تعاني صناعة السينما المصرية من مشكلات متشابكة من سيطرة رقابية وتضييقات إنتاجية وفقر في الفنيات وغيرها، نتيجة لذلك أصبح المخرج الرئيسي لمحاولة صناعة وحدات درامية لا تقع في إطار الكوميديا الكسولة، أو الإنتاجات الحركية الضخمة هو الدراما التلفزيونية، لأن إقناع المتلقي في ظروف اقتصادية صعبة لترك منزله والذهاب إلى دار عرض لاختبار فيلم يتطلب أن يكون ذلك الفيلم في أضخم صيغ الصناعة السينمائية، أو يحمل اسم نجم مضمون الجماهيرية، وهي مشكلة تواجه السينما في العالم كله خاصة بعد عام 2020 حيث أصبحت المشاهدة السينمائية عادة منزلية، وأصبحت دور العرض خيار ثانوي.

ومع صعود المحتوى التلفزيوني ونجاحه بخاصة في المواسم الخاصة مثل شهر رمضان، تشجعت شركات الإنتاج على صناعة محتوى مشابه لكن في إطار سينمائي، في قصة مضغوطة لساعتين بدلًا من حلقات متقطعة، وهو ما يمكن تسميته الأفلام متوسطة الميزانية التي لا تعتمد على مؤثرات ضخمة أو نجوم ذوي أجور خيالية.

يقع فيلم «وش في وش» من كتابة وإخراج وليد الحلفاوي -المعروض حاليًا بدور العرض المصرية- في تلك الفئة. فيلم يبدو متوسط الميزانية يحمل أوجه نجوم ليسوا هم أكبر الأسماء على الساحة، لكنهم حصدوا نجاحًا شعبيًا ونقديًا عبر نجاحهم في الأعمال التلفزيونية بخاصة الدرامية منها.

ينتمي الفيلم إلى نوع الكوميديا الاجتماعية، وتقع أحداثه في إطار خلاف عائلي. لاقى الفيلم نجاحًا يعتبر أكبر من المتوقع بشكل رئيسي بسبب التسويق الشفهي، حيث غامر البعض بمشاهدته ونشرو الكلمة من حولهم، فأصبح واحد من أفلام نادرة في تلك اللحظة في السينما المصرية ينجح بوسيلة غير الضغط الإعلامي البروباجندي، أو أسماء النجوم الكبار.

تسكين الأدوار

يكمل «وش في وش» اهتمام مصري رائج بالخلافات الأسرية، تتراوح تناولاتها من العوار المؤسسي والظلم الجندري، أو الخلافات النوعية بين الرجال والنساء إلى الكوميديا العائلية التي تؤطر دور كل فرد في إنجاح أو إفشال علاقة ما.

يقع فيلم «وش في وش» في فئة الكوميديا العائلية مع لمحات من النقد المجتمعي، ويستخدم تسكين أدوار نمطي، حيث يضع أمينة خليل في دور «داليا»، الزوجة العصابية المنزعجة التي لعبتها عدة سنوات متتالية في «خلي بالك من زيزي»، ثم «الهرشة السابعة» لكن بأمزجة مختلفة عن الخفة التي ينتهجها «وش في وش»، يلعب دور زوجها «شريف» (محمد ممدوح) في دور يبعده عن النمط قليلًا، ويظهر مساحة تمثيلية تؤكد التنوع الذي يحويه كممثل.

في أدوار أفراد العائلة حيث يقع الفيلم بين شخصيات محدودة في مكان محدود يستخدم الفيلم الإمكانيات الكوميدية الجافة «deadpan» التي يقدمها كل من بيومي فؤاد وسامي مغاوري في أدوار والد شريف ووالد داليا، ويعود للتسكين النمطي في دور والدة داليا التي تلعب دورها أنوشكا السيدة الأرستقراطية المتعالية التي ترتدي اللآليء والأزياء ذات الدلالات الملكية، وسلوى محمد علي في دور والدة شريف بحضور خفيف الظل.

وفي أدوار خارج العائلة، يموضع الفيلم شخصيتين نمطيتين بطبيعتهما هما صديق وصديقة البطل والبطلة: أسماء جلال تلعب دور فتاة جميلة متلاعبة، يلخص ذلك الوصف الشخصية بأكملها في المقابل يلعب محمد شاهين دور شاب متطفل على النساء لا يعرف الحدود، خارج العائلة وخارج الطبقة الاجتماعية كذلك يلعب محمود الليثي دور «كحول» سائق غير مسؤول، ودنيا سامي تلعب دور شيماء عاملة في المنزل تقع في حب رب العمل.

الفضاء المنزلي

تنصهر تلك الشخصيات جميعها في فضاء المنزل الذي، على الرغم من مساحته الكبيرة، فهي محدودة تحتويهم لخلق الكوميديا والخلافات من المواقف التي لا تخلق إلا من الاحتجاز القهري في مساحة مغلقة، في توقيت حرج وهو الساعات القليلة التي تبعت خلاف كبير بين داليا وشريف أدى إلى رغبتهما في الطلاق واستدعاء الأهل منعا لحدوث عنف.

يحدث الاحتجاز القهري من مفارقة كوميدية تبدأ بها العقدة الرئيسية للفيلم، وهي اضطرار الجميع للمواجهة. يصعد أصدقاء وجيران الأسرة الصغيرة لإنقاذ الموقف، وبقرع الباب بعنف شديد يعطل القفل، وهي اللحظة التي تحوي تصويرًا بصريًا نادرًا لمزحة في الفيلم تظهر اللحظة التي سوف ينغلق بها الباب بمؤثرات رقمية، ويظل كذلك حتى الصباح نظرًا لتأخر الوقت.

يمكن اعتبار ثيمة الاحتجاز كمجاز عن الزواج نفسه بجانب كونها أداة سردية، تعزز اجتماع فريقين متضادين في مكان واحد دون وسيلة للخروج. كل فرد مضطر للنظر في وجه الآخر دون وسيلة لتجنبه، وبعيدًا عن العائلات والديناميكات الشخصية، فإن الشخصيات الرئيسية محتجزة حرفيًا ومجازيًا في زواج غير ناجح يمنعهم من إنهائه بسهولة مسؤولية طفل لا ذنب له.

تعمل الأفلام من ذلك النوع مثل نوع أفلام الانعزال على جزيرة غير مأهولة، دون وسيلة للعودة للحضر أو الشاطئ حيث يؤدي ذلك إما لتقريب وجهات النظر، أو تتابع الذروات حتى الانتهاء بأعمال عنف.

في فيلم «وش في وش» يحدث الاثنان لكن دون إعطاء الشخصيات الرئيسية أي مساحة من تلك الذروات المتكررة، فالذروة الأكبر تقع في بداية الفيلم فتصبح الذروات التالية سواء كانت كوميدية أو درامية أقل تأثيرًا، وتركز أكثر على الكوميديا النابعة من المواقف العشوائية أكثر من الخلاف الرئيسي الذي يسهل اجترار الكوميديا منه كذلك. فعندما نصل إلى قرب النهاية، يصبح مصير الزواج الذي يدور حوله الفيلم أقل أهمية من الصراعات التي خلقت وتم حلها خلال الاحتجاز،

يقدم الفيلم مساحة لكل فريق الممثلين لاستعراض قدرات تمثيلية وكوميدية، وبخاصة في الأدوار التي يمكن اعتبارها مساعدة، إذا اعتبرنا أن أدوار البطولة للممثلين الذين يتصدرون الملصقات: محمد ممدوح وأمينة خليل، لكن مع إيجابية ذلك فإنه جعل الفيلم مع تصاعد الأحداث مجموعة من الاسكتشات الجانبية التي لا تصب في السردية المحورية التي تحل في النهاية بتصاعد درامي قاتم.

الخيارات الكوميدية

تعمل الصراعات في فيلم «وش في وش» كنتيجة لذلك التجمع غير المرغوب به بين أفراد عائلتين مختلفتين وأفراد خارج العائلة، يحدد صراعهم جوانب طبقية أو أهداف شخصية، كما أن ضيق المساحة يعزز من احتمالات العنف بخاصة مع كون سليم (أحمد خالد صالح) شقيق داليا شخصية عنيفة ذات تاريخ من الاعتداءات.

يمضي الفيلم وقته في استغلال المساحة وطبيعة الشخصيات لاجتلاب الكوميديا وتمرير الخطاب الرئيسي حول الخلافات الزوجية وتدخل أطراف خارجة عنها، كما يزرع مونتاجًا لعرض وجهتي نظر مختلفتين -اختزاليتين- لداليا وشريف أو للمرأة والرجل.

يعمل النصف الأول كمزيج من استخدام المكان لخلق الحوار الذي يؤطر الكوميديا النابعة من سوء الفهم أو استخدام الثنائيات الحوارية لاستدعاء أزمنة أخرى حقيقية واعتبارية، ثم يضمن بعض التقنيات الكوميدية البصرية التي لا تكتمل وتوحي بأسلوب مميز، لكنها لا تستخدم بشكل حقيقي مثل «توقف الإطار – freeze frame» على شخصية بعينها مما ينذر بكتابة معلومات عنها مثلًا أو استخدامها لوقت لاحق، لكن يتضح أنها لحظة عابرة أو فكرة غير مكتملة، لا تقنية بصرية أو حوارية تكتمل للنهاية، فيصبح هنالك اجترار للحوارات ذاتها وكوميديا الشخصيات نفسها بخاصة مع مرور الوقت وإرساء طبيعية الديناميكيات العائلية والطبقية.

تحدث أنجح اللحظات الكوميدية حينما تنبع النكات من الديناميكيات التي تخلقها الخلافات في وجهات النظر وطبائع الشخصيات، مثل شخصية سامي مغاوري الضعيف أمام زوجته، أو شخصية سليم عنيف الطبع لكن ساذج العقل، أو علاقة الفئات الأدنى في السلم الاجتماعي والتراتبيات الطبقية ببعضهم البعض وأرباب عملهم.

تحمل شخصيتيّ كحول وشخصية شيماء الكثير من الإمكانية الكوميدية للفيلم بشكل أصيل وعضوي بسبب فهم دنيا سامي للشخصية وطبيعة حركتها وصوتها، وبسبب تأصل الكوميديا في طبيعة شخصيتها ومكانتها من البيت المغلق، لكن مع طول مدة الفيلم يخفت الاهتمام بتلك الكوميديا التي يسهل توليدها باستمرار خصوصًا مع اضطرار الشخصيات للتفاعل الدائم، ويبدأ الاعتماد على نكات التلاعب باللغة puns، بخاصة الإحالات الجنسية المتكررة التي تؤدي جميعها المعنى ذاته، ويمكن أن تصدر من أي شخصية بغض النظر عن خلفيتها وطبيعتها الاجتماعية لكنها تولد الضحك الأكثر سهولة وبدائية، والأكثر انتشارًا في الكوميديا المصرية الحالية.

يقدم فيلم «وش في وش» كوميديا نابعة من المواقف والشخصيات، ونظرة إلى داخل العائلات والفروق النوعية بشكل سطحي، لكنه مناسب لطبيعة الفيلم الذي يسعى لتقديم رحلة كوميدية ودرامية مرضية وشعور جيد لدى مشاهديه.

فيلمٌ خفيف نادر وجوده في دور العرض حاليًا بعيدًا عن المنصات والأعمال التلفزيونية، يضم عددًا من الممثلين يتشاركون تناغمًا كبيرًا في الأداء والتوقيت الكوميدي، كما يفتح مساحة لأفلام أخرى متوسطة الميزانية ومتوسطة الحجم لكي تنجح وسط جفاف إنتاجي وإبداعي واضح.