ليل الانقسام الكبير.. هكذا تأتي انتخابات الرئاسة الأمريكية اليوم. تخوفات يطلقها المراقبون والصحفيون من ارتفاع أعمال الشغب، حيث دُفع بقوات الحرس الوطني لحماية المؤسسات الحساسة في العاصمة الأمريكية واشنطن، كعادة المؤسسات الأمريكية في أوقات إدارة الصراع السياسي. في النهاية، تبقى المؤسسات السياسة راسخة، إلا أن هذه السمة مهددة اليوم من شخص دونالد ترامب.

لم يُجب الرئيس الأمريكي في مناظرته الأولى مع بايدن عن نيته تسليم السلطة بشكل سلمي، تراجع عن موقفه فيما بعد! لكنه حافظ على التشكيك في نزاهة الانتخابات، حيث يرفض التوسع في التصويت المبكر، والتصويت البريدي باعتباره أكثر عرضة للتزوير.

تفاقمت الأمور بعد ضبط مجموعة تنوي خطف حاكم ولاية متشيغان الديموقراطية غريتشن ويتمير، كما أيد ترامب مجموعة من أتباعه حالو دون عقد مؤتمر انتخابي في تكساس؛ تتحدث فيه كمالا هاريس شريكة جو بايدن في حملته الانتخابية.

حالة من الرعب تخيم على الديموقراطيين في حال فوزهم ورفض ترامب تسليم السلطة، أو على الأقل شيوع الفوضى في البلاد، هناك وجهة نظر تشير إلى أن موقف أتباع ترامب نابع من فرصه الضعيفة في الفوز، وإليك بعض الأسئلة التي قد تسهم في توضيح لماذا جو بايدن هو الأوفر حظًا بالفوز برئاسة الولايات المتحدة؟

اقرأ أيضًا: قبل ترامب وبايدن: تاريخ المناظرات الرئاسية الأمريكية

ما مدى تأثير جائحة كورونا على فرص ترامب في الفوز؟

أكبر التحديات التي واجهت سياسيي العام كانت جائحة كورونا، الإغلاق العام وانكماش الاقتصاد أدى إلى تسريح ملايين العمالة، ارتفع طالبي دعم البطالة في الولايات المتحدة إلى 60 مليون عاطل، وعلى الرغم من إقرار حزمة دعم مقدرة بـ1200 دولار، إلا أن هناك ولايات لم يحصل فيها العاطلون إلا على مبلغ دون 300 دولار.

كما خرج أكثر من 26 مليون شخص من نظام التأمين الصحي بسبب تسريحهم من أعمالهم، هنا تلتقط حملة بايدن الخيط، وتركز بشكل أكبر على توسع نظام التأمين الصحي، خصوصًا واتفاق الحزب مع ساندرز على الاهتمام بهذا البرنامج؛ مقابل انسحابه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي لصالح بايدن.

ولاية تكساس أحد معاقل الجمهوريين، لم يفز بها ديموقراطي حديثًا سوى كارتر في انتخابات 1976، تتصدر تكساس قائمة الأعلى إصابة بفيروس كورونا بأمريكا؛ حيث قاربت المليون حالة، حلت ثانية في أعلى نسبة وفيات بالولايات المتحدة بأكثر من 18 ألف حالة وفاة، وما زالت ذروة الوباء مستمرة حيث أعلن عن أكثر من 8 آلاف حالة أمس.

رصدت تقارير إعلامية عن حالة رفض لدونالد ترامب بين صفوف الشباب والأصغر سنًا، فيما اعتبروه أساء إدارة أزمة كورونا، تمثل تكساس بـ38 ناخبًا في المجمع الانتخابي، وهي ثاني أكبر ولاية بعد كاليفورنيا الممثلة بـ 55 ناخبًا.

نفس الوضع تقريبًا في فلوريدا وهي من الولايات المتأرجحة الممثلة بـ 29 ناخبًا، والتي تحل في المركز الثالث في عدد الإصابات بفيروس كورونا بأكثر من 800 ألف حالة و16 ألف حالة وفاة.

كيف يؤثر شبح الكساد العظيم على خيارات الناخبين؟

توقع الاقتصاديون قبل 2020 أن يدخل الاقتصاد العالمي في نهايتها ومطلع 2021 أزمة شبيهة بأزمة العقارات 2008، هذه المرة بقيادة قطاع التكنولوجيا، لذا كانت تقارير أبل وشركات التكنولوجيا الربع سنوية هي موسم لمتابعة شرارة انطلاقها.

جاء محملًا بما هو أكبر، فيروس كورونا الذي أدى لغلق أكبر اقتصادات العالم، معمقًا الأزمة التي أوشكت أن تحدث، فسرح ملايين العمال من أشغالهم، وأقرت الحكومات بمبالغ ضخمة لحفز الاقتصاد، حيث بلغت 2.2 تريليون دولار في الولايات المتحدة.

أنهى الاقتصاد الأمريكي ربعه الأول بانكماش بلغ أكثر من 5% من حجمه، أما الربع الثاني، فقد كان كارثيًا حيث انكمش الاقتصاد بنسبة تجاوزت 31% جراء الإغلاق، فقدَ خلالها 22 مليون أمريكي وظائفهم، كما خسر أكثر من 26 مليونًا نظام تأمينهم الصحي، سرعان ما قفزت نسبة البطالة إلى أكثر من 13.5%.

في تقارير يونيو ويوليو الرسمية بدأ الاقتصاد يتعافى، حيث حقق نموًا جراء إعادة الفتح بلغ 33%، وإعادة أكثر من 7 ملايين وظيفة منها 4 ملايين للأمريكيين من أصل أفريقي.

واشنطن – الاحتجاجات الأمريكية في مايو/أيار الماض التي تفجرت بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة
/ Brett Weinstein / CC BY-SA 2.0

ترامب المزهو بإمكاناته خلق فرص عمل، خلال 3 أعوام الأولى من فترته وجدت 7 ملايين فرصة جديدة، مما يقارب مجموع ما أوجدته إدارة أوباما 8 ملايين وظيفة جديدة، تحطمت مجاديفه على صخر الجائحة،ليسجل عهده أسوأ عدد فرص عمل جديدة، 4 ملايين فرصة جديدة فقط كأقل رئيس أمريكي، مقارنة بكلينتون 18 مليونًا، وريغان 14 مليونًا، وأوباما 8 ملايين.

بلغ عدد الفرص الجديدة 193 ألف وظيفة شهريًا مقارنة بأوباما 225 ألف وظيفة، استلم ترامب معدل البطالة بحدود 4.7% وقلصته إدارته إلى 3.5% لكنه عاود الارتفاع، حتى استقراره في أكتوبر/تشرين الأول عند حدود 11% جراء فيروس كورونا.

تشير التقارير إلى أن الأثرياء استطاعوا التعافي من فيروس كورونا مع برامج الحفز الاقتصادي، إلا أن الشرائح الأقل فقرًا والسود هي الأكثر تضررًا،الوضع الاقتصادي حفز الاحتجاجات مدفوعة ممارسات الشرطة، احتجاجات جورج فلويد حاضرة في الانتخابات، ويلتقطها الحزب الجمهوري باحترافية عالية، من خلال تصدير الرئيس السابق أوباما لحشد أصوات السود في الولايات المتأرجحة، واستعادة ولاية ميتشغان التي اكتست باللون الأحمر في انتخابات 2016.

اقرأ أيضًا: درس في السياسة: لماذا نجحت ألمانيا وفشلت أمريكا أمام كورونا؟

كيف تعلم الديموقراطيون من هزيمة هيلاري؟

استطلاعات الرأي في انتخابات 2016 ذهبت لهيلاري كلينتون؛ بتقدم طفيف على منافسها الجمهوري ترامب، كانت النتيجة مضللة لعدة أسباب أهمها؛ أنها أدت لتثبيط الراغبين بفوز هيلاري، باعتبارها حسمت المواجهة،ثانيًا لكون الاستطلاعات عبرت عن التصويت الشعبي الذي حسمته هيلاري بفارق مليوني صوت، لكنها خسرت المجمع الانتخابي، ثالثًا عدم تقدير أهمية الكتلة الصامتة التي كانت حاسمة في انتخاب ترامب.

لعب الديموقراطي على استراتيجيته جديدة، لكي لا يقعوا في معضلة 2016، الأولى تمثلت في توحيد صفوف الحزب داخليًا عبر إقناع بيرني ساندرز الانسحاب، وعدم إحداث انقسام داخلي يؤدي لحالة من عزوف الناخبين عن التصويت لخسارة ساندرز، أو التصويت الانتقامي المعادي للحزب لخسارته. شمل ذلك اتفاق إشراك بعض المرشحين الموالين لساندرز في انتخابات الكونجرس ودعمهم، والتطبيق المرن لخطط ساندرز في ملفات الرعاية الصحية والضرائب.

التكتيك الثاني اعتمد على إقناع بيض البشرة من متوسطي التعليم ونساء الضواحي في الولايات مثل بنسلفانيا، ونورث كارولينا بالتصويت عبر إقناعهم بشخص بايدن، أبيض البشرة صاحب أكثر قصص السياسيين مأساة في أمريكا.

أوباما وبايدن متحدثًا في الحملة الانتخابية لهما 2008
Daniel Schwen / / CC BY-SA 4.0

التكتيك الثالث اختيار كمالا هاريس المحافظة، والتي تتمتع بقبول عند الجمعيات اليهودية، إضافة لأهميتها كمهاجرة من أصول هندية، أيضًا كونها امرأة قد تحفز التصويت على أساس الجنس وإن كانت انتخابات 2016 لم تثبت صحة ذلك.

هاريس بحسب تقارير صحفية هي أكثر جاذبية للناخبين ومطمئنة للبيض كون لون بشرتها فاتحًا، لذا فإنها قد تبدد المخاوف التي تتلبس الناخب الأبيض، والذي يختار على سمات كالحفاظ على الجنس الأمريكي الأوروبي؛ والهوية الأمريكية.

التكتيك الرابع اعتمد اللعب بشكل دقيق على الولايات المتأرجحة، وزيادة الاعتماد على الفئات الجديدة من الشباب الذي أصبح لهم حق التصويت، مثل سياستهم في معقل الجمهوريين تكساس، ما سيجعلها ولاية متأرجحة إن استمر هذا الأمر في الانتخابات المقبلة 2024.

التكتيك الخامس توظيف السياسيين الأكثر شعبية لموجهة ترامب، على رأسهم أوباما وزوجته الأكثر شعبية بين رؤساء الولايات المتحدة الذين هم على قيد الحياة، أيضًا بيرني ساندرز والذي يمثل أقصى اليسار.

الولايات المتأرجحة لمن؟

اللعب الدقيق على الولايات المتأرجحة كولاية بنسلفانيا مسقط رأس بايدن، والتي خسر فيها الانتخابات التمهيدية أمام ساندرز، إلا أنه استطاع جذب أصواتها مقاربًا لترامب في استطلاعات الرأي بفارق ضئيل، تمثل بنسلفانيا 20 ناخبًا في المجمع الانتخابي، بايدن استطاع الحصول على دعم البيض من متوسطي التعليم فيها، وكبار السن ونساء الضواحي.

أما في ولاية ميتشغان وفلوريدا، فكان الدور الأكبر فيها لأوباما لجذب السود والمهاجرين، يتقدم فيهما بايدن بنسبة طفيفة، أما الإستراتيجية الأخطر فهي ولاية جورجيا التي تعتبر ولاية جمهورية، حيث عمل الحزب الديموقراطي اللعب لتحويلها ولاية زرقاء، أو على أقل تقدير متأرجحة مثل تكساس، وذلك من خلال الاعتماد على أعداد المهاجرين المتزايد فيها مقارنة بانتخابات 2016.

تحويل ولاية جورجيا متأرجحة من أجل فوزهم بمقعد الشيوخ لحسم أغلبية المجلس، كانت هناك أهمية لبيرني ساندرز من فوزهم بمقعد الشيوخ هنالك بعد استقالة السيناتور الجمهوري إساكسون العام الماضي، حيث سيمكن ساندرز من الضغط على بايدن للوفاء بعهوده، من خلال مجلس الشيوخ. تعتبر جورجيا إحدى أهم الولايات التي يحدث فيها تكسير العظم بين الحزب الجمهوري والديموقراطي في الانتخابات الحالية.

وجود بيرني ساندرز كان حاسمًا، في عدة ولايات مثل ولاية ميتشغان، من خلال الجمعيات العمالية لإقناعهم بانتخاب بايدن، ودوره في بعض الولايات المتأرجحة مثل ولاية ويسكونسن،والتي يحسمها بايدن بهامش كبير في استطلاعات الرأي.

تعد ولايات ميتشغان وأريزونا وويسكونسن وفلوريدا وأوهايو في استطلاعات الرأي محسومة بهامش جيد لبايدن، إلا أن إستراتيجية الديموقراطي هو الضغط على الجمهوري في ولايات سيطرته التاريخية مثل تكساس وجورجيا ونورث كارولينا، مما يجعل حملة بايدن الأكثر احتمالًا للفوز خلال الساعات القادمة.

التصويت المبكر مؤشر في صالح من؟

صوت 62% ممن يحق لهم التصويت في فلوريدا في التصويت المبكر، حيث تشير التقديرات الأولية عن تقدم بايدن بأكثر من 100 ألف صوت على ترامب بحصوله على 3.5 مليون صوت، كما صوت المسجلين في الحزبين بالولاية بنسبة تجاوزت 66%.

صوت ما يقرب من 100 مليون أمريكي في التصويت المبكر الذي بدأ منذ سبتمبر/أيلول، الحافز الأساسي للمصوتين هو الهروب من زحام الانتخابات الذي سيؤدي لارتفاع العدوى، كما يتوقع ارتفاع التصويت عبر البريد والذي سيستمر حتى 10 نوفمبر/تشرين الثاني في بعض الولايات، بخلاف يوم التصويت الرئيس اليوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني.

يشكك ترامب في التصويت عبر البريد، والتصويت المبكر باعتباره أكثر عرضة للتزوير، وبالفعل تقدمت حملته حتى الآن بأكثر من 300 طعن على الانتخابات منها طعن في ولاية تكساس، بمقاطعة هاريس ذات الأغلبية الديموقراطية، في حالة تم قبوله فإن بايدن سيحرم من 100 ألف صوت.

التصويت المبكر في صالح بايدن، لأنه مدفوع بحماسة التخوف من تكرار واقعة انتخابات 2016، وقد دعا بايدن للتصويت المبكر لتلافي انتشار العدوى، ومن المهم معرفة أن نسبة التصويت المرتفعة تلك يشكلها العديد من الشباب والمهاجرين، مما يجعلها مؤشرًا على تفوق بايدن في شغر البيت الأبيض.

هل ستتكرر نتيجة انتخابات عام 2000 بين بوش الأبن وآل جور؟

قد تحسم نتيجة الانتخابات المحكمة العليا، وذلك نظرًا للطعون التي قد تقدمها حملة ترامب في حالة خسارته، مما سيؤدي لمراجعة أو استبعاد آلاف الأصوات، لن يحدث هذا إلا في حالة فوز بايدن الطفيف بأكثر من 270 ناخبًا من المجمع الانتخابي، أما في حالة الاكتساح فلن تحسم المحكمة الأمر وإن لجأ إليها.

صوت 33 مليون ناخب عبر البريد في انتخابات 2016، والعدد مرشح لزيادة في ظل جائحة كورونا، إلا أن الأصوات التي تم استبعادها لم تتجاوز مليوني بطاقة، ولم يغير في نتيجة الانتخابات، وهو المتوقع في الوقت الحالي.

التهديد بالعنف والتشكيك في الانتخابات حيلة شعبوية قديمة، ففي حالة الاضطراب الوطني والعنف يلتف الناخبون عادة حول مؤسسة الرئاسة، كجنوح نفسي منهم للأمان والاستقرار، هذه لُعبة ترامب لرفع حالة التأهب والشعور بعدم الأمان والفوضى، مما سيجعل حالة الانقسام على أشدها، واستدعاء الفئة التي لا تفضل المشاركة لنزول والمساهمة في إعادة انتخابه.

يأتي شعار حملة ترامب «الحفاظ على أمريكا عظيمة»؛ في مواجهة شعار حملة بايدن «معركة من أجل روح الأمة»، معبرًا عن شدة الانقسام الأمريكي، الأولى تتحدث عن أمريكا انعزالية، أكثر يمنية وشعبوية وأكثر قومية، والأخرى تعبر عن روحها المتعددة الأكثر يسارية والأقل قومية.

من الصعب الحسم بفوز بايدن لكنه الأقدر والأوفر حظًا، وفي حالة خسارته فتعود بشكل رئيس لشخصيته الضعيفة والكلاسيكية، ولقدرة اليمين الحشد حول أمريكا أولًا، وقد تكون ضربة موجعة يتلقاها الديموقراطي في حالة عدم حسمهم أيضًا لأغلبية مريحة في غرفتي الكونغرس، أما اليسار فربما هو الأكثر انتصارًا لتداول أفكاره وقبولها.