الحفاوة الشديدة، هذا ما يلاقيه صناع «يوم الدين» أينما حلوا بفيلمهم. يشاع أن الجمهور استمر في التصفيق لمدة بلغت ربع الساعة بعد العرض العالمي الأول للفيلم في مهرجان كان، في مايو/أيار الماضي. شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، كمرشح للسعفة الذهبية (جائزة أفضل فيلم)، ومرشح لجائزة الكاميرا الذهبية (جائزة أفضل تصوير سينمائي)، غير أنه لم يخرج إلا بجائزة شرفية هي جائزة فرانسوا تشاليز.يحكي الفيلم قصة مريض متعافى من الجذام يسافر من القاهرة إلى قنا للبحث عن عائلته. الفيلم من تأليف وإخراج أبو بكر شوقي، وهو أول أعماله الروائية الطويلة، ومن بطولة راضي جمال، وهو مريض متعافى من الجذام في الحقيقة، بالإضافة إلى عدد من الممثلين غير المحترفين، أبرزهم الطفل أحمد عبد الحافظ.يشارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية، وقد شهد عرضه الأول في الشرق الأوسط أمس الجمعة 21 سبتمبر/أيلول، وقد ﻻقى احتفاءً كبيرًا كذلك. يعتبر الفيلم تجربة جديدة ومختلفة على السينما المصرية، سواء على مستوى الموضوع أو التنفيذ، غير أن الفيلم لم يخل من العيوب والنواقص التي جعلت منه فرصة لم يحسن استغلالها. في هذا التقرير نتعرف على أبرز مواطن الضعف في فيلم يوم الدين.


التمثيل: الواقعية ليست بديلًا عن الاحترافية

الاعتماد على طاقم من الممثلين غير المحترفين هو تحدٍ كبير لأحد أهم وظائف المخرج، توجيه الممثلين. يمثل الفيلم حالة خاصة، إذ إن موضوعه يتطلب أن يكون البطل بمواصفات خاصة، أهمها أن يكون في الواقع مريضًا متعافى من الجذام، ويمكن القول إن أبو بكر شوقي قد وفق إلى حد كبير في اختياره لراضي جمال، وفي المستوى الذي خرج به أداؤه، خاصة أن الفيلم يعتمد بشكل كبير على دراما الشخصية.وباستثناء راضي جمال، فقد خرج الأداء من باقي أفراد طاقم التمثيل شديد السطحية والافتعال، خاصة الطفل أحمد عبد الحافظ، الذي بدت أغلب مشاهده كأنه يقوم باسترجاع السطور من ذاكرته بطريقة آلية خالية من أي انفعال. قد يرى بعض المغالين في الاحتفاء بالفيلم أن هذا المستوى هو أفضل ما يطمح إليه مخرج من ممثلين غير محترفين، لكن الخبرة السينمائية السابقة تنأى بهذا القول عن الصحة، فهناك العديد من التجارب التي قام مخرجوها بتوظيف ممثلين غير محترفين، والخروج بنتائج مقنعة. من أحدث هذه التجارب تجربة المخرج الأردني ناجي أبو نوار في فيلمه المرشح للأوسكار «ذيب»، إذ اعتمد الفيلم بشكل كامل على طاقم تمثيلي غير محترف، بل إن أبو نوار اختار هذا الطاقم من البدو من سكان الصحراء الكبرى التي تدور فيها أحداث الفيلم، ودرّبهم لمدة 6 أشهر قبل بدء التصوير، ليخرج المستوى بهذا الشكل المتقن، ويكون التمثيل أحد أبرز عناصره الفنية.هذا عن الممثلين غير المحترفين، ولكن ماذا عن الممثلين المحترفين في فيلم «يوم الدين»؟ شارك في فيلم يوم الدين عدد من الممثلين المحترفين، مثل أسامة عبد الله (الشهير بإعلان «دحلاب»)، ومحمد عبد العظيم، وشهاب إبراهيم، الذين لم يختلف أداؤهم كثيرًا عن الممثلين غير المحترفين. عنصر التمثيل هو أحد أهم العناصر الفنية في الأفلام التي تتخذ منحى واقعيًا وإنسانيًّا، خاصة إن كانت مستوحاة من قصة حقيقية، بأبطالها الحقيقيين.


الحوار: أرني ولا تخبرني

أحد أشهر القواعد في فن السينما هي قاعدة «Show, don’t tell»، والتي تعني «أرني، وﻻ تخبرني». يقال عن السينما «فن الصورة»، بما يعني أن الصورة هي أداة التعبير الأولى والرئيسية، ومن هنا جاءت قاعدة «أرني، وﻻ تخبرني»، فكل ما يمكن أن تقوله الصورة يحرم على الحوار، وهي القاعدة التي استمر «يوم الدين» في الخروج عليها طول مدة عرضه.كما أشرنا أن موضوع الفيلم هو بمثابة أرض جديدة لم تطأها السينما المصرية من قبل، ولكنها في الوقت نفسه أرض شائكة، تحتاج إلى المزيد من الحرص في خوضها، ولكن الحرص الزائد قد يؤدي إلى التسطيح والابتذال. حوار الفيلم جاء في أغلبه مباشرًا، وسطحيًّا، وخطابيًّا، وهو ما نراه في جمل مثل: «إحنا ضحايا أشكالنا»، أو «أنت مش مريض، أنت عندك جرح مابيتعالجش»، أو «إحنا منبوذين». ويبلغ هذا الأسلوب السطحي والخطابي مداه في أحد المشاهد التي يُفَسَّر فيها اسم الفيلم بشكل مباشر على لسان إحدى الشخصيات: «يوم الدين كلنا هنبقي متساوين، ومحدش هيبص لشكلنا».يمكن القول إن هناك ارتباطًا وثيقًا بين ضعف الحوار وضعف المعالجة الدرامية، والتي تبدو في كثير من الأحيان نظرة غربية لثقافة مغايرة، أو بالأحرى نظرة استشراقية. يظهر ذلك في العديد من التفاصيل، مثل السؤال عن اسم العائلة. ففي الغرب عمومًا هناك اسم أول واسم العائلة، لكننا في مصر ﻻ نعرف مثل هذا التقسيم، ولكن يتم تصنيف الأسماء بشكل رقمي تصاعدي من الأب إلى الجد إلى جد الأب، فلن تجد موظف حكومة يسأل مواطنًا عن اسم عائلته، أو لقبه، ولكنه يسأل عن «الاسم الثلاثي»، أو «الاسم الرباعي».يمكن أن نرى ذلك أيضًا في محاولة إقحام «الحمار» كشريك في الرحلة دون البناء والتقديم الكافي لهذه الشخصية وعلاقتها بباقي الشخصيات. في مشهد لقاء بشاي أخاه يدور بينهما الحوار التالي:

انت جيت ازاي؟ على الحمار.
على الحمار!! هو فين؟

هذا شخص يقابل أخاه بعد ما يقارب أربعين عامًا، ويخبرنا الحوار أن ما يشغله في هذه اللحظة هو السؤال عن الحمار. انفصال تام عن الحالة الدرامية والانفعالية للمشهد وللشخصيات، وإقحام غير مبرر للحمار فقط لتأكيد كونه شريكًا في الرحلة.نحن بصدد موضوع جديد وغير مطروق، موضوع يتسع لمساحات كبيرة من الدراما الواقعية، موضوع يسمح بمساحات كبيرة للتعبير البصري، ولكن صناع الفيلم تركوا كل هذه المساحات الواسعة وحصروا فيلمهم في تناول سطحي خطابي مباشر، ترك أثره الشديد على الحوار، وبالتبعية على التمثيل.


الموقع ﻻ المكان

فيلم يوم الدين هو فيلم نوعي بامتياز. نوعي بمعنى أنه ينتمي إلى نوع Genre محدد من أنواع الأفلام السينمائية، وهو فيلم الطريق. وفيلم الطريق هو الفيلم الذي يشهد رحلة البطل من مكان إلى مكان، والتحول الذي يمر به خلال هذه الرحلة. ولهذا النوع عدد من السمات المتكررة، على رأسها وسيلة/وسائل الانتقال خلال هذه الرحلة، ومحورية المكان على مستوى الصورة، وعلى المستوى الدرامي، غير أن صناع «يوم الدين» لم يتجاوز اهتمامهم المستوى الشكلي.في بداية رحلة البطل بشاي يرسم أحد أصدقائه خريطة بسيطة على الأرض توضح مجرى نهر النيل، ويخبره أين تقع القاهرة، وأنه لكي يصل إلى قنا في أقصى الجنوب عليه أن يسير بمحاذاة النهر. تصور بسيط يعطي انطباعًا مبدئيًّا لما ستكون عليه الرحلة، غير أن صناع الفيلم يخرجون عن هذا التصور البسيط عددًا غير قليل من المرات، وبشكل غير مبرر دراميًّا. فعلى الرغم من أن التصور البسيط يقضي بأن يكون النهر رفيق الرحلة، فإن عددًا من المشاهد يخرج عن الوادي تمامًا لنجد الأبطال في الصحراء، بالطبع هناك ظهير صحراوي للوادي، لكن الانتقال نفسه يكون مفاجئًا وغير مبرر أو مفهوم. الأمر نفسه بالنسبة لوسيلة الانتقال، فالاستغناء عن العربة الكارو يتم أيضًا بشكل مفاجئ وغير مفهوم، واستقلال القطار كذلك يتم بشكل غير مفهوم، بل إنه حتى بشكل غير واقعي، إذ يقوم البطلان بإيداع الحمار في عربة نقل البضائع، ثم الانتقال إلى عربة الركاب في نفس القطار، وهو تقليد قديم اعتادت أن تتبعه السكك الحديدية بأن يضم نفس القطار عربات لنقل البضائع وأخرى لنقل الركاب، غير أن هذا التقليد أُلْغِي من سنوات طويلة، ولم تعد هناك مثل هذه القطارات. وفي مرحلة متقدمة يُسْتَغْنَى عن الحمار أيضًا بعد نفوقه، هذا النفوق الذي يأتي مفاجئًا وغير مبرر هو الآخر. وهو ما يدفعنا إلى القول بأن صناع «يوم الدين» اهتموا بموقع التصوير أو Location، لكن لم يهتموا بالمكان نفسه وتوظيفه بصريًا ودراميًّا، وكذلك اهتموا بشكل وسيلة الانتقال، ولكن لم يهتموا بأثرها بصريًّا ودراميًّا.

فيلم يوم الدين هو تجربة جديدة ومختلفة على السينما المصرية، عانت من بعض المشاكل الفنية، ولكنها تبقى تجربة مهمة وقابلة للتطور في ظل حالة الركود الفني، التي تسيطر على السينما المصرية منذ سنوات طويلة.