى جانب بعض أحداث العنف تجاه المسملين هناك، على سبيل المثال: مقتل ثلاثة شباب مسلمين في مدينة شابل هيل بولاية نورث كارولينا.عامل ثالث يرتبط بقيام عمليات إرهابية بالولايات المتحدة وهو قانون التجنيس بالميلاد في الولايات المتحدة، والذي يترتب عليه حدوث صراعٍ ما بين الهوية الأم والهوية بالتجنس «الهوية الأمريكية» داخل الولايات المتحدة، ومع الحديث عن العنصرية والتعامل السلبي تجاه السكان غير الأصليين في الولايات المتحدة ينتهي في غالبية المواقف لصالح الهوية الأم.

لماذا مرتبكو مثل هذه الحوادث أشخاص من أصول عربية وإسلامية؟

بخلاف الأسباب المرتبطة بالسياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، والتي تشكل حالة من العداء في العقل الباطن لهؤلاء المتطرفين تجاه الولايات المتحدة، يتغذى عليها الطابع الديني والمثالي شيئا ما لهؤلاء الأفراد، ليتنج في النهاية شخصًا إرهابيًا متكاملًا، يشبع نزعته الدينية ومثاليته وبحثه عن دور فعال لتغير العالم والقضاء على المنكرات بيده.ففي مثال نضال تأتي عقيدة «القصاص» دافعا نحو تحول العداء للولايات المتحدة من مجرد عداء في العقل الباطن إلى عملية إرهابية تجاه هؤلاء الذين يقوموان بقتل المسلمين في العراق وأفغانستان، وتدلل أيضًا على كون الهوية الأم «الإسلامية العربية » له قد تغلبت على الهوية بالتجنس فأقدم على قتل زملائه في القاعدة العسكرية.متين كان له موقف مغيار شيئا ما عن نضال الذي استقى فعلته من العولقي وتنظيم القاعدة، حيث أنه نتيجة تعرضه لصدمه تخالف عقيدته الدينية وتربيته، ورغبته في الظهور كشخصٍ مثالي يعطى كل شيء حقه، وشعوره بالاغتراب وافتقاد الهوية وافتقاد الاندماج مع هذا المجتع، تحول لإرهابي منفذٍ لحكم الله وقاتل للمثليين المخالفين للشريعة الإسلامية، على غرار مثال جماعة جيش الرب المسيحية التي ظهرت في أمريكا عام 1980 والتي عملت على قتل كل من يخالف العقيدة المسيحية ويقوم بعملية إجهاض.