لم يحصل الموسم الخامس من مسلسل «House of Cards» على ردود فعل إيجابية، كما حدث في المواسم الأربعة الماضية، ولكن إذا تمعن المشاهد بدقة سيجد أن الموسم الحالي من أقوى المواسم سواء في أحداثه وسرعتها، أو في جودة كتابة الحوارات والمشاهد والإسقاطات السياسية. إذن لماذا لم ينجح هذا الموسم؟

هناك عاملان رئيسيان؛ الأول متعلق بنهاية الموسم الرابع، والتي اتفق فيها الزوجان «فرانك وكلير أندرود» على ضرورة شن حرب كبرى وتخويف الشعب الأمريكي، لكي يشتتوا الحملات والتحقيقات المتعلقة بتورطهم في جرائم تلاعب سياسي وقتل لصحفية.

هذه النسخة الوحشية من الزوجين ربما أصابت جمهور المسلسل بالإحباط وبعدم الحماسة للموسم القادم، لاعتياد المشاهدين من «فرانك» وحرمه على اللجوء للذكاء السياسي الذي يصل لدرجة العبقرية، واستغلال أوراق الضغط والمصالح والفضائح المخفية لأنصارهم قبل خصومهم، وثغرات القانون والدستور الأمريكي في الوصول لمرادهم، نهاية الموسم الرابع ظهرت وكأنها إعلان لموت هذه الحقبة وهذه الصفات والانتقال لمرحلة استخدام القوة العسكرية والديكتاتورية المطلقة وغيرها، نسخة لم يعتدها ولن يحبها جمهور المسلسل ولا يريد أن يراها.

العامل الثاني، وهو خارجي يتمثل في فوز «ترامب» المفاجئ بانتخابات الرئاسة، سبب هذا الفوز للجمهور حالة إحباط من السياسة، شعر الكثير من الجمهور وعبروا في أكثر من مناسبة عن فقدان المسلسل لمصداقيته وهدفه، فالمجهود الذي ظل يبذله «فرانك» لأكثر من 30 عاما للوصول لكرسي الرئاسة، فعله «ترامب» بالكثير من الأموال، بعيداً عن صدق وواقعية هذا المنظور، ولكن ليست كل المشاعر واقعية. ولكنها حتى لو لم تكن حقيقة وحتى لو كان «ترامب» ظاهرة استثنائية لم ولن تتكرر مرة أخرى، فلن يستطيع أحد تحميس من فقد حماسه ناحية المسلسل، حتى ولو لأسباب ليست دقيقة.

لم يكن توقع المشاهدين صحيحا بالنسبة للعامل الأول، فلم تمت حقبة الدهاء السياسي لدى «فرانك أندرود» طوال الموسم الخامس، بالفعل أعلن «فرانك» حربا كبيرة على عناصر تنظيم الخلافة الإسلامية داخل «أمريكا»، واستغل هذه الحرب في ابتزاز كل من يريد التحقيق في فساده، ونجح في مسعاه ولكنه واجه مشكلة خطيرة؛ أن كتلته التصويتية منخفضة عن منافسه الجمهوري «كونواي»، وبطبيعة الحال يساند أغلب الأمريكين البيض المرشح الجمهوري. فاستغل «فرانك» الحرب لترويعهم، وكانت خطته هي نشر وحدات من الجيش لتأمين لجان الاقتراع في الولايات الحاسمة المتوقع فوز خصمه فيها، وهذا ما سيثير الفزع خصوصاً في قلوب الأمريكين البيض حسب توقع «فرانك» ولن يذهبوا للتصويت.

يمكن القول إن سيناريو الموسم الخامس يتكون من ثلاث مراحل؛ الأولى هي التي ذكرناها، والثانية هي مرحلة ما بعد يوم الانتخابات، والمرحلة الثالثة، هي أحداث ما بعد إعلان الرئيس الفائز. يمكن القول إن المرحلة الأخيرة هي أفضلهم، فقد كانت الحوارات ناضجة والصراعات أكثر شراسة وعنف.

كما أن الشخصيات الأخرى الجديدة بجانب «فرانك وكلير» كانت أكثر ذكاء ودهاء، أحد الانتقادات التي توجه دائما للمسلسل أنه يجعل شخصية «فرانك» هي الأذكى، وأنه لا يوجد في بلد كبير وحافل بالخبرات السياسية شخصية تستطيع منافسة والفوز على «فرانك» بذكاء مماثل، وكأن «أمريكا» بلد خالية من السياسيين باستثناء «فرانك»، ولكن في هذا الموسم ظهرت الشخصية التي تعادل «فرانك» في ذكائه والتي يمكنها تدميره.

ورغم ظهورها في المرحلة الثانية ولكنها توهجت وظهرت قوتها أكثر في المرحلة الأخيرة. وأجاد صناع المسلسل اختيار الممثلة المناسبة لشخصية سيدة الأعمال «جانا ديفيز» شديدة الذكاء والمكر، وأدتها «باتريكا كلاركسون» والتي سبق ترشيحها لجائزة «الأوسكار».

في هذا الموسم يلاحق «فرانك» ماضيه الأسود، فيظهر في المسلسل بعض الشخصيات التي لم تظهر من بعد نهاية الموسم الأول أو الثاني، كالرئيس الأمريكي الذي عزله «فرانك» «جاريت واكر»، ووالد الصحفية التي قتلها «فرانك» في بداية الموسم الثاني، غاب عن هذا الموسم «ريمي دانتون» و«جاكي شارب»، فبعد فوز «ماهرشالا» على المؤدي لشخصية «دانتون» بجائزة الأوسكار في العام السابق، لم يعد المسلسل من ضمن أولوياته حيث كان يؤدي فيه دورا فرعيا رغم أهميته في الأحداث.

يجيب هذا الموسم عن سؤال مهم، ربما لم يناقشه بعمق في المواسم السابقة، وهو لماذا يريد «فرانك» السيطرة على الرئاسة طوال حياته؟ ما هي فلسفة «فرانك» الحقيقة؟ كل هذه الأسئلة أجيب عليها في الحل غير المتوقع الذي قام بتنفيذه في الحلقة الأخيرة، والذي يقول فيه «فرانك» فلسفته بصراحة وهي أنه لا يهمه الرئاسة بقدر اهتمامه بالسلطة التي تسيطر على كل شيء وتمنحه قوة حقيقية، فهناك أشخاص يسيطرون على الحكم حتى لو لم يتواجدوا في البيت الأبيض.

وفي إحدى الحلقات يظهر تجمع ديني غريب يجمع رجال الأعمال وكبار رجال السياسة والعسكريين الأمريكيين، صلاتهم للرب ولكنها لا تتبع أي ديانة. ومن قواعد هذه المجموعة عدم الدعاية الانتخابية، ولكن غير ممنوع التكلم في السياسة أو الصفقات المالية وغيرها. هذا التجمع صوره المسلسل بالمركز الأصلي للحكم، ففي هذا المكان يتم تحديد من هو الرئيس ومن سيتم الاستغناء عنه إلخ. ربما تسبب هذه الحلقة في الربط بين هذا التجمع وما يوصف بالمؤامرة الماسونية، لا يمكن الجزم، هل قصد صناع المسلسل ذلك أم لا؟

إذن الموسم الخامس كان من أفضل وأكثر مواسم المسلسل تعبيراً عن فلسفة وجوهر شخصية «فرانك أندرود». لم يتم حتى الآن الإعلان عن موسم جديد، وربما يكون هذا آخر المواسم، فالنهاية يبدو وأنها مكتوبة لهذا الغرض، فهي تصلح كنهاية للمسلسل، وفي نفس الوقت، إذا أتت أفكار جديدة لصناعه فهناك مساحات لاستمرار المسلسل لأكثر من موسم مقبل.