من باريس إلى كوبنهاجن، ومن بلجيكا إلى تركيا والقوقاز، شنّ الإرهابيون المتأثرون بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية هجمات تمزق نسيج المجتمعات المتحررة والديمقراطية.

يصف هذا التصريح الذي أدلى به الجنرال «فيليب بريدلاف» القائد العام لقوات حلف الناتو في أوروبا، الواقع المرير الذي تواجهه القارة الأوروبية بأجمعها.فأوروبا أصبحت هدفًا إستراتيجيًّا جديدًا لقوى الإرهاب، ويتضح ذلك جليًّا في الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس العام الماضي خلال شهر واحد ضد مقر مجلة تشارلي إبدو وسوبر ماركت كوشير في شهر يناير، والتى يعتبرها محللون بأنها نقطة فاصلة في الحرب على الإرهاب شبيهة بأحداث 11 سبتمبر.


الإرهاب المحلي

لأول وهلة، قد يُرجع البعض تصاعد الإرهاب الأوروبي إلى موجات اللاجئين الذين تدفقوا إلى أوروبا هربًا من ويلات الحرب في الشرق الأوسط، ونتيجة للظروف الاقتصادية المنخفضة.لكن المتأمل في الأمر، يجد أن موجة الإرهاب التي تضرب ضد أوروبا تأخذ منحى أكبر في أسباب تصاعدها في الفترة الأخيرة، فهناك عامل رئيسي آخر يتمثل في سيل المجاهدين العائدين إلى بلدانهم الأوروبية ويقدر عددهم بـ 5000، والذين كانوا قد سافروا إلى سوريا والعراق من أجل الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.وتشكل عودة أولئك المجاهدين تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي ‬خاصة أنهم تلقوا تدريبًا عسكريًّا في مسارح «‬الجهاد» ‬التي مروا بها، وبالتالي الهجمات التي قد ينفذونها ستكون محكمة «‬من حيث الأداء والتنفيذ»‬، ‬ومضرة للغاية من حيث الخسائر البشرية. ‬‬‬‬‬‬كذلك، يكمن الخطر الأكبر في تجنيد شباب آخرين للقتال في الخارج ‬أو لتكوين خلايا «‬جهادية» ‬مدربة لتنفيذ عمليات على التراب الأوروبي وهو ما بدأ يعرف بـ«الإرهاب المحلي».‬‬‬‬فالدول الغربية اعتادت على وجود إرهاب مستورد يضرب أراضيها، بمعنى آخر تنفيذ إرهابيين من جنسيات أخرى غير أوروبية لعمليات إرهابية على أراضيها، ‬لكن تغير الوضع في السنوات الأخيرة مع ظهور الإرهاب المحلي و«الجهاديين» ‬الأوروبيين. ورغم استفحال هذه الظاهرة، إلا أن هناك صعوبة بالغة في محاربتها نظرًا لأن هؤلاء المجاهدين في الأصل مواطنون أوروبيون يصعب مراقبتهم وتقفّي آثارهم.‬‬وفي بعض الأحيان يمتد الإرهاب ضد أوروبا إلى خارج حدودها، بمعنى آخر انتشار ‬حالات اختطاف واحتجاز مواطنين أوروبيين في مناطق متفرقة من العالم. و‬لكن رغم ما يمثله من ضغط على الحكومات، ‬فإن اختطاف الرهائن مسألة يمكن إدارتها سياسيًّا.‬‬


بوابات الإرهاب في أوروبا

بحسب الدراسات، فالتنظيمات الإرهابية تنتشر في 43 دولة في القارات الخمس، تحتل القارة الأوروبية المركز الثاني بعد آسيا برصيد 8 دول بنسبة 22.2%، وتتصدر بريطانيا القائمة بـ200 تنظيم متطرف، كانوا ينتمون للقاعدة وبدأ بعضهم في الانضمام لتنظيم داعش، بعدما أعلن التنظيم منذ شهور عن أن أوروبا ستكون المحطة القادمة له.


أبرز الجماعات الإرهابية بأوروبا

تشير التقارير كما سبق وذكرنا إلى أن 8 دول أوروبية تتواجد بها نسبة 22.2% من الجماعات المتطرفة، ولعل أبرز تلك الجماعات هي:

«أنصار الإسلام»:يعتبر التنظيم أخطر الجماعات المسلحة وأقدمها في أوروبا، كما أنه يمتلك العديد من المنازل الآمنة في فرنسا والولايات المتحدة والنرويج وبريطانيا.والتنظيم في الأساس جماعة سلفية كردية سيطرت على مناطق شمال العراق قبل الغزو الأمريكي، وانتقل التنظيم إلى أوروبا على يد نجم الدين أحمد فرج الملقب بـ«الملا كريكر» الذي قضى أكثر من 20 عامًا داخل النرويج.في البداية، خضع التظنيم لراية «القاعدة» ونجح في ضم العشرات من الأجانب لصفوف تنظيم القاعدة، إلا أنه أصابه الخمول بعض الشيء كباقي تنظيمات القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر، لكنه عاد إلى الظهور مرة أخرى في صدارة المشهد بعد مبايعة تنظيم داعش، والقيام بأول عملياته في باريس في استهداف صحفيي مجلة “شارلى إبدو” التي رسمت صورًا مسيئة للإسلام.وقبل يومين من هجمات باريس الإرهابية، أعلنت الشرطة الإيطالية تفكيكها لخلية تابعة لجماعة «أنصار الإسلام » وإلقاء القبض على 13 من أفرادها على خلفية اعتزامهم القيام بعدد من العمليات الإرهابية داخل أوروبا، كما أنه قبل ساعات من أحداث باريس قبضت الشرطة البريطانية على 4 عناصر تابعين لنفس التنظيم، وهو ما دفع جيوفاني غوفرنالي، رئيس الشرطة الإيطالية، إلى التأكيد على أن تنظيم أنصار الإسلام أصبح يمتلك شبكة دولية من الأفراد المسلحين يسعى من خلالهم لاستهداف المنشآت العامة والأشخاص والمطالبة بالإفراج عن زعيمهم المقبوض عليه في النرويج.

«فرسان العزة»: تنظيم تأسس في أغسطس 2010 على يد الفرنسي من أصل مغربي محمد الشملان، وعدد من النشطاء الإسلاميين، الذين دشنوا منتدى إلكتروني يعلنون خلاله «مكافحة الإسلاموفوبيا» و«الدفاع عن المسلمين والحجاب» في فرنسا.

ويعود أول نشاط لهذا التنظيم إلى يونيو 2010 حين نظموا مظاهرة في ساحة «لاموت» في مدينة لاموج الفرنسية، دعوا خلالها إلى مقاطعة سلسلة المطاعم الأمريكية «ماك دونالدز» لاتهامها بخدمة إسرائيل، على إثر ذلك حكم على قائد المجموعة محمد الشملان بالسجن لمدة 4 أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة التحريض على التمييز العنصري.وتم حل هذه المجموعة الإسلامية في 1 مارس 2012، وعقب هذا القرار طالب التنظيم الجيش الفرنسي بالانسحاب من الأراضي ذات الغالبية المسلمة وإلغاء القوانين التي تحظر الحجاب والنقاب، وفي نفس الشهر ألقت السلطات الفرنسية القبض على 19 فردًا من المجموعة، وفي مقدمتهم أمير الجماعة محمد الشملان، وتم العثور معهم على أسلحة وإرشادات حول تعلم الرماية.

«المنظمات السلفية في هولندا»: نشأت المنظمات السلفية في هولندا مطلع ثمانينات القرن الماضي على يد النشطاء الإسلاميين المهاجرين من الشرق الأوسط، وكانت جماعة «هوفتاد غروب» أولى تلك التنظيمات وتولى رئاستها شاب هولندي من أصول مغربية يدعى محمد بويري، وهو الذي اغتال المنتج السينمائي ثيو فان غوخ عام 2004.

وخلال عامي 2008 و2009، برزت جماعات سلفية متطرفة، منها: جماعة «شريعة من أجل هولندا»، جماعة «خلف القضبان»، وحركة «سترات دعوة». ونظمت هذه الجماعات عددًا من المظاهرات الاحتجاجية كان أشهرها، التظاهرات ضد قانون حظر النقاب أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2011، هي ما جعل تنظيم خلف القضبان معروفًا أكثر للجمهور الهولندي.

تنظيم «المهاجرين» في بريطانيا: بدأ هذا التنظيم كأحد فروع حزب التحرير في الدانمارك، إلا أن مؤسسه عمر بكري انشق عن حزب التحرير، وشكّل إستراتيجية مغايرة تقوم بالأساس على إنشاء خلافة إسلامية في الدول غير الإسلامية، الأمر المختلف عن رؤية حزب التحرير الذي يربط تأسيس الخلافة بالدول الإسلامية فقط.

وقد عمد التنظيم إلى التأييد المطلق لتنظيم القاعدة، حيث سعى إلى تقديم تبريرات لأحداث 11 سبتمبر ودافع عن الهجمات الإرهابية بعكس معظم التنظيمات الإسلامية في بريطانيا التي أدانتها، بل إنّه أقام بعد سنة من الأحداث احتفالًا سيئ الصيت بعنوان «مؤتمر التسعة عشر المميزين» أشاد فيه بمنفذي العملية الإرهابية ورفع شعار «الحادي عشر من سبتمبر، يوم عظيم في التاريخ العالمي».وقبيل هجمات لندن كان التنظيم قد غيّر اسمه إلى «الغرباء» تحت إمرة أبو عز الدين، واسمه الحقيقي عمر بروكس، ذي الأصول الجامايكية، وادّعى التنظيم عبر موقعه الرسمي على الإنترنت بأن التفجيرات تتحمل بريطانيا حكومة وشعبًا مسؤولية وقوعها وليس منفذيها.ولقد لجأ التنظيم إلى إستراتيجية إنشاء جماعات بمسمّيات وزعامات جديدة، إلا إنها في الحقيقة ليست سوى واجهات يستخدمها من أجل حشد الدعم الجماهيري، ومن أبرزها «إسلام من أجل بريطانيا» الذي بدأ فاعلياته بالدعوة لمسيرات احتجاجية بالأكفان السوداء في مدينة ووتون باسيت مع وصول رفات جنود بريطانيين. ورغم أنه تم إلغاء تلك المسيرة إلا أن السلطات البريطانية قررت حظرهُ تحت بنود قوانين مكافحة الإرهاب البريطانية، و«مشروع الشريعة»، تلك الجماعة التي ظهرت في مدينة والتهام فوريست شمال لندن عام 2012 بزعامة العضو السابق في «المهاجرون» و«مسلمون ضد الحملات الصليبية» أبي أسامة، وشكّل هذا التنظيم «دوريات إسلامية» تضم نشطاء يسعون إلى التطبيق الإجباري للشريعة الإسلامية في الشارع العام. تم حظر هذه المنظمة إلى جانب جمعية الدعوة الإسلامية في يونيو 2014.وسعى هذا التنظيم، الذي يتخذ من لندن مركزًا له، إلى تنويع مصادر تمويله. فعلاوةً على التبرعات نجد أن الجريمة المنظمة إحدى وسائل التنظيم لجمع الأموال، وهو ما تؤكده التحقيقات في سرقة المحلات التجارية، كذلك فتنظيم المهاجرين عمد إلى التلاعب في استخدام نظام الرعاية البريطاني كما اعترف مؤسسه عمر بكري.