ليس هناك داع لأن أشرح لك من هي روقة التي أقصدها٬ بالتأكيد أنت تعرف من هي روقة٬ المرأة الحلم كما قدمها فيلم «العار»٬ الحلم الملون الذي ينبض حياة٬ الأنثى الأبدية والحلم المطلق لمعظم رجال هذا الجيل -الذين يعيشون ثلاثيناتهم الآن- وهي المعادل الخيالي للزواج السعيد في خيالاتهم. ليس هناك داع للمزيد من المقدمات٬ أنت تعرف من هي روقة ولكنك لا تعرف ما الذي جعلها روقة٬ في هذا المقال نحاول فك شفرة الشخصية معاً٬ لماذا روقة، وما الذي صنعها؟


روقة. لماذا؟

لأنها أنثى جميلة٬ بيضاء٬ ملفوفة القوام٬ عيناها صادقتان طيبتان٬ دوماً متأهبة لإسعاد زوجها٬ ترقص وتجهز الشيشة وتعرض المساعدة بالذهب الذي تملكه٬ تدعمه وتقف في ظله تسنده دون أن يراها أحد٬ فيأخذ هو كل المهابة وترضى هي بنظرة الامتنان وتربيتة على رأسها.

ثم هي زوجة سرية٬ المغامرة لها مذاق خاص بالطبع٬ والمغامرة الحلال تكمل الأسطورة. يسرق زوجها من الحياة لحظات مختلسة يقضيها في نعيم مقيم٬ مع اطمئنان كامل أنه لا يتحمل أي ذنب٬ هذه هي الجنة بلا شك.

روقة ليست جاهزة للتدليل فقط٬ بل تضحي بحياتها عن طيب خاطر٬ حتى لو لم تكن هناك ضرورة ملحة٬ فقط كي لا يتعكر مزاج زوجها ويضطر لبذل مجهود مضاعف أو يقلق بشأن أعماله المريبة التي لا تراها مريبة٬ هي تدعمه على طول الخط دون أي تساؤلات وجودية تضيع الوقت والعمر٬ والحب.


كيف تكونت؟ ما الذي جعلها روقة؟

روقة امرأة مطلقة لأنها لا تنجب٬ منبوذة بمقاييس مجتمعها٬ لا تصلح لأي شيء. المرأة في ثقافة ومجتمع ووسط روقة٬ الطبقة التي تعمل بالتجارة وتمتلك العقارات٬ الطبقة التي تمتلك الأموال ولا تهتم بالتعليم٬ طبقة الأثرياء البسطاء٬ طبقة المعلمين٬ ليس لها أي قيمة٬ مهما كان بها من مميزات٬ طالما أنها لا تنجب فقد انتفت الحاجة إليها.

روقة واجهت زيجة أولى فاشلة٬ كان سبب فشلها هو عدم قدرتها على الإنجاب. واجهت في زيجتها تلك صنوف العذاب٬ كانت روقة مرتعبة من تكرار ما حدث٬ أن تضطر لمواجهة كل ما واجهته من قبل٬ وأن تعاني الرفض مرة أخرى٬ أن تعذب وتعاير بذنوب لم تقترفها٬ وأن تختفي إنسانيتها وكل مميزاتها أمام رحم لا يكون أطفالاً بداخله.

كانت روقة امرأة مهزومة٬ ليس لديها مقومات سوى أنوثتها التي يراها مجتمعها منقوصة٬ كان لابد لها من أن تعوض هزيمتها وتنتصر لأنوثتها المهدرة وكرامتها الجريحة. انتصرت روقة على نفس الأرض٬ أرض الأنوثة٬ فتحولت لملاذ آمن وسكن ودفء لرجل يحاول أن ينجو ولا يعرف كيف٬ رجل تائه استلزم أنثى كروقة لتحتوي كل هذا الصخب والدمار والتشتت الذي يعانيه. نجحت في أن تكون أنثى٬ وأتقنت الدور تماماً لتنتصر لأنوثتها٬ فخسرت حياتها.


هل كانت روقة سعيدة؟

كانت روقة تمنح السعادة بلا حساب٬ وبإصرار وإتقان مدهشين٬ كل مقاييس المرأة/الزوجة/الأنثى انطبقت عليها بشكل كامل٬ ولكن هل كانت هي نفسها سعيدة؟

كانت روقة خائفة٬ تجلى هذا الخوف مراراً٬ في حوارها الشهير مع خادمتها عن زيجتها السابقة عندما قالت لها إحدى أشهر الجمل في السينما «إردمي عاللي قبله بالنيلة الكحلي»٬ أو في توجسها من صمت كمال عندما يكون مهموماً وكأنها دوماً خائفة أن يفيق من نشوة السعادة فيتركها لأنها لا تصلح٬ وفي مسارعتها دائماً لحل مشكلاته للدرجة التي جعلتها تنزل إلى البحر الهائج الذي لما تمسه أبداً من قبل.

لم تكن روقة سعيدة٬ كان هناك دوماً في خلفية أفكارها هاجس عدم الكفاية٬ الهاجس الذي لم يصرح به أبداً طوال الفيلم ولكنه يصرخ من كل نظرات روقة وكل مواقفها. نزلت للبحر وهي تقريباً تعرف أنها لن تعود٬ ولكنها كانت تعرف أنه من الأفضل أن تموت على أن تعيش مع نسخة كمال التعيس الفاشل الذي سيخسر صفقة عمره٬ وقتها ستتكشف الأمور٬ وهي ليس لديها أي شيء يقف في وجه الأعاصير التي سوف تقابلها إذا حدث هذا.


ما الذي قتل روقة؟

كانت روقة حالة خاصة جداً من النساء٬ ابنة ظروفها وبيئتها. لا شك أنها حتى إن تجردت من هذه العوامل ستظل هذه المرأة الحنونة المعطاءة٬ ولكنها لن تكون مثالاً للتضحية المطلقة ولن تتخذ مكانها ضمن فتيات الأحلام.

بروز الفيلم شخصيتها وقدمها كفاكهة لذيذة لا تستجلب سوى السعادة٬ ولكن الحياة مع إنسان خائف هي مشكلة حقيقية. كمال لم يواجه هذه المشكلة لأنه كان شخصية براجماتية جداً يفلسف كل شيء حسب متطلبات الواقع وليس لديه متسع من الوقت للهراء الوجودي والأسئلة النفسية. استغل كمال في الفيلم حاجتها الملحة لتكون ذات نفع، فغرسها في كل مشكلاته وهمومه ومصائبه، رغم أنها من المفترض أن تكون جزءاً صغيراً من حياته، لا يعني سوى اللذة والدعة والتخفف من أعباء الحياة.

استطاع فيلم العار أن يرسخ شخصية روقة في وجدان المشاهد ضحية مسكينة للحب٬ في حين أن ما قتل روقة ليس هو الحب٬ ما قتلها هو الخوف٬ ما قتلها هو أنها عاشت من خلال كمال ولم تكن لها أي حياة تخصها وحدها، كانت خائفة من ألا تكون جزءاً من حياته، ثم عندما أصبحت جزءاً أصيلاً منها قتلها عارها الخاص، عار ألا تكون كفاية٬ والخوف من أن يكتشف كمال هذا العار.