صورة مهيبة لجمهور بالآلاف أشعلت الجدل والغضب في آن واحد بين أجيال مختلفة من مستمعي الأغاني والموسيقى في مصر، وذلك بعد عدد الجمهور الكبير الذي زين حفل مغني الراب ويجز والذي تم منذ يومين بمسرح المنارة، أحد أكبر المسارح في مصر حاليًا من حيث الطاقة الاستيعابية للجمهور.

لم يكن عدد الحضور الذي تراوحت أعماره من 10 أعوام إلى ما فوق الـ30 عامًا هو المفاجأة في ذلك الحفل، بل أن أحمد علي أو «ويجز»، كما عرفه الجمهور، الشاب ذو الـ23 عامًا، هو من يحفل بهذه الشعبية الكبيرة وأنه الطاغي على ذوق الجيل الجديد من المراهقين والشباب، وأن الجمهور يتعامل معه على أنه حقًا واحد منهم وأنه برغم سنه الصغير فإنه استطاع أن يحقق كل هذا النجاح. هذه كانت المفاجأة الحقيقية والتي يدين بها ويجز للجمهور، وهو ما أصابه نفسه بالخجل والذهول خلال ساعات الحفل.

وإن لم يكن ويجز هو الوحيد في عالم «الراب المصري»، فهناك العديدون غيره مثل مروان بابلو ومروان موسى وعفروتو وأبو الأنوار والفلسطيني «شب جديد»، ولكنه يظل هو صاحب النجاح الجماهيري الأكبر في فن الراب حاليًا في مصر، والأمهر في اختيار منظمي الحفلات والخروج بمظهر لائق للجمهور، كما أنه هو صاحب المركز الأول على موقع سبوتفاي، لعام 2020، وهي الإحصائية الأخيرة التي تخطى فيها عمرو دياب وحسين الجسمي، منافسيه في هذا العام وأيضًا نجوم المهرجانات.

من هم جمهور ويجز؟ ولماذا يحبونه؟

مع عدد الجمهور الصادم لويجز في حفله الأخير، كان علينا أن نقترب من مستمعي هذا النوع من الغناء والتعرف على أسباب ميلهم لهذا النوع من الغناء، الذي انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الثمانينيات، وفي مصر على أيدي هذه المجموعة من الشباب في بداية الألفية الثالثة، ثم الموجة الحالية.

«أنا أحب الاستماع إلى ويجز لما يقدمه من نوع جديد من المزيكا بعيد عن كل اللي سمعناه من قبل كدا، كما أن كلمات أغنياته إذا استمعنا إليها بعيدًا عن الأغاني فهي معبرة، كما أن كلماته تعبر عني بشكل كبير»، كان هذا رأي نور بهجت التي تبلغ من العمر 19 عامًا.

أما عمرو محمد الذي يبلغ من العمر 15 عامًا، فقال: «أنا أحب أن أستمع إلى أغانٍ يتم التلاعب بالكلمات فيها وتقصد أكثر من معنى «word play»، كما أني أفضل مزيكا الـbeat، كما أن الكليبات التي تصاحب أغنياته تعجبني، فهو بالنسبة لي أفضل من عمرو دياب».

أما شيماء خميس، فقالت «إن ما يعانيه الأهالي حاليًا من صدمة استماع أبنائهم لويجز وغيره من مطربي الراب، قد تعايشنا معه منذ عشرات السنوات، حين كان يرى أهالينا أن عمرو دياب ومحمد منير وإيهاب توفيق، أنها نوع من الموسيقى ستفسد ذوق أبنائهم، وكيف لنا أن نستمع إلى هذه المزيكا الصاخبة؟»

وأضافت أننا مع ما عانيناه، نجد ذات الجيل الذي تم تعنيفه يقوم بتعنيف أبنائه باعتبار أنه يستمع إلى محرمات وأشياء لا تجوز، في حين أن على الأهالي ألا يمارسوا ما تم ممارسته عليهم من أهاليهم وأن يتبعوا طرقًا صحيحة في التربية بدلاً من الضجر والسخط الذي نراه من هذا الجيل وما يستمع إليه لأنه سيقوم بممارسة ذلك سواء شئتم أم أبيتم، فتطورهم التكنولوجي سيمنحهم كل المميزات التي ترغبون في سحبها منهم، وسينجحون هم في النهاية.

مشاهدات بالملايين في مواجهة النقيب

وإذا رصدنا «ويجز»، كحالة هي الأشهر من بين مطربي الراب حاليًا نجد أننا أمام شاب يتابعه على قناته باليوتيوب، مليون و800 ألف شخص، ولديه أغنيات أقل مستمعين لها وصل عددهم إلى 7 مليون، فقد وصلت الأغنيات الأشهر له وهي «دورك جاي»، إلى 77 مليون مشاهدة، بينما «واحد وعشرين» حققت 15 مليون مشاهدة، و«باظت» 12 مليون مشاهدة، أما الأغنية الأخيرة والتي وصلت من الطبقة المتوسطة إلى طبقة أخرى في مهرجان الجونة السينمائي الدولي بدورته الأخيرة، بعد أن طرحها كفيديو كليب من هناك وهي «كيفي كدا»، قد اقترب كليبها من 5 مليون مشاهدة بعد أسبوع من طرحها، مما يؤكد أننا أمام حالة يجب على الجميع احترامها، وإن لم يفهمها، أو تصل إلى مداركه.

على النقيض ومع الآلاف من الجمهور المستمع إلى أغاني الراب، نجد أننا أمام نقيب للمهن الموسيقية قرر أن يعادي الأجيال الجديدة ويعيش في «خمسينيات» القرن الماضي كما انتقده الجمهور، بسبب منعه للعديد من مطربي الراب من الغناء، تارة بسبب كلمات أغنياتهم مثلما أثار ضجة مع «شب جديد»، بعد حفله في مصر، أو مروان بابلو الذي أُجبر على الاعتذار أمام الجميع بضغط من نقابة الموسيقيين لكي يستمر في العمل، أو مروان موسى وعفرتو اللذين تم إيقافهما بسبب قيامهما بالغناء بصيغة «البلاي باك»، بالإضافة إلى تعنته بشكل عام في منح تصاريح الغناء من النقابة.

ومع هذا التعنت القانوني الذي يواجهه مطربو الراب والتراب في مصر، قال المحامي محمود عثمان إن قرارات هاني شاكر تلك هي مدعاة للسخرية، لأن القرار الصادر بأنه لن تقام أي حفلة إلا لو كان الحفل به 8 عازفين وبدون فلاشة، قد تم رفضه من المحكمة الإدارية.

وأضاف في تصريح خاص لموقع «إضاءات»، أن ما يفعله هاني شاكر يجعله متورطًا في مسألة قانونية وذلك لأن عمل النقابة إداري وبالتالي لا يمكن لها تنفيذ حالات المنع التي تقوم بها ضد المطربين الشباب.

وعلق الناقد الموسيقي مصطفى حمدي، في تصريح خاص، أن إنكار هاني شاكر «نقيب المهن الموسيقية»، لأي نوع من الموسيقى الجديدة هو أمر طبيعي جدًا، فهو صاحب لون كلاسيكي لم يغيره منذ الستينيات، وقبل أن يتولى منصب النقيب، كان أحد منتقدي الألوان الغنائية في التسعينيات، والفيديو كليب، والأغاني ذات الرتم السريع، فإذا كان قبل توليه المنصب يهاجم زملاءه بسبب أن أغنياتهم ذات الرتم سريع وهي التي لم يكن بها أي مشاكل في الكلمات والألحان، فما بالنا بما يتم إنتاجه حاليًا؟

وأضاف أن هاني شاكر يمثل التيار المتحجر في الوسط الفني، وإن كانت كلمته تؤثر قديمًا، فحاليًا الأمر صعب جدًا، بسبب التكنولوجيا والتطور الكبيرين، فحديثه حاليًا لن يجلب له سوى السخرية، وعليه أن يثقف نفسه موسيقيًا، لأنه غير مطلع ويعيش في قالب غنائي واحد لم يغيره أبدًا، فالحقيقة أنه غير مثقف موسيقيًا.

الطبقية الغنائية تحكم السمع

مطربو الراب في مصر حاليًا، والذين أغلبهم من محافظة الإسكندرية، هم من أبناء الطبقة المتوسطة التي تلقت قسطًا لا بأس به من التعليم بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية المتداولة إما في الأغنيات أو فيما يقومون به من لقاءات صحفية، وهم أيضًا كونهم من أبناء هذه الطبقة فهم دائمو الافتخار بما وصلوا إليه وما عانوه لكي يصلوا إلى القمة.

بالإضافة إلى المعاناة العملية والنفسية التي يعانيها أبناء هذه الطبقة، مما جعل جمهورهم الأعظم والأغلب من أبناء طبقتهم وبالتالي كلما عبروا عن حالهم كلما زادت هذه الشعبية، ولكن يُحسب لصالحهم أنهم استطاعوا أن يصلوا بفنهم من طبقة إلى أخرى، فنجد أن ويجز مثلاً أشعل أجواء الجونة في ليالي مهرجانه الأخيرة كما أشعل حفل المنارة مع اختلاف الجمهور بين الحفلين.

وأكد ذلك الناقد مصطفى حمدي، حيث قال: «يمكن أن نعتبر ويجز شخصًا يعبر عن جيل، لغة جديدة وكلمات خاصة جدًا ومفردات خاصة بهذ الجيل،حيث إن مستمعيه من جيل الأندر إيدج والشباب، فهم شباب لهم مفهوم مختلف عن الحب والصداقة وعن المشاكل الاجتماعية التي تواجههم، وإذا عبر مطربو المهرجانات عن أبناء المناطق الشعبية فيأتي مطربو الراب والتراب وخاصة ويجز معبرين للمراهقين عن أفكار تحمل الرغبة في رفع شأن «الأنا» لديهم وأنهم القادرون على فعل أي شيء».