وكأنه يُبدل في قيادات منظمة سرية أو حركة جهادية، لا يريد إفشاء أسرارها لأعدائه؛ هكذا يتعامل حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية، الذي بدأ انتخابات داخلية في الحزب منذ 2 فبراير الحالي، في عدد كبير من محافظات مصر، وسط تكتم شديد وسرية تامة لاختيار أمناء جدد، تمهيدًا لاختيار الهيئة العليا للحزب، في أعنف وأشرس انتخابات تجري، منذ أزمة انشقاق عماد عبد الغفور، رئيس الحزب السابق، وانفصاله مع مجموعة كبيرة من قيادات الحزب في ظروف مشابهة.

ورغم تكتم الجميع على الانقسامات داخل الدعوة السلفية، وحزب النور، ونفي برهامي المتكرر لوجود صراعات حول اتجاهات الحزب السياسية والفقهية، إلا أن إجراء الانتخابات المقبلة في أجواء قتالية، لا تصريحات، ولا شفافية في التعامل حتى مع المواقع الإعلامية التابعة للدعوة السلفية، يعيد إلى الأذهان أزمة انشطار الحزب في ديسمبر/ كانون الأول 2012.

وكان عماد عبد الغفور، أول رئيس للحزب، أعلن عن تأسيس حزب الوطن السلفي، بعد فترة من الصراعات داخل النور، كان برهامي نفسه ينفيها دائمًا مثلما يحدث الآن، وفي أي سؤال لمحرري شئون الجماعات الإسلامية، عن الصراعات الدائرة وأسبابها، كان يعتبرها مجرد أكاذيب لضرب مسيرة الحزب.

ويحاول «النور» في أجواء ملبدة بالغيوم، تغلفها الانقسامات الداخلية، في الحزب والدعوة، إيجاد مخرج لإعادة التوافق بين القيادات حول خليفة الدكتور يونس مخيون، رئيس الحزب الحالي، الرافض للاستمرار في منصبه، لمتاعب صحية، أقعدته خلال الفترات الماضية، عن الإشراف على استعدادات الحزب، لانتخابات المحليات، التي يسعى النور فيها لتعويض خسارته البرلمانية القاسية، والاستحواذ على 20% من المقاعد على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى فشله في محاولاته طوال الأشهر الماضية، لإعادة اللحمة بين قيادات الجبهة السلفية، المتعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين، والناقمين عليها ويتزعمهم الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية.


كيف بدأ الصراع داخل «النور»؟

ويعرف المتابع للدعوة السلفية، وذراعها السياسية حزب النور، أن هناك صراعًا من نوع خاص، يدور في الحزب منذ بداية تولي الدكتور محمد مرسي حكم مصر في 2012، والخلافات التي تفجرت بين الإخوان والدعوة السلفية، بسبب إصرار فريق يقوده ياسر برهامي، على ضرورة توليد «ندية» للإخوان من خلال تفجير مواقف معارضة، تظهر الحزب في الشارع الإسلامي بشكل خاص، والمصري بوجه عام، على أنه جدير بحمل الراية، وليس مجرد تابع يتلقى الأوامر، ويحشد ويهاجم، ويخوض معارك بالوكالة عن الإخوان.

وجاء سقوط حكم لإخوان، لتتصاعد حدة المواجهة من جديد داخل الحزب والدعوة، بسبب الخلاف الشديد حول دعم الإخوان والوقوف بجانبهم في المحنة التي حلت عليهم، وتبنى هذا الرأي رموز من قيادات الدعوة السلفية في صدارتهم الدكتور محمد إسماعيل المقدم، والشيخ أحمد فريد، والشيخ سعيد عبد العظيم، والأخير كان أول من جاهر بالخلاف مع برهامي، وقال صراحة إن لديه اعتراضات على سياسته وتصريحاته الفقهية والسياسية.

بينما يجتهد برهامي، في إظهار خلل منهج الإخوان، ليظل النور ممثلاً وحيدًا للتيار الإسلامي في دوائر السياسة، التي تبدلت أحوالها في المنطقة العربية بل والعالم بأسره، وصار ثقب الضوء الذي ينفذ منه «النور» غنيمة كبرى للإسلاميين من وجهة نظر ياسر برهامي، الذي يؤكد لأتباعه دائمًا أن الدعوة السلفية، جديرة في هذه الأجواء بإيصال أصوات الإسلاميين وقدرتهم على ممارسة عمل سياسي محترف، ينتزع احترام العالم، ويسانده في هذا الاتجاه، أشرف ثابت، وبسام الزرقا، نائبا رئيس الحزب، ونادر بكار، الابن المدلل لبرهامي.

كما تدخل تناقضات الدعوة السلفية، والمسار السياسي لـ«النور» في دائرة الأسباب المؤدية للصراعات داخل الحزب، ففي الوقت الذي كان يكيل «سلفيو برهامي» الاتهامات للإخوان بالغلو، والتكبر في التعامل مع المخالفين لهم، يتعاملون هم أيضًا مع الاستقالات عن صفوف الدعوة والحزب بحالة من الاستهانة والاستخفاف، بل إنه في الوقت الذي كان ينتقد فيه ياسر برهامي نفسه تدخل مكتب إرشاد الإخوان في شئون حزب الحرية والعدالة المنحل، بل وتدخله في شئون حكم مصر وتأثيره على قرارات محمد مرسي، إلا أن برهامي فعليًا هو المحرك الأساسي لبوصلة العمل السياسي بالنور.

وأدت فرض آرائه وتوجهاته على قيادات الحزب في السابق، إلى استقالة جبهة الإصلاح برئاسة عماد عبد الغفور ليأتي برهامي بيونس مخيون، الذي لم يحرك ساكنًا، أو يذهب أبعد من الخط السياسي الذي يرسمه له أقوى رجل في تاريخ الدعوة السلفية.


لمن تؤول رئاسة «النور»؟

50 عضوًا، يمثلون إجمالي الهيئة العليا للحزب، ستكون مهمتهم انتخاب رئيس جديد للنور إذا ما استمرت الأوضاع على حالها، وكان «زهد مخيون» ورغبته في ترك المنصب، أمرًا حقيقيًا، وليست مناورة سياسية، من رجال برهامي لتضليل الإعلام وإشغاله بأمور أخرى حتى انتهاء الانتخابات.

ولن يكون أمام النور إلا بعض الخيارات، لاستخلاف رجل قريب من مواصفات يونس مخيون، وربما تتطابق الشروط المطلوبة على بعض قيادات الحزب، أهمهم أحمد خليل، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في مجلس النواب، ومهندس الاتفاق مع أجهزة الدولة خلال أحداث 30 يونيو/ حزيران، وكان ولا يزال من أشد المؤيدين للانفصال في الرؤى والسياسات عن جماعة الإخوان، لاسيما وأنه كان أشد المعارضين لمشاركة أبناء الحزب والدعوة في اعتصام رابعة.

بينما يدخل السباق بقوة عبد الله بدران، أمين «النور» في الإسكندرية، ويحظى بشعبية كبير بين السلفيين، فضلاً عن كونه أهم أقطاب التمويل في الحزب، ولا يبتعد عنه كثيرًا أحمد الشريف، أحد أهم صقور برهامي في الهيئة العليا للنور، بينما ينافس صلاح عبد المعبود، عضو الهيئة العليا بشعبيته الكبيرة في الأوساط السلفية، فضلا عن خبرته التشريعية الكبيرة التي اكتسبها من كونه عضوًا في لجنة الخمسين لصياغة دستور 2014.

كما يدخل السباق من بعيد، نادر بكار، نائب رئيس الحزب لشؤون الإعلام، والذي اهتزت شعبيته بقوة داخل الحزب بعد كشف النقاب عن لقائه بوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، أثناء دراسته في «منحة هارفارد» بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أكثر ما يدعم حظوظ بكار، دعم برهامي غير المحدود له، فضلاً عن علاقاته القوية برجال الحزب والدعوة الكبار.

مهما كانت سياجات السرية التي يتحوط بها «النور» لإبعاد الناقمين عليه عن تفاصيل عملية الإحلال والتجديد في صفوفه، إلا أن الخلافات المدججة بكل أسباب الصراع، ستفرض نفسها على مساراته مع قادته الجدد، ولن يكون أمام الحزب إلا إعادة تجميد نفسه عن التفاعل مع الأحداث، حتي ينجو من مدافع التشكيك والتخوين داخل التيار الإسلامي وخارجه .