مذ عرف الإنسان كيف يُرّوض البحر، والشحن البحري يحتل نسبة ضخمة من الشحن العالمي. وبات وسيلة أساسية للتواصل والتجارة المتجاوزة لحدود الدول والقارات. ظل الأمر قيد التطور على مدار السنوات المتتابعة حتى وصل إلى صورته الحالية. الشحن في الحاويات الضخمة التي تحملها سفن مهولة الأبعاد.

فلم يعد الشحن البحري مقتصرًا على نقل البضائع الصلبة فحسب، بل بات ممكنًا استخدامه لنقل السلع الاستهلاكية اليومية. والعديد من المواد الخام، والمنتجات الإلكترونية. كما أنه بات الملجأ الأساسي لعمليات شحن المواد الخطرة والقابلة للاشتعال، التي يصبح الطيران بها عبئًا ومجازفة.

فباتت كلمة حاوية، هي الحل السحري لكل شيء. لكن أيضًا إذا تأخرت أو حدث ما يهددها تصبح سلسلة الإمداد كلها محل تهديد. فبعد أن كانت السفينة الواحدة يمكنها أن تسع قرابة 13 ألف حاوية، باتت حاليًا تستطيع حمل 25 ألف حاوية. في الأوقات العادية يُعتبر ذلك توفيرًا ضخمًا، لكن في لحظة الأزمة يعني ذلك وضع الكثير جدًا من البيض في سلة واحدة يكفيها صاروخ واحد ليُهددها.

اقرأ أيضًا: المضائق: حرب التحكم في مفاصل العالم

فذلك التعقيد في عمليات الشحن البحري يجعل عملية التوريد والسلسلة بأكملها معرضة للخطر إذا اُستهدفت أو أصيبت أي حلقة من حلقاتها، سواء بكارثة طبيعية كجائحة كوفيد-19 سابقًا، أو بتهديد مباشر مثل ما يشهده العالم من تهديدات الحوثيين في اليمن حاليًا.

فإذا كان الشحن البحري هو شريان الحياة الذي يسري عبر العالم، وينقل ما إجماله 80% من التجارة العالمية، فإن شركات محدودة للغاية هي التي تتحكم في عملية الشحن البحري. يوجد في العالم 6500 سفينة حاويات، تحتوي مجتمعة على قرابة 27 مليون حاوية قياسيّة. لكن تتربع على عرش هذا العالم الهائل 3 شركات أساسية، تمتلك نصف التجارة العالمية، ثم يتوزع النصف الباقي بين 7 شركات أخرى. ليكون المسيطر على الشحن البحري في العالم قرابة 10 شركات فحسب.

الأولى هي شركة إم إس سي، أو شركة شحن البحر الأبيض المتوسط. هي شركة إيطالية مملوكة لعائلة آبونتي. والثانية ميرسك، وهي شركة دنماركية دولية للشحن، وتأسست عام 1930. أما الثالثة سي إم أيه، فهي شركة فرنسية وتستخدم قرابة 200 طريق للشحن بين أكثر من 150 دولة، ومقرها الأساسي في فيرجينا في الولايات المتحدة الأمريكية.

 يمتاز العمالقة الثلاثة بامتلاك قدرات على تسيير رحلات من مرافئ الدول الصناعية الكبرى مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند إلى معظم دول العالم. كما أنها توفر رحلات منتظمة ومتتابعة ما أتاح لها هذه السيطرة على مفاصل الشحن البحري.

أما المرتبة الرابعة فشركة الصين للشحن، كوسكو. ويقع مقرها الأساسي في شنجهاي، وهي أكبر شركة شحن في الصين. تتبعها شركة هاباج لويد، الشركة الألمانية المتخصصة في نقل البضائع الخطرة، ومشاريع الشحن الخاصة، والبضائع التي تحتاج إلى تبريد مستمر. ويُتوقع أن ترتفع حصة هاباج لويد من الشحن البحري إثر تعاونها من شركة شل للمنتجات البترولية. ستقوم شركة شل بتزوير السفن بالغاز الطبيعي المسال لتستخدمه كوقود، ولتعمل بعض السفن كمحطات تزويد بالوقود للسفن الأخرى التي ستعمل بالغاز.

في المرتبة السادسة تقع شركة إيفرجرين التايوانية. تلّقت صدمة دعائية حين علقت سفينتها في قناة السويس عام 2021، لكنها استطاعت التعافي منها سريعًا والعودة لعرش التجارة العالمية. تليها شركة وَن أوشن، شركة يابانية حديثة تأسست منذ 7 سنوات فحسب. لكنها في الحقيقة عبارة عن اندماج 3 شركات شحن يابانية.

شركة زيم تقع في المرتبة الثامنة ضمن أكبر شركات النقل البحري في العالم. وهي شركة شحن دولية لكن تنقل بشكل أساسي البضائع الإسرائيلية. ومقرها الأهم في حيفا، ولها مقر آخر في الولايات المتحدة الأمريكية. وتأسست منذ عام 1945. وتداول اسمها إعلاميًا بكثرة في أواخر عام 2023 حين قام الحوثيون باختطاف سفينة لهم.

أما في المرتبة التاسعة فتوجد شركة هيونداي. الشركة الكورية الجنوبية تتعاون مع عديد من الشركات التقنية الأخرى كي تصل إلى امتلاك أول سفينة شحن تعمل بالطاقة النووية عبر مفاعلات صغيرة. أما في المرتبة العاشرة فتوجد شركة يانج مينج، وهي من أكبر شركات الشحن التايوانية.

الشحن البحري عمومًا بات في محط الأنظار بسبب تهديدات الحوثيين الأخيرة للسفن المتجهة لإسرائيل أو المملوكة لإسرائيليين. لأن هناك عديدًا من الملكيات المتشابكة لشركات الشحن، رغم الإعلان الرسمي أن هذه الشركة أو تلك تتبع دولة أخرى غير إسرائيل، أو لا يشارك في ملكيتها إسرائيليون.

فمثلًا شركة راي للشحن مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي رامي أنجر، وهو من أثرى أثرياء إسرائيل. ولهذا استهدف الحوثيون سفينة جلاكسي ليدر التابعة له. وهناك سفينة يونتي إكسبلورر، رغم أنها تتبع شركة بريطانية فإن صاحب الشركة هو دان أنجر، ابن رامي أنجر. كذلك شركة زيم تشارك الحكومة الإسرائيلية بحصة ضخمة في ملكيتها، وتتبع باقي ملكيتها لعيدان عوفر، رابع أغنى رجل في إسرائيل. أما شركة زودياك للشحن، وصاحبة سفينة سنترال بارك العملاقة، فإنها مملوكة لإيال عوفر، شقيق عيدان.

نستخلص من هذه التشابكات في الملكية أن لإسرائيل حضورًا بارزًا في الشحن البحري العالمي. ولا يقتصر الأمر على مجرد تصدير واستيراد احتياجاتها وبضائعها. فمثلًا شركة راي التابعة لأنجر تمتلك أسطولًا من ناقلات النفط  والمركبات وناقلات البضائع. ويُعتبر عيدان عوفر واحدًا من أكبر مالكي السفن في العالم، فهو بشخصه فقط يمتلك حصصًا كبيرة في شركات نقل كبيرة مثل إكس تي، وآيس تانكرز، وإيسترن باسفيك. ويشارك عبر شركاته في نقل الغاز المسال والنفط والكيماويات الخطرة.

اقرأ أيضًا: البحر الأحمر: «حارس الازدهار» يواجه «باسيج» إيران

الوجود الإسرائيلي في عالم الشحن البحري يعني أن يكون الشحن في حالة ترقب مستمرة. كما أن سيطرة عدد محدود من شركات الشحن العالمية على مفاصل عمليات الشحن يعني أن قرارًا واحدًا من إحدى الشركات يمكنه أن يضاعف التضخم ويخلق أزمة اقتصادية في العديد من الدول.