العام 2012 حيث لم تنتشر بعد ظاهرة المسلسلات الحصري على قناة معينة، كانت متواجدة ولكنها لم تكن مسيطرة. ووزع مسلسل «رقم مجهول» للممثل الواعد آنذاك «يوسف الشريف» على الكثير من القنوات، لكي تزداد فرصه في نسب المشاهدة. كانت هناك تخوفات من منتجي وصناع المسلسل من فشله لخروجه عن النمط المألوف للدراما الرمضانية. ولم يكن هناك دعاية كثيفة للمسلسل. وعوامل الجذب ربما اقتصرت على اسمي كاتب العمل «عمرو سمير عاطف» ومخرجه «أحمد نادر جلال» اللذين شهدا مسيرة سينمائية ناجحة.بسبب عرض المسلسل على قنوات كثيرة وفي أوقات متنوعة، وقعت الحلقة الأولى أمام كثير من مشاهدي التليفزون. ليست لدينا نسب دقيقة، ولكن يمكن القول إن أغلب من شاهد هذه الحلقة صدفة قرر استكماله للنهاية، وسارع بنصح أصدقائه لمتابعة هذا العمل المختلف. فالعوامل التي أقلقت صناع المسلسل من احتمالية فشله، كانت هي نفسها السبب الرئيسي في نجاحه. ولم يعد يوسف الشريف كما كان قبل هذا المسلسل، فبعده بدأت مسيرته ليصبح الفنان الأكثر جذبًا للشباب، وإذا كان عماد حمدي يسمى فتى الشاشة الأول، فيمكننا تسمية يوسف الشريف بفتى الـ«Youtube» الأول.


قمة الهرم

علم الشريف أن عوامل جذب الجمهور اختلفت. وأنه يجب أن يستثمر نجاح «رقم مجهول» ويقدم نفس النوع. فالمشاهد المصري وخصوصاً الشباب أصبحت تجذبهم أعمال الإثارة على النمط الغربي، حيث رتم الأحداث السريع والألغاز المحيرة والالتواءات الحادة التي تحول مسار الأحداث كل بضعة حلقات.يبدو أن الشريف قرر بذكاء أنه حتى الجمهور الذي لم يلحق متابعة «رقم مجهول» فسينتظرون مشاهدة عمله التالي، وأنه يجب أن يركز فيه على عاملين مهمين حتى لو ضحى بكل العوامل الأخرى؛ سرعة الحلقات والالتواءات الحادة. بالإضافة لنقل روح إخراج أفلام ومسلسلات الأكشن الأمريكي بالإمكانيات المتاحة، وهي المهمة التي يجيدها أحمد نادر جلال. وإذا لم يكن عمرو سمير عاطف لديه نص مناسب فليستعن بكاتب آخر. هكذا لجأ لنص المؤلف «محمد سليمان عبد الملك» والمقتبسة فكرته من فيلم أمريكي شهير «Unknown» وكسب يوسف الشريف الرهان وأكد نجاحه بمسلسل «اسم مؤقت». يوسف الشريف فنان ذكي ويعرف من أين تؤكل الكتف، لقد أدرك أنه لكي يقدم عمل سنوي عليه أن يبتكر أفكارا يحولها كاتبه المفضل عمرو سمير عاطف لسيناريو،عاطف الذي يثق الشريف به لأنه أكثر من يعرف ما يريده. ورغم نجاحه مع عبد الملك في «اسم مؤقت»، ولكنه لم يكن واثقا في قدرته على تعويض عمرو سمير. وقدم لعاطف فكرة سيناريو «الصياد»، ولم يخن الأخير ثقته، فكتب نص المسلسل الذي يمكن وصفه بأنه أفضل وأكمل مسلسلات الشريف. ويبدو أنه أراد إثبات موهبته كممثل، فيوسف الشريف في مسلسلي «رقم مجهول»، و«اسم مؤقت» كان يعتمد على الأداء التجاري السهل. فلايمكن لأحد وصفه بأنه موهوب أو ممثل سيئ، هو يقدم المعقول دائما. فاستعان بمخرج فيلم «العالمي» (أول عمل يقوم ببطولته يوسف الشريف) «أحمد مدحت»، ويبدو أنه كان يعلم ما يميز مدحت عن أحمد جلال.فمدحت أضاف للشريف الجزء الذي لم يستطع جلال إضافته. وهو القيادة الجيدة للممثلين. ففي مسلسل «الصياد» كان جميعهم في أفضل حالاتهم التمثيلية. وعلى رأسهم الشريف الذي قام بأفضل أداء في مسيرته حتى الآن. هكذا وصل الشريف لقمة مجده وأصبح من الأكثر انتظاراً كل عام، وبدأت العبارة الشهيرة التي تتردد عليه في صفحات وجروبات الفيس بوك وهي (فنان جاي من هوليود بالغلط).


الهبوط للقاع

نجاح «الصياد» على كل الأصعدة وضع الشريف في مأزق، فالجمهور يبدو أنه لن يرضى بما هو أقل جودة. التجربة تثبت إيمانه بضرورة التواجد السنوي، رغم أن القرار الأكثر توفيقًا ووضوحا كان ضرورة التوقف لعام، أو حتي تغيير نوعية الأعمال التي يقدمها، ولكن يبدو أن فناننا اعتقد أنه ما دام بجانبه عاطف فسيقدر على تحويل أي فكرة لمسلسل يحافظ على نجاحه. فوجد أن رواية زوجته «إنجي علاء» يمكن تحويلها لمسلسل ناجح. هكذا حولها عاطف لسيناريو واختير «شريف إسماعيل» للإخراج، والذي عمل كمساعد مخرج لجلال. ولكن في هذا المسلسل كان الخزلان سيد الموقف؛ فعمرو عاطف لم يستطع تحويل الرواية لنص جيد، وشريف إسماعيل يمكن وصف صورته وتصميمه للمشاهد بالمزعجين، أما قيادته للممثلين فلم تكن أفضل حالا. حقق المسلسل نجاحا جماهيريا مقبولا نتيجة شعبية يوسف الشريف فقط.فشل التجربة أدى لخلاف مكتوم بين الشريف وعاطف، مما أدى لإعلان الأخير عدم العمل مع الأول مرة أخرى دون إبداء أسباب. وقرر الشريف الاستمرار للعام الذي يليه، ربما شعر أن التوقف سيفاقم نتائج قلة جماهيرية المسلسل والترحيب النقدي عن سابقه. فأسند فكرة جديدة لـ«محمد ناير» فكتب نص «القيصر». كان هذا المسلسل كارثة بكل المقاييس؛ فقد كانت الفكرة لا تستحق أكثر من 10 حلقات، وهذا أدى إلى أن متوسط طول الحلقة الواحدة لا يزيد على 18 دقيقة. ويتخللها لحظات صمت كبيرة والتحدث ببطء متعمد بين الأبطال. وسوء مستوى التمثيل من أول يوسف الشريف حتى أقل الممثلين ظهوراً، أخطاء إخراجية بالجملة بالإضافة لرؤية إخراجية سيئة. والأسوأ والذي أغضب أغلب مشاهدي المسلسل هو تبنيه موقفا سياسيا مضادا للثورة والإعلام وحقوق الإنسان وتصويرهم كأدوات في مؤامرة لهدم مصر تحاول الأجهزة الأمنية مواجهتها.


كفر دلهاب

كالعادة رفض التوقف، ولكنه حاول التفكير في فكرة أكثر تعقيداً من مسلسلاته السابقة، وهكذا خرج بفكرة مسلسل «كفر دلهاب» التي تجمع بين مميزات أعماله التي يحبها الجمهور، بالإضافة لجانب الرعب الجديد عليه، والابتعاد عن السياسة التي كانت عاملا منفرا في مسلسله السابق.وكان لابد من جمع محاربيه القدماء معاً وتجاوز كل الخلافات. فأقنع عمرو سمير عاطف بتحويل فكرته لسيناريو، مع إخراج أحمد نادر جلال الذي يجب أن يقلل من أخطائه في مسلسل القيصر. ويمكن القول إن عمرو سمير عاطف قدم أحد أكثر نصوصه تعقيدًا وأكثرهم اعتمادا علي الالتواءات غير المتوفعة في الحبكة. وأحمد جلال استمر في إجادته تقليد الأفلام الغربية. فمشاهد الرعب يظهر فيها بسهولة النقل المتقن من أفلام رعب أمريكية. ولكنه على جانب آخر قدم رؤية بصرية ممتازة، ولقطات طويلة مبهرة في الحلقات الأولى واستخدام رائع للمونتاج والمؤثرات الصوتية.خرج يوسف الشريف بكفر دلهاب من عثرته، وأعاد ثقة الجمهور به. ولكن صمم يوسف الشريف على الاستمرار للعام القادم دون أي توقف. فمضى عقدا مع المنتج «تامر مرسي» لتقديم مسلسل في رمضان المقبل. لم يعرف حتى الآن من سيكتبه ويخرجه، ولكن السؤال الأهم هل ذكاء يوسف الشريف سينقذه مرة أخرى في رمضان المقبل؟