ضمن أولى جولاته بعد انتخابه رئيسًا لوزراء إثيوبيا،زار آبي أحمد السعودية ثم الإمارات الشهر الجاري،. استُقبل الرجل بترحاب واتفاقات ووعود كبيرة، باحثًا عن المزيد من الدعم في ظل تحديات داخلية وخارجية تهدد بقاءه، لكن اللافت القبول الخليجي بالرجل وتوسيع التعاون معه، في علاقات قد تغضب أقوى حليف لهم بالمنطقة، مصر. ويبدو أنهما أدركا أن الكثير من مفاتيح أفريقيا، بيد أديس أبابا وليس من الحنكة خسارتها إرضاءً لشريك آخر، لابد من إدارة الأمر ببراجماتية شديدة.


السعودية والإمارات مصدر تمويل مفتوح

بعد انتخابه في مارس/ آذار الماضي، بدأ آبي أحمد رسم سياساته داخليًا وخارجيًا. كانت أولى تحركات رئيس الوزراء الشاب تجاه دوائر تمثل أهمية كبيرة لبلاده، خاصة المرتبطة معه في سد النهضة، مثل السودان التي تتخذ موقفًا يكاد يكون واحدًا معه ضد مصر.

التقى آبي أحمد في 18 مايو/ آيار الجاري ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض في أول جولة له بالشرق الأوسط، فالمملكة تعتبر المستثمر الثالث بأديس أبابا،باستثمارات تقدر قيمتها بأكثر من 5 مليارات دولار في قطاعات متنوعة، بخلاف العمالة الموجودة بالمملكة. لهذا لا يمكن للوزير الجديد تجاهل علاقته مع الرياض بحكم استثماراتها، إلى جانب تخوفه من استغلال مصر لعلاقتها القوية مع المملكة وتعاونها ضده في سد النهضة.

كانت الزيارة ناجحة إلى حد كبير على الرغم من عدم تركيز الإعلام السعودي عليها. وقد صرح ولي العهد السعودي بأن المملكة تدعم الجهود التي تبذلها إثيوبيا في الإسراع بالتنمية، وسيشجع مستثمري بلاده على التوجه للاستثمار بأديس أبابا. لم يحصل آبي على تصريحات دعم فقط، ليتم الاتفاق على تطوير المجال الزراعي والطاقة الكهربائية بين البلدين.

اقرأ أيضًا: الطموح الإثيوبي جنبًا إلى جنب مع القمع السياسي

وإلى جانب الوعود الاقتصادية، حصل الضيف الإثيوبي على دعم سياسي يعود به لمؤيديه، وهو موافقة المملكة على إطلاق سراح حوالي ألف سجين إثيوبي. وسمحت العلاقات بينهما لآبي أن يطلب الإفراج عن محمد حسين العمودي الملياردير السعودي، المعتقل بتهمة الفساد «حملة الريتز كارلتون»، وهو أكبر المستثمرين بأديس أبابا وممول رئيسي لسد النهضة، فقد تبرع بحوالي 88 مليون دولار للسد عام 2011، إلى جانب دعمه بالإسمنت الذي ينتجه مصنعاه هناك، وقال آبي إنه حصل على وعد من ابن سلمان بإطلاق سراح الرجل الذي تتجاوز ثروته 13 مليار دولار.

أنهى آبي زيارته للرياض، متجهًا في اليوم التالي إلى أبو ظبي ملتقيًا ولي عهدها محمد بن زايد. خرجت بيانات مماثلة كما حدث بالسعودية، فالإمارات تعتبر ثاني أكبر وجهة لصادرات إثيوبيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2016، وتاسع أكبر وجهة للصادرات الإثيوبية على مستوى العالم خلال العام ذاته، وتعتبر ثاني مستثمر خليجي بعد السعودية بحجم استثمارات مباشرة تتجاوز نصف مليار دولار.


لماذا لا يمكن تجاهل إثيوبيا؟

وصل حزب الجبهة الشعبية الديمقراطية الثورية إلى الحكم منذ عام 1991 بقيادة رئيس الوزراء الراحل ميلس زيناوي الذي توفي عام 2012، واستطاع خلال هذه الفترة إعادة إثيوبيا بقوة محققًا نموًا تخطى الـ 7%، مما مكنها اقتصاديًا، بخلاف الدور القيادي لها في أفريقيا، جعلها تقوم بدور الوسيط في العديد من نزاعات القارة، وإرسال قوات حفظ سلام في عدة مناطق كما في الصومال والسودان.

أدى ذلك إلى أن تكون إثيوبيا أحد مفاتيح أفريقيا، رغم أنها دولة حبيسة، دافعًا العديد من القوى الدولية والإقليمية إلى التعاون والتحالف معها مثل الصين والولايات المتحدة وتركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ودعم مشاريعها حتى وإن أضرت بدول إقليمية مؤثرة كمصر.

نجحت إثيوبيا في ضمان ولاء الكثير من دول القارة خاصة دول حوض النيل، وهو ما اتضح في ملف المياه، فقد حصلت على تأييد معظم دول الحوض لاتفاقية عنتيبي عام 2010، وهو ما يُظهر التمدد الإثيوبي بالقارة، حيث اقتربت من نقل مركز الثقل الإقليمي إليها، على حساب القاهرة .

اقرأ أيضًا: تميم في إثيوبيا: هل تواصل قطر حصار القاهرة؟

أسهمت قوة إثيوبيا البشرية حيث يفوق تعدادها 100 مليون نسمة وثرواتها الطبيعية أيضًا في جذب شركاء دوليين مثل الصين التي منحتها تمويلات تنموية منذ عام 2000 وحتى 2017 بأكثر من 12.3 مليار دولار، وأسهمت في بناء مشاريع استراتيجية لأديس أبابا مثل سد النهضة والسكة الحديد بينها وبين جيبوتي التي يتجاوز طولها 700 كم بتكلفة تجاوزت 3 مليارات دولار.

كذلك لم تغب تركيا عن أديس أبابا، حيث تخطت استثماراتها بها حوالي 3 مليارات دولار، وأيضًا إسرائيل التي تحتفظ بعلاقات اقتصادية وسياسية مع إثيوبيا مكنتها من إقامة علاقات مع دول أفريقية أخرى عبر هذه البوابة.

لهذا كان على السعودية والإمارات أن يحافظا على علاقتهما مع إثيوبيا، بغض النظر عن غضب حلفائهم، فأديس أبابا أصبحت إحدى بوابات أفريقيا، وإذا لم يكن لدول الخليج وجود سياسي واقتصادي هناك فسيتم إقصاؤهم مقابل تنامي نفوذ خصومهم، مثل تركيا صاحبة العلاقات المتوترة مع الإمارات التي تتوسع في القارة، والتي حصلت على قاعدتين عسكريتين بالصومال بخلاف الاستثمارات ونجحت بالتعاون مع قطر في الإضرار بالوجود الإماراتي هناك حيث جرى طردها مؤخرًا.

ولم تغب إثيوبيا عن أزمة مقاطعة الرباعي العربي لقطر، فقد زارها تميم بن حمد ودول أفريقية أخرى للبحث عن بدائل اقتصادية وسياسية، وبالتالي ليس في صالح السعودية والإمارات أن يتركا أفريقيا لقطر، حيث يمكن الولوج للكثير من دول القارة عبر إثيوبيا. كذلك يمكن لأبو ظبي الاستعانة بإثيوبيا في التضييق على النفوذ التركي بالصومال، فأديس أبابا لها مطامع قوية هناك وكانت تتطلع للسيطرة على جزء من سواحلها وفك عزلتها البحرية.


أين مصر من علاقات إثيوبيا بالخليج؟

لم تراع الكثير من دول الخليج مصالح مصر في أفريقيا، لاسيما مساندتها ضد إثيوبيا في أزمة سد النهضة، فالسعودية والإمارات وقطر، لديهم استثمارات قوية هناك بخلاف العمالة الإثيوبية لديهم، وكانت هذه أوراق ضغط يمكنها مساعدة مصر.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الرياض وظفت سد النهضة في مناكفة مصر خلال فترات الخلاف بينهما، وقد زار مستشار العاهل السعودي أحمد الخطيب، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، سد النهضة للوقوف على إمكانية توليد الطاقة المتجددة، قبله بأيام أجرى وزير الزراعة السعودي زيارة مماثلة لأديس أبابا لتوجيه رسالة لمصر أنها يمكن أن تهدد أمنها الاستراتيجي.

ورغم التحالف القوي الآن بين مصر والسعودية الإمارات، فإنها حتى الآن لم تجد الدعم الكافي منهما في سد النهضة في ظل الفشل المتجدد في المفاوضات، ويبدو أن كليهما لا يريد التضحية بعلاقته مع أديس أبابا مفتاح أفريقيا لأجل مصر، وإنما سيتعاملان ببراجماتية باردة، رامين الكرة في ملعب القاهرة التي عليها إدارة قضيتها بنفسها.

اقرأ أيضًا: سيناريوهات التدخل العسكري لحل أزمة سد النهضة

ويُظهر هذه السياسة بيان للخارجية المصرية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قالت فيه إن الوزير سامح شكري التقى ولي العهد السعودي بالرياض ونظيره عادل الجبير،وناقشوا الجمود الذي يعتري مفاوضات السد أملًا في الحصول على ضغط سعودي على السودان وإثيوبيا، إلا أن المملكة اكتفت بالدعوة لاحترام الاتفاق الإطاري بين مصر والسودان وإثيوبيا، ولم يتبع اللقاء أي مرونة من قبل الخرطوم وأديس أبابا مع مصر في المفاوضات المستمرة حتى اليوم، بما يؤكد أنها لم تمارس ضغوطًا حقيقة لصالح حليفتها مصر، وكذلك الإمارات.