ملك «مقال الفيديو» في العالم: لا تهم الوسيلة، ما يهم تعميق الخبرة بالسينما والعالم. مؤسس «سينماتولوجي»: كل فيديو أصنعه هو فيلم قصير من ناحية البناء الدرامي.

التطور ليس سمة العصر، بل هو سمة كل كائن حي وخاصة الإنسان الذي يتميز عن بقية الكائنات بقدرته على التكيف والتطور بسرعة من أجل تحقيق أهدافه والتي تتغير مع الزمان والمكان والظروف المحيطة. والفنون –التي يبدعها الإنسان– تتطور هي الأخرى عبر الزمن، فبعد أن جاءت السينما لتكون الفن السابع (أو لتجمع الفنون السبع السابقة عليها)، ظهرت فنون أخرى جديدة. وبالتأكيد، كان لابد أن تتطور طريقة تحليل هذه الفنون جميعها لتواكب التطور الذي يشهده الإنسان نفسه فجاء ابتكار وسيط جديد وهو «مقال الفيديو Video Essay» الذي يستخدم الفيديو لتحليل أو نقد أعمال فنية مختلفة منها السينما.

والغريب أن يتأخر هذا الوسيط لأكثر من 100 عام (أي منذ أول عرض سينمائي في العالم يوم 28 ديسمبر 1895) على الرغم من أنه الأكثر توافقًا مع وسيط السينما من المقال المكتوب. وفي نفس الوقت فالصورة لغة عالمية قادرة على جمع المتلقين حول العالم عبر الإنترنت.

وأبسط تعريف لمقال الفيديو هو: مقال يستخدم فيه وسيط سمعي بصري. وهناك تعريف آخر أكثر تفصيلاً وهو: فيديو قصير يتم بثه عبر الإنترنت والذي يعرض مجموعة من اللقطات من فيلم أو أكثر لكشف نقاط محددة للمتلقي. ويرى الناقد الأمريكي وأول من أرسى قواعد مقال الفيديو بشكله الحديث، «كيفين لي»، مقال الفيديو كتطور للمقال الفيلمي وهو بذلك يؤكد فكرة أن صانع مقال الفيديو ليس مجرد ناقد أو محلل للأفلام بل هو مخرج أيضًا.

ويشارك كيفين لي رأيه هذا مجموعة من الباحثين، حيث يجمع بين مقال الفيديو والمقال الفيلمي التركيز على فكرة معينة بأسلوب منهجي ولكن بطريقة أقرب للذاتية منها للموضوعية، حيث يجمع المقال الفيلمي بين الفيلم التسجيلي والروائي والتجريبي في آن واحد، وبالتالي فهو يهتم بعرض وتطوير فكرة معينة لا قصة أو حدث. ومن أهم المقالات الفيلمية «F for Fake» للمخرج أورسون ويلز.

وفي هذا الإطار نقدم لكم حوارًا مع أول من قدم مقال الفيديو في العالم وهو كيفين لي، وأول من قدمه في الوطن العربي وهو «محمد أبو سليمان».

وكيفين قام بصنع أكثر من 300 مقال فيديو ويعمل الآن في «Fandor Keyframe» و«dGenerate»، وبينما أطلقت عليه صحيفة نيويورك تايمز «ملك مقالات الفيديو» قال عنه الناقد الشهير روجر ايبرت إنه «واحد من أفضل نقاد السينما في عصرنا الحالي».

ومحمد أبو سليمان مخرج وكاتب سيناريو ومنتج، درس السينما في كندا بعد أن تخلى عن مهنته كمهندس من أجل عيون السينما. أبو سليمان مؤسس صفحة «سينماتولوجي»، حيث صنع 32 مقال فيديو آخرها عن المخرج الأمريكي ألفريد هيتشكوك.

وسنلاحظ أن كليهما مختلف في رؤيته لمقال الفيديو؛ فالأول تحول من الهواية وحب السينما (السينفيالية) إلى الاحتراف، بينما الثاني ما زال مخلصًا لحب السينما وروح الهواية.


هل ترى نفسك كناقد سينمائي أم كمخرج؟

كيفين لي (ك. ل.):

النقاد -بالمعنى القديم- مثل نقادي المفضلين وهما «روجر ايبرت» و«جوناثان روزنبوم»، لم يعد لهم وجود الآن. فنحن في زمن مختلف حيث يقول الجميع آراءهم الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي غيرت شكل الصحافة والتعبير. ولذا ينصب اهتمامي الآن على تطوير قدرة الناس على النقاش والتفكير وهذا سيطور بدوره العلاقة ما بيننا وأيضًا علاقتنا بالأفلام. فأنا أؤمن أننا نفهم أنفسنا أكثر عبر مشاهدة الأفلام ومناقشتها مع بعضنا بعضًا.

محمد أبو سليمان (م. س.):

أفضل مخرج. أسست شركة إنتاج من خلالها أنتج وأكتب وأخرج وأقوم بمونتاج حملات دعائية وأفلام قصيرة ووثائقية، وأعتبر كل فيديو من فيديوهات «سينماتولوجي» فيلمًا قصيرًا من ناحية البناء الدرامي، حيث لا أعتبر «سينماتولوجي» نقدًا بل تحليلاً للأفلام. وبناءً عليه فأنا لا أريد ولا أهدف من هذه الفيديوهات أن أوجه الناس عبر إخبارهم بأن هذا الفيلم جيد وذاك سيئ.


هل تعتقد أن مقالات الفيديو قد غلبت وأزاحت المقالات النقدية المكتوبة؟

(ك. ل.):

كلاهما ما زال له أهميته حيث يقرأ الناس المقالات المكتوبة ويشاهدون بنفس الوقت مقالات الفيديو، ولا يوجد صراع بينهما بل هو تطور لا بديل عنه. فدائمًا ما كانت هناك تطورات جديدة حيث يجب على الناس تعلمها واستخدامها، وهو أمر طبيعي ويحدث داخل المجال نفسه حيث إنني كنت في العام الماضي أصنع مقالات فيديو بسمات محددة لعرضها على اليوتيوب والآن أصنع مقالات فيديو بسمات مختلفة لعرضها على فيسبوك وتويتر. فكل وسيط للعرض يختلف عن الآخر وعلينا جميعًا أن نواكب التطور الذي يشهده المجتمع والثقافة عامة.

بالإضافة إلى أن زخم مقالات الفيديو الحالي لا يمكنه تهديد الصحف والمجلات الورقية، ولكن ما يهدد هذه الوسائط بالفعل هو المواقع الإلكترونية والتي تستحوذ الآن على النسبة الأكبر من القراءة، حيث يمكنك قراءة ما تريده عبر تليفونك في أي مكان وأي زمان. والصحف الكبيرة مثل النيويورك تايمز استوعبت ذلك جيدًا ولذلك تهتم بالصحافة الإلكترونية، ومؤخرًا اهتمت بمقالات الفيديو. ولكن وبسبب هذه التطورات فنحن الآن في أمسّ الحاجة إلى صحافة مهنية أكثر من أي وقت مضى.

(م. س.):

أعتقد من الممكن أن يتعايشوا مع بعض لكن أظن أن مشاهدة مقالات الفيديو أكثر تسلية من قراءة نقد سينمائي، وأنا عن نفسي أستمتع بالفيديوهات أكثر من النقد المكتوب، وأعتقد أيضًا أن مقالات الفيديو أكثر بساطة من النقد السينمائي المكتوب.


ما توقعاتك للتطورات القادمة في مجال مقال الفيديو؟

(ك. ل.):

الشيء الوحيد الذي أنا متأكد منه هو أن التكنولوجيا ستستمر في التطور حيث ستتغير طريقتنا في مشاهدة الفيديوهات عبر الواقع الافتراضي مثلاً أو أي طريقة أخرى. الخلاصة: لا تهم الوسيلة بل كيفية استخدامها لخلق حالة من التفكير والوعي وتعميق الخبرة بالسينما خاصة والعالم عامة، وإذا لم تتغير هذه الفلسفة أو هذا الهدف فلا تهم الوسيلة التي تعرض بها أفكارك.

(م. س.):

أنا لم اخترع مقال الفيديو. فلقد أسسه بشكله المعاصر كيفين لي وطوره توني تشو وغيرهما، وبما أنني لا أحب قراءة نقد الأفلام؛ لذا شعرت أن أفضل طريقة لتناول السينما هي عبر لغة بصرية. مقال الفيديو هو تعبير عن شغفي بالسينما وبأعمال سينمائية معينة ومحاولة نقل هذا الشغف للناس، وأعتقد أن الإنترنت قد أعطى الفرصة لي ولغيري على صنع مقالات الفيديو بالإضافة إلى أن حراس المعبد المسيطرين على الإعلام قد انقرضوا أو على أقل تقدير في طريقهم إلى الانقراض، وهو ما يعطي الفرصة للتجريب والعمل وهي حركة عالمية مستمرة ومتطورة لا تخص مصر وحدها أو السينما وحدها.


كيف تصنع مقالات الفيديو؟

(ك. ل.):

حسب المطلوب مني، فشركة Fandor Keyframe كمثال كانت تستهدف جمهورًا يحب السينما خاصة السينما الأكثر الفنية، لكن تغيرت سياستها الآن لتجتذب جمهورًا أوسع عبر فيسبوك وتويتر، ولكن المهم هو أنني أصنع ما أحبه والذي يعكس رؤيتي بوضوح. فالأمر لا يتعلق بكمية المعلومات التي تعرفها فهو أمر سهل جدًا الآن بسبب جوجل وغيره، ولكن المهم هو كيف تجعل من هذه المعلومات أمرًا له فائدة قادرًا على إثارة اهتمام الجمهور وذلك عبر المزج بين ما تهتم به وما تتحدث عنه وهذا هو النقد من وجه نظري.

(م. س.):

أبدأ بالبحث عن الفيلم أو الموضوع المهتم به وأكتب سيناريو للفيديو ثم أجمع المقاطع وأعمل مونتاج للفيديوهات وفقًا للسيناريو، وما يستغرق وقتًا أكثر من غيره في عملية صنع الفيديو هو البناء الدرامي. الفكرة دائمًا تبدأ حينما يعجبني شيء في وقت ما مثل إسماعيل ياسين الذي سمعت بالصدفة حوارًا معه في الراديو فقررت أن استخدمه. ولكني فعليًا استخدمت أكثر من حوار مع إسماعيل ياسين لعمل فيديو عن هذا الفنان العظيم والذي خرج من رحم 60 دقيقة ليكون بين يدي المشاهدين في 6 دقائق فقط، وهو ما يوضح مدى المجهود والوقت الذي يستغرقه عمل فيديو واحد.

وسأعطيك مثالاً آخر وهو خماسية عادل إمام. دائمًا ما كنت أعرف أنه توجد خماسية جمعت بين عادل إمام والمؤلف وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، وفي يوم من الأيام قررت أن أشاهد الخماسية دفعة واحدة، وفككت هذه الأفلام وحللتها حتى أركبها في فيديو. وكان من المفترض أن يكون الفيديو عن فيلم «الإرهاب والكباب» فقط، ولكني وجدت نفسي أقارن بينه وبين الأفلام الأخرى. إذًا فكل موضوع يحدد الأسلوب الذي أتبعه في عمل الفيديو. ودائمًا ما أحاول شد انتباه المتفرج عبر خلق دراما في الفيديو ولذلك يجب أن يكون المدخل intro في ثوانٍ قليلة. فالشخص الذي يشاهد فيديو على الإنترنت له مطلق الحرية أن يغلق هذا الفيديو في أي وقت وأن يشاهد فيديو آخر بخلاف الشخص الذي دفع ثمن تذكرة ليشاهد فيلمًا في دار العرض. وكانت القاعدة الذهبية بالنسبة لي ألا يتخطى الفيديو 8 دقائق، ولذلك يجب أن أحدد بالضبط ما الذي أريد أن أقوله وهو ما تعلمته من توني شو الذي يصنع مقالات فيديو عن السينما تحت عنوان «Every Frame a Painting».


بعد تطور الوسائط الآن، هل تعتقد أن دور العرض السينمائية ستنقرض؟

(ك. ل.):

لا أعتقد، رغم أنها مهددة بالفعل. وعلى المسئولين أن يعرفوا أن وقت الناس محدود، وأيضًا لم تعد دور العرض هي المكان الوحيد الجاذب للناس. وبالتالي يجب أن تصنع الأفلام لتكون أكثر تميزًا للناس حتى يدخلوا هذا المكان المميز.

(م. س.):

هذا التراجع في مصر فقط وسببه هو الأفلام نفسها التي لم تعد تجذب الجمهور المصري. بالإضافة إلى أنك إذا أردت أن تذهب إلى السينما الآن فعليك أن تدفع تذكرة قيمتها 60 جنيهًا، وإذا ذهبت أنت وزوجتك وطفلين ستدفع 240 جنيهًا، وإذا اشتريت بعض الفيشار مثلاً ستدفع ما يقرب من ضعف المبلغ. ولكن هذا لا يمنع من تزايد الاهتمام بالسينما حيث تجد الكثير من الناس يبحثون عن الأفلام التي يريدون أن يشاهدوها، وقد وسعت “سينماتولوجي” من رقعة المهتمين بالسينما.

وأنا أقصد بالسينما معناها الواسع لا الأفلام التي تعرض بدور العرض فقط. ولكن هذا لا ينفي أنني أتمنى ألا تموت السينما بمعناها التقليدي. فالفرجة على فيلم مثل La La Land مثلاً بدار عرض مختلف تماما عن الفرجة عليه على التليفزيون أو الموبايل. ولكن الواقع يقول إنها ستنقرض خاصة مع تهديد المسلسلات التي تنتجها HBO وNetflix مثل The Sopranos وGame of Thrones وBreaking Bad ومسلسلات مصرية مثل “أفراح القبة” والتي أصبحت أكثر تميزًا من أغلب الأفلام.


كيف ترى نفسك في المستقبل؟ هل ستستمر في صنع مقالات فيديو، أم ستخوض تجربة جديدة لعرض أفكارك؟

(ك. ل.):

حينما كنت صغيرًا كنت أشاهد الكثير من الأفلام في السينما والتليفزيون وعبر شرائط الفيديو، ولكن الآن الأفلام متاحة أكثر بسبب الدي في دي والبث عبر الإنترنت. ولكن المشكلة الآن هي أنه لا وقت لمشاهدة كل الأفلام رغم وجودها. ولذا عليك أن تأخذ قرارات مثل ما هي الأفلام التي تريد أن تشاهدها؟ وهذه الأسئلة هي التي تجعلك تفكر في قيمة وقتك وأهمية الأفلام مقارنة بأمور أخرى في حياتك. وهذه أهم الأسئلة بالنسبة لي الآن.

(م. س.):

أكتب حاليًا سيناريو لفيلم طويل، وهدفي الآن هو أن تصبح «سينماتولوجي» كيانًا أكبر عبر تطويرها، وبالفعل عرض علي القيام ببرنامج في إحدى القنوات ولكن المشكلة كانت في أنني لا أريد أن يتحكم فيّّ أحد. فأنا أصنع الحلقة عن الموضوع الذي أريده وأي تدخلات خارجية قادرة على تخريب المعادلة الناجحة التي أسير عليها، ولكن هذا لا يمنع أنه لو عُرض علي عرض يحافظ على جوهر «سينماتولوجي» سأرحب كل الترحيب. وحاليًا أجهز لعمل فيديو عن نوع العصابات في السينما العالمية وهو النوع المفضل لدي. وسأتحدث فيه عن أفلام مثلا Little Caesar وScarface، وأيضًا فيلم “الإمبراطور” بطولة أحمد زكي، وأيضًا الحديث عن ممثلين كتوفيق الدقن ومحمود المليجي.

أخيرًا، يتطور «مقال الفيديو» كوسيط يومًا بعد يوم. وقد ينقرض وقد يصمد لمدة أطول لينجب لنا أعمالاً خالدة قد تنابذ الألياذة والأوديسة لهوميروس أو فيلم Mulholland Drive للمخرج ديفيد لينش. ما يهم الآن هو أن نواكب التطور الإنساني عبر صنع أفلام متميزة وتناولها عبر الأساليب والوسائط الجديدة كمقال الفيديو.