– عبد الله.. خلصت تكليف مادة الاقتصاد الجزئي؟ – طبعًا.. اسمع يا سيدي الشرح؛ روبنسون كروزو رجل يعيش على جزيرة يقسم وقته بين قطف الموز واصطياد السمك، بالطبع قطف الموز أسهل، ولكن السمك حلو وضروري لقيمته الغذائية.. وكلما شبع كروزو من الموز هانت عليه ساعات الصيد. – الدكتورة طلبت شرح لـ«منحنى إمكانية الإنتاج» وليس سيناريو فيلم كارتون. – هذا بالضبط ما يدرسه طلاب الاقتصاد بالجامعات الأمريكية.. يا عزيزي الاقتصاد علم لطيف وليس «س» و«ص»
حوار حقيقي في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة عام 2006

خلال السنوات الماضية شهدت السينما الأمريكية انتشارًا واسعًا للأفلام التي تستخدم مصطلحات خاصة بعلم معين، كان فيلم «Interstellar» المثال الأشهر، ويمكن اعتباره محاضرة مسلية في الفيزياء. الاقتصاد أيضًا كان له نصيب جيد من هذه الأفلام، نختار لكم 3 أفلام تشترك في «تيمة» واحدة، وهي استخدام أدوات الاقتصاد للاحتيال وإفقار الناس.


النقص الكبير (The Big Short)

الفيلم مبني على قصة حقيقية عن أشخاص توقعوا الأزمة المالية العالمية، السيناريو، المليء بمصطلحات اقتصادية معقدة، عبقري لدرجة أنه حصل على جائزة الأوسكار كأفضل سيناريو أصلي لعام 2016. ليس عليك أن تعرف القصة كلها، ما يهمنا في الفيلم هو سؤال كيف تطورت منظومة الرهن العقاري إلى هذا الوحش الذي دمر الاقتصاد العالمي؟

في السبعينات من القرن الماضي، كانت معدلات الفائدة على الودائع منخفضة جدًا، كان الحل ربط الرهن العقاري بالسندات، لماذا كان هذا حل مثاليًا؟ نشاط الرهن العقاري يعتمد على فرضية أن مواطنًا حصل على قرض ليشتري منزلاً، والمنزل هو الرهن، في حالة فشل السداد يحصل البنك على المنزل، والمنزل سعره يرتفع باستمرار، لذا فاحتمالات فشل تحصيل قيمة الرهن تبدو مستحيلة. بهذا المنطق فإن كل البنوك التي تستثمر في الرهن العقاري أو التأمين على الرهن العقاري ستجني أرباحًا ولن تخسر أبدًا، والمودعون والمستثمرون الذين يضعون أموالهم في هذه البنوك، سيجنون أرباحًا ولن يخسروا أبدًا، فكيف حدثت الأزمة إذن؟

هنا يأتي دور اللصوص.

بالطبع المواطنون الفقراء غير قادرين على سداد قرض منزل، ولكن هذا أمر غير مهم، إذا فشلوا في السداد سيحصل البنك على المنزل. اللصوص، العاملون بشركات الرهن العقاري والبنوك ومؤسسات التصنيف الائتماني، تلاعبوا، وقالوا إن الفقراء قادرون على السداد، وأقنعوا المدخرين والمستثمرين بذلك، وهؤلاء وضعوا أموالهم في البنك.

هناك 3 أبطال للفيلم توقعوا حدوث الأزمة المالية العالمية، لأنه ببساطة الفقراء لن يستطيعوا السداد. ولأن البنوك أقرضت الفقراء بغزارة، فإن عدم سداد نسبة معقولة منهم تعني انهيار البنوك بالكامل، ولأن البنوك هي أكبر قطاع في الاقتصاد فسينهار الاقتصاد، وإذا انهار الاقتصاد الأمريكي تحدث الأزمة المالية العالمية.

الثلاثة هم عالم اقتصاد منطو، ومستثمر يكره حياة وول ستريت، ومصرفي عبقري يعرف كيفية تلاعب البنوك بالأفراد، ولهذا ترك وظيفته واختار العزلة. الثلاثة يجمعهم أنهم يرون الأرقام بشرًا، وهو ما استطاع مخرج الفيلم «آدم مكاي» أن يظهره بشكل رائع بالصورة والكلمة:

رهن عقاري نسبة سداده 50% = رب أسرة يربط حزام الأمان لولده في رحلة ابتعاد سيارته عن منزله الذي فشل في سداد قيمة رهنيته. 1 % بطالة = وفاة أربعين ألف شخص. إفلاس بنك = موظف محبط وثائر في آخر يوم عمل له.

ورغم وضوح هذه التشبيهات إلا أن الناس في العادة لا يرونها، لأن العاملين في قطاع الأعمال يذكرونها بشكل معقد إحصائيًا واقتصاديًا، وهو ما أبرزه الفيلم في جملة: «المصطلحات المعقدة تظهرك غبيًا، العاملون في وول ستريت يحبون استخدام هذه المصطلحات المربكة، حتى يقنعوك أنهم فقط من يستطيع فعل ذلك».

لم يتوقف الفيلم عند انتقاد المصطلحات الصعبة فقط، بل قام بشرحها بطريقة لطيفة للغاية، ومنها شرح كيف يتم تجميع عدد من السندات مختلفة الجودة السيئة وطرحها في ورقة واحدة، هذا يعني بلغة الفيلم المرحة أن يقوم طباخ بجمع السمك سيئ الطعم (الديون المشكوك في تحصيلها) وعمل نوع جديد من الشوربة (ورقة مالية اسمها الالتزام بضمان الرهون)، والناس ستحب تجربتها والمخاطرة بها، والمطاعم «البنوك» تأمل ألا يأتيها سمك سيئ كل يوم، ولكن الأمنية لا تتحقق، وتقدم الشوربة مرة أخرى للزبون. الفيلم أيضًا قام بشرح سوق المشتقات المعتمدة على التوقعات بألعاب القمار، وغيرها من الدروس الرائعة التي أوضحت أن استخدام الألفاظ المعقدة الغرض منه هو الاحتيال فقط.

سبب آخر من أسباب الأزمة المالية هو، المكابرة، وعدم الاعتراف بالجريمة، كان سوق العقارات ينهار، ولكن رجال السوق كانوا مصرين على أن انهيار القطاع فرصة كبيرة لصناعة المال، لأن من سيستثمر وقت الانهيار سيجني الكثير وقت الصعود. أما آخر الأسباب فكانت تواطؤ الحكومة عن طريق السكوت أو دعم هذه المصارف بأموال دافعي الضرائب.

كانوا يعرفون أن دافعي الضرائب سيدعمونهم، لم يأبهوا للفشل، عندما ينهار الاقتصاد مرة أخرى سيلومون المهاجرين والأفارقة.
قال بطل الفيلم

وحش المال (Money Monster)

كيف يمكنك استثمار 5 دولارات؟

سؤال صعب.. الصورة النمطية للمستثمر هو ذلك الشخص صاحب البذلة الرسمية وحقيبة اليد الجلدية، كان هذا منذ زمن بعيد، فهذه الفئة المحدودة للغاية، لم ولن تكن قادرة – وحدها – على الاستثمار في كل شيء، وهنا ظهر السؤال: كيف يمكننا أن نجعل المستثمر المحتمل هو أي شخص وكل الأشخاص؟

نلاحظ أن هذا هو نفس السؤال المطروح عند اتخاذ قرار التوسع في الرهن العقاري.. سنفكر في إجابة السؤال: هل يُعقل أن ننفق آلاف الدولارات على الموظفين لإدارة استثمارات بـ5 دولارات؟

ابتكرنا تطبيقات ومنصات تجارية لذلك الغرض
هذه إجابة الكاتب الصحفي «يونيل مارت»، في واشنطن بوست

الآن عليكم تخيل كيف يسير الوضع بالولايات المتحدة.

ببساطة أنا أجلس في مطعم، وتبقى من حسابي 5 دولارات.

ملحوظة: الطعام لا يعجبني ولن أدفع إكرامية.

ببساطة يمكنني تحويل هذا الرقم على محفظتي الاستثمارية الإلكترونية، وهي ستشتري لي بعض الأسهم، (بنفس آلية تحويل الرصيد).

ملحوظة: أنا لا أعرف أي أسهم سأشتري.

ببساطة محافظتي ستختار لي لأنه تم تغذيتها ببيانات عن أفضل الشركات للاستثمار.

ملحوظة: لا توجد أسهم كثيرة بقيمة 5 دولارات.. وإن وُجدت ربما يهبط سعر السهم وسأخسر كل ثروتي.. 5 دولارات رقم يصعب تعويضه هذه الأيام. ببساطة محفظتي تختار لي أجزاء من أسهم.. الـ5 دولارات رقم كبير.. سأحصل على ربع سهم في جوجل وعُشر سهم في مايكروسوفت، وبالباقي في فيس بوك.. أحب هذا الموقع. كما ترون خُلقت هذه الآلية للمستثمر الفقير الكسول غير المهتم.. واللطيف أنها تحقق مكاسب.

فيلمنا الثاني «وحش المال» يتحدث عن هذه الآلية، حيث تعتمد شركات الاستثمارات الصغيرة على معادلات رياضية مُعقدة «لوغاريتمات» لتحقيق الأرباح في أسواق المال. برامج استثمار الأموال الصغيرة تُخرج الأموال من تلقاء نفسها وتستثمر نيابة عنك في قطاعات تنمو، وتتخارج من قطاعات تنكمش، فهي تستثمر الأموال بشكل رشيد بدلاً من صاحب الأموال، وفقًا للبيانات التي تم تغذيتها بها.

ولأن احتمالات الخسارة موجودة فإن الاستثمار يتم بنسب قليلة جدًا في كل سهم، فإذا كنت تملك 1000 سهم، فهم يتوزعون في عدد كبير من الشركات، 1000 شركة مثلا من المتوقع نموها، وإذا أخطأ التوقع وخسرت شركة واحدة فلن تخسر الـ999 شركة الأخرى. هناك تطبيقات عديدة تقوم بذلك في الولايات المتحدة، يدعي أحدها «روبين هود»، في دلالة على أن التطبيق يأخذ الأموال من المستثمرين الكبار ليعطيها للمستثمرين الصغار.

هذه التطبيقات تمنحك فرصة لتحقيق أرباح مقبولة، ليست كبيرة، ولكنها تحميك أيضًا من الخسائر الكبيرة المعتمدة على المغامرة، فتطبيقات الحاسب لا تغامر.

يحدثنا الفيلم عن خسارة غير منطقية، 800 مليون دولار في يوم واحد، لأحد أسهم الشركات التي تستخدم هذه النوعية من التطبيقات، فسرته الشركة بأنه «خطأ في اللوغاريتمات المُشغلة للبرنامج»، ولكن أحد المشترين الفقراء لهذه الأسهم يشك أنه «لم يكن خطأ إلكترونيًا بل سرقة عبر تدخل بشري».

يقول الشاب الذي دُمرت مدخراته

في الفيلم يقوم رئيس مجلس إدارة الشركة بإيقاف النظم الإلكترونية ويستولى على الأموال ليستثمرها، وفي نهاية اليوم يعيد أصل الأموال إلى الشركة ويستحوذ وحده على الأرباح، ولكن في حالة الخسارة فهو بالطبع.. لن يستطيع السداد. يتحدث الفيلم عن أساليب ملتوية أخرى للتأثير على سمعة الأسهم بالسلب لتخفيض ثمنها قبل الشراء، ورفع ثمنها قبل البيع.

الفيلم يتعرض لقذارة المنظومة الإعلامية بعمق وبتفاصيل تحدث بالفعل، حيث تُكتب حلقات برامج تحليل أسواق المال بواسطة موظفي العلاقات العامة بالشركات الكبرى، وهؤلاء لا يذكرون أي خبر سلبي عن الشركة، وهناك قاعدة صحافية تقول «إذا كان مصدرك يكذب ولم تتحقق فأنت تكذب»، وهذا ما حدث بالفيلم. هذه البرامج دورها تقديم المشورة للمستثمرين الفقراء الكسالى، غير المدققين، وإذا كذبت هذه البرامج، يعني إفلاس الفقراء أو ربما موتهم، ولكن من يهتم؟


Hell or High Water

إنهم يسرقوننا ولا تتدخل الحكومة، ليسوا المسلمين ولا الصينيين، الشركات تحب إضافة الحسابات الرياضية لكي يتحكموا في المعادلة بأنفسهم، الرياضيات لا يمكنها أن تخطئ بهذا الشكل.

الأمريكان يواجهون أزمة، حيث يحصل المواطنون الأميركيون المتقاعدون، على معاشات أقل من التي حصل عليها آباؤهم، وحتى الأسر الغنية تعاني من زيادة المصاريف في نفس الوقت الذي يتدنى الدخل فيه مع التقدم في العمر.

لمعلوماتك العمر المتوقع للرجال في أميركا هو 86.6 عام و20% منهم يصلون إلى سن الـ90، والعمر المتوقع للنساء 88.8 سنة، و31% يصلن إلى سن التسعين، مع معاشات منخفضة جدًا، وأزمات صحية «مصاريف» أكثر.

أضف إلى معلوماتك أن نسبة 14.5% من النساء الأرامل فوق سن 65 عامًا في أميركا يعشن في فقر، وفقًا لبيانات هيئة الضمان الاجتماعي، وتعتبر الأرقام أعلى بالنسبة للنساء المطلقات (17.1%)، وأولئك اللاتي لم يتزوجن قط (23.2%).

إذن كيف يتم حل هذه الإشكالية؟

اخترعت البنوك الأمريكية «الرهن العقاري العكسي»، هذه الآلية شديدة الظلم.

المواطن الأميركي يقترض ليحصل على منزل في شبابه، وفقًا لآلية الرهن العقاري، وعند تقاعدك وبدلاً من أن توفر لك الدولة معاشًا يكفيك، فأنت مضطر لبيع منزلك لبنك، لتحصل على قيمة الرهن العقاري «العكسي»، على أن يحصل البنك على المنزل عند وفاتك.

هكذا لا يورث الفرد أبناءه أصولاً، بل يستمر توريث الفقر من جيل لآخر، يسعون طيلة عمرهم للحصول على منزل ثم يعيدونه للبنك في نهاية الرحلة.

أبطال الفيلم من مجرمين ورجال شرطة اختلفوا في كل شيء، ولكنهم اتفقوا على أن البنوك لصوص سرقوا أراضي الأمريكيين، وأورثوهم الفقر لأجيال.

تدور الأحداث حول شقيقين اضطرت والدتهما لرهن مزرعتها «عكسيًا»، حتى تحصل على تكاليف الحد الأدنى من الرعاية الصحية في آخر أيامها، ولكن المفاجأة أن هذه المزرعة كان أسفلها بئر نفطية. مهمة الشقيقين واضحة وهي سرقة نفس البنك لتسديد قيمة الرهن حتى لا يحصل البنك على الأرض ويورثوا الفقر لأبنائهما. في المقابل هناك رجلا شرطة يؤديان مهمتهما، ولكنهما يكرهان المنظومة الاقتصادية مثل المجرمين، أحدهما من السكان الأصليين لأمريكا.

في الماضي جاء الجيش ليأخذ منا الأرض.. الآن البنوك تقوم بهذا الدور.

في الفيلم يُقتل أحد الشقيقين وأحد الضابطين في المواجهات، ليبقى ضابط ولص في مواجهة كلامية أخيرة، الضابط كان في أول أيام تقاعده، في بداية مواجهة ما واجهته أم اللص. اللص صاحب المزرعة وبئر النفط لم يغير ملابسه الرثة، ولم يسكن في أرقى الأحياء، ولم يعد حتى لزوجته، فقط اختار لنفسه دورًا وحيدًا فيما تبقى من حياته، وهو حراسة المزرعة وتأمينها لأبنائه.

عشنا فقراء، أبي كان كذلك، وهكذا أنا، وأخي أيضًا، ولكن هذه الدائرة لن تصل لأبنائي
يقولها اللص، ومن الواضح أن الضابط اقتنع وتركه ورحل.