اللغة هي وسيلة التواصل بين الناس لتبادل الخبرات والأفكار والاحتياجات والمعلومات للبناء فوقها، يحتاج الإنسان للغة المكتوبة بجانب اللغة الشفهية ليكتمل تواصله مع البشرية، ولا تغني إحداهما عن الأخرى.

عملية تعلم اللغة هي عملية حية نشطة تبادلية، أي أن الطفل يمتص عقله ما يسمعه من ألفاظ وتعبيرات وما يراه من إشارات ولغة جسد، فيمارسها حتى قبل أن يتمكن منها، فالرضيع عندما يبكي فهو يعبر عن رغباته ويتواصل مع من حوله منذ لحظة ولادته، وبالتفاعل معه يتنامى هذا التواصل.

اقرأ أيضًا:طفلك وتعلم اللغة: متى وكيف ولماذا؟

يتعلم الأطفال استخدام الإشارات والإيماءات والصور والرسم وجمعهم باللغة المنطوقة في عقولهم ليتمكنوا من توصيل المعاني بطرق متنوعة، وبينما يستمرون في عملية التعلم الشفهية هذه تعد عقولهم بشكل تلقائي لتعلم القراءة.

ولكن القدرة على القراءة لا تتطور بشكل تلقائي كما هو الحال مع اللغة الشفهية، ولكنها تحتاج إلى تخطيط وتعليم، وتنمية مهارات محددة في مرحلة الطفولة المبكرة كإعداد لاستقبال تعلم القراءة بشكل فعال فيما بعد.


متى يتعلم الأطفال القراءة؟

تشير الأبحاث إلى أنه في مرحلة الطفولة المبكرة التي تمتد حتى عمر السابعة لا حاجة للطفل لتعلم القراءة، فهذه المرحلة هي وقت تعلم الطفل المهارات التي تعده وتبني أساسه العقلي والإدراكي، على الرغم من اتباع بعض الفلسفات التعليمية مثل فلسفة منتسوري لرأي آخر، وهو أن هذه المرحلة تمثل مرحلة حساسة لدى الطفل لتعلم اللغة بكل أقسامها:

التحدث، ومخارج الحروف، والنطق الصحيح، وفهم قواعد اللغة، والأبجدية والقراءة، والكتابة بدون استخدام القلم؛ ولكن تم الاتفاق في كلا الاتجاهين على عدم إجبار الطفل أبدًا ليتعلم القراءة دون رغبة منه، ودون إعداد مسبق، وعلى أن تعلم اللغة المكتوبة لا بد أن يتبع إتقان اللغة الشفهية، ولا يمكن أن يسبقها، لذلك عندما ترى أطفالًا يتعلمون أبجدية لغة ما قبل أن يتحدثوا ويتواصلوا بها كما يحدث في العديد من دور الحضانات، فاعرف أنهم لا يتعلمون بحق.

اقرأ أيضًا: التعليم المبكر للقراءة والكتابة في منتسوري


مرحلة ما قبل تعلم الطفل القراءة

1. في البداية يمر الطفل بمرحلة الاستماع، وفيها يختزن عقله حصيلة لغوية مما يسمعه في محيطه ويربط الأشياء بأسمائها، ويتعلم قراءة تعابير الوجه، ولكن يعبر عن نفسه فقط بالبكاء والصراخ، فخير ما يمكن فعله في هذه المرحلة هو الاستجابة للطفل عند محاولته تنبيهنا لرغباته والتحدث معه بأسلوب التواصل الفعال، بمعنى الانتباه له والنظر لعينه وذكر كل ما في محيطه باسمه الصحيح وبلهجة طبيعية.

2. بعد مرحلة الاستماع يمر الطفل بمرحلة الممارسة، وفيها يكون الطفل مدركًا بالفعل صلة معظم الأشياء ببعضها، ولكن لا زال يحاول استخدام مهاراته ليعبر عن احتياجاته بشكل بسيط إما بحصيلته المنطوقة المحدودة التي اكتسبها أو بالإشارة أحيانًا، من السمات الطبيعية لهذه المرحلة أن ينطق الطفل بعض الكلمات بنطق غير صحيح مثل أن يشير ويقول (تتة) بدلًا من (قطة)، في هذه الحالة لا نصحح للطفل بشكل مباشر ونقول (اسمها قطة) أو نضحك على ما يقول، فهذا قد يؤثر على ثقته في قدرته على التعبير، ولكن يمكن أن نعيد صياغة ما يريد قوله في جملة صحيحة ونقول:

(أنت رأيت قطة تجري)، هذا ينطبق أيضًا على أن يطلق الطفل اسمًا واحدًا على مجموعة من الأشياء ذات الصلة مثل أن يقول على كل الحيوانات (قطة)، فلا نصحح له بشكل مباشر أيضًا، ولكن نحول الحديث لحوار متبادل بيننا وبين الطفل، بعض الآباء يحدون من استخدام ألفاظ ومعانٍ جديدة مع صغارهم ظنًا منهم أنهم لن يفهموا الكلام إلا إن كان بسيطًا للغاية ومحدودًا، ولكن العكس هو المطلوب، فالتوسع في مخاطبة الصغار وتقديم مزيد من الوصف والتعابير هو ما يبني لغة الطفل.

3. تلي مرحلة الممارسة مرحلة الإدراك وبناء الجمل بكلمتين أو ثلاثة غير مترابطين، مثل أن يقول (لعب-قطة) كتعبير عن (أنا لعبت مع القطة)، في هذه المرحلة يكون الطفل مدركًا بشكل واعٍ للكلمات التي يسمعها وينطق بها، ومدركًا للتشابه بين الكلمات، فمن المفيد لعب ألعاب مثل محاولة ذكر كلمات على نفس الوزن (طريق، عميق، صديق)، أو لعبة جمع أشياء تبدأ بنفس الصوت (سمكة، سيارة، سلسلة)، يمكن أيضًا استخدام ألعاب الذاكرة، كأن تطلب من الطفل إحضار شيء محدد من غرفة مجاورة، فمحاولته للاحتفاظ بالكلمة في عقله لأطول فترة حتى يأتي به ينمي من قدرته اللغوية.

4. بالتدرج يصل الطفل للتعبير عن نفسه والوصول لمرحلة الطلاقة وبقواعد لغوية صحيحة ونطق سليم وجمل متراكبة، وهنا يمكن البدء في عرض الأبجدية وتعلمها على الطفل إن أبدى استعدادًا وفضولًا تجاهها.


عوامل مساعدة في عملية الإعداد

1. القراءة مع الطفل

بجانب المتعة والخيال وغرس السلوكيات الحسنة وبناء علاقة قوية بالطفل عندما نقرأ معه، فالقراءة أيضًا تزيد من الحصيلة اللغوية والتعرض لمعانٍ وتراكيب عديدة، ورؤية الطفل لشكل الحروف والسطور أمامه يساعده على إدراك أن هذه الرموز لها مرادفات منطوقة وتشده للرغبة في فك طلاسمها، ومن الأفضل ألا نكتفي بقراءة القصة فقط، ولكن الاستزادة في المناقشة حولها مع الطفل ستزيد من كفاءة المحتوى المقدم له.

2. الأناشيد والشعر

استخدام الأغاني والأناشيد والعبارات المقفية كالشعر والنثر تساهم في زيادة معدل الطلاقة اللغوية والقدرة على تعلم القراءة عند الأطفال.

3. الرموز

تمييز الطفل للرموز والأشكال المختلفة التي يتعرض لها يوميًا، مثل لوحات الطرق أو ماركات السيارات أو يافطات المتاجر، تعده وتساعده لاحقًا في تعلم القراءة، فما الحروف الأبجدية إلا مجموعة من الرموز مختلفة الأشكال التي يرمز كل منها لصوت محدد.

4. التغذية السليمة

هناك عدة دراسات تشير لعلاقة تطور مهارات الأطفال اللغوية بالغذاء الذي يتناولونه، فكلما كانت وجبات الطفل متوازنة وتحتوي على كل العناصر المطلوبة أثر ذلك عليه إيجابيًا، بل إن طريقة الأكل لها دور أيضًا، فاعتماد الطفل على نفسه في الأكل، مثل استخدام يديه بجانب استخدام أدوات الطعام، يساهم في تطوره، بل إن كل طريقة منهما تنمي عضلات الفك بشكل مختلف عن الأخرى.

5. النوم

جودة النوم التي يحصل عليها الطفل تؤثر على تركيزه وذاكرته وسلوكه، مما ينعكس على تطور مهاراته كلها، بما فيها المهارات اللغوية.

6. الحركة

هي أمر حيوي وضروري لكل الوظائف الدماغية الأخرى، بما في ذلك العاطفة والذاكرة واللغة، لا يمكن أن يتعلم طفل أي شيء بسهولة إن كان يتعرض لتقييد حركته باستمرار.

7. الفصل بين اللغات المختلفة

نصت عدة دراسات على أن لا مانع من تعلم الأطفال عدة لغات بالتوازي، شرط الفصل بينها، فإن إدخال ألفاظ أكثر من لغة في نفس الجملة يضر باكتساب الطفل للغتين معًا.


أنشطة داعمة في مرحلة ما قبل القراءة

1. تكرار النمط:

باستخدام مجموعة من الأشياء مثل الخرز أو الأزرار أو المكعبات لعمل نمط ما بترتيب متكرر، هذا يساعد الطفل في فهم أن الحروف المكونة لكلمة ما لها ترتيب محدد.

2. المطابقة:

ألعاب المطابقة، سواء صورة بصورة أو صورة بمجسم أو صورة بشيء في الطبيعة، يوضح للطفل أن هناك صلات ما بين الأشياء بأكثر من شكل، فيسهل عليه لاحقًا ربط الصوت بالحرف المماثل له، وأيضًا استيعاب أن لنفس الحرف أحيانًا عدة صور طبقًا لموقعه في الكلمة.

3. الألعاب الإيقاعية:

الأناشيد التي تترافق مع حركات إيقاعية مثل (ارفع يدك لأعلى، حرك رجلك للخلف…) أو رسم متاهات على الأرض يتحرك فيها الطفل تبعًا لتوجيهات مثل (اتجه لليسار، اقفز لفوق…) يضيف للطفل محتوى لغويًا كبيرًا ويساعده على استيعاب هذه المفاهيم المهمة لاتجاهات الكتابة وترتيب السطور لاحقًا.

4. مسرح العرائس:

لا يقتصر مسرح العرائس على استماع الطفل ومشاهدته للقصة، ولكنه يمكن أن يقوم هو بحكي القصة ويستخدم العرائس بنفسه مما يعزز ثقته في ذاته وفي قدرته على التعبير القصصي.


فلسفات البدء في تعلم القراءة

من المتوقع بعد أن يمر الطفل بمرحلة الإعداد الجيد لتعلم القراءة أن يكون مستعدًا لأخذ خطوة أخرى، وهي عملية التعلم نفسها، وهناك عدة بدائل للأسلوب المتبع في ذلك:

1. الأبجدية:

وهذه هي أشهر الطرق المتبعة لتعلم القراءة، أن يتعرف الطفل على اسم كل رمز من الحروف بترتيبها الأبجدي وبعد أن ينتهي من حفظ أبجدية اللغة التي يتعلمها يتعلم أن كلًا من هذه الرموز ينطق بصوت محدد، ويكرر عملية الحفظ، لكن مع ربط اسم الحرف بصوته، ويلي هذا تهجي الكلمات.

2. صوت الحرف:

في هذه الطريقة يتعلم الطفل صوت الحرف بدلًا من تعلم اسمه، وقد يتم هذا إما بتعلم صوت الحروف كلها جملة واحدة، ثم تكوين كلمات منها، أو بتقسيم الحروف لمجموعات تبدأ من ثلاثة حروف في المجموعة الواحدة، كلما تعلمها الطفل وأتقنها بدأ في تكوين تركيبات منها، مثال: يتعلم الطفل مجموعة الحروف (ح م ل)، ومن ثم يكون منها 6 كلمات مختلفة، وهي: (ملح، محل، لمح، لحم، حمل، حلم)، ثم ينتقل بعد ذلك لمجموعة أخرى حتى ينتهي من أصوات كل الحروف.

3. البصرية:

في هذه الطريقة تُعْرَض كلمات على الطفل ليحفظ شكلها مع مدلولها المنطوق دون تحليل حروف الكلمة، فيحفظها بالنظر، ومن ثم الجمل التي يتعلم الطفل قراءتها بشكل سريع دون تحليل.

هذه الطرق الثلاثة بني عليها العديد من طرق تعلم القراءة مثل القاعدة النورانية و نور البيان و القاعدة البغدادية، وغيرها، ولكن هذه الطرق دائمًا ما تحتاج إلى إضافة جانب من المرح والمتعة معها باستخدام أدوات أو ألعاب داعمة في تعلم القراءة.


أدوات داعمة في تعلم القراءة

1. أكياس الحروف:

هي مجموعة من الأكياس القماشية أو الورقية المتماثلة في الشكل والحجم واللون، كل منها عليه حرف من الحروف الهجائية، يوضع بداخل كل منها مجموعة من المجسمات تبدأ بنفس صوت الحرف الخاص بها.

2. صناديق الحروف:

هي صناديق تحتوي على الحروف الأبجدية المصنوعة من الخشب أو الفوم أو البلاستيك، يستخدمها الطفل لتكوين الكلمات دون الحاجة لاستخدام القلم.

3. كتب القراءة المبسطة:

هناك العديد من الكتب التي تساعد الطفل على التدرج في القراءة على عدة مستويات، مثل سلسلة (أنا أقرأ) من إصدار مكتبة الإسكندرية.

4. قصة الحروف:

هناك من يعد قصة يقصها على الأطفال تضم الحروف جميعها كأبطال للقصة، ومن خلالها يوضح صفات كل حرف، أو يحكي قصة لكل حرف منفردًا، ويستخدم في أحداث القصة الكثير من الكلمات التي تبدأ بنفس الحرف، وهناك عدة سلاسل متاحة في المكتبات توفر هذه القصص جاهزة مثل سلسلة حروفي من دار البلسم.

5. فن الكاليجرافي:

هو فن من الفنون يختص بتجميل الحروف وإخراجها بطريقة جميلة، من الممكن استخدامه في ارتباط الطفل بالحروف، فالفن له دور قوي وفعال في التعليم، وفي حالة أن الطفل لما يمارس الكتابة بعد من الممكن أن يستخدم الحروف الخشبية أو البلاستيكية في تكوين تشكيلات فنية بها.

اقرأ أيضًا: التعليم بالفنون: كيف يصبح طفلك متفوقًا بالفن؟ وكذلك: 3 مراحل لتعليم الطفل الكتابة بطريقة صحيحة

6. تطبيقات الأجهزة الذكية:

استخدام الأجهزة الذكية باعتدال قد يساهم في تعزيز تعلم الطفل القراءة عن طريق التطبيقات المختلفة التي تقدم محتوى قصصيًا بلغة سليمة، مثل تطبيق (قصص عصافير) أو تطبيق (كادي ورمادي) أو التطبيقات التي تقدم أنشطة لتعلم الحروف العربية، مثل تطبيق (همزة) أو تطبيق (سراج) وهذا التطبيق له أيضًا قائمة فيديوهات لمجموعة قصصية تضم الحروف الأبجدية جميعها.

القراءة نواة التعلم، لذلك نحن نعد الطفل ليحبها ثم يتعلمها بشكل ممتع ومرح في الوقت المناسب له، بمعدل متوافق مع تطوره، دون ضغط أو تجاوز مرحلة قبل المرور بالمرحلة السابقة لها، لنحافظ على نواة سليمة قوية تزهر مع الوقت. يقول فريدرك دوجلاس Frederick Douglass:

بمجرد أن تتعلم القراءة فأنت حر إلى الأبد.