ليس سهلًا أن يصبح الكاتب نجمًا، خاصة إذا كان يكتب للتلفزيون والسينما، فعادة يتوارى السيناريست وراء المخرج وأبطال العمل، ولا تلتقطه الأضواء بسهولة، ولا يعرفه الناس، حتى لو حقق العمل نجاحًا كبيرًا.

لكن «وحيد حامد» كسر هذه القاعدة، وصار نجمًا، يسبق الجميع باسمه، بل يتلقى الضربات ويشتبك مع الآخرين نيابة عن ممثلي ومخرجي أعماله، ولا يتوانى ولا يتقهقر إلى الوراء إذا صوب الآخرون مدافعهم إليه، هو نفسه دائمًا يقول: «لا أخشى أحدًا.. هذا مبدئي»

اختار وحيد حامد أن تكون حياته الشخصية في ناحية بعيدة عن عيون الآخرين، فظروف نشأته وتكوينه، وحياته التي بدأها عندما جاء من الزقازيق إلى القاهرة شابًا، بها الكثير من المحطات والمواقف المضيئة والمظلمة، التي لا يعرفها الكثيرون، والتي يمكنها أيضًا أن تكون ملهمة لأي شاب يسعى إلى أن يكون كاتبًا محترفًا.

في حواره مع «إضاءات» روى وحيد حامد مواقف وحكايات، أغلبها لم يرو من قبل، فتح دفتي كتاب حياته وسيرته لنا، ليحكي لنا فصولًا من مشواره الفني والإنساني معًا.

لو جاء شاب الآن إلى وحيد حامد بعد هذا العمر الطويل.. وقال له: أريد أن أكون كاتبًا سينمائيًا.. بماذا ستنصحه؟

سأقول له شيئًا واحدًا: الصبر ثم الصبر.. أي لا تستسلم.

هل تعرضت لإحباطات في شبابك تماسكت أمامها؟

لم تكن مجرد إحباطات، كانت ضربات قاتلة، خاصة أنها جاءتني وأنا شاب ما زلت أتحسس طريقي.

سأقول لك شيئًا، عندما جئت من الزقازيق إلى القاهرة كنت مثل «الكتكوت المبلول»، لا حول لي ولا قوة. القاهرة بالنسبة لي كانت مسرحًا مضاءً بالأنوار، مبهرة، كانت المجد الذي أتطلع إليه، جئت حالمًا بكتابة القصة القصيرة، أتردد على الندوات الثقافية ونادي القصة، لا أعرف أحدًا ولا أحد يعرفني، وتلقيت أول ضربة.

هذه الضربة كانت من شاعر وناقد شهير اسمه «مصطفى السحرتي»، قرأت أمامه قصتي القصيرة في نادي القصة، حيث كان من عادة الشباب أن يقرءوا القصص هناك ويناقشها كبار النقاد والأدباء.

وقصتي كان اسمها «الفرس»، وبعد انتهائي من قراءتها فوجئت بالسحرتي واقفًا؛ لم ينقد القصة فقط، ولكنه «هلهلني»، لدرجة أنني شعرت برغبة في الهروب من هذا النادي -الذي كان يقع في شارع قصر العيني- ركضًا إلى الزقازيق وألا أعود مجددًا. لكني فوجئت في هذه اللحظة برجل آخر ينهض، يشيد بالقصة وجمالها وحبكتها الدرامية، كان هذا الرجل هو الأديب الكبير «محمد عبد الحليم عبد الله»، وهنا شعرت أن روحي ردت مرة أخرى.

هل في هذه الفترة كانت محاولاتك في القصة القصيرة فقط أم في فروع أدبية أخرى؟

كنت أكتب مسرحيات أيضًا.. كنت أهوى الأدب، لم يكن في بالي أبدًا الكتابة السينمائية أو الكتابة للتلفزيون، بل إننى لم أعرف وقتها الشكل والبناء الدرامي لهذه النوعية من الكتابة.

كان الأدب حلمي، وسأذكر لك قصة أخرى أحكيها لأول مرة، هي ما فعله معي الناقد «عبد الفتاح البارودي»؛ إذ تقدمت في مرة بمسرحية، وأشادت بها لجنة الفحص في المسرح الحديث، وعندما علمت بذلك، فرحت جدًا، وقررت أن أذهب إلى عبد الفتاح البارودي لأشكره، لأنه كان من أعضاء لجنة الفحص، إلى جانب الكاتب «أحمد بهجت».

وكانت الصاعقة هنا، فعندما ذهبت إليه، رمقني بنظرة احتقار، فخرجت وسألت ما الذي حدث، فأخبرني أحد المساعدين أن المسرحية «اترفضت»، فغضبت جدًا وعدت إلى البارودي، لأستفسر منه، فقال لي: «إنت مش مؤلف».

هنا سألت الأستاذ وحيد حامد مداعبًا هل عدت إلى الزقازيق ركضًا بعد هذا الموقف؟

لا لا، استنى، المفاجأة أن عبد الفتاح البارودي، سألني: «هل عبرت البحر؟ أي سافرت؟»، فأجبته بالنفي، فقال لي إننى لا يمكن أن أكون مؤلفًا.

وتعجبت مما قاله، فقلت له إن «نجيب محفوظ» لم يغادر مصر، فرد ردًا صاعقًا: «ومين قالك إن نجيب محفوظ مؤلف؟»، فأدركت فورًا أن رأيه في المسرحية وفي موهبتي لن يهزني أبدًا، فواصلت مسيرتي.

أريد أن أعرف منك المفارقة التي حدثت بعد ذلك، وهيماذا فعل هؤلاء عندما شاهدوا أعمالك في التلفزيون والإذاعة والسينما فيما بعد؟

سؤالك يعيدنيإلى موقف آخر لا أنساه، هذا الموقف قد جمعنى بالمسرحي الكبير «سعد أردش»، إذ كان أردش -رحمه الله- من أوائل الناس التي رفضت إحدى مسرحياتي، وأدخلني وقتها في مبررات لم أقتنع بها لرفض المسرحية، كنت وقتها صغيرًا، لكن بعد ذلك عندما عملت في الإذاعة، وبالتحديد في مسلسل «طائر الليل الحزين»، تقابلنا.

في هذا المسلسل الإذاعي قدم سعد أردش دورًا بطوليًا، وسمعت أنه طلب مقابلة المؤلف، الذي هو أنا، فقابلته، وقال لي: «إيه الحوار الجميل اللى إنت كاتبه ده؟أنا حاسس إني بقرأ شعر مش حوار عادي»، فذكرته بي، لأنه لم يتذكرني وقتها، وحدثت المفارقة.

كيف تحولت فجأة من كتابة القصة القصيرة والمسرح إلى الكتابة للإذاعة؟

الحقيقة هي أنني عندما قدمت مجموعتي القصصية الأولى للكاتب الكبير «يوسف إدريس» لم تعجبه، وقال لي إن مستقبلي في الإذاعة والتلفزيون، لأن الدراما في قصصي تناسب التلفزيون، فاتجهت إلى ماسبيرو، وفي مرة كنت أجلس مع مجموعة من الأصدقاء، علمت أنهم يحتاجون إلى أحد ليكتب مسلسلًا إذاعيًا، وكنت صغيرًا وقتها، فأخبرتهم أنني سأكتبه.

لا أنكر أننى لمست نظرات استنكار من حولي، فطلبت منهم نموذجًا للسيناريو الذي يكتب للإذاعة حتى أعرف على الأقل كيف يكون شكله، فأخذت نموذجًا، وذهبت إلى البيت، وعدت بعد أسبوع بالمسلسل، فكان المسلسل الإذاعي «شياطين الليل».

ماذا تتذكر من أيام العمل في الإذاعة؟

الإذاعة كانت «وش السعد» في كل شيء، رغم أنه مع مرور السنين، أصبح ماسبيرو لا يحب أعمالي، وإذا عرض أفلامي، يشوهها ويقتطع منها، بل كان في أغلب الأحيان لا يعرضها.

لكني أتذكر أيامًا جميلة مع الفنانين الذين عملت معهم في الإذاعة، وبالتحديد «محمود مرسي»، الذي جمعتني به صداقة طويلة ومواقف عديدة، كما أنني عشت قصة حب كبيرة مع الإذاعية وقتها «زينب سويدان»، التي أصبحت فيما بعد زوجتي.

لماذا هي بالتحديد؟

الحب يخطفك فجأة، لا تدري شيئًا، من أنت أو من حولك، وقصة حبي لزوجتي رويتها مرة، فتعارفنا كان قدريًا؛ إذ طلبت من المخرج «يحيى العلمي» أن يستعين بصوت إذاعي مميز، ليقدم المسلسل الإذاعي «طائر الليل الحزين»، فوقع الاختيار على زينت سويدان، لكنه قال لي إنها ترفض تقديم التترات.

لكن يحيى العلمي قال إنه سيقنعها، وبالفعل أقنعها وقدمت تترات المسلسل بصوتها، ولأنها قامت بذلك لأول مرة في حياتها، قلت لنفسي لا بد أن أشكرها، وبالفعل ذهبت إليها، وتعارفنا، وبدأت علاقتنا، حتى طلبت يديها بعد ذلك.

قلت إن أفلامك تعرضت للتشويه من قبل التلفزيون المصري.. أعتقد أن أعمال وحيد حامد أرقت الجميع.. لماذا في رأيك؟

نعم.. هذا صحيح، أعمالي أزعجت كل السلطات الدينية والأمنية والسياسية، حتى إنها أزعجت فئات كبيرة من المجتمع نفسه، لأنني عندما أكتب لا أنافق أحدًا، مهما اتهموني وروجوا لعكس ذلك.

على ذكر النفاق.. مؤخرًا قالوا إن وحيد حامد كتب فيلم «سري للغاية» الذي يجري تصويره حاليًا لنفاق النظام الحالي.. ما ردك على ذلك؟

كنت لا أود أن نتطرق في حديثنا إلى هذا الموضوع، أرجو ذلك.

لماذا؟ ما المشكلة؟

لا لا.. مفيش مشكلة.. بس كأني دخلت أقلي بيضتين في المطبخ ووقعوا منى في الأرض.. هل دي مشكلة؟ عادي.

طيب.. أنت خضت معارك عديدة بسبب أعمالك.. ما المعركة الأشرس بالنسبة لك؟

كما قلت لك إنني خضت معارك واشتبكت مع الجميع، لكن أشرس المعارك هي التي كانت مع رجال الدين، سواء رجال الدين الإسلامي أو المسيحي.

قاطعته.. أي معركة مع رجال الدين المسيحي؟

معركة مسلسل «أوان الورد».. والقصة التي تناولت فيها زواج مسلم من مسيحية، ثار رجال الدين المسيحي، وكأن القيامة قامت، وقالوا إن وحيد حامد يحرض الفتيات المسيحيات على الزواج من الرجال المسلمين، ثم استغل الإسلاميون هذا الاشتباك وحاولوا أن يستقطبوني لكي يضربوا الكنيسة بي، ولكني رفضت، ولأن «البابا شنودة» كان رجلًا سياسيًا عاقلًا، استطاع أن ينقذنا من أيديهم جميعًا.

كيف ذلك.. ارو لنا تفاصيل هذه الواقعة؟

الحقيقة هي أنني أصبت بمرض القلب أثناء هذه الواقعة.. وربما بسببها، كان الضغط كبيرًا جدًا، وعندما طلب البابا شنودة أن نجلس ونتناقش، سأل رجاله: ما المشكلة؟ فقالوا له القصة كاملة، وإنني قدمت مسلسلًا،أحكي فيه قصة زواج مسلم من مسيحية، وإنني بذلك أحرض الفتيات المسيحيات على ذلك. فأخبرت أحد الجالسين، أنها ندمت بعد ذلك على هذا الزواج، وهذا موجود في باقي الحلقات.

ورد البابا شنودة ضاحكًا موجهًا كلامه لهم: «تصدقوا عيب عليكم.. بدل ما تشكروه إنه خلاها تندم!».

دائمًا تتصدر في أي اشتباك ومعركة، بينما لا نسمع حسًا للمخرجين أو الممثلين معك، كأنهم يسلمونك للآخرين.. هل كلامي صحيح؟

ليس صحيحًا كله، ولا أحب المزايدة، كل إنسان وظروفه، أما أنا، فمسئول عن كل ما أكتبه، ولا أخشى أحدًا، وسأذكر لك قصة لطيفة. في مسلسل «العائلة»، وأعتقد أنك لم تكن قد ولدت بعد، حدثت أزمة كبيرة جدًا، بسبب مشهد لمحمود مرسي، أنكر فيه عذاب القبر، ولا يمكن أن أصوّر لك حالة الهياج التي حدثت في المجتمع بأكمله ورجال الدين والإعلام الذين هاجمونا بكل شراسة.

والحقيقة أن الجملة التي قالها محمود مرسي وأغضبت الجميع، لم أكتبها في السيناريو، ومع ذلك تصديت للحملة الشرسة، ولم أخرج لأقول إنني لم أكتب ذلك، وأن محمود مرسي هو الذي أضاف الكلام من نفسه؛ لأن ذلك جبن، فطالما العمل مكتوب عليه اسمي فأنا أتحمل المسئولية، ولا أنكر أن محمود مرسي كان شجاعًا، وقال إنه المسئول ووقف بجانبي في هذه المعركة، فالفنان يجب أن يكون شجاعًا ولا يخشى أحدًا، وأن يكون قادرًا على المواجهة.

دائمًا أسمعك تثنى على محمود مرسي في حواراتك وتصفه بأستاذك.. ما تفاصيل علاقتكما؟

نعم.. هو أستاذي وتعلمت منه الكثير، بل هو أستاذ الأساتذة. كان عملاقًا ومثقفًا إلى درجة لا تتخيلها، وأول من عملت معهم، في مسلسلي الإذاعة «طائر الليل الحزين»، وأول من اعترفوا بي، وطالب بزيادة أجري في هذا العمل، وقال لي: «يا ابني إنت بتكتب جمل حوارية عظيمة متقالتش قبل كده».

بعيدا عن أساتذتك.. هناك شعور أظن أنه صحيح.. وهو أنك اسم على ما يسمى.. وحيد فعلا بلا أصدقاء؟

لا لست وحيدا.. أنا أعيش يومي بطريقة لا يتخيلها أحد، قد تجدني وسط الباعة الجائلين والأماكن العامة، لأن من هؤلاء استمد أفكاري. لكن الحقيقة ربما في الفترة الأخيرة.. ابتعدت عن أصدقائي، أو هم الذين ابتعدوا، لأن الثورة كشفت لي معادن الكثيرين، فأصبحت أمقت أغلبهم.

هل هؤلاء من المشاهير الذين نعرفهم؟

نعم.. خذ عندك مثلا، محمود سعد، كان صديقي، ودائما كان يجلس معنا في المجلس الشهير “مجلس الشر” الذي كان يجمع كبار الكتاب والفنانين معي هنا في الفندق على النيل.

لكن للأسف محمود سعد تحول، وأصبح مع الموجة، وصدّق نفسه، وبصراحة شديدة، أنا أمقته.

أعرف أن عادل إمام كان عضو في هذه الجلسات.. كيف صارت علاقتكما الآن؟

عادل إمام صديق عمري، ولنا تاريخ طويل، ونجاحات غير عادية، وهو بالفعل كان يجلس معنا كثيرا، وكنا نتناقش في كل شيء، بدءا من الحديث عن الحياة والفن.. مرورا بالحديث عن الستات، وانتهاء بالحديث في السياسة الداخلية والخارجية.

من المفارقة أن الفيلم الوحيد الذي أخرجه لك مروان ابنك هو آخر فيلم لك مع عادل إمام وهو فيلم «عمارة يقعوبيان».. لماذا لم تكرر التعاون مع أحدهما منذ هذا العمل؟

ضاحكا: ابني لا يحب العمل معي، أما بخصوص عادل إمام.. فاسأله هو.

سؤال أخيرأود أن أسأله لك: ما هو أجمل فيلم لك وأسوأ فيلم في نظرك؟

بلا تردد أجاب: أجمل فيلم لي هو «اضحك الصورة تطلع حلوة»، وأسوأ فيلم هو «فتوات بولاق».