أظهر تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم داعش تطورًا كبيرًا في الخطط والتكتيكات العسكرية المستخدمة مقارنة بما سبقه من تنظيمات جهادية عنيفة، حيث إنه التنظيم الوحيد الذي استطاع أن يبني لنفسه دولة تفوق في مساحتها مساحة بعض الدول العريقة، بينما اكتفت التنظيمات الأخرى ببعض العمليات النوعية أو الاستنزافية دون امتلاك أرض تدافع عنها، ولذلك فإن معرفة كيف استطاع التنظيم بناء كل ذلك في غضون سنوات قليلة يعد أمرًا مثيرًا للفضول وباعثًا على التساؤل.

وقد نقلت واشنطن بوست عن مراسلها في العراق عثور القوات العراقية أثناء هجومها على الموصل على معسكر تدريب يتبع تنظيم داعش يسمى «معسكر أبي سامية الأنصاري» يمتد عبر عدة منازل كبيرة، ويعد هذا أول مركز تدريب تجده القوات العراقية منذ أن بدأت هجومها لاستعادة الموصل من أيدي التنظيم.

وقد أشارت الصحيفة إلى أن قبضة التنظيم على المدينة قد ضعفت تحت وطأة الضربات المختلفة التي تنزلها القوات العراقية بالتنظيم، ولكن التنظيم ما زال يمتلك القدرة على المقاومة حيث ينتهج طريقة حرب الشوارع بالإضافة إلى استخدام السيارات المفخخة لعرقلة الهجوم.

ونقلت واشنطن بوست أن المعسكر كان مليئًا بالملصقات التي تصف المعدات الحربية، بالإضافة إلى الوصايا الدينية التي تحمس الجنود على الحرب والقتال.

كما كشفت الوثائق وكتيبات التدريب التي وجدت في المعسكر أن داعش تستخدم مزيجًا من تكتيكات حرب العصابات والحروب التقليدية، كما أظهرت مستوى معقدًا من التخطيط العسكري والتدريب، ويرجع ذلك لقدرتها على اجتذاب الكفاءات القتالية والقوة البشرية من جميع أنحاء العالم؛ مما جعل من داعش عدوًا لا يستهان به.

كما أشارت الصحيفة إلى وجود لافتات باللغتين العربية والروسية في المعسكر مما يدل على وجود آلاف الروس الذين سافروا إلى العراق وسوريا للالتحاق بالتنظيم، مشكلين ما يقرب من %8 من قوة المقاتلين الأجانب في التنظيم، حسب تقارير وكالة يوروبول الأوروبية، التي أشارت أيضًا إلى أن غالبية هؤلاء الروس قادمون من منطقة شمال القوقاز ذات الأغلبية المسلمة.

ويروي سكان المنطقة المجاورة للمعسكر أنهم لم يكونوا يتعاملون مع المجندين في المعسكر على الإطلاق، وأنهم كانوا مقنعين دائمًا ويتحركون خارج المعسكر عبر حافلات مغطاة النوافذ.

وقد عكف تنظيم الدولة منذ سيطرته على الموصل قبل عامين ونصف على العمل على برنامج طموح يهدف لبناء الدولة من خلال جهاز بيروقراطي كامل ووضع سجلات دقيقة لأنشطته، وتسلط الوثائق التي خلفها مسلحو التنظيم في المناطق التي غادروها الضوء على الأنشطة الداخلية للتنظيم.

وقد أظهرت الوثائق الأسلحة التي كان مقاتلو التنظيم يتسلحون بها أثناء المعارك، إذ تحمل كل مجموعة بالإضافة إلى الأسلحة والذخيرة لغمين من مادة تي إن تي شديدة الانفجار وعشر زجاجات مولوتوف، بالإضافة إلى مجرفة وسلم ومطرقة ومسامير ونقالات، كما كان يحمل كل واحد منهم قنبلتي دخان كبيرتين أو أربع قنابل صغيرة، ونظارات للرؤية الليلية، ومنظار مقرب، وسكين وقداحة وإسعافات أولية ودفتر ملاحظات صغير وقلم.

كما وجد في المعسكر بعض عبوات لمنشطات الستيرويد وقد استُخدم بعض منها، وبينت الوثائق التي عثر عليها كيف يتم تعليم المجندين استخدام الأسلحة المختلفة، كما بينت الوثائق الأخرى اهتمام التنظيم بتسجيل البيانات الصحية للمجندين مثل تسجيل معدلات الضربات القلبية وضغط الدم.

تشير الصحيفة إلى أنه من غير الواضح لها كم بلغت أعمار المجندين الذين تدربوا في معسكر أبي سامية الأنصاري، ولكنها أضافت أن التنظيم قد ركز اهتمامه على تلقين الجيل الجديد أفكاره الدينية، مستخدمين في ذلك المساجد، والتحدث معهم في الشوارع والساحات.

وأوضحت الصحيفة أن التنظيم يملك معسكرات تدريب منفصلة لما يطلق عليهم «أشبال الخلافة»، لكنها أشارت إلى أن بعض المجندين ربما كانوا أطفالاً، إذ وجد كتيب عن الطائرة مكتوب بلغة طفولية.

كما تشير الصحيفة إلى وجود عدد من القواعد المكتوبة على حوائط المعسكر والتي يبدو وكأنها دستور للتنظيم، وتنص في معظمها على الاحتفاء بالتنظيم وبطولاته في فك أسر السجناء والانتصار على الدول العلمانية وأنها لن تتراجع أبدًا.

وتشير الصحيفة إلى التراجع في قوة التنظيم بعد هجوم القوات العراقية، خاصة بعد إظهار سكان الموصل العداء ضد التنظيم.