في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 كان ثاني هجوم مباشر للحوثيين على المملكة السعودية بصاروخ باليستي استهدف مطار الملك خالد شماليّ الرياض. الأول كان في سبتمبر/ أيلول 2017،استهدف الحوثيون قاعدة الملك خالد الجوية الواقعة في «خميس مشيط»، ثم في 25 مارس/ آذار 2018 أعلن الحوثيون أن نطاق أهدافهم توسع ليشمل مطار الملك خالد وقاعدة جازان ومطار أبها. وشهد الشهر التالي (أبريل) تطورًا نوعيًا إذ استهدف الحوثيون مقر وزارة الدفاع السعودية بطائرات مُسيّرة «درون».

تتابعت بعد ذلك الهجمات الحوثية على السعودية، بجانب الهجمات على ناقلات النفط والسفن السعودية والإماراتية في المياه الإقليمية والدولية باستخدام صواريخ طراز «بركان –إتش 2». في 18 يوليو/ تموز 2018 وجد الحوثيون ضالتهم، وحددوا وجهة هجماتهم اللاحقة صوب مصفاة النفط السعودية «أرامكو» بطائرة مُسيّرة.

وبتتابع الشهور والهجمات ثبتَ الهدف، محطة أرامكو، وثبتت الوسيلة، الطائرات المُسيّرة، لكن تطور الأداء، والهجمات الأخيرة تؤكد ذلك كمًا وكيفًا. فالحوثيون استخدموا سبع طائرات مُسيرة، الطائرات المُستخدمة في الهجوم يصل مداها إلى 1500 كيلو متر، أي أن العمق السعودي كاملًا وجانبًا من الإمارات يقعان تحت تهديد الحوثيين. وبجانب القدرة على التوغل أظهرت الطائرات قدرةً فائقةً على إصابة الهدف المُحدد، إذ استطاعت الطائرات أن تُحدث كسرًا يبلغ عرضه 4 أمتار في أنبوب النفط الرئيسي، الأنبوب البالغ مساحته 11 مترًا مربعًا، استطاعت الطائرات اقتناصه من وسط مساحة المحطة البالغة 115 ألف كيلو متر مربع.

هذا التطور النوعيّ يتركنا أمام سؤالين محوريين: كيف تطورت الطائرات المسيرة للحوثي ومن أين يحصل عليها؟ والسؤال الآخر لماذا تعجز السعودية عن صد تلك الهجمات بنوعيها، الهجمات الصاروخية، وهجمات الطائرات دون طيار؟


كيف طور الحوثي طائراته؟

الطائرات المُسيرة التي يستخدمها الحوثيون بكثرة من طراز «قاصف- كي2». ظهرت لأول مرة في يناير/ كانون الثاني 2019 في استهداف تخريج قوات عسكرية في قاعدة «عند» الجوية. أدى الهجوم إلى مقتل عدة قادة من الجيش اليمني، من بينهم رئيس المخابرات الحربية. منذ ذلك الحين شنت قوات التحالف هجمات جوية مُكثفة وشديدة على كل مكانٍ يُشتبه أنه مصنع لهذه الطائرات أو مخزن لها. لكن ظهور 7 طائرات بعد شهور قلائل يُرسل رسالةً واضحة أن هجمات التحالف لم تُحقق هدفها.

بدأ الحوثيون استخدام الطائرات المُسيرة كطائرات استطلاع تقليدية، ثم صارت تستخدمها كعينٍ دقيقة لتوجيه ضربات المدفعية، وأخيرًا صارت قنابل انتحارية. الطائرات من طراز «قاصف -1 » و«قاصف – كي2» تُشبه إلى حد كبير الطائرات الانتحارية الإيرانية «أبابيل». واستطاعت الإمارات عبر طائرةٍ أسقطتها في اليمن أن تُؤكد التشابه الهائل بين طائرات الحوثيين وطائرة من طراز أبابيل الإيرانية عُثر عليها في عتاد ميليشيا عراقية موالية لإيران. مدى تلك الطائرات كان قاصرًا على 150 كيلومترًا فقط، وبقدراتٍ غير دقيقة لإصابة الأهداف، مما يُفسر عدم وقوع إصابات خطيرة بشريًا أو ماديًا في أوائل هجمات الحوثيين على حدود المملكة.

اقرأ أيضًا: معركة الحديدة: الحرب على موانئ اليمن قد تحرق الخليج

لكن في 2018 تم اغتيال القائد الحوثي صالح الصماد بطائرة مُسيّرة صينية الصنع إماراتية التشغيل. حينها أعلن الحوثيون عن وصول جيل جديد من الطائرات يصل إلى مداه إلى 1000 كيلو متر هم «صماد -1» ، «صماد -2»، و«صماد – 3». الجيل الجديد من الطائرات لا يُهدد السعودية والإمارات فحسب، بل إن دولةً بعيدة مثل الكويت تحت التهديد بالقصف متى شاء الحوثيون. وتتوالى الدول الواقعة تحت التهديد إذا ثبت صدق دعوى التحالف العربي بأن إيران زودت الحوثيين بطراز «شاهد 129» البالغ مداها 2000 كيلومتر.

اختلفت الأقاويل حول مصدر تلك الطائرات، الحوثيون يعلنون أنهم يُصنّعونها بأنفسهم. لكن تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن الطائرات تحتوي تكنولوجيا إيرانية خالصة، لذا فالاحتمال الأرجح هو قيام قوات إيرانية بتهريب تلك الطائرات إلى الحوثيين مُفككةً ويتم تجميعها ثم إطلاقها من قِبل الحوثيين.


الباتريوت لن تنجح

يريد الحوثيون من الطائرة أن تنفجر فحسب، ليس شرطًا أن تصطدم بهدفها، لذا فإن صدّها بصواريخ سعودية قد لا يمنع أضرارها إلا إذا كان التصدي مبكرًا للغاية بينما لا تزال الطائرة في أعالي السماء. إذ يُبرمج الحوثيون طائراتهم أحيانًا على الانفجار على ارتفاع 20 مترًا فوق الهدف كي تُحدث الشظايا والانفجار الأضرار المطلوبة حتى لو قُصفت الطائرة. وتشير التقارير المتخصصة في الطائرات دون طيار أن الحوثيين يحملّون طائراتهم بكميات ضخمة من المتفجرات لتُحدث أكبر قدر من الخسائر في الأهداف المُحددة بدقة باستخدام «خرائط جوجل».

رغم أن المملكة من أكبر الدول المُنفقة على التسلح في العالم، فإنها تقف عاجزةً أمام هجمات ميليشيات الحوثي. لعل السر وراء هذا العجز يكمن في النقطة ذاتها التي تتباهى بها المملكة، الضخامة. ضخامة الجيش السعودي تجعله عرضةً لمشاكل تنظيمية أكثر، كما تجعله جيشًا يصلح لخوض حرب تقليدية مباشرة مع جيش آخر يقفان أمام بعضهما في ميدانٍ واحد كما ظهر في فيلم «قوة الردع السعودي» الذي أنتجته المملكة، أما حروب القنص والهجمات السريعة بالصواريخ الباليستية والطائرات المُفخخة من قِبل عدو لا يرتدي زيًا عسكريًا مُوحدًا، فلا تكون المدرعات والمدافع الثقيلة ومقاتلات تايفون ذات نفعٍ كبير فيها، كذلك لا تنجح أنظمة الدفاع الجوي السعودية بنسبة كبيرة في اصطياد تلك الطائرات.

أولًا، لأن أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية التي تستخدمها المملكة وعلى رأسها «الباتريوت» يمكنها ببراعة تدمير صاروخ عابر للقارات، لكنها تعجز أمام صاروخٍ مُطلق من مكان قريب. السر أن الصاروخ العابر للقارات حين يصل إلى مكان منظومة الباتريوت يكون قد أخذ في الانخفاض استعدادًا لإصابة الهدف فيمكن للباتريوت قنصه، لكن الباتريوت لا تستطيع التعامل مع الصواريخ أثناء وجودها على ارتفاعٍ عال. وتفخيخ الحوثيين للطائراتهم يجعل أضرار تعامل الباتريوت معها في ارتفاع منخفض مماثل تقريبًا لانفجار الطائرة.

اقرأ ايضًا: دفاعات الخليج الجوية: جواد بلا فارس

ثانيًا، أن الباتريوت الأمريكية تستخدم نظام «الإطلاق الساخن»، أي أن محرك الصاروخ يبدأ في العمل أثناء وجوده على الأرض ثم ينطلق، مما يُضيع ثواني ثمينة في مواجهة أي هدف متحرك. في المقابل تجد المنظومات الروسية تستخدم نظام «الإطلاق البارد»، أي ينطلق الصاروخ من الأرض ثم يبدأ محركه في العمل.

فالحديث لا يجب أن يقتصر على عدم إسقاط الصواريخ البالستية، لكنه يجب أن يمتد ليشمل لوم المملكة لاعتمادها الكامل على الأنظمة الأمريكية في الدفاع الجوي. فبحرية الولايات المتحدة ذاتها واليابان لم تستطيعا إسقاط صاروخ «هفان سونج» الذي أطلقته كوريا الشمالية فوق اليابان عام 2017، لأنه كان على ارتفاع 770 كيلومترًا!


معضلة الـ«درون»

الطائرات دون طيار كبيرة الحجم يمكن التصدي لها بالتقنيات المعتادة المُضادة للطائرات والصواريخ مثل الباتريوت سالفة الذكر. لكن الحوثيين يستخدمون النوع الصغير منها، صغر حجم تلك الطائرات يجعل من الصعب رؤيتها بالعين المُجردة حتى من مسافة قريبة، كما أنها بطبيعة الحال لا يمكن الكشف بأجهزة الرادار عامةً، والأجهزة السعودية خاصةً، لأن هذه الأجهزة مصممة للكشف عن الطائرات الضخمة والسريعة.

تتأخر المملكة عن مواكبة محاولاتتطوير أجهزة رادار تعمل خصيصًا للكشف عن الطائرات الصغيرة، لكن لا يفوتها الكثير لأن تلك المحاولات دائمًا ما تصادف عائقًا في المعطيات التي تقوم عليها. أول تلك المحاولات كانت عبر الاعتماد على مواصفات الشكل والحجم لكن تلك الأجهزة لا يمكنها أحيانًا التفريق بين الطائرة والطائر، فالطائرة من نوع «سبارك» لا يتعدى وزنها 300 جرام، وتبدو كعصفور صغير. ثانيًا، نظام بصري كهربائي يراقب السماء ليلتقط صورًا مباشرة للطائرة، لكن تلك النظم لا تعمل إلا أثناء النهار فقط، للتغلب على هذه المعضلة تم تطوير أجهزة تعمل بالأشعة تحت الحمراء يمكنها العمل ليلًا، لكن الأشعة تحتاج إلى خط تسديد مباشر بينها وبين الطائرة، أي إذا كانت الطائرة خلف مبنى سكني أو تضاريس جبلية فلا يمكن للأشعة رصدها.

إما إذا اعتمدت أنظمة الرصد على الصوت أو ضوضاء الطائرات المُميزة لكل نوع من الطائرات،فلا يمكنها رصد صوت الطائرات المُسيرة إما لأنه هادئ أو لأنه غير مُدرج في قاعدة بيانات تلك الأنظمة، وإنشاء قاعدة بيانات بكل أصوات أو أشكال الطائرات دون طيار يُمثل تحديًا هائلًا نظرًا للزيادة الكبيرة في تصنيعها لأغراض تجارية أو تصويرية أو عسكرية.

في 2017 أجرت وزارة الدفاع الأمريكية مناورةً دعت إليها كل الشركات المعنية بإنتاج أنظمة دفاع جوي. استمرت المناورة خمسة أيام، طلبت فيهم الولايات المتحدة من الشركات الموجودة أن تحاول إسقاط طائرات دون طيار بأي نظام تعمل عليه الشركة. اعترفت الولايات المتحدة وشركات الدفاع بعد انتهاء المناورة أن الطائرات دون طيار تمتلك مناعةً قوية ضد أجهزة التشويش والقنص التقليدية. وفي أولمبياد ريو عام 2016 تم نشر أكثر من ثمانية أنظمة مختلفة مضادة للطائرات دون طيار، لكن عددًا من الطائرات استطاع تخطيها جميعًا.


أربع طرق لإسقاطها

يمكن إجمال الطرق الأشهر حاليًا في إيقاف هجوم بالطائرات دون طيار في أربع طرق. أولًا، تدميرها بالصواريخ أو الرصاص. وهو ما لم ينجح في ردع الطائرات حتى إذا اختارت المملكة أن تُطلق باتريوت عشوائيًا بكثرة كما فعلت في الهجمات الماضية للحوثيين، وكما تفعل إسرائيل أحيانًا مع طائرات «حزب الله»، فإن ذلك انتصار للطائرة في حد ذاته؛ طائرة تكلفتها 500 دولار تتسبب في إهدار صاروخ باتريوت تكلفته الإجمالية قد تصل إلى مليون دولار!

الطريقة الثانية، تعتمد على فكرة بسيطة، اقبض على الطائرة. يتم ذلك بشِباك يتم إطلاقها من سلاح أرض أو من طائرة مُسيّرة أخرى. تحيط الشباك بالطائرة المُستهدفة ويتم إنزالها بأمان إلى الأرض. الطريقة الثالثة، بالتشويش اللاسلكي عليها وإعادة برمجة الطائرة ليتم إنزالها إراديًا إلى الأرض أو تغيير وجهتها، والاختيار الرابع، وهو الأحدث، شعاع الليزر.

مقاومة الطائرات بالليزر هو فخر صناعة شركات الدفاع الإسرائيلية، ويُظهر رد فعل الدول المختلفة عليه بأنه سيكون مستقبل التصدي للطائرات المسيرة . الفكرة ببساطة هي تسليط شعاع ليزر على الطائرة لفترة من الوقت، الشعاع سيُحدث ثقبًا إما في جناح الطائرة أو في قلبها الكهربائي مما يجعلها غير صالحة للطيران وتنفجر في علوّها.

جرى تسويق السلاح على أنه سريع جدًا ورخيص جدًا، لكن إذا اشترته السعودية أو غيرها فلا يضمن لهم ردعًا قويًا. أولًا لأنه لتوليد شعاع الليزر فإنه يحتاج إلى قدر عال جدًا من الطاقة، ومن الصعب جعل مصدر تلك الطاقة في وضع استعداد دائم. وإذا تم الاعتماد على العامل البشري في تشغيله، فإن ذلك يُعيدنا إلى المربع صفر. ثانيًا، أنه على سرعته في إحداث الضرر، يحتاج إلى تثبيته على هيكل الطائرة فترةً من الوقت، وهو ما يصعب تحقيقه مع هدف مناور وصغير مثل الطائرات المُسيّرة.

لا تمتلك السعودية أي تقنيةٍ من التقنيات الأربعة، وما لم تتخل المملكة عن «سِمنة» الجيش لتعتمد على جيشٍ رشيق يواكب التطور ويقدر على استغلال الأسلحة فائقة التطور المُكدسة في قواعد المملكة، قد تجد السعودية نفسها مضطرةً لتدريب صقورها على الإمساك أو اكتشاف وجود الطائرات المُسيّرة. الطريقة المُبتكرة التي يعمل عليها مركز الشرطة الهولندي وتبدو ناجحةً حتى الآن، فالنسور في الطبيعة يمكنها التغلب على فرائس أكبر منها حجمًا وأشد خطورة، وهي النقطة التي تركز عليها الشرطة الهولندية، لكن على المملكة أن تستعد جيدًا لمواجهة منظمات حقوق الطيور التي تعترض بشدة على التجربة خوفًا على حياة النسور من الطائرات المفخخة، وعلى مخالبها من الطائرات العادية! على الأمير الشاب إذا ما استفاد من التجربة الهولندية – تحت الاختبار- أن يضم لقائمة ألقابه الطويلة، لقب الأمير الجارح، أو الصقر السعودي.