مر أكثر من شهرين على الأزمة الخليجية دون أن تبدو في الأفق أي مؤشرات أو احتمالات لانفراجة سياسية قريبة، وبين استمرار الرفض القطري للخضوع لمطالب دول المقاطعة وتمسك تلك الدول بمطالبها الـ 13، بدأت النقاشات المتعلقة بتداعيات الأزمة وانعكاساتها على أطرافها المباشرة وغير المباشرة، حيث ظهر التباين ما بين الحديث عن انتصار دول المقاطعة وعزلها للدوحة وانتصار الجانب القطري وعدم انصياعه.

ما بين هذا وذاك كان لابد من طرح تساؤل رئيسي حول أي من طرفي الأزمة استطاع تحقيق أهدافه، وأي منها أصابه الخسران، وماذا عن دولٍ أخرى طالتها الأزمة؟


أبرز الرابحين

تنوعت الأطراف المستفيدة من الأزمة ما بين أطرافها الرئيسية والدول الأخرى على المستوى الإقليمي والدولي، ودول أخرى تمثلت مكاسبها في الحفاظ على مصالحها مع الجانبين والخروج من الأزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر.

1. الإمارات

على الرغم من خسارتها الاقتصادية وتوقف العديد من شركاتها الكبرى عن التعامل التجاري مع الدوحة، إلا أنها على الجانب السياسي كانت الرابح الأكبر من الأزمة، إذ استطاعت أن تكون الآمر الناهي الأول في منطقة الخليج، ووجهت ضربة قاضية للدور الذي كانت لعقود تلعبه المملكة السعودية، حيث تراجع دورها هذا لصالح أبوظبي، التي استطاعت توجيهها طبقا لأهدافها بما يزيد من نفوذها بالمنطقة.

افتعلت الإمارات الأزمة للسيطرة والحد من التوسع القطري بالمنطقة، وبالفعل استطاعت تحقيق تلك الأهداف، حيث نجحت في إيقاف التعاون السعودي القطري ضدها في اليمن، وعلقت الرياض مشاركة الدوحة في التحالف العربي، كما ستضطر المملكة لخوض مسألة توفيق الأوضاع مع الحيز الذي استقطعته أبوظبي على هامش القضية الجنوبية في اليمن.

2. مصر

تمثلت أبرز مكاسب القاهرة في تبني دول الخليج لوجهة نظرها فيما يخص الدوحة ودعمها للإرهاب، وذلك بعد سنوات من الانتظار وتوجيه الاتهامات إلى قطر دون القدرة على اتخاذ خطوات فعلية للحد من نفوذها المتزايد عربيًا ودوليًا.

فقد تبنت تلك الدول العديد من مطالب القاهرة تجاه قطر، وخاصة المتعلقة بوقف مساندة وتمويل جماعة «الإخوان المسلمين» العدو الأول للسلطة الحاكمة في القاهرة، حيث انتهت الشكوك الخليجية فيما يخصها وأصبح هناك تطابق في الموقف الخليجي المصري.

تمكنت القاهرة كذلك من إعادة تقوية علاقاتها الخليجية، خاصة مع السعودية وذلك بعد فترة من الفتور والخلافات بينهما، كما استطاعت في المقابل تأكيد وجهة نظرها فيما يخص علاقاتها مع تركيا، وذلك بعدما انحازت أنقرة إلى جانب الدوحة. لكن على جانب آخر، علقت الدوحة تأشيرات دخول المصريين إليها، فيما يهدد أرزاق عدد كبير من المصريين العاملين هناك (225 ألف مصري عامل لدى قطر)، وهي الخسارة التي لا تهتم لها الدولة المصرية كثيرًا.

3. تركيا

استطاعت أنقرة إيجاد ساحة من النفوذ السياسي والعسكري لها بالمنطقة، عبر إرسال قواتها العسكرية إلى قاعدتها في الدوحة، وإيجاد موطئ قدم لها في الخليج، كما عززت علاقاتها الاقتصادية مع قطر، عبر وضع نفسها كبديل عن دول المقاطعة ومنفذ للدوحة يمدها بالمواد الغذائية اللازمة،وارتفعت صادراتها إليها بنسبة 300% منذ بدء المقاطعة، الأمر الذي سينعكس عليها مستقبلًا عبر تحولها إلى حليف اقتصادي قوي للدوحة.

4. إسرائيل

صبت هذه الأزمة في خدمة الرغبة الإسرائيلية في عدم استقرار المنطقة والانشغال الدولي عن القضية الفلسطينية، كما ستقلل من الدعم القطري لها سياسيًا وماليًا، حيث دائمًا ما سعت الدوحة لإبرام مصالحات بين الفرقاء الفلسطينيين. أيضًا ستكون أكبر مكاسبها تلك المتعلقة بتضرر حركة «حماس» التي تستضيف قطر قيادتها السياسية، وهو ما يشكل مصدر قلق وإزعاج لتل أبيب.

من جهة أخرى استطاعت إسرائيل توظيف الأزمة لصالحها عبر حظرها لشبكة «الجزيرة» الإعلامية بها، في خطوة مزدوجة استطاعت من خلالها وقف أنشطتها المتعلقة بفضح انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، وتوجيه رسالة إلى دول المقاطعة بالوقوف إلى جانبهم، مما يسهل أهدافها المتعلقة بإقامة محور إقليمي يجمع الجانبين.

5. إيران

فور الحصار لم يكن أي منفذ لقطر سوى الأجواء الإيرانية، وهو ما جعل إيران لاعبًا أساسيًا في الأزمة. إذ وظفت طهران الأزمة لصالحها عبر توثيق علاقاتها مع الدوحة وتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي لها، وإمدادها بالمواد الغذائية، وفتح أجوائها أمام الرحلات الجوية القطرية، الأمر الذي منحها فرصة مستقبلية لتوسيع نفوذها بصورة أكبر لدى قطر، مع الأخذ في الاعتبار إدراك الدوحة للعواقب المحتملة من الارتماء في الحضن الإيراني. كذلك عملت الأزمة على إضعاف منظومة مجلس التعاون مما يصب في صالحها.

6. الاتحاد الأوروبي

تمكنت أوروبا من إعادة تقديم نفسها كطرف فعال في المشهد الإقليمي، حيث كان موقفها متوازن، شدد على ضرورة الحوار وحل الأزمة سلميًا، وأكد استعداد دوله للوساطة، وذلك في مقابل الموقف الأمريكي المنقسم، حيث دعم ترامب دول المقاطعة، ودعمت وزارتي الخارجية والدفاع الحوار كوسيلة للحل.

وبالتالي استطاعت أوروبا إرساء خطوة مهمة في طريقها لإعادة نفوذها كلاعب أساسي بالمنطقة، مستقلٌ في قراراته عن التوجهات الأمريكية، كما حافظت على مصالحها الاقتصادية وعلى رأسها إمدادات النفط والغاز.

7. السودان

وضعته الأزمة في موقف الحائر بين الدوحة صاحبة الدور الكبير في عملية السلام في دارفور، وبين السعودية التي تلعب دورًا مهمًا في رفع العقوبات الأمريكية عنه و بلغت استثماراتها به نحو 26 مليار دولار.

اقرأ أيضًا:الأزمة الخليجية: كيف أضر الحياد بمصالح السودان الاقتصادية؟

في هذا الموقف الصعب استطاع السودان الحياد، مع استرضاء المملكة عبر إرسال المزيد من القوات السودانية إلى اليمن للمشاركة في عمليات التحالف العربي، وحقق بذلك مكسبا مزدوجا عبر إرضاء المملكة والحصول على دعمها سياسيًا في التوسط لدى الإدارة الأمريكية للتراجع عن القرار الخاص بتأجيل رفع العقوبات عنه، والحفاظ في الوقت ذاته على الدور القطري الإيجابي في تهدئة الحرب الأهلية السودانية.


أبرز الخاسرين

1. قطر

على الرغم من قدرتها على مواجهة الكثير من التداعيات السلبية للأزمة وكسبها للدعم الدولي، إلا أنها تكبدت خسائر عدة تنوعت ما بين السياسي والاقتصادي، إذ تم تحجيم نفوذها بالمنطقة، كما هو الحال في اليمن وليبيا، وأعاقت الأزمة جهودها المستمرة لتعزيز سمعتها الدولية كقوة إقليمية. وقد اعتمدت الدوحة لتحقيق تلك المكانة على القيام بالوساطة في العديد من قضايا المنطقة، مثل دارفور ولبنان وبين حماس وفتح، ولكن العزلة الحالية ستؤثر على إمكانية قيامها بهذا الدور، بل إنها الآن من تحتاج إلى وساطة فعالة للخروج من أزمتها.

هذا فضلًا عما فرضته عليها الأزمة من ضرورة تركيزها على القضايا الداخلية خوفًا من تناقص شرعيتها، الأمر الذي حد هو الآخر من اهتمامها بدورها الخارجي. كذلك أصبحت الدوحة تحت دائرة الضوء الدولي فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب، ومحل جدل بين دوائر صنع القرار في العديد من دول العالم خاصة العربية، وهو ما ترتب عليه اضطرارها إلى توقيع مذكرة للتعاون مع الولايات المتحدة لمراقبة حركة الأموال الخارجة منها، الأمر الذي وضع قيودًا أخرى على تحركاتها الخارجية.

اقرأ أيضًا:كتف بن زايد: القصة الكاملة للانقلاب الخليجي على قطر

اقتصاديًا، أصبح الاقتصاد القطري في حالة من العزلة شبه التامة وبدأت آثار قطع العلاقات تظهر بالفعل عليه، لاسيما في ظل الأهمية الكبيرة التي تحتلها دول السعودية والإمارات والبحرين بالنسبة لحركة التجارة الخارجية للدوحة.

فقطع العلاقات ُيهدد استقرار نحو 11% من تجارتها الخارجية، وتسبب في تراجع الاستثمارات الأجنبية واحتياطي النقد الأجنبي لديها، وقد خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» الدولية، التصنيف الائتماني للديون القطرية الطويلة الأجل، ووضعتها على قائمة المراقبة الائتمانية ذات التداعيات السلبية، كما تراجع الريـال القطري إلى أدنى مستوى له خلال 12 عامًا مقابل الدولار، هذا إلى جانب معاناة الأسواق القطرية من ارتفاع ملحوظ بالأسعار.

وعلى الرغم من قدرتها على مواجهة تلك التحديات بتوثيق التعاون الاقتصادي والتجاري مع عدد من الأطراف الدولية والإقليمية مثل إيران وتركيا وعُمان وغيرها، إلا أن الخسارة تظل هي السمة الغالبة عليها.

2. السعودية

تعد المملكة الخاسر الأكبر بين دول المقاطعة، فقد خسرت نفوذها ومكانتها لصالح الإمارات، وأصبحت تابعة لها في قراراتها سواء المتعلقة بسياستها الداخلية أو الخارجية، الأمر الذي أفقدها زعامتها لمنطقة الخليج، كما تحولت من الدولة الكبرى صاحبة المكانة إلى تلك الدولة الطامعة الراغبة في الهيمنة، ما من شأنه أن يدفع الكويت وسلطنة عُمان مستقبلًا إلى البحث عن بطاقات قوية وتحالفات جديدة من أجل حمايتهما من الوقوع في حصار مماثل للحصار القطري في حال عدم التوافق بينهما وبين جارتهما الأكبر.

عززت قطر علاقاتها العسكرية مع تركيا، ومن المتوقع أن تتجه للتقارب أكثر نحو إيران على الأقل فيما يتعلق بإنهاء الصراع، وهو ما يعني أن المملكة هي التي أوجدت مثل هذه الدول الأجنبية على حدودها الشرقية.

كذلك انتهكت الأزمة ما كان مقدسًا من شؤون العائلات المالكة، مما يجعل آل سعود كما آل ثاني تحت المنظار الإعلامي العربي، وهو الشيء الذي سيفضح أكثر مما يستر.

3. الكويت

على الرغم من محاولتها لعب دور إيجابي في حل الأزمة، إلا أن هذا الدور انعكس سلبيًا على مكانتها بالخليج، حيث قوبلت الوساطة الكويتية بمزيد من التعنت والرفض من قبل دول الحصار دون أي مراعاة لمكانتها، وهو ما يعني فشلها في تحقيق ما قامت به في أزمة سحب السفراء عام 2014.

أثرت الأزمة أيضًا بشكل سلبي على وضع العائلات المالكة بدول الخليج، فلم تعد لها نفس الحصانة والمكانة، وكثرت الأحاديث حول تغيير النظام الحاكم في قطر، ما يمكن أن يتكرر مع العائلة المالكة بالكويت وأي دولة خليجية أخرى في حال عدم التوافق مع الخط العام للمملكة.

4. جيبوتي

أدى انحيازها إلى جانب دول المقاطعة إلى سحب الدوحة لقواتها لحفظ السلام المنتشرة على الحدود بينها وبين إريتريا، مما تسبب في عودة النزاع بين البلدين مرة أخرى، إذ أكد «محمود علي يوسف» وزير الخارجية الجيبوتي تحرك القوات العسكرية الإريترية في نفس يوم انسحاب القوات القطرية وسيطرتها على «جبل دميرة» و«جزيرة دميرة» بالكامل، وهي أراضٍ تقول كلتا الدولتين إن لهما الحق في السيادة عليها.

اقرأ أيضًا:إريتريا وجيبوتي تتجهزان للحرب على هامش الأزمة الخليجية

أخيرًا، فالأزمة لم تتوقف انعكاساتها عند حدود تلك الدول سابقة الذكر، بل امتدت إلى سلطنة عمان التي استطاعت الاستفادة منها في توثيق تعاونها التجاري مع الدوحة وافتتاح خطين ملاحيين من موانيها معها، وأتاحت لها الفرصة للتقارب أكثر مع إيران.

وامتدت كذلك إلى العديد من أزمات المنطقة كالأزمة السورية حيث المخاوف بشأن الارتباك في صفوف المعارضة التي لطالما حظيت بالدعم القطري السعودي، والأزمة الليبية حيث ترجيح كفة ميزان القوى لصالح اللواء «خليفة حفتر» وغيرها الكثير من القضايا، التي ستتوقف نتائجها على ما ستؤول إليه الأزمة في نهاية المطاف.