رأس الأفعى والشيطان الأعظم، تلك هي مسميات الولايات المتحدة الأمريكية في قواميس الجماعات الإرهابية، والتي ربما ستظل إلى الأبد كما هي حال استمرار الولايات المتحدة الأمريكية كدولة كبرى. والسؤال الذي يظل قائمًا ما دام هناك جماعات إرهابية: لماذا يستهدف الإرهابيون الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من تعدد المواجهين لتلك الجماعات؟.حقيقة الأمر، هذا السؤال من أكثر الأسئلة تعقيدًا، وإن كانت هناك تحليلات جمة في هذا الصدد إلا أنها قاصرة شيئًا ما؛ لأنها في غالبيتها لا تتناول الموضوع بكافة جوانبه، فالبعض يتجه في تحليلاته للحديث عن عقيدة تلك الجماعات فقط، أو ربما يتجه البعض للحديث عن الولايات المتحدة وتحركاتها ويضع تصرفات الإرهابيين في إطار رد الفعل. ولكن لكي نكون أكثر دقة وموضوعية في الإجابة على هذا السؤال، يمكننا تشريح أسباب ذلك فيما يلي:


أسباب عقائدية

يستقر في عرف الجماعات الإرهابية أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب هما العدو الأكبر للإسلام والمسلمين ويعملون دائمًا على استمرار تخلف المسلمين وحاجتهم لتلك الدول، ولعل البعض منهم يتجه إلى الاعتقاد بذلك طبقًا للفهم الخاطئ لما جاء في القرآن: «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ »، وكذلك ترى الجماعات الإرهابية بصورة واضحة أن الولايات المتحدة والدول الغربية كذلك دول كافرة بناءً على تأثرهم بإرث الفقيه ابن تيمية وقوله بوجوب قتال التتار، بناءً على مقولته في الياسة أو الياسق التي وضعها جنكيز خان كمزيج من الشرائع اليهودية والمسيحية والإسلامية وبعض أقواله وآرائه، والذي استند إليه في ما بعد لتحريم القوانين الوضعية، وعليه يستغلون أمر الله جل جلاله لنبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين في قوله تعالى « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»، ليبرروا قيامهم بالعمليات الإرهابية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية تحت غطاء جهاد الكفار.


العقل السياسي للجماعات الإرهابية

يتسم العقل السياسي للجماعات الإرهابية بتقديم محاربة العدو البعيد «المتمثل في الولايات المتحدة» على محاربة العدو القريب «المتمثل في الدول العربية والإسلامية»؛ وذلك نظرًا لرؤيتهم أن إضعاف الولايات المتحدة الأمريكية وشغلها بالأحداث الداخلية يدفعها إلى ترك مساندة الدول العربية والإسلامية؛ الأمر الذي يساعد تلك التنظيمات على التحرك داخل الدول العربية وإقامة حلم الخلافة الإسلامية، ولعل المدلل على هذا ما قام به تنظيم القاعدة من تفجيرات في 11 سبتمبر 2001، وحقيقة الأمر هذا التصور في فكر التنظيمات الإرهابية لا يقتصر فقط على ضرب الولايات المتحدة في عقر دارها ولكن يهدف إلى استدراج الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدول العربية والإسلامية لكسب تعاطف الشعوب مع الجماعات الإرهابية جراء تشويه صورة الولايات المتحدة، وهذا ما نجحت فيه التنظيمات الإرهابية شيئًا ما.


سياسات الولايات المتحدة الأمريكية

تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية سياسيات عدة من شأنها استهداف الجماعات الإرهابية لها، ويمكننا تناول تلك النقطة من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

(1) سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاة المنطقة العربية

التدخل الأمريكي في الدول العربية بمختلف أشكاله من تدخلات عسكرية وثقافية واقتصادية، مثّل عاملًا هامًا في استهداف الجماعات الإرهابية لها واستغلالهم لكراهية جزء من الشعوب العربية لذلك، بدافع أن الولايات المتحدة لا تريد الخير للشعوب العربية والإسلامية وتعمل دائمًا على استمرار تبعيتهم لها.وهذا ما ظهر في استخدام الجماعات الإرهابية في تراثهم الفكري في إطلاق لفظ بلاد الكفر والعدو البعيد على الولايات المتحدة الأمريكية والعمل على التصدي له قبل التحرك في الداخل «بالبلدان العربية والإسلامية».

(2) معاملة المسلمين في الولايات المتحدة

تعمل الجماعات الإرهابية على ترويج تصور يفيد بأن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية جميعهم يعيشون حالة من المعاناة وسوء المعاملة والإضطهاد ويساعدهم في ذلك بعض الحركات والحملات داخل الولايات المتحدة ذاتها Stop Islamization of America “SIOA” أو American Freedom Defense Initiative» AFDI» ، وكذلك بعض حوادث العنف تجاه المسلمين في أمريكا، على سبيل المثال مقتل ثلاثة شباب مسلمين في مدينة شابل هيل بولاية نورث كارولينا، إلى جانب الأخبار التي تتداول في الاعلام العربي عن سوء معاملة المعقلين المسلمين في السجون الأمريكية، تلك الأحداث تدفع الجماعات الإرهابية المتسم العقل السياسي لهم باستغلال الظروف إلى شحن المنتمين لها بمشاعر كراهية تجعلهم يتجهون بصدر رحب للقيام بعمليات إرهابية في الولايات المتحدة.

(3) التجنيس وصناعة الإرهاب

على الرغم من كون مثال آخر نجح في السبعينات من القرن الماضي في إلغاء التجنيس بالميلاد، فقد نجحت الراحلة « تاتشر » في إقناع البرلمان البريطاني بانتفاء الأحقية للمولود في بريطانيا لأسباب مختلفة سياسية واجتماعية وديمغرافية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تقر ذلك. ومع قرب الانتخابات الأمريكية في كل دورة لها يفتح ملف التجنيس بالميلاد، وينتهي الصراع والجدال كالعادة بدون تغيير في الدستور الأمريكي.في الواقع ينص الدستور الأمريكي، في التعديل الدستوري الـ 14 الفقرة الأولى، التالي: «يعتبر جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة أو الحاملين لجنسيتها والخاضعين لسلطانها من مواطني الولايات المتحدة ومواطني الولاية التي يقيمون فيها. ولا يجوز لأية ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون ينتقص من امتيازات أو حصانات مواطني الولايات المتحدة. كما لا يجوز لأية ولاية أن تحرم أي شخص من الحياة أو الحرية أو الممتلكات دون مراعاة الإجراءات القانونية الأصولية، ولا أن تحرم أي شخص خاضع لسلطانها من المساواة في حماية القوانين»، ومنذ عقود وتثار داخل الولايات المتحدة الأمريكية مطالب بإلغاء هذا التعديل ولكن لا استجابة لذلك.على الرغم من كون هناك فوائد عدة تعود على الحاصل على الجنسية الأمريكية وكذلك فوائد تعود على الولايات المتحدة ذاتها، فمن ناحية الحاصل على الجنسية الأمريكية يكون له الحق في الحصول على الفرص التعليمية المميزة والرعاية الصحية وسهولة إحضار أفراد أسرته داخل الولايات المتحدة. أما الدولة فالاستفادة المرجوة تصب في دائرة تعدد الثقافات والاندماج المجتمعي وترسيخ قيم الديمقراطية. إلا أن السلبيات الناتجة عن ذلك أكثر مقارنة بالإيجابيات، ترتبط بأبعاد ديمغرافية واجتماعية وسياسية وأمنية، ما نتناوله في تلك المقالة هو كون التجنيس يزيد من احتمالية وقوع عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة.أحد مسببات استهداف الجماعات الإرهابية للولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى العنصرية وسوء معاملة الأمريكان من غير السكان الأصليين من قبل بعض السكان الأصليين، وهذا ما يدلل عليه العديد من الحملات المناهضة لأسلمة أمريكا. ومن ناحية أخرى تمزق الهوية يلعب دورًا هامًا في الانسياق داخل إحدى الجماعات الإرهابية وهذا ما ظهر في مثال الطبيب النفسي الأمريكي من أصل فلسطيني «نضال مالك حسن»، الذي التحق بالجيش الأمريكي عام 1997، وفاجأ الجميع في 2009 في شهر نوفمبر حيث كان يعالج جنودًا عائدين من العراق وأفغانستان نفسيًّا في فورت هود بولاية تكساس وقام بالهجوم عليهم مما أسفر عن مقتل 13 فردًا وإصابة 31، مثال آخر منذ أسابيع ماضية ارتبط بالهجوم على إحدى المعارض بمدينة “غارلاند” في ولاية تكساس والذي أعلن تنظيم داعش تبينه لهذا الحادث عن طريق أحد عناصره في الولايات المتحدة الأمريكية والذي أعلنت بعض وسائل الإعلام قيام شخصين يُدعى إحداهما «Elton Simpson» والآخر «نادر صوفي»، بين المثالين هناك العديد من الأمثلة الأخرى التي تعبر عن توجه المجنسين الأمريكان إلى التنظيمات الإرهابية كالأمريكي من أصل عراقي “بلال عبود” الذي اعتقل في 14 مايو 2015.هذه الأمثلة توضح أن هناك صراعًا داخليًّا لدى المجنسين بين الهوية الأم والهوية الأمريكية، الذي ينتهي في بعض الحالات لصالح الهوية الأم.


حقيقة صناعة الولايات المتحدة للجماعات الإرهابية

يدعي البعض إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية للجماعات الإرهابية، ولعل أبرز مثال على ذلك القول بأن القاعدة صنيعة أمريكية، ولكن بالتدقيق في هذا المثال نرى أن الوضع مختلف؛ فإنشاء الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة جاء بناءً على خطأ في حسابات الولايات المتحدة الأمريكية مستقبليًّا، حيث أن تاريخ تنظيم القاعدة يعود إلى دعوة الجهادي «عبدالله عزام» العرب والمسلمين للحشد في أفغانستان لتحريرها من السوفييت، ومن ثم اعتبارها نقطة لانطلاق تحرير المسلمين والتحرك نحو القدس وتغيير الأنظمة العربية التي لا تحكم بشريعة الله ولا تطبق حكمه. والجدير بالذكر أن دعوة عزام لمواجهة السوفييت في أفغانستان كانت متوافقة مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وباكستان آنذاك، الرافضة للتمدد السوفييتي في أفغانستان. ولعل هذا ما سقى فكرة إنشاء أميركا لتنظيم «القاعدة».


التهديدات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية

ازدياد عدد التابعين لداعش داخل الولايات المتحدة الأمريكية طبقًا لتصريحات James Comey رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي من ناحية، واستمرار الحملات المستفزة لمشاعر المسلمين في الولايات المتحدة من ناحية أخرى يهدد الأمن الأمريكي؛ وعليه ليس مستبعدًا أن تحدث في الولايات المتحدة الأمريكية 11 سبتمبر جديدة في الفترات الحالية خاصة في الوقت الذي يظهر فيه تجاهل لتنامي نفوذ داعش بالمنطقة العربية، وتجاهل لتنظيم القاعدة الذي يرى الولايات المتحدة العدو الرئيسي له. ولتصدي الولايات المتحدة الأمريكية لمثل هذه المخاطر يتوجب عليها التعامل بجدية أكثر في مواجهة داعش، بالتزامن مع محاولة القضاء أو الحد من الحملات التي تشن ضد الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، وكذلك ضرورة استجابة السلطات الأمريكية إلى المطالبات الداعية إلى إعادة النظر في التعديل الدستوري رقم 14.