على خلاف حفلات الجولدن جلوب، والبافتا، والجرامي، وأمفار؛ تخلت نجمات هوليوود عن ارتداء الفساتين السوداء على السجادة الحمراء لحفل الأوسكار، وهو اللون الذي بات لونًا رسميًا لحملة «Time`s Up»، وهاشتاج (#MeToo) ضد التحرش والاعتداء الجنسي في هوليوود.

السبب في تخلي النجمات عن هذا اللون، كان ببساطة رفض اللجنة تسييس الحفل، ومنحه أبعادًا غير فنية، ورغبتهم في أن يحظى الجميع ببعض المرح، والاهتمام بالسينما فقط، ولا شيء سواها، لكنهم لم يمانعوا أن يرتدي البعض من النجمات والنجوم دبابيس تحمل اسم الحملة.

والحقيقة أن تصريح اللجنة كان مضحكًا قليلاً، خاصة بعد استبعاد كيسي أفليك من تقديم جائزة أفضل ممثلة لهذا العام، رغم فوزه العام الماضي بجائزة أفضل ممثل، بسبب تورطه في عده دعاوى تحرش جنسي، إلى جانب استبعاد «جيمس فرانكو» من الترشيح لجائزة أفضل ممثل عن فيلمه «The Disaster Artist» رغم فوزه بجائزة الجولدن جلوب عن نفس الفيلم، بعد أن ادعت خمس سيدات أنه تحرش بهن جنسيًا، ومن بين هؤلاء النساء أربع طالبات سابقات في مدرسة التمثيل خاصته.

كل هذه العوامل تؤكد أن رفض تسييس الحفل ليس هو السبب الحقيقي لتخلي النجمات عن الأسود، والأرجح أن المسؤولات عن الحملة شعرن بتراجع دعم الرأي العام لهن، بعد المبالغة في التصريحات والخطابات العاطفية، والاتهامات بلا سند.

وأيضًا بسبب التركيز الكبير والضخم على هذه الحملة في كل مكان، حتى في أسابيع الموضة العالمية، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى رد فعل عكسي في الشارع، بل ويؤدي بالضرورة إلى الملل والفتور بعد حين.


كيف بدأت حملة Time`s Up؟

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وجهت الجمعية الوطنية للمرأة رسالة إلى نساء هوليوود اللاتي رفعن دعاوى الاعتداء الجنسي ضد المنتج «هارفي وينشتاين». ووصفت الرسالة، التي نشرت في جريدة التايمز، ما يحدث من اعتداءات ومضايقات لعاملات المزارع، وذكرت الرسالة أنها كتبت نيابة عن حوالي 700 ألف من العاملات في المزارع في الولايات المتحدة.

وردًا على ذلك، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز في الأول من يناير/ كانون الثاني 2018 عن بدء حملة «Time`s Up» بدعم من هوليوود، وهي حملة تدعم النساء والرجال من كل الألوان، ومجتمع المثليين الذين هم أقل قدرة على الوصول إلى منصات وسائل الإعلام للتحدث عن المضايقات التي يتعرضون لها.

وأعلن عن المبادرات التالية عند إنشائها الآتي:

1. تأسيس صندوق دفاع قانوني قدره 13 مليون دولار، يديره المركز الوطني لقانون المرأة، لدعم النساء ذوات الدخل المنخفض اللواتي يلتمسن العدالة من أجل التحرش الجنسي، والاعتداء في مكان العمل.

2. الدعوة إلى تشريع لمعاقبة الشركات التي تتسامح مع التحرش المستمر.

3. حركة نحو التكافؤ بين الجنسين في هوليوود.

4. دعوة النساء لارتداء اللون الأسود على السجادة الحمراء لحفل جوائز جولدن جلوب الـ 75، والتحدث عن التحرش الجنسي.


لماذا التركيز على الموضة في مواجهة التحرش؟

هناك أسباب عديدة تجعل النساء يلجأن دومًا إلى الموضة للتعبير عن رأيهن؛ أولها أنها فعالة، وثانيها أنها طريقة كل امراة منذ أن اخترعت الملابس، للتعبير عن حالتها المزاجية، وأفكارها وشخصيتها وهويتها.

السبب الثالث أن الأزياء استخدمت عبر التاريخ كشكل من أشكال الاحتجاج، وهنا يمكننا أن نشير إلى قدرة الموضة التي كثيرًا ما يتم تجاهلها أو الاستخفاف بها. الأزياء هي أداة قوية بشكل لا يصدق في حركات الاحتجاج.

لعل أشهر استخدام للأزياء كأداة سياسية كان في حركة «Suffragettes»، وهي حركة نسائية بريطانية أسست في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الت20، التي دعت إلى توسيع نطاق حق الانتخاب، أو حق التصويت في الانتخابات العامة إلى النساء. ويعتبر مصطلح «سوفراجيت» مصطلحًا أكثر عمومية لأعضاء حركة الاقتراع، ولا سيما أولئك الذين يؤيدون حق المرأة في الاقتراع.

و طبقًا لموقع «History.com»، طلبت «إميلين بيثيك لورانس»، عضوة مجموعة سوفراجيت من المتظاهرين في عام 1908 ارتداء واحد من ثلاثة ألوان رمزية في تجمع الاقتراع:

الأبيض للنقاء، والأرجواني للكرامة، والأخضر للأمل. (يمكننا هنا أن نقول بأن اختيار اللون الأبيض للنقاء يحمل في داخله بقايا عنصرية متفشية، لكن هذا ليس موضوعنا على كل حال).

النتيجة كانت مذهلة فعلاً، مظاهرة عارمة من 30 ألف امرأة يرتدين الأبيض والأرجواني والأخضر، خلقن تأثيرًا بصريًا هائلاً، بعدها بدأت الحركة في اعتماد ارتداء التنانير البيضاء الطويلة لمظاهراتها.

بعد انتهاء حركة سوفراجيت، أصبح من الشائع للنساء السياسيات ومؤيديهم ارتداء الأبيض تيمنًا بها. فارتدت «شيرلي تشيشولم» الأبيض في عام 1969، عندما أصبحت أول امرأة أمريكية أفريقية تنتخب للكونغرس، ومرة أخرى على ملصقات حملتها الرئاسية في عام 1972.

ارتدى المتظاهرون من أجل تعديل الحقوق المتساوية في عام 1978 اللون الأبيض أيضًا، وعندما أصبحت جيرالدين فيرارو أول مرشحة لمنصب نائب رئيس الجمهورية، سلمت خطاب قبولها في سروال أبيض.

خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016، أصبح الأبيض رمزًا مفضلاً لهيلاري كلينتون ومؤيديها.ارتدت كلينتون الأبيض لقبول الترشيح الديمقراطي الرئاسي، ومرة ​​أخرى خلال مناقشتها الثالثة مع دونالد ترامب. في يوم الانتخابات، نشر بعض أنصارها صورهم وهم يرتدون الأبيض.

وبعد انتخاب دونالد ترامب، ولدت صيغة نسوية جديدة من الاحتجاجات العصرية. هذه المرة باللون الوردي، فقررت النساء السير في مسيرات ضخمة وهن يرتدين قبعات «Pussyhat» الوردية، في ظل المبدأ الأساسي نفسه الذي ساعد حركة سوفراجيت: خلق وحدة بصرية.


عروض أسبوع الموضة ونسوية ماريا جارسيا كيوري

حتى عروض أسبوع الموضة لم تسلم من التأثر الكبير بما يحدث من حولها، لها التأثير الأكثر وضوحًا ومنطقية، هو إلغاء عرض علامة كبيرة كعلامة ماركيزا، التي تملكها زوجة المنتج هارفي وينشتاين، جورجينا تشابمان، مع شريكتها كيرين كريغ، خوفًا من ردود الفعل بعد فضيحته الكبرى.

قررت تشابمان عدم المشاركة في أسبوع نيويورك للموضة، رغم أنها تقدمت بمعاملات الطلاق من زوجها، ويبدو أن السبب الحقيقي هو علمها بأن زوجها كان أيضًا يجبر الكثير من الممثلات على ارتداء فساتين من علامتها بهدف زيادة أسهم زوجته في عالم الأزياء، فرأت أن من الأسلم الابتعاد عن الأضواء هذه الفترة.

أما بقية العلامات، فعبرت عن رأيها بمجموعات حملت في معظمها عناوين تدعم حرية المرأة، وتصاميم تمجد جمالها وأنوثتها، كما تم التركيز على القطع العملية، فرأينا ميلاً هائلاً إلى السراويل والستايل الرجالي على حساب الفساتين والتنانير، والأحذية المسطحة والرياضية على حساب الكلاسيكية والعالية.

أما ماريا جارسيا كيوري، أول امرأة كمدير إبداعي لعلامة ديور في تاريخها، فكانت أفكارها أكثر وضوحًا، عبرت عنها بالشعارات والجمل النسوية المطبوعة على الملابس، مع استلهام فكرة العرض ككل من مظاهرات الطلبة في باريس في الستينيات، فبدأت العرض بكنزة واسعة كتب عليها «C’est non non non et non!»؛ أي «إنه لا لا لا ولا»، وكأنها مانيفستو يتضخم حجمًا وتأثيرًا أيضًا، تعبيرًا رمزيًا لهاشتاغ #MeToo.

تميل حركات النساء إلى استخدام رموز احتجاج متصلة بالأزياء؛ لأنها جزء لا يتجزأ من عالمهن وحياتهن والأزياء، بعبارة أخرى: أداة سياسية قوية جدًا، غنية بإمكانات رمزية، وقدرة على خلق تضامن بصري.

قبعة بسيطة يمكن أن تقول للعالم إن كنت ضد ترامب أو مواليًا له، ناشطًا شعبيًا أو مجرد شخص يستمتع بيومه، الاستخدام الإستراتيجي للون واحد يمكن أن يختصر قرنًا كاملاً من المظاهرات في ضربة واحدة. لكننا رغم ذلك لا نعلم مدى فعالية ارتداء اللون الأسود في حفلات هذا العام، بالذات مع كل هذه الأجواء من الترف والتصنع التي تحيط بالنجوم على السجادة الحمراء، حتى ولو كان هذا يجلب أموالاً كثيرة لصندوق الحملة.

ربما يمكن أن تبدأ الحركة في التفكير في دعوة النجمات إلى النزول إلى الشارع ومساعدة النساء اللاتي يعانين فعلاً من ظروف مجتمعية بائسة بدلاً من التركيز فقط على جانب واحد من الدعم.