صاحب تاريخ فني كبير رغم ندرة أعماله، فهو المؤثر في تاريخ السينما المصرية، وصاحب علامة كبيرة منذ أن كان التلميذ النجيب في رحاب المخرج العالمي الراحل يوسف شاهين، ثم الانفصال عنه بأعمال تركت علامته الخاصة في عالم السينما.

إنه المخرج يسري نصر الله، صاحب أفلام «المدينة» و«سرقات صيفية» و«احكي يا شهر زاد» و«بعد الموقعة» وأخيرًا «الماء والخضرة والوجه الحسن»، ليقرر بعد كل هذه الأعوام أن يتجه إلى إخراج أول عمل درامي له، بعد أن أخرج أول حلقة درامية في مسلسل «نمرة اتنين»، ليقدم على منصة شاهد مسلسل «منورة بأهلها»، المذاع حاليًّا، ويحظى بنسبة مشاهدة عالية على المنصة، وهو من تأليف محمد أمين راضي، ومن بطولة ليلى علوي وغادة عادل وباسم سمرة ومحمد حاتم وناهد السباعي وأحمد السعدني.

أجرينا في إضاءات هذا الحوار الخاص مع المخرج يسري نصر الله للتعرف على سبب خوضه هذه التجربة الدرامية، ورأيه فيما يدور في الوسط الفني حاليًّا.

ما الذي جعلك تتجه للإخراج الدرامي بعد كل هذه السنوات؟

هناك شيء ما في أعمال محمد أمين راضي أنا أحبها، وهي أنه ليس صاحب «أجندة أيديولوجية»، والبهجة الأساسية له أن يدخل في عوالم غير مألوفة، ولديه شغف بحكايات «ألف ليلة وليلة»، وهي ما جمعتني به مقدمًا، وهذا شغفي، الحواديت، فمثلًا أنا قدمت عملًا فنيًّا «باب الشمس»، عن الشعب الفلسطيني وليس عن القضية الفلسطينية، وحكايات شاهدتها وعشتها، وعالم الحكايات هذا شغفي، فأنا قضيتي هي الإنسان والحكايات في الأساس، ولا أرغب في إقناعك بأشياء معينة من وراء ذلك.

هل معنى ذلك أنك لست صاحب رسالة معينة تود تقديمها على الشاشة؟

على العكس تمامًا، فرسالتي هي أن أحكي للجمهور، وأن أجعل خيالك يعمل، وأن أصدمك، ولكن لعبي دور المناضل والواعظ وطرح ذلك على الشاشة ليس مهمتي، فهذه المهام لها أماكنها المخصصة لها. 

ماذا عن تجربة العمل مع السيناريست محمد أمين راضي؟

سعدت بالعمل مع محمد أمين راضي، فهو مؤلف جيد جدًّا، ونتشارك في العديد من الأشياء، وهي أننا لسنا أصحاب أجندات أو نحاول أن نقنع الجمهور بشيء محدد،كما أننا نجتمع على حب حكايات ألف ليلة وليلة.

ما تعليقك على رد فعل الجمهور تجاه التركيز في تفاصيل المسلسل إخراجيًّا؟ وهل ترى أن ذلك يعني زيادة وعي الجمهور فنيًّا؟

أنا أشعر بسعادة غامرة بذلك، فكنت في شبايي أذهب إلى نادي السينما وأتساءل دائمًا حول سبب حركة الكاميرا والمرايا في المشهد وما إلى ذلك، وهذا شيء رائع، فحين يتم سؤالي مثلًا عن غرضي من هذا المشهد، فأنا أشعر بالإحراج، لأني أقصد فقط أن أثير خيال المشاهد ليس إلا، وحين يحدث هذا ويقوم الجمهور بالتحليل وأصل أنا إلى غرضي فعليًّا بالطبع أن أشعر بالسعادة.

أما التفسيرات والتأويلات فأتركها دائمًا للجمهور، فأنا حين أنتهي من عمل فلا يصبح ملكًا لي، فهو ملك للجمهور لدرجة أني لم أشاهده بعد نهايته.

لماذا تم عرض المسلسل على شاهد ولم تنتظر لموسم رمضان؟ وهل المنصات هي الأهم حاليًّا؟

السبب في دخولي عالم الدراما حاليًّا هو المنصات الرقمية بالأساس، فمنذ أن وعينا على الدراما وليس أمامنا سوى موسم رمضان الدرامي، ونعاني فيه من عجلة كبيرة للحاق بالسباق، لننهي 30 حلقة ولا يوجد سيناريو منتهٍ وجاهز للتصوير، وأنا لا أستطيع العمل بهذه الطريقة على الإطلاق، فالمنصة الرقمية تعطيني إمكانية أن السيناريو مُكتمل معي، وهناك تحضير وينتظرني مشاهد يرغب في مشاهدة ذلك من خلال الاشتراك الخاص به، ليس مجبرًا على مشاهدة هذا العمل في موسم رمضان.

وأرى أن المنصات أصبحت هي الحاضر والمستقبل أيضًا، كما أنه يمكنك أن تختار ما تشاهده.

ما رأيك في رد فعل الجمهور على أداء الفنانين خلال المسلسل؟

الفنانون أرى أنهم جيدون جدًّا خلال العمل، وسعدت جدًّا بردود الفعل، وأن المسلسل لاقى صدًى واسعًا لدى الجمهور.

هل هناك أجزاء أخرى من «منورة بأهلها» ومن أبطاله؟

أنا شخصيًّا أتمنى أن يكون هناك أجزاء أخرى، ولكن لا أعلم إذا هل سأكون أنا المخرج أم لا، وفي النهاية هذا الأمر يحسمه المنتج شريف المعلم. أما الأبطال فمن سيظل على قيد الحياة في الجزء الأول فسيُكمل معنا الجزء الثاني.

ما هي أكبر المشكلات التي تعرضت لها أثناء تصوير المسلسل؟

استخراج التصاريح وكأن هناك عداء مع التصوير، حيث إنه يتم إعطائي مواعيد محددة لا يمكن التصوير بها، وهذا يجبرني على التضييق في التصوير، ثم يقال لي اصنع منتجًا كمخرجي هوليود، كيف ذلك وأنا ليست لديَّ الإمكانيات من الأساس؟!

ما الذي يمكن أن يطور من مسلسلات موسم رمضان من وجهة نظرك؟

أن يتم زيادة أعمال الـ10 والـ15 حلقة، وأن يكون هناك مسلسلات خفيفة الظل وبها خيال لكسر تابوهات المسلسلات الثقيلة خلال الموسم التي تربينا عليها منذ سنوات طويلة. 

ما رأيك فيما قاله المخرج داود عبد السيد مؤخرًا من اعتزاله للفن؟

اعتزال داود عبد السيد خسارة له وللسينما، وكان يجب عليه ألا يستسلم.

هل ترى أنك من المظلومين بين أبناء جيلك؟

لن أقول إنني المخرج العبقري الضحية الذي كان لديه الكثير لكي يقدمه، وما إلى ذلك، على العكس ما أردته فعلته، وما أريد تقديمه أقدمه، و«قاعد على قلبكوا»، وأعمالي السينمائية القادمة سيتم تنفيذها في وقتها، ومن يعمل معي يفهم جيدًا أنني مستوعب لكل شيء، وفي النهاية ما يخرج مني فأنا مسئول عنه.

تعد من المخرجين المتواجدين بشكل دائم في المهرجانات الفنية.. كيف ترى وضع الفيلم المصري؟

أرى أن هناك أعمالًا فنية جيدة «مشغولة حلو»، وأعمالًا أخرى تشبه الإملاء، فنحن كنا نعيب ونتعالى على أفلام المقاولات، ولكن حين أشاهدها حاليًّا أجد أنه كان بها  مساحة كبيرة من الحرية، وكوميدية أكثر بكثير من الأفلام “المحترمة”، وكانت تلك الأفلام تصنع في 15 يومًا فقط، وكان الغرض منها السفر إلى السعودية وبيعها هناك، وليست لأهل مصر بالأساس.

ما هي رؤيتك بشكل عام تجاه الفن في مصر وخاصة حالات الرقابة الجماهيرية على الأعمال أكثر من الرقيب أحيانًا؟

أنا في الأساس ضد التعميم والقوالب، فسياسة القطيع تشعرني بالضيق، فلا يمكن القول إن الجميع ينتقد أو إن الجميع يعجبه العمل الفني، كما أننا أكثر من 100 مليون شخص، وبالتالي يجب أن يكون هناك تنوع فكري وثقافي، ومن الأشياء التي أيضًا تشعرني بالضيق هو أن الفن المصري على سبيل المثال يقدم أسمر البشرة عادة والمثلي جنسيًّا دائما بشكل نمطي للغاية، لا بد أن يقدم البشر بشكلهم الطبيعي، وإلا فإننا بهذه الطريقة سنكون مسيئين لهم. كما أن  أغلب الأعمال التي تتعرض للانتقاد حاليًّا يتم عرضها على منصات، وإذا كان عدد غير المعجبين بعمل معين كبيرًا، فلن يعاد تقديمه أو تقديم عمل مشابه له، فبالتالي أنت تشارك في فرض المحتوى الذي يعجبك وترغب فيه.

على عكس طبيعة القنوات المفتوحة التي  تجعل الأعمال المقدمة عليها عائلية أكثر وعليها قيود رقابية أكبر، وهذا ليس معناه أن أعمال المنصات معفية من الرقابة، فهي يجب أن تحصل على تصاريح من الرقابة، ولكن القيود أقل، فتستطيع أن تقدم عملًا يختاره المشاهد، ولا تقتحم على المشاهد بيته من خلال شاشة متاحة للجميع وتجبره على مشاهدة عمل معين ربما لا يتوافق مع ثقافته أو لا يرغب في أن تشاهد عائلته هذا العمل.

ما هي أعمالك القادمة؟

أحضر حاليًّا لفيلم «أسطورة زينب ونوح»، وسأبدأ تصويره في الشتاء المقبل؛ لأن طبيعة الفيلم تفرض علينا ذلك. أما فيلم «مركز التجارة العالمي»، الذي كان من المقرر الإعداد له، فأصبح لا يمكن تنفيذه حاليًّا لأنه كان مرتبطًا بحي سكني كعادة أفلامي، ومشروع الفيلم كان مرتبطًا ببولاق أبو العلا ومثلث ماسبيرو، وأنا لا أحب أن أقوم ببناء ديكور.